الرئيس التنفيذي لجاكيه درو يبدد الفواصل بين مهارات إبداعية تكرس تفوق الدار في فن الإبهار

 

لا يسعك وأنت تنصت إلى كريستيان لاتمان، الرئيس التنفيذي لجاكيه درو، إلا أن تتلقف ما يشي به فيض حديثه من زهو غير متكلف بإنجازات دار يدأب على صون إرثها والارتقاء بزخمها الإبداعي نحو آفاق غير مسبوقة, تكرس مكانة جاكيه درو صانعًا متميزًا امتهن الإبهار فنًا عصيًا على الاستنساخ. وبين سعي دؤوب لترسيخ حضور الدار عالميًا وتعزيز وعي الجيل الجديد من هواة الساعات إلى قيمها وثقافتها الإبداعية، والدفع قدمًا بحس ابتكار يرى فيه لاتمان عنصرًا أساسيًا للاستمرار في الإتيان بساعات بديعة تُصاغ بين أنامل الصناع والمصممين والحرفيين عجائب حكايات أخاذة تستثير العواطف، يتجلى ما يستوطن فؤاد هذا الرجل وفكره من شغف راسخ بإبداع نبض وقت يقول إنه يختصر ذروة الترف.

 

تسلمتم زمام إدارة جاكيه درو منذ عام 2016. كيف تصفون دوركم في الحفاظ على إرث دار بلغت من العمر ثمانين بعد المائتين؟

أود أن أشير بداية إلى أني عُينت في عام 2009 في منصب نائب رئيس دار بريغيه، وفي الوقت نفسه عضوًا في اللجنة التوجيهية لدار جاكيه درو، فكنت أوزع وقتي بين العلامتين إلى أن تسلمت في عام 2016 منصب الرئيس التنفيذي لجاكيه درو وتفرغت لإدارتها. يتمثل دوري الرئيس فيها بكسر الحواجز بين الأقسام المختلفة على نحو يعزز التواصل بين صناع الساعات والمصممين والحرفيين الفنيين، ويكرس ائتلافهم لتحقيق غاية واحدة هي ابتكار الساعات الأجمل والأشد تميزًا. فالإبداع الذي شكل جوهر قيم الدار على مدى 280 عامًا هو ما نحرص على أن يبقى موضع تمايزنا اليوم. إن لجاكيه درو أسلوبًا متفردًا من حيث جماليات التصميم والإتقان الحرفي على حد سواء. إننا لا نصنع ساعات لقياس الوقت، بل نقدم ابتكارات جمالية تستثير العواطف. تشمل أيضًا التحديات الرئيسة التي تنطوي عليها مهامي السعي إلى الارتقاء بالدار وتوسيع آفاقها. تشبه جاكيه درو ألماسة بديعة. لكنها ألماسة تحتاج إلى أن نصقلها ونسلط عليها الضوء من خلال تعزيز وعي هواة الساعات بابتكاراتنا وقيمنا.

 

"إن لجاكيه درو أسلوبا متفردا من حيث جماليات التصميم والإتقان الحرفي على حد سواء. إننا لا نصنع ساعات لقياس الوقت، بل نقدم ابتكارات جمالية تستثير العواطف"

 

ينظر دوما إلى جاكيه درو بوصفها دارا أتقنت فن الإبهار من خلال الساعات والتماثيل آلية الحركة التي تبدعها. فكيف يتأتى للعلامة اليوم أن تحافظ على هذا الزخم الإبداعي؟

اشتهر المؤسس بيار جاكيه-درو بوصفه مبدعًا عبقريًا تفوق في القرن الثامن عشر في ابتكار تماثيل وساعات آلية الحركة خلبت الأبصار والأفئدة. وتبقى غايتنا اليوم الحفاظ على هذا الإرث والإتيان، على ما ذكرت آنفًا، بإبداع جمالي يستثير العواطف. إنه فن الإبهار الذي يُرجعنا أطفالاً مأخوذين بما تستكشفه الأنظار من روائع وعجائب غير آبهين بحكم الآخرين على تلك الدهشة التي تستأثر بنا. طرحنا في عام 2012 أول نموذج من طراز ساعات Bird Repeater، فشكل هذا الابتكار أول ساعة معصم بتعقيد نابض بالحركة من جاكيه درو. حققت تلك الساعة نجاحًا مبهرًا دفعنا إلى التفكير جديًا في حاجتنا إلى توسيع نطاق ابتكاراتنا في هذا المجال، خصوصًا أننا لم نكن نواجه فيه أي منافسة من الصناع الآخرين. واظبنا منذ ذلك الحين على تقديم تعقيد جديد في كل موسم، وها نحن نكشف اليوم عن ساعة Bird Repeater Falcon التي يزهو ميناؤها بمشهد بديع لعائلة صقور يتهادى نبض الوقت ونغمه على إيقاع حركتها. لا شك في أن حرصنا على التمايز في هذا المجال هو ما يضمن لنا الحفاظ على الزخم الإبداعي الذي تنبثق أهميته أيضًا عن الإمكانات الإبداعية الهائلة التي نستكشفها ونطورها مع كل تعقيد جديد. فكل ابتكار يشكل فرصة لصناع الساعات والمصممين والحرفيين لدينا لإثراء معارفهم وخبراتهم، وكل نجاح يمهد الطريق لنجاح آخر, ويدفع بنا قدمًا لتجاوز حدود إمكاناتنا السابقة.

