بموازاة مباهج النجاح المهني، يشكل الإنفاق على التجارب والمغامرات استثمارا ذكيا يعود على صاحبه بفوائد ثرية.

 

في أواخر أيام والدي، عندما خارت قدراته الجسدية إلى حد كبير، لم أخجل أن أقدم له هدية عاطفية تمثلت بجهاز آيباد محمل بكثير من الذكريات. مارس والدي في سنواته الجامعية لعبة كرة القدم الأمريكية لصالح جامعة أيوا، وكان ذلك في مطلع ستينيات القرن الفائت، لذا عمدت إلى ابتكار نسخة رقمية من محتوى شريط ببكرة حُفظت عليه مقتطفات من المباريات التي شارك فيها. وفيما جلس يشاهد التسجيل المصور، رأيته يضحك، ويبكي، ويستعيد ذكريات الماضي. كان لا يزال بمقدور والدي، الذي ما عاد سنه المتقدم يسمح له باختبار تجارب جديدة مهمة، أن يستخلص متعة بالغة من مشاهدة التسجيل. أدركت عندئذ أن المرء يتقاعد إلى ذكرياته. عندما يُصيبه الوهن حتى العجز عن القيام بأي شيء آخر، يظل بمقدوره أن يعيد النظر في الحياة التي عاشها ويختبر الشعور العارم بالفخر والبهجة والحنين.  

إنها فكرة تتناقض مع معظم ما نسمعه في العادة عن التقاعد. يقال لنا على الدوام، نحن العاملين في الولايات المتحدة الأمريكية، إنه ينبغي لنا أن ندخر المال في برنامج تقاعدي تموله الشركة، أو في حساب مصرفي شخصي للتقاعد. وثمة ميل في ثقافتنا إلى التشديد حد المبالغة على فضائل النملة الأسطورية، أي الجد في العمل وتأجيل اختبار متع الحياة، على حساب فضائل أخرى. لذا نفشل في تقدير حقيقة أن الجندب قد حقق أيضًا اكتشافًا مهما. ثمة قيمة في كسب المال، ولكن في إنفاقه أيضًا.

من السهل أن ندرك أن المغامرات تستلزم وقتًا ومالاً، وأنها تحمل إلينا المتعة خلال الأيام والسنوات التي نختبرها فيها، ما يشكل سببًا كافيًا لاعتبارها قيمة ومهمة. لكنها تنطوي أيضًا على استثمار للمستقبل.

ينظر معظمنا إلى الاستثمارات من منظور مالي محض، فيما لا ضرورة لأن يكون المردود ماليًا. فأنت لا تعلم ابنتك مثلاً مهارات السباحة أو ركوب الدراجة الهوائية لأنك تعتقد أن هذه المهارات ستضمن لها الحصول على وظيفة براتب أعلى. ينطبق هذا الواقع أيضًا على التجارب. فعندما تنفق الوقت أو المال على التجارب لن تستخلص منها متعة آنية فحسب، بل إنها تعود عليك أيضًا بعائد مستمر قد يصح تسميته بعائد الذكريات.  

تذكّر مثلاً واحدة من أفضل العطلات التي قضيتها، وكم من الوقت أمضيت وأنت تطلع أصدقاءك على صور من تلك الرحلة. أضف إلى ذلك الأوقات التي تمضيها مع رفاق السفر في تذكر تلك الرحلة، والأوقات التي تنصرف فيها إلى التفكير فيها أو إلى تقديم نصائح لآخرين ينوون القيام برحلة مشابهة. إن هذه التجارب المتبقية من الرحلة هي العائد الذي أتحدث عنه. إنها عوائد ذكرياتك التي تظل تنمو.

 إن ابتياع تجربة ما لا يأتيك بالتجربة فحسب. إنما ستأتيك أيضًا بمجموع العوائد التي ستثري بها رحلة، أو درس، أو نشاط ما، حياتك طيلة العمر. بمرور الوقت، سيحمل إليك عائد الذكريات متعة تفوق ما وفرته لك التجربة الأصلية في حينها، وذلك من خلال تراكمها، على ما هو عليه حال المال في المصرف.

 

"بموازاة مباهج النجاح المهني، يشكل الإنفاق على التجارب والمغامرات استثمارا ذكيا يعود على صاحبه بفوائد ثرية."

 

إن تراكم المال لا يجعل مدخراتك المالية تزداد فحسب. بل إنه يجعلها تكبر مثل كرة الثلج. وقد يحدث ذلك أيضًا في عائد الذكريات، إذ إنها ستتراكم عندما تتشارك الذكرى مع آخرين. عندما تتفاعل مع أي شخص وتتشارك معه التجربة التي اختبرتها، تعيش تجربة جديدة بحد ذاتها. فأنت تتواصل معه، وتشاركه الضحك، وتوطد علاقتك به، وتقدم له النصح. إنك تمارس حياتك اليومية. كما أن خروجك من المكتب لا يتيح لك الانخراط في نمط حياتي ينطوي على قدر أكبر من التفاعل والإثارة فحسب، بل إنه يجعلك أيضًا قادرًا على أن تتشارك جانبًا أكبر من ذاتك مع الآخرين. يشبه الأمر مقولة إن الأعمال تولد مزيدًا من الأعمال.

لا فرق إن كانت الأنشطة التي نسعى في إثرها تتمثل بالتعلم، أو التزلج، أو التفاعل مع أولادنا، أو السفر، أو الاستمتاع بوجبات طعام رائعة مع الأصدقاء، أو حضور الحفلات الموسيقية، أو أي من ملايين الخيارات الأخرى المتاحة لنا. إننا نكسب المال بهدف اختبار التجارب. فضلاً عن ذلك، تأتينا هذه المغامرات، بسبب عائد  الذكريات، بمعدل للعائدات، شأنها في ذلك شأن الاستثمارات في الأدوات المالية، التي تأتينا على نحو مستغرب أحيانا  بمعدل للعائدات مرتفع.

لا شك في أننا جميعًا نحتاج إلى ادخار مبلغ ما واستثماره استعدادًا لوقت لا نعود فيه نتلقى راتبًا. فلا أحد منا يرغب في أن يعيش في عوز في شيخوخته، أو في أن يُجبر أولاده على الإنفاق عليه. لكن إليك المشكلة: إن عدد التجارب المتاحة لك سيتناقص كلما تقدم بك العمر.

كلما بدأت بالاستثمار في وقت أبكر، حظيت بمزيد من الوقت لتحصد عوائد ذكرياتك. إن الأمر أشبه بما يقوله وارن بافيت: ابدأ الاستثمار في وقت مبكر، وعندما تبلغ سنًا معينة، تأمّل في المبلغ الذي راكمته. احرص على أن تكون الحياة التي تعيشها ثرية إلى أقصى حدود الممكن بالتجارب، والمغامرات، والذكريات، وبكل الأسباب التي دفعتك إلى جمع المال في المقام الأول.

 


حقق بيل بيركنز ثروته من التجارة في قطاع الطاقة، وهو يعمل اليوم خبيرا استشاريا.
إنه مؤلف الكتاب الذي صدر حديثا تحت عنوان: Die With Zero: Getting All You Can from Your Money and Your Life عن دار Houghton Mifflin Harcourt.