قلما يتجاوز العمل الخيري حدود المألوف. لذلك حينما أغدقت ماكنزي سكوت ما يقرب من ستة مليارات دولار في 12 شهرا فقط، دون قيود على الإنفاق، فقد غيرت قواعد اللعبة بالكامل. لكن هل الإنفاق الأسرع هو الأفضل؟

رسم: إيفا فاسكيز Eva Vazquez

 

بينما أدت الجائحة العالمية وقيودها إلى خنق أعمال تجارية كبيرة وصغيرة، ارتفع عدد الأمريكيين الذين يندرجون تحت خط الفقر بما يُقدر بنحو ثمانية ملايين شخص خلال المدة بين شهر يونيو حزيران وشهر نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي، ما أدى إلى زيادة المعدل إلى نحو 12%، أو 22% لأولئك الذين لم يتلقوا تعليمًا جامعيًا. في الوقت نفسه، تزايدت الأرصدة المصرفية التي تخصّ أكثر من 600 ملياردير أمريكي بما يفوق تريليون دولار خلال الأحد عشر شهرًا الممتدة حتى منتصف شهر فبراير شباط، وتضخمت بسبب ارتفاعات أسواق الأسهم التي حطمت أرقامًا قياسية. فقد زادت أرصدة إيلون ماسك نظريًا الآن أكثر مما كانت عليه في شهر مارس آذار العام الماضي بنحو 158 مليار دولار، بينما أصبح جيف بيزوس أكثر ثراءً بنحو 76 مليار دولار، ذلك على الرغم من تنازله عن ربع حصته في شركة أمازون لزوجته السابقة، ماكنزي سكوت.

 

نزعة جديدة

مع ذلك، سيكون من الإجحاف وصف طبقة أصحاب المليارات في أمريكا بأنهم غير مكترثين بالأزمة ومنغمسون في تلال كنوزهم البراقة. إذ إن بعضهم هبّ للعمل بسبب التأثير الشامل للجائحة العالمية، والاختلال المفرط في الأداء السياسي، والانعدام الصارخ في أوجه المساواة فيما يتعلق بوفرة المال، والصحة، والعِرق. جسّدت سكوت تلك الروح الجديدة، على نحو جيد، من طريق رصد تسوية طلاقها المالية الهائلة لاستخدامها في غاية نبيلة، وتبرعت بنحو ستة مليارات دولار لما يقرب من 500 منظمة غير ربحية على مدى العام الماضي، وهو معدل غير مسبوق من العمل الخيري. لقد أعلنت سكوت بذلك، في الواقع، عن تحدي نظرائها من أصحاب المليارات.

ثمة ضغوط تُمارس الآن، ليس للتبرع فحسب، بل للتبرع على نحو سريع، بدلاً من التبرع بوقف لمؤسسة قائمة لتفاخر بإنجاز مؤسّسها بعد الموت. لكن هل التبرع الأسرع هو أفضل حقًا؟ إذا كان الأمر كذلك، لماذا يجد كثيرون صعوبة بالغة في فعل ذلك؟

في ذلك تقول سامبريتي غانغولي، الرئيسة التنفيذية لشركة Arabella Advisors، إحدى الشركات الرائدة في الاستشارات الخيرية في أمريكا: "تحاول المؤسسات الخيرية في الولايات المتحدة توفير شبكة أمان من تلك التي لا تنصّ لوائح الحكومة على توفيرها. تستند ركائزها إلى خلفية دينية، فغالبية المنح لا تزال تمر عبر مؤسسات دينية." تُعد إمكانية خصم ما يصل إلى 60% من قيمة الضريبة على شخص ما عن إجمالي الدخل المعدل حافزًا آخر.

بالرغم من ذلك، فإن بذل المال عاجلا وعلى نطاق واسع يبقى أمرًا نادرًا. لقد عانى أباطرة المال من التبرعات الخيرية بقدر ما يعانيه الأثرياء الجشعون اليوم. في عام 1906، تلقى الملياردير الأول في تاريخ العالم، جون د. روكفلر، تحذيرًا من فريدريك غيتس، مستشاره للأعمال الخيرية، بأنه إذا لم يلجأ إلى توزيع ثروته بسرعة تفوق سرعة معدل نموها "فسوف تدمرك أنت، وأولادك، وأولاد أولادك."

مع ذلك، فإن معظم قادة الصناعة يفضلون عادة تقديم تبرعات تتزايد تدريجيًا على نحو حصيف، مانحين ثرواتهم لمؤسسات خاصة، على غرار تلك التي أُسست من قِبل عائلات مثل آل روكفلر، وآل فورد، وآل غيتي، وآل ليلي، وآل جونسون، وآل كيلوج، وآل ميلون. ما زالت تلك المؤسسات قائمة وبقوة، وتتمتع بمجموعة من المزايا الضريبية مقابل حد أدنى للدفع السنوي يعادل 5% من الهبة. قد يكون المبلغ الحقيقي الذي مُنح للجمعيات الخيرية أقل من ذلك، على أساس أن بعض نفقات الأعمال التجارية تُحتسب أيضًا ضمن ذلك المقدار المتواضع.

ثمة أداة رائجة أخرى هي الصندوق الاستشاري للجهات المانحة (DAF)، وهو حساب استثمار خيري يتسم بالمرونة بحيث لا يوجد حد أدنى للدفع على الإطلاق. وفي ذلك يقول جون أرنولد، وهو متداول سابق لدى إنرون ومدير صندوق التحوط الذي تنظم مؤسّسته Arnold Ventures حملة من أجل وضع حد زمني لصناديق DAF حتى يتسنى تسريع وتيرة التبرع، يقول إن لدى الصناديق الاستشارية للجهات المانحة ومؤسسات أخرى ما يزيد على تريليون دولار.

 

اعتمد تشاك فييني الحكمة الأيرلندية القائلة "ليس للكفن جيوب".

اعتمد تشاك فييني الحكمة الأيرلندية القائلة "ليس للكفن جيوب".

تغيير قواعد العمل الخيري

يمثل أرنولد وسكوت الجناح الجديد ذا العقلية الإصلاحية من طبقة أصحاب المليارات الذين يؤمنون بأن العمل الخيري في صيغته التقليدية غير كاف. كان نهج سكوت ببساطة هو التبرع بأكبر مبلغ ممكن وفي أسرع وقت. لتحقيق تلك الغاية، تعاقدت سكوت مع شركة بريدجسبان Bridgespan، إحدى الشركات الاستشارية في مجال العمل الخيري (تشمل شركات الاستشارات الأخرى Arabella Advisors وFSG) ممن يتشاركون الاهتمام في التركيز على التغيير الاجتماعي الهيكلي بدلاً من الجمعيات الخيرية التقليدية.

رفضت سكوت نهج التبرع المعهود بسؤال الجهات المستفيدة من هبتها بأن تقيس العائد على الاستثمار. في كثير من الأحيان، تكون تكلفة إعداد التقرير غير مشمولة في التبرع، ولذا تُقتطع من التكاليف الإدارية للمنظمة غير الربحية التي لا تتبرع لها عادةً الجهات الخيرية. وفي ذلك قالت سكوت إنها وجهت بريدجسبان بتوخي الحرص اللازم سلفًا- فيما يتعلق بكل من الإسهامات النوعية والمعتمدة على البيانات على حد سواء من مجموعة من الخبراء- ومن بعدها أطلقت يدها بالعطاء بلا قيود.

إن الهدف، كما دونت سكوت خلال شهر ديسمبر كانون الأول على موقع Medium، عندما ذاع أمر هبتها العاجلة على الملأ: "لم يكن التعريف بمنظمات ذات إمكانيات فائقة قادرة على التأثير فحسب، لكن أيضًا تمهيد الطريق أمام مَنح هبات غير منتظرة وغير متوقعة تُقدَم بثقة كاملة ودون قيود. إذ لا تعاني مؤسّسات غير ربحية من نقص مزمن في التمويل فحسب، بل تحيد دومًا عن مسار عملها بسبب التفاتها إلى جمع الأموال، وإلى عبء متطلبات إعداد التقارير التي يفرضها المانحون عليها في كثير من الأحيان."

كانت بدعة سكوت الأخرى هي اختيار قيادة تتسم بالتنوع. في مدونة سابقة، كتبت سكوت في شهر يوليو تموز عن المنظمات غير الربحية التي ستتلقى أول دفعة لها من التمويل "إن ما نسبته 91% من المنظمات المعنية بتعزيز المساواة بين الأعراق يديرها قادة مختلفون، وما نسبته 83% من المنظمات المعنية بتعزيز المساواة بين الجنسين تُدار من قِبل نساء، ما يضيف قيمة تجربة حية إلى حلول أنظمة اجتماعية غير متوازنة." على العكس من نموذج الرعاية الأبوية التقليدي، اختارت سكوت أن تضع ثقتها في منظمات تنتقي قادة من قلب المجتمعات المهمشة التي يخدمونها لكي يتخذوا قرارات التمويل الخاصة بهم.

 

قلبت ماكنزي سكوت الأعراف الخيرية المعهودة بتبرع كبير بلغ ستة مليارات دولار.

Evan Agostini/Invision/AP
قلبت ماكنزي سكوت الأعراف الخيرية المعهودة بتبرع كبير بلغ ستة مليارات دولار.

التعهد بالعطاء

إن سكوت من الموقعين على حملة Giving Pledge، أو التعهد بالعطاء، التي أسّسها بيل وميليندا غيتس ووارين بافيت، والتي تطلب من نظرائهم أصحاب المليارات الالتزام بالتبرع بغالبية ثرواتهم سواء خلال حياتهم أو في وصيتهم الأخيرة. تحظى حملة "التعهد بالعطاء" الآن بأكثر من 200 موقِّع، لكن وفقًا لنيكولاس تيديسكو، الذي ساعد في إعداد الحملة في عام 2010، لا تزال هناك "فجوة بين النية والعمل."

يشير كريس أوكسلي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمؤسّسة Atlantic Philanthropies- المؤسّسة التي أقامها قطب الأسواق المعفاة من الرسوم الجمركية تشاك فييني والتي أنفقت هبتها الوقفية بالكامل وتبلغ ثمانية مليارات دولار خلال 38 عامًا- إلى دراسة أجرتها مجموعة بريدجسبان ذكرت أن العائلات الأمريكية التي تفوق ثرواتها أكثر من 500 مليون دولار لم تتبرع سوى بما نسبته 1.2% من أصولها للجمعيات الخيرية في عام 2017. هذا المعدل، بحسب الدراسة، "يعد أقل بكثير من متوسط عوائد استثمارات أصول طويلة الأجل." خلصت بريدجسبان إلى أن هذه العائلات سوف تحتاج إلى زيادة تبرعاتها بما يقرب من عشرة أضعاف، أي إلى أكثر من 11% من أصولها سنويًا، لإنفاق نصف ثروتها في 20 عامًا. مع أن فييني، مصدر إلهام لحملة "التعهد بالعطاء" ومن الموقعين عليها، إلا أنه يعدها غير طموحة، بحسب أوكسلي.

تكمن المشكلة في الشرط الجزائي الخاص بالمؤسسة. عندما دعا غيتس، روبرت ويلسون عملاق صناديق التحوط للتوقيع في عام 2010، رفض المشاركة، وفقًا لما ذكر في رسائل البريد الإلكتروني التي نشرها موقع Buzzfeed بعد أيام من وفاته في عام 2013: "ثمة ثغرة في حملتك "التعهد بالعطاء" تجعلها عديمة القيمة حقًا، وهي تحديدًا السماح للمتعهدين بتسمية المؤسسات الخيرية في وصياتهم بعد الوفاة. لقد وجدت أن معظم أصحاب المليارات يبغضون التبرع بمبالغ كبيرة من النقود طالما هم على قيد الحياة، وبدلاً من ذلك يقيمون مؤسسات تخضع لإدارة أسرية تتكفل بذلك من أجلهم بعد وفاتهم. لذا تصبح هذه المؤسسات، في أغلب الأحيان، رهينة التعقيدات الإدارية. يسعد هؤلاء الأثرياء باكتفائهم بالتخلص من بضعة ملايين من الدولارات في السنة في سبيل بقائهم ذوي حظوة اجتماعية. لكن هذا هو كل ما في الأمر."

 

كاثرين لورينز، التي ترأس مؤسّسة تخص جدّيها، تحاول الموازنة بين التصرف وتوخي الحذر.

كاثرين لورينز، التي ترأس مؤسسة تخص جديها، تحاول الموازنة بين التصرف وتوخي الحذر. 

توزيع الثروات

يقول تيديسكو، الذي يشغل الآن منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأعمال الخيرية الأسرية (NCFP)، عقب مدة قضاها مستشارًا للأعمال الخيرية لزبائن مصرف جي بي مورغان، يقول إن عددًا كبيرًا من المحسنين يعانون "من أجل توزيع رؤوس أموالهم على نطاق واسع وبصورة جيدة،" ويستشهد بثلاثة أسباب: ضيق الوقت، ونقص الخبرة، و"رغبة في الحفاظ على البنية التحتية دون أعباء تثقلها." مع ذلك، يقول خبراء آخرون إن فريقًا صغيرًا يمكن أن يكون ذا كفاءة كبيرة، وأنه ليس هناك ضرورة لفريق أكبر قد يكون معوقًا.

يتفق معظم الناس على أن المانحين المحتملين، دون مشورة جيدة، غالبًا ما يقعون في فخ التعامل مع المؤسّسات الخيرية كأنها أعمال تجارية تجني عوائد قابلة للقياس بسهولة. وفي ذلك يقول فيل بوكانان، رئيس مركز العمل الخيري المؤثر ومؤلف كتاب Giving Done Right: "قبل عشرين عامًا، قال الناس إنه ينبغي للمنظمات غير الربحية أن تكون أشبه بأعمال تجارية. حسن، أي نوع من الأعمال التجارية: شركة آبل، أم عمل مغسلة الحي لديك، أم شركة إنرون؟ تتطلع شركة أوبر إلى تحسين موقفها فيما يتعلق بتنافسها مع شركة ليفت Lyft. الأمر مختلف تمامًا في العمل الخيري. ينبغي لعدة منظمات أن تتكاتف معًا بهدف إحداث فرق."

تقول غانغولي إنه طرأت مؤخرًا مقاربة "تأرجح البندول" التي تميل بعيدًا عن "إطار معدل عائد الاستثمار." تقدم شركتها الاستشارية، Arabella Advisors، خدمات لطبقة النخبة من المحسنين، لكن المؤسّسات المجتمعية توفر خدمة استشارية متمرسة على نحو أكثر سهولة. يقول بيتر بانيبينتو، المتحدث باسم مبادرة Community Foundation Public Awareness Initiative، وهي مجموعة تعنى بتقديم توصيات، إنهم يعملون بوصفهم وسطاء بين منظمات غير ربحية ومانحين محليين. ويقول: "تجدر الإشارة إلى أن ماكنزي سكوت وجهت، في أحدث إعلان لها، بمنح عدد كبير من هباتها عبر مؤسسات مجتمعية."

ذهبت إحدى هذه الهبات إلى مؤسّسة سان دييغو. يتذكر مارك ستيوارت، رئيس مجلس إدارتها والرئيس التنفيذي، تلقيه "بريدًا إلكترونيًّا مثيرًا للفضول" في الخريف من شخص "تحدث بالنيابة عن محسن كبير. هل كان لدي وقت يسمح بتلقي مكالمة؟" كان لدى ستيوارت وقت. في هذه المكالمة، قيل له إن سكوت "كانت تراقب ما كنا نفعله، وإن ثمانية ملايين دولار في طريقها إلى صندوقنا، دون قيد أو شرط." يقول ستيوارت: "لم أتمالك نفسي."

 

"لم التبديد طالما يمكنك الاستمرار في فعل الخير على الدوام بسبب كل تلك الأصول؟"

تحمس لطريقة سكوت

أبدى جميع الخبراء ممن جرت معهم مقابلات لهذا المقال تحمسًا لطريقة سكوت. يقول بانيبينتو: "إن المزج بين السرعة والحجم أمر غير معتاد. إن التبرع بمليارات الدولارات خلال سنة واحدة عبر خطة مدروسة جيدًا، والوصول إلى مئات المنظمات محليًا، يُعد توزيعًا يحظى باستجابة سريعة تأمل سكوت في أن يؤثر في كل فئات المجتمع تقريبًا."

مع ذلك، فإن ما يبعث على الاستغراب حقًا هو أن التبرع بمليارات في أشهر معدودة، وفقًا لبانيبينتو وبوكانان، يمكن أن يشكل تحديًا لبعض المنظمات المتلقية. قد تجد المنظمات صعوبة في إدارة الأموال والحفاظ على مستوى الكفاءة، من حيث كونها غير معتادة على مثل تلك الهبات غير المشروطة. وفي ذلك يقول بوكانان إنه لا ينبغي الضغط على المنظمات لإنفاق الأموال بالسرعة نفسها، مشيرًا إلى وجود "حاجة للعمل الخيري الذي يصيغ رؤية على المدى الأبعد ويحتاج إلى دعم أطول أمدًا."

يكمن التوتر بين دعم طويل الأمد وقصير الأمد في جوهر حركة "العطاء في أثناء الحياة". إن ما نسبته 63% من المؤسّسات الأسرية، بحسب المركز الوطني للأعمال الخيرية الأسرية (NCFP)، تركت إمكانية فرض مدة زمنية محدودة على عملهم الخيري بندًا مفتوحًا لتسريع وتيرة العطاء. لكن لم يلتزم بذلك سوى ما نسبته 9% فقط.

إن أفضل من جسّد فكرة العطاء في أثناء الحياة هو فييني، الذي يبلغ من العمر 90 عامًا، والذي أنشأ مؤسسة الإنفاق الخاصة به لغرض محدد هو بذل ثروته بأسرها خلال حياته. لقد أوصدت مؤسسة The Atlantic Philanthropies أبوابها العام الماضي، بعد أن عمدت إلى توزيع ملياراتها بنجاح لدعم قضايا تراوح بين التعليم العالي، وعملية السلام الأيرلندية، والرعاية الصحية الفيتنامية. وقد صف وارين بافيت فييني بأنه "بطلي."

استلهم فييني ذلك من قول مأثور ذكره أندرو كارنيغي، الإمبراطور الجشع الذي تحول إلى محسن، بأن "الرجل الذي يموت ثريًا على هذا المنوال يموت مجللاً بالعار." وفي ذلك يقول أوكسلي، الذي أشرف على توزيع الهبات النهائية التي قدمها فييني: إن المحسن لم يفكر مطلقًا في أن يهب أبناءه أكثر من "رزق متواضع" بالإضافة إلى منحهم مؤسّسة خيرية منفصلة لكي يديرونها بأنفسهم.

لقد أصر أيضًا على عدم الكشف عن هويته. وفي ذلك يقول أوكسلي: "إن الهبات كانت مرفقة باتفاقيات سرية وصارمة للغاية."  وقد جرى إدراج المؤسّسة في برمودا، ويعزى ذلك في جانب منه إلى تجنب مقتضيات الكشف عن الهوية الذي تطلبه الولايات المتحدة التي كانت ستكشف عن هوية فييني. لم يكشف عن مكانته بوصفه مانحًا سوى في إطار قضية في المحكمة عام 1997.

وفي ذلك يقول أوكسلي: "لقد خدمت سرية فييني أغراضا عدة. إنه لا يشعر بالارتياح من حيث كونه مركز الاهتمام. كما أن الشهرة العلنية للثروة لا تصب في صالح الأسر دومًا." لقد تجنب بذلك مطالب غير مرغوب فيها، ولأن هباته كانت سرية، فقد تمكن المستفيدون من الاستمرار في جذب التبرعات، بما في ذلك تلك التي مُنحت مقابل حقوق التسمية، من قبل مصادر أخرى. وفي ذلك يقول أوكسلي: "عملت لبعض الوقت من مكتب في لندن يُدعى جيرارد أتكينز، كان فقط اسمًا لا معنى له مأخوذًا من دليل الهاتف. اعتقد أولادي أني أعمل لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية."

 

طومسون وجين فيتر يخولان أحفادهم السبعة اختيار المستفيدين من أعمالهما الخيرية.

Jane Fetter
طومسون وجين فيتر يخولان أحفادهم السبعة اختيار المستفيدين من أعمالهما الخيرية.

مذهلة ورائعة

يُبدي أوكسلي إعجابه بسكوت التي يصفها بأنها "مذهلة ورائعة"، ويتوقع أن تكون هباتها "قادرة على إحداث تغيير." وفي ