الرئيس التنفيذي للعمليات في دار أجمل للعطور يسترجع عبق الماضي ويستلهم منه زخما يليق بآفاق المستقبل.

 

على مدى ثمانية وستين عاما، تفوقت دار أجمل للعطور في صياغة الذكريات واستثارة العواطف من خلال ابتكارات خبّأت في تركيباتها عبق ماض يتضوع طيبًا. هذا الإرث العريق الذي لملمت الأنامل أولى نفحاته من غابات العود في إقليم آسام بالهند يصونه اليوم عبد الله أجمل الذي يمثل الجيل الثالث من عائلة امتهنت العود صناعة.

 

أَلِف عبد الله أجمل، الذي يشغل اليوم منصب الرئيس التنفيذي للعمليات في الدار، أصول المهنة وأسرارها منذ حداثة سنه. وإذ ورث هذا العبق التاريخي عن الجد المؤسس وظّف خبراته ونفاذ بصيرته، والتحصيل العلمي الذي تلقاه في المملكة المتحدة في مجال إدارة الأعمال، للارتقاء بزخم الدار الإبداعي بما يضمن توسيع دائرة نشاطها على مستوى المبيعات والتوزيع، وترسيخ حضورها عالميًا.

 

في حوار مع مجلة Robb Report العربية، يسترجع عبدالله أجمل أجملَ سنيّ طفولة تمخضت بطيب العود،  قبل أن يمضي في حديثه مستشرفًا الآفاق المستقبلية لعلامة لا تتنكر لإرث الماضي. 

 

بدأت مسيرة دار أجمل للعطور عام 1951. فما الذي أثار اهتمام العائلة بهذه الصناعة؟

الفقر، نعم الفقر! ففي موطننا الأم آسام، كنا نرزح تحت وطأة فقر شديد. كان جدي حجي أجمل علي مزارعًا، وكان النشاط الزراعي آنذاك يختلف عما هو عليه الحال في العصر الراهن، إذ كان يحتكم إلى الظروف المناخية الطبيعية، وأي تغير يطرأ على المناخ كان كفيلاً بتهديد المحصول الزراعي. لكن جدي المزارع الفقير كان يتحلى أيضًا بحس ريادي وبروح المبادرة، فما كان ليترك مصير عائلته رهن التقلبات المناخية التي يصعب توقعها.  لذا اجتهد في البحث عن بديل آمن، ووجد ضالته في إقليم آسام نفسه حيث عثر على درب العود في غابات الهند وعرف أسراره لينطلق بعد ذلك في مسيرة زراعته وتوريده. وبانتقال العائلة لاحقًا إلى مومباي، ومنها إلى منطقة الخليج حيث أسس عمي البكر فخر الدين أول متجر لنا في دبي، تطور نشاطنا من مورِّد إلى دار تُعنى بمختلف مسارات التوريد والتصنيع والتوزيع، وحتى الأبحاث والتطوير.      

 

أي فلسفة ضمنت للعائلة تحقيق النجاح وكرستها دارًا عريقة في عالم العطور؟

منذ نشأة الدار، قامت فلسفتنا على مبدأين راسخين: أولهما الإحسان إلى الآخرين. وحين أتحدث عن هذا المبدأ لا يمكنني إلا أن أستذكر جدتي التي كانت تقتطع من المصروف، الذي يخصّها به جدي، ما مقداره %10 لتتبرع به للفقراء والمحتاجين دون أن تدرك حقيقة العملية الحسابية التي كانت تقوم بها. تنتهج أجمل للعطور هذا المبدأ اليوم في سياستها الإدارية واستراتيجياتها، فنحتفي بالتقليد الذي أرسته جدتي ونقتطع ما نسبته %10 من أرباحنا للمبادرات الخيرية. أما المبدأ الآخر، فيرتكز إلى الثقة المتبادلة بين دار أجمل وزبائنها الذين يثمنون خبراتنا العريقة في صناعة العطور وجودة منتجاتنا.  

 

«عندما أسس جدي الشركة لم يكن يتطلع إلى إنشاء إمبراطورية تعادل قيمتها ملايين الدولارات.

بل كانت رؤيته تهدف إلى مساعدة المحتاجين في قريتنا. وقد دفعته هذه الرؤية إلى المغامرة بمفرده في الغابة للبحث عن العود.»

 

كيف تصفون دوركم في الحفاظ على إرث دار بلغت من العمر ثمانية وستين عاما؟ 

بُنيت علامتنا التجارية على مجموعة من القيم الأساسية، في طليعتها التحلي بالشفافية والصدق مع الزبائن، والسعي دومًا إلى توفير الأفضل لهم. تقتضي مهمتي اليوم ترسيخ هذه القيم ليبقى اسم الدار مَوْضع ثقة على نحو ما عرفناه في زمن المؤسس الأول. أما النهج الثابت الذي أتبناه للنجاح في هذه المهمة، فيقوم على الإنصات بهدف التعلم. فكل يوم يحمل فرصة جديدة للتعلم، ومن يعتقد أنه حقق أقصى ما يمكن فإنه لا يعود قادرًا على المضي قدمًا. 

 

ما هي توجهاتكم للمرحلة المستقبلية؟

لدينا خطط واضحة المعالم للارتقاء بالعلامة إلى مستوى جديد من النمو والازدهار، من بينها خطة ثنائية للتوسع على صعيد البيع بالتجزئة والتوزيع. نتعاون مع شركائنا المحليين لتوسيع حضورنا في المنطقة عبر افتتاح متاجر جديدة، بموازاة تعزيز حضورنا في بلدان لم نكن موجودين فيها من قبل. إننا نصدِّر عطورنا ومنتجاتنا اليوم إلى 270 متجرا في مختلف أنحاء العالم، وسنواصل مساعينا لتحقيق انتشار أوسع وتوفير ابتكارات شركتنا لأكبر عدد ممكن من الزبائن. 

 

عبد الله أجمل

 

تولي دار أجمل، على ما ذكرتم، أهمية خاصة للمبادرات الخيرية. فما هو المطلوب برأيكم لتضطلع مؤسسات القطاع الخاص بدور مؤثر في خدمة مجتمعاتها وتطوير دورها في المسؤولية الاجتماعية؟ 

إن الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية يرتبط بالقيم الأساسية التي يتبناها المرء وما يسعى إلى تحقيقه في مجتمعه. عندما أسس جدي الشركة لم يكن يتطلع إلى إنشاء إمبراطورية تعادل قيمتها ملايين الدولارات. بل كانت رؤيته تهدف إلى إنشاء عيادة ومركز طبي لمساعدة المحتاجين في قريتنا. وقد دفعته هذه الرؤية إلى المغامرة بمفرده في الغابة للبحث عن هذه السلعة الثمينة، أي العود. 

وإذ تضافرت رؤيته تلك مع جهود أفراد العائلة، تطورت مبادراتنا الخيرية، وبتنا نتولى إدارة مستشفى خيري وعيادات ومستوصفات عدة، إضافة إلى دور للأيتام ومدرسة للتدريب المهني في آسام، الأمر الذي يشكل مدعاة فخر لنا. جل ما يقتضيه الأمر هو رغبة راسخة في نشر السعادة. وإذا كانت هذه الصيغة قد حققت نجاحًا في دار أجمل، فإني على يقين من أنها ستكون محفزًا كافيًا لأي شركة أخرى. 

 

تحمل دار أجمل شعار «صياغة الذكريات». فأي الروائح تستثير ذكرى جميلة طبعت في وجدانك؟

لا رائحة تضاهي عبق العود الذي يطلق العنان لذكريات الماضي الجميل. فحكايتي مع العود أبصرت النور منذ طفولتي، إذ كان هذا المكون حاضرًا في يوميات حياتي وفي دار العائلة حيث تُحفظ أيضًا محاصيل العود والمواد الأخرى المعتمدة في صناعة العطور. أذكر مثلاً أن جدي رآني ذات مرة ألهو بالمحصول، فصنع لي قلادة من خشب العود أحاط بها عنقي.  ولرائحة الزعفران الطيبة أيضًا حضور راسخ في ذاكرتي، إذ تستحضر في الذهن زمنًا كنا فيه نستنشق هذه الرائحة الطيبة كلما أقبلنا على الثلاجة لشرب الماء. أستعيد اليوم تلك الرائحة وتلك الذكرى في كل مرة أحتسي فيها كوبًا من الشاي أو كأسًا من الماء.

 

« أعتقد أن الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية يرتبط بالقيم الأساسية التي يتبناها المرء وما يسعى

إلى تحقيقه في مجتمعه. جل ما يقتضيه الأمر هو رغبة راسخة في نشر السعادة.» 

 

كيف شكل الإرث الذي بدأ في آسام ذائقتك الشخصية؟

عندما بدأت مسيرتي المهنية في صناعة العطور كان من المهم جدًا أن أتقرب أكثر من منتجنا التراثي، أي العود ومشتقاته، وفي طليعتها دهن العود. كان لا بد لي من أن أفهم المنتج وأبحث عن الفروق الدقيقة فيه عبر استخدامه يوميًا وأحيانًا مرتين في اليوم. وعلى مدى نشأتي في موطن العود، تعززت حاسة الشم لدي، واعتدت بسبب التزين بعطور قوية النفحات التمييز بين مختلف الروائح. أعتقد أن هذا ما أسهم تحديدًا في تكوين ذائقتي الشخصية. 

 

ما أبرز إنجاز تعتز به في مسيرتك الحياتية؟

إن أكثر ما أعتز به هو مقدرتي على تشارك المعرفة التي اكتسبتها طيلة هذه السنين مع أقربائي وإخوتي والموظفين الذين يلتحقون بالشركة. وينتابني الزهو أيضًا عندما أرى من حولي يوظفون هذه المعرفة ويبذلون قصارى جهدهم لتحقيق أقصى إمكاناتهم.

 

بعيدًا عن شغفكم بالعطور، هل تستهويكم عوالم أخرى؟

لا ينفصل عبق عالم العطور عن تكويني. لكني أهوى أيضًا الصيد لأني أرى فيه نشاطًا يساعدني على الاسترخاء بعد أسبوع حافل بالمهام والالتزامات المهنية. 

 

في أسفارك الكثيرة، أي البلاد تركت أثرًا بالغًا في نفسك؟

لا أميل إلى بلد محدد، لكني لا أخفي أني مولع بالسفر واستكشاف العالم. وجهتي المفضلة هي في الغالب البلد الذي سأقصده في رحلتي المقبلة وأتعرف معالمه وثقافته. 

 

كيف يختبر المرء السعادة؟

عرفت على مر السنين فيضًا من التجارب الإيجابية والمتفردة، وما زلت أتطلع إلى مستقبل يحمل في طياته مزيدا من اللحظات السعيدة التي تعلق في الذاكرة. أما ذروة السعادة النابعة من أعماق الفؤاد فأختبرها كلما تسنّت لي الفرصة لقضاء وقت ماتع مع أفراد أسرتي، لا سيما ابنتي الصغيرة.