تشبه دبي حلمًا عاند المستحيل في غفلة من الصحراء، وتكبر بأحلامها المستحيلة دون أن تهرم. تكبر على امتداد صحرائها مساحات من ألق، وشواهد عمرانية تكرس هوية مدينة امتهنت فن الإبهار. هكذا هي دبي، المدينة التي لا يشبهها شيء، عالم استفاق على ضفاف الخور وازدهر على إيقاعات الحداثة حجرًا فوق حجر، وصرحًا تلو الآخر. لكن المدينة التي أتقنت احتواء ترف مدن عالمية التكوين، وأفردت له في جنباتها صروحًا عمرانية وثقافية وسياحية، لم تُقص عن فضائها عبق تاريخ فواح ما فتئ يعترش أزقتها الضيقة، ودروبها المرصوفة بخطى الإماراتيين الأوائل. هناك، حيث تجثم بيوت عتيقة، ومتاحف تراثية، وأسواق تقليدية، تستلبك دبي القديمة إلى التيه في الوجه الآخر للمدينة للطموحة، وإلى حكايات ما فتئت تستوطن ضفاف خور قامت عنده القرية الأولى امتدادًا لميناء صيد الأسماك واللآلئ.

 

حصن الفهيدي ومتحف دبي

 

حصن الفهيدي ومتحف دبي

حصن الفهيدي ومتحف دبي

 

في منطقة بر دبي، وفي ما بات يُعرف بحي الفهيدي التاريخي، تتورط أبصارك في فتنة بيوت تقليدية متراصة بُنيت من الجص والحجر المرجاني وخشب الساج، وازدانت بالبراجيل الهوائية والمشربيات الخشبية، فيما الذاكرة تنشغل باستعادة ما بقي من قصص أهل دبي الأوائل وما خبروه من مظاهر الحياة في أقدم أحياء المدينة من أواسط القرن التاسع عشر حتى سبعينيات القرن الفائت. هنا قد تزور متحف المسكوكات مستكشفًا عملات من عصور تاريخية مختلفة ومستطلعًا تاريخها، وأشكالها، وزينتها من النقوش والعبارات. أو قد تجول على بيوت أخرى تحولت اليوم إلى مطاعم ومقاه، ومعارض فنية، ومحترفات للرسامين، ومراكز تستضيف أنشطة ثقافية وفنية موسمية مثل «معرض سكة الفني»، و«برنامج الفنان المقيم»، و«أسبوع التراث». وعند الجهة الجنوبية من الخور، يجتذبك حصن الفهيدي إلى ذاكرة الإمارة في حقبة ما قبل النفط والطفرة العمرانية. ففي هذه القلعة التي ارتفع بنيانها في عام 1778 وما فتئت أبراجها الدفاعية تعلو في فضاء بر دبي، فيما باحتها الداخلية تتزين اليوم بمدافع صدئة ومراكب عتيقة، يحتجب متحف دبي في الدور السفلي محتضنًا كنوزًا وروائع أثرية يعود بعضها إلى خمسة آلاف سنة. يستكشف الزائرون هنا أيضًا مجسمات وعروضًا حية تحتل مساحة قسم التراث لتلقي الضوء على الموروثات الثقافية لأهل المدينة من خلال فنونهم الشعبية، ومساكنهم التقليدية، ومدارسهم العتيقة، وأسواقهم التجارية، ورحلات الغوص بحثًا عن اللؤلؤ المكنون في الأعماق.

 

أسواق دبي القديمة

في تعارض بديع مع مراكز التسوق الفاخرة التي تزهو بواجهات كبرى الدور العالمية المتخصصة في منتجات الترف، تتجلى أسواق دبي العتيقة شاهدًا على أصالة يتمدد سحرها عند ضفاف الخور بين بر ديرة وبر دبي. على امتداد الأزقة الضيقة، تتوزع دكاكين عتيقة تُخفي خلف أبوابها الخشبية مساحة للتيه مرة في عبق التوابل والبخور وطيب التمور، ومرة في بريق الذهب وزخارف المرايا، ومرات في ربيع ألوان الحرير والمنسوجات القطنية وغيرها من روائع لملمها الباعة من أقاصي الأرض وجاءوا يبسطونها حكايات تصخب بها الأسواق.

 

حي الشندغة

 

قرية التراث في حي الشندغة

قرية التراث في حي الشندغة

 

يتمدد الحي على طول ضفاف الخور حيث تشكل فسحة تراثية تنأى بمريديها عن صخب الحداثة إلى أنس تاريخ غارق في القدم. فوسط ما تحتضنه هذه الواحة من شواهد حية على إمارة تتقن احتواء تراثها، تتوزع مساجد سبعة يعود معظمها إلى مطلع القرن العشرين، وبيوت حكام دبي الأوائل، وفي طليعتها بيت الشيخ سعيد آل مكتوم الذي ارتفع بنيانه عام 1896 ليكون مقرًا للحاكم قبل أن يتحول إلى متحف لذاكرة دبي القديمة التي يستعيدها الزوار في مخطوطات قديمة، ومسكوكات أثرية، وصور عتيقة للصيادين وتجار التمور والحطب، وسباقات الهجن والصيد بالصقور. وإذ يهيم المرء في أزقة الحي العتيق، تزل به قدماه إلى معالم أصالة تتزين بها هنا قرية الغوص التي تشكل متحفًا بحريًا يقدم عروضًا حية عن صناعة شباك الصيد ومعدات استخراج اللؤلؤ، ومثلها قرية التراث التي تتناثر في أرجائها خيم لخزافين ونساجين، ولنساء من البدو تنهمك أناملهن في إعداد الأطايب الشعبية.

 

مسجد الجميرا

 

مسجد الجميرا

 

يندر أن تكتمل زيارة دبي دون جولة استكشافية للمسجد الشامخ عند شاطئ جميرا. يحتفي المسجد، الذي تحول إلى واحد من أبرز معالم المدينة، بالفن المعماري الفاطمي، وتميزه القباب المزدانة بالزخارف النافرة، والمئذنتان اللتان تزهوان بهيكل متعدد الأشكال الهندسية. كما تثريه مداخل ذات أعمدة منحوتة، وشبابيك تتزين بالزخارف الجصية وبآيات من الذكر الحكيم.

 

متحف الاتحاد

 

متحف الاتحاد

 

يجتذب المتحف، الذي افتتحته هيئة دبي للثقافة والفنون مطلع عام 2017 عند شاطئ جميرا، زوار المدينة وأهلها من التائقين لتعرّف قصة تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة والاطلاع على أبرز المحطات في تاريخ الآباء المؤسسين للدولة الحديثة. تتفرد هندسة المتحف بطابع عصري وتستلهم شكل ورقة ترمز إلى اتفاقية الاتحاد التاريخية، فيما أعمدتها السبعة تذكر بأقلام سبعة مؤسسين دمغوا الوثيقة بتواقيعهم. أما الفسحات الداخلية لهذه الواحة الممتدة على مساحة 25 ألف متر مربع، فتشغلها معارض دائمة يستكشف الزائرون في أروقتها خرائط وتسجيلات صوتية وعروضًا بصرية بعضها يستحضر مرحلة ما قبل الوحدة، وبعضها يسلط الضوء على مآثر الشخصيات الأكثر تأثيرًا في بناء الدولة الحديثة. كما خُصص قسم من المعارض الدائمة لتوثيق الإنجازات التي ارتقت بالإمارات إلى آفاق الازدهار. أما مقتنيات المتحف، فتتفاوت بين مجموعة من العملات الوطنية التي كانت معتمدة حتى عام 1973، وقطع أثرية، وصحف تاريخية، وميداليات وبذلات عسكرية.

 

دبي أوبرا

 

دبي أوبرا

 

تجسد دبي أوبرا، من موقعها في وسط المدينة، أحلى تجليات المشهد الفني والثقافي الذي تسعى دبي إلى تكريسه. ففي هذا الصرح الذي استلهم المهندس المعماري الشهير جانوس روستوك عمارته من المراكب الشراعية التقليدية وثيقة الارتباط بتاريخ دبي البحري، والذي جرى تجهيزه بأحدث التقنيات الصوتية، تُقدم نخبة من الفرق الموسيقية العالمية عروضها الحية. على خشبة المسرح المهيب الذي يتسع لاستقبال ألفي شخص، تتعاقب مسرحيات شهيرة، وحفلات أوبرا وباليه، وعروض لأشهر عازفي الأوركسترا، وأنشطة فنية تسمو بذائقة أهل المدينة وزوارها. أما أبرز العروض المرتقبة، فتشمل رائعة بوتشيني Turandot التي تقدمها دار أوبرا شنغهاي بين 5 و7 سبتمبر أيلول المقبل، يليها العرض الموسيقي الشهير The Phantom of the Opera من 16 إلى 30 أكتوبر تشرين الأول، وعرض الباليه الروسي The Nutcracker أو كسارة البندق من 4 إلى 7 ديسمبر كانون الأول.

 

لا بيرل

 

لا بيرل

 

تشكل عروض لا بيرل اليوم جزءًا لا يتجزأ من المشهد الترفيهي في دبي، مجتذبة العائلات من أهل المدينة وزوارها إلى التيه في عوامل إبهار مسرحية تُحبس لها الأنفاس. ففي رحاب المسرح المائي الذي شُيد خصيصًا لهذه الغاية في مدينة الحبتور سيتي، تتعلق الأبصار طيلة تسعين دقيقة على مشاهد آسرة تجمع بين الموسيقا، والرقص، والعروض الرياضية، والتقنيات الحديثة. يستلهم المسرح بكليته طابع دبي، بدءًا من اسمه الذي يستحضر في الأذهان تاريخ صيد اللؤلؤ، مرورًا بالمشاهد التي تعكس التنوع الثقافي المميز للمدينة، وحتى تطلعاتها المستقبلية. أما ما يزيد في تمايز العروض التي يشارك فيها ما يزيد على خمسة وستين فنانًا عالميًا، والتي أحسن المخرج الفني الشهير فرانكو دراغون إدارة عناصرها الترفيهية والتقنية، فينعكس في الانتقال الانسيابي المتدرج من مشاهد العروض المائية إلى الاستعراضات الهوائية وسط مؤثرات سمعية وبصرية تورط الحضور في تجربة انبهار ماتع.