الرئيس التنفيذي لعلامة رولز- رويس

يقارب مستقبل النقل الفاخر برؤية متبصرة تغلب فلسفة التمايز.

 

نجح تورستن مولر- أوتفوس، على مرّ سنواته العشر في رولز- رويس، منذ توليه منصب رئيسها التنفيذي في عام 2010، في استعادة معايير التمايز التي طبعت العلامة عبر تاريخها، بموازاة المضي بها قدمًا نحو مستقبل يتناغم فيه الإرث العريق مع حس الابتكار. وإن كانت خبرة ابن ميونيخ المديدة في مجموعة بي إم دبليو الأم، التي انضم إليها منذ عام 1989، قد أعدّته للتحديات التي تنطوي عليها هذه المهمة، فإن ما دعم هذه الخبرة تختزله على الأرجح رؤية متبصّرة تشي بها آراء رجل لا يمكنك أن تغفل وأنت تحاوره عن ارتباط وثيق بين ملامح شخصيته وهوية رولز- رويس. في لقاء مع مجلة Robb Report العربية، تزامنًا مع إطلاق مركبة كالينان بلاك بادج في الشرق الأوسط. بدا جليًا أن سعي تورستن إلى تحقيق خطة العلامة لعام 2040 - انطلاقًا من مقاربة تغلّب التفوق في الارتقاء بتجربة زبائن لا يرضون إلا بالأفضل - لا ينفصل عن شغفه الشخصي بالتمايز في الرؤية والعمل، أو عن إدراكه العميق لمتطلبات الإتيان بابتكارات تجسّد معاني الرفاهية الحقيقية إذ تجمع بين الندرة والجمال والإتقان الحِرَفي والأصالة، وتعكس قوله الشهير: «إن رولز- رويس لا تنشط في قطاع السيارات، بل في قطاع المنتجات الفاخرة.»

 

كيف تقاربون التحديات التي تنطوي عليها مساعيكم للحفاظ على استمرارية علامة ذات تاريخ عريق؟ وكيف توازنون بين هذا الإرث ومخاطر الابتكار؟

إنه لشرف عظيم أن أتولّى دفة علامة يمتد إرثها عبر 115 عامًا. لذا أرى من واجبي أن أكون واعيًا لمسيرة الشركة التاريخية والعناصر التي ضمنت ترسيخ مكانتها الحالية، ولكن بموازاة دراسة التوجهات الجديدة التي تثير اهتمام زبائننا، والتأمل في مسيرة المجتمع البشري قدمًا. من الضروري أن يبقى المرء متيقظًا لما تشهده مختلف قطاعات المنتجات الفاخرة، بما في ذلك عالما الأزياء والجواهر. فإيقاع العصر بات سريعًا، ولا بد للمرء أن يكون مراقبًا نافذ البصيرة، ولكن أيضًا عنصر تغيير ذا رؤية ثاقبة. لا شك في أن علامة متفوّقة مثل رولز- رويس تحتاج من حين إلى آخر إلى ما يهز القواعد. يقتضي هذا التوجه التحلي بالشجاعة والجرأة، وفي الوقت نفسه مناغمته مع هوية العلامة. فلا يمكننا الخروج عن المألوف للرغبة في ذلك فقط. ينبغي أن تكون هذه الخطوات منضبطة ومدروسة. لا بد إذًا من تحقيق توازن متقن بين الإرث الذي نفتخر به وهز القواعد في سبيل الحفاظ على استمرارية العلامة. وإذا ما أخذنا في الحسبان أن المجموعات الجديدة التي نستهدفها من الزبائن المحتملين باتت تشمل شرائح عمرية أصغر سنًا، وتضم نسبة أعلى من السيدات مقارنة بما كان عليه الوضع من قبل، فإنه لمن الضروري لنا أن نوضح لهؤلاء أن رولز- رويس اليوم تختلف عمّا ترسّخ في أذهانهم عن صورتها الماضية.

سجلت رولز- رويس العام الفائت الرقم القياسي الأعلى للمبيعات في تاريخها. كيف تنوون الحفاظ على الزخم المطلوب لتحقيق نجاحات أكبر مستقبلاً؟

لا بد من الإشارة هنا إلى أن ما يوجه مساعينا في هذا السياق ليس أرقام المبيعات ولكن الربحية. لا شك في أن رولز - رويس تُعد شركة رابحة، ومساهمًا قويًا في المحصلة النهائية التي تحققها المجموعة الأم بي إم دبليو. أما الإبقاء على الزخم المطلوب لبناء نجاحات أكبر، فله مقتضيات عدة، في طليعتها حاجتنا إلى إدراك متطلبات زبائننا المحتملين وما يستثير اهتمامهم، ويضمن استقطابهم إلى عالم رولز- رويس. فالإمكانات التي يمثلها الأفراد من أصحاب الثروات في مختلف أنحاء العالم تفوق من بعيد حجم مبيعاتنا، ومن الضروري إذًا أن نفكر في سبل اجتذاب هؤلاء. بل إني أرى أن هذا الأمر يشكل واحدة من مهامنا اليومية. ولا شك في أن حرصنا على إطلاق مركبات جديدة، على غرار سيارة كالينان بلاك بادج التي نطرحها اليوم في منطقة الشرق الأوسط، يضمن لنا اكتساب زبائن جدد.

 

"يوفر لي السفر ومقابلة أفراد مثيرين تجارب مجزية وملهمة.

في نهاية المطاف، تبقى غايتنا القصوى في رولز- رويس أن نكون مصدر إلهام لأعلى درجات التمايز."

 

تجسد السيارة التصورية ذاتية القيادية والكهربائية بالكامل 103EX حرص العلامة على أن تبقى رائدة في قطاعها. فما مدى التزام رولز – رويس بالثورة التقنية ومساعي التحول إلى الطاقة الكهربائية؟

أعلنا عن توجهنا إلى اعتماد مجموعات نقل الحركة الكهربائية في العقد المقبل، ولكن ليس في أسطولنا كاملاً. سنعمد إلى تنفيذ هذه الخطة تدريجيًا، إذ من الصعب التحوّل من محركات حرق الوقود إلى الطاقة الكهربائية بين ليلة وضحاها. ولكن لدينا قناعة راسخة بأن سيارات رولز- رويس ستصبح كهربائية بالكامل مستقبلاً، على ما تشهد مركبتنا التصورية 103EX التي تعكس رؤيتنا لعام .2040

 

برأيكم ما أبرز العناصر التي ترسم اليوم وجه مستقبل قطاع النقل الفاخر؟

من الجلي أن العالم لن يخلو يومًا من أفراد ميسورين قادرين على تحمّل كلفة وسائل نقل مختلفة وأعلى مستوى من تلك التي يستخدمها الآخرون. وأرى أن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بما توفّره وسيلة نقل معيّنة من سبل الراحة والخيارات المتاحة لاستغلال الوقت في أثناء الرحلة. لا شك في أن هاتين الخاصتين تندرجان ضمن أهم المزايا في مركبات رولز- رويس، ولا سيّما في السيارات من طراز فانتوم بنسخة قاعدة العجلات المطوّلة. فلا سيارة أفضل منها على هذا المستوى. يختبر عدد من زبائننا وهم يتنقلون على متنها برفقة سائقيهم تجربة مترفة لا مثيل لها في المقعد الخلفي حيث تُتاح لهم مثلاً فرصة متابعة أعمالهم. لذا أصف الرحلة على متنها بالطيران فوق اليابسة، وأعتقد أن هذا تحديدًا ما سيكون عليه مستقبل النقل الفاخر. لا أتخوّف من هذا المستقبل لأننا في رولز- رويس نتقن توفير مزاياه لزبائننا.

 

أي إمكانات لخدمة الابتكار بحسب الطلب ترصدون في السوق الشرق أوسطية؟

الواقع هو أن منطقة الشرق الأوسط تمثّل أكبر سوق لخدمة الابتكار بحسب الطلب من علامتنا. بل إن زبائننا في هذه السوق يأتوننا بالأفكار الأعلى تمايزًا لبناء سياراتهم من رولز- رويس، وغالبًا ما تكون هذه الأفكار وثيقة الارتباط بالموروثات الثقافية الخاصة بهذه المنطقة، بما في ذلك إرث صيد اللؤلؤ. لا نشهد مثيلاً للتفاصيل التي ينشدها هؤلاء الزبائن، والتي تعكس في أحيان كثيرة حِرَفًا أصيلة كانت تلقى رواجًا هنا، وسمات متجذّرة في ماضي قبائل المنطقة التي اعتادت الترحال في الصحراء.

 

 تورستن مولر-أوتفوس

 

ما أبرز التحديات التي تواجه مساعيكم للحفاظ على الفنون الحرفية التقليدية؟

من الصعب العثور فورًا على المواهب الحِرَفية الضرورية التي تدخل في نشاطنا. يقتضي على سبيل المثال طلاء الخط الممتد بطول ستة أمتار عبر الهيكل الخارجي للسيارة إتمام هذه المهمة يدويًا بوساطة فرشاة دقيقة، وهذه مهارة لا تتوافر في سوق العمل، بل ينبغي تدريب الحِرَفيين عليها. لذا نعمل على رعاية الأفراد الذين يتمتعون بإمكانات لإتقان مهارات حِرَفية نادرة، ونتولى تعليم الجيل المقبل من الحِرَفيين وتدريبهم داخليًا. إننا نعتمد في رولز- رويس برنامجًا تدريبيًا مهمًا في سبيل الحؤول دون ضياع بعض الحِرَف.

 

ما مدى انخراط علامة رولز - رويس في برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات؟

يمكنني القول إن توجهاتنا راسخة، ومساعينا حثيثة في مجال العمل الخيري. بل إننا نعتمد برنامجًا داخليًا واسع النطاق للمبادرات الخيرية، وموظفونا جميعهم منخرطون فيه. نظمنا مؤخرًا نشاطًا ضخمًا بعنوان Dine on the Line استطعنا من خلاله أن نجمع 1.7 مليون جنيه إسترليني لأجل مبادرة خيرية لصالح مستشفى للأطفال في لندن. تعلمون أيضًا أن رولز - رويس لديها برنامج خاص للفنون يحمل اسم Muse، ولقد تواصلنا من طريقه مع فنانين بارزين أسهموا في هذا المزاد الخيري بعدد من إبداعاتهم. إننا باختصار حريصون على القيام دومًا بمثل هذه المبادرات.

 

ما أكثر ما يستثير شغفك بمهنتك في قطاع السيارات؟

وأنا إذ أتأمل اليوم في السنوات العشر الأخيرة من مسيرتي المهنية، أقول إن رولز- رويس أتاحت لي الفرصة لأجوب العالم. لا يمكنني أن أكتفي بالجلوس وراء مكتبي في غودوود والتفكير في العالم من حولي. بل يجدر بي أن أكون حاضرًا في الميدان. فنشاطنا يتركّز على الزبائن. تربط علاقة مباشرة بين فريق عملنا وكل زبون من زبائننا، كما أني شخصيًا أعرف عددًا منهم في مختلف أنحاء العالم. يمكنني القول إن المعطيات التي تتوافر لي مباشرة من هؤلاء قيّمة للغاية، وتواصلي معهم هو الأسلوب الذي أعتمده لإجراء أبحاث السوق وفهم توقّعاتهم في ما يتعلق بمستقبل علامتنا. إن السفر ومقابلة أفراد مثيرين للاهتمام يوفرّان لي حقيقة تجارب مجزية وملهمة. في نهاية المطاف، تبقى غايتنا القصوى في رولز - رويس أن نكون مصدر إلهام لأعلى درجات التمايز.

 

"لا شك في أن علامة متفوقة مثل رولز- رويس تحتاج من حين إلى آخر إلى هز القواعد.

يقتضي هذا التوجه التحلي بالشجاعة والجرأة، وفي الوقت نفسه مناغمته مع هوية العلامة."

 

بعيدا عن هذا القطاع، هل تستهويك عوالم أخرى؟

أهوى صيد الأسماك باستخدام الذباب الاصطناعي. فهذا النشاط يتيح لي الانعتاق إلى سحر الطبيعة النهرية، واستعادة الشعور بالسكينة.

 

في أسفارك الكثيرة، أي البلاد تركت أثرا بالغا في نفسك؟

تُعد العاصمة العُمانية مسقط من الوجهات التي تستأثر بمكانة خاصة لديّ ولدى زوجتي. غالبًا ما نقصد هذه الوجهة التي تفتننا بطابعها التراثي، واستمرارها في احتواء مظاهر الثقافة الشرق أوسطية التقليدية. كما تستهويني البلاد السويسرية، ولا سيّما بحيرة ماجيوريه الساحرة.

 

كيف يختبر المرء ذروة الرفاهية؟ وما هي السعادة عندك؟

لا يمكنني أن أحصر ذروة الرفاهية في تجربة محددة. فالأمر رهن بالوضع الحياتي الظرفي. قد أختبرها مثلاً عندما أغادر مقصورة الطائرة بعد رحلة طويلة لأنعم بأجواء السكينة والاسترخاء والفخامة على متن سيارة من طراز فانتوم بنسخة قاعدة العجلات المطوّلة تقلّني من المطار إلى المدينة. وقد أختبرها أيضًا في ما يتسنّى لي من وقت للانصراف إلى شؤوني الحياتية الشخصية وممارسة هوايتي. أما السعادة، فتتمثّل لديّ في ابنتي وزوجتي.