 

صرحتم مرة بأن إحدى السمات الجينية المميزة للعلامة تكمن في تطويرها ابتكارات تجمع بين طابع عصري وآخر تقليدي في آن. بعيدا عن الساعات ذات التعقيدات آلية الحركة، كيف يتجلى هذا التمايز في إبداعات الدار الأخرى؟

نناغم دومًا في ابتكاراتنا بين تجليات إرث الدار العريق وعناصر الحداثة. يمكن استكشاف الطابع العصري مثلاً في شكل علب الساعات التي تميزها عمومًا خطوط جمالية يغلب عليها النقاء، أو في سوار الساعة الجلدي الذي يخلو من الغرزات. كذلك نحقق هذا التوازن في اختيارنا للمواد المستخدمة في ساعاتنا. فالطلاء بالميناء يشكل على سبيل المثال ممارسة حرفية غارقة في القدم، لكننا نستخدم أيضًا مواد متطورة مثل السيراميك والسيليكون. أعطي مثالاً آخر عن هذا التوازن ساعة Petite Heure Minute Smalta Clara التي أعدنا من خلال زخارفها اللونية تقديم فن حرفي تقليدي بأسلوب عصري كفيل بأن يلقى استحسان الجيل الشبابي من هواة الساعات.

 

ساعة Bird Repeater Falcon من جاكيه درو، يزهو ميناؤها بمشهد بديع لعائلة صقور يتهادى نبض الوقت ونغمه على إيقاع حركتها.
ساعة Bird Repeater Falcon من جاكيه درو، يزهو ميناؤها بمشهد بديع لعائلة صقور يتهادى نبض الوقت ونغمه على إيقاع حركتها

 

ما هي برأيكم العوامل الأساسية التي ستحكم مستقبل صناعة الساعات عموما؟

سيظل الإبداع والابتكار الركيزتين الأساسيتين لبناء هذا المستقبل. ففي كل قطاع صناعي، لا بد لأي علامة متميزة من أن تستمر في تطوير نفسها، وطرح ابتكارات جديدة، والتكيف مع عصرها. لا يكفي أن تبقى أسيرة ماضيها. فاسمها سيندثر إذا ما تعلقت بتلابيب الماضي بعيدًا عن المخاطرة خوفًا من الوقوع في الأخطاء. فما نبتكره مثلاً في جاكيه درو يُعد مآثر فنية. وفي الفن لا بد من المخاطرة. بل إن الوقوع في الخطأ يشكل مرات جزءًا من المسار الإبداعي.

 

"سيظل الإبداع والابتكار الركيزتين الأساسيتين لبناء المستقبل. وفي كل قطاع صناعي، لا بد لأي علامة متميزة من أن تستمر في تطوير نفسها، وطرح ابتكارات جديدة، والتكيف مع عصرها"

 

أين يكمن التحدي الأكبر الذي تواجهه العلامة في سعيها إلى صون الحرف التقليدية القديمة؟

إن ما نقدمه من إبداعات نتاج مقاربة بشرية بامتياز. ولا شك في أن تطوير ابتكارات متميزة مثل ساعاتنا ذات التعقيدات النابضة بالحياة ليس سهلاً، ويقتضي حُسن المواءمة بين تصميم الساعة وآلية عملها، ما يحتم تضافر جهود صناع الساعات والمصممين والحرفيين. بل إن الحرفيين يشكلون عنصرًا أساسيًا من عناصر المسار الإبداعي. لذا فإن التحدي الأكبر الذي نواجهه يكمن في استقطاب حرفيين قادرين على الاستمرار في تطبيق المهارات الفنية التي واظبت الدار على استخدامها منذ 280 عامًا. يقع على عاتقي إذًا أن أجد أصحاب المواهب الأشد تميزًا. لدينا في منطقة لا شو دون فون السويسرية كلية للفنون نستقدم منها أصحاب المواهب ونتولى تدريبهم على المهارات الحرفية التقليدية، مثل الطلاء بالميناء، والنحت والنقش، والزخرفة بخيوط الذهب الدقيقة، تحت إشراف كبار الحرفيين المتمرسين لدينا. ولا شك في أن هذا التحدي يفرض تحديًا آخر يتمثل ببعث الشغف بهذه الفنون. لا سبيل لابتكار ساعة جميلة حد التميز إذا لم يتوافر لذلك حرفيون شغوفون بما يفعلونه. وفي دار جاكيه درو، لا يشكل البعد الجمالي للحرف التقليدية توجهًا سائدًا أو آنيًا. بل إنه جزء لا يتجزأ من قيمنا وخارطتنا الجينية. كما أن شعارنا هو: بعض الساعات تقيس الوقت، وبعضها يروي حكاية. لسرد الحكايا إذًا أهمية بالغة لدينا، ومن الضروري أن يعي الجيل الجديد من الحرفيين ذلك. ما هي برأيكم العوامل الأساسية التي ستحكم مستقبل صناعة الساعات عمومًا؟سيظل الإبداع والابتكار الركيزتين الأساسيتين لبناء هذا المستقبل. ففي كل قطاع صناعي، لا بد لأي علامة متميزة من أن تستمر في تطوير نفسها، وطرح ابتكارات جديدة، والتكيف مع عصرها. لا يكفي أن تبقى أسيرة ماضيها. فاسمها سيندثر إذا ما تعلقت بتلابيب الماضي بعيدًا عن المخاطرة خوفًا من الوقوع في الأخطاء. فما نبتكره مثلاً في جاكيه درو يُعد مآثر فنية. وفي الفن لا بد من المخاطرة. بل إن الوقوع في الخطأ يشكل مرات جزءًا من المسار الإبداعي.

 

أي إمكانات ترصدون في أسواق الشرق الأوسط؟

لطالما شكلت منطقة الشرق الأوسط سوقًا مهمة لنا. وبالرغم من أن حضورنا فيها ليس أمرًا مستجدًا، إلا أننا نخطو اليوم خطوة مهمة على طريق تكريس موقعنا في هذه السوق بافتتاحنا مؤخرًا متجرًا للعلامة في مركز دبي مول الذي يشكل وجهة التسوق الأشد فخامة في العالم. إننا نرى في هذه السوق إمكانات هائلة لا بد لنا من استكشافها من خلال توسيع نطاق التعريف بالعلامة. حققنا في عام 2018 نجاحات متميزة، ما يضع بين أيدينا فرصة جديدة للنمو. يشكل كل عام فصلاً جديدًا في تاريخنا وقطعة آجر أخرى لرفع بنيان نشيده على أساس متين.

 

الرئيس التنفيذي لجاكيه درو

 

ما أكثر ما يستثير شغفكم بصناعة الساعات؟

أثمّن على نحو خاص المسار الإبداعي الذي تنبثق عنه كل ساعة جديدة. أحب أن أرى الآخرين في محترفاتنا يبتكرون كل ساعة عملاً إبداعيًا جميلاً للغاية بقدر ما أهوى اختبار هذه الجماليات بنفسي. عندما تأسرني ساعة ما، أظل أزين معصمي بها لوقت طويل لتتحول إلى رفيق لي وجزء من شخصيتي.

 

هل تستهويكم عوالم أخرى؟

كنت فيما مضى أمارس العزف والرياضات المائية. ومما يؤسف له أني ما عدت اليوم أمتلك الوقت الكافي لذلك بسبب انشغالاتي المهنية. لكني أهوى المطالعة، وأقرأ اليوم كتابين أحدهما بعنوان Sapiens: A Brief History of Humankind (الإنسان الحديث: تاريخ موجز عن الجنس البشري). إنه مؤلف رائع ومثير للاهتمام اكتشفت بين سطوره مدى هوسنا بالوقت الذي نعيشه بينما الحقيقة أن هذا الوقت لا يشكل سوى فترة زمنية قصيرة جدًا في عمر البشرية الطويل. لفت نظري أيضًا أن مشاكل الإنسان اليوم تشبه تلك التي واجهها البشر حتى قبل أربعة آلاف عام. جل ما تبدل هو البيئة الإنسانية، ومن الضروري أن نتذكر ذلك دومًا.

 

في أسفارك الكثيرة، أي البلاد تركت أثرا بالغا في نفسك؟

لا وجهة مفضلة لدي. بل تستهويني الأماكن التي تتيح لي طبيعتها الأخاذة العودة إلى الجذور. هذا ما اختبرته على سبيل المثال عندما زرت برفقة أولادي المكسيك والبرازيل حيث تأنس الحواس والنفوس بسحر الطبيعة وألق الشواطئ البكر.

 

ما هي الرفاهية عندك، وكيف يختبر المرء السعادة؟

أختبر شخصيًا المعنى الحقيقي للرفاهية عندما أجد نفسي مُحاطًا بأفراد عائلتي ومنغمسًا في مفاتن الطبيعة البكر. فهذه اللحظات الثمينة التي أنعتق فيها من مسؤولياتي المهنية وضغوط العمل تستثير في نفسي ذروة الإحساس بالسعادة. ويكمل هذا الإحساس بالطبع أن ينعم المرء بالرفاه الصحي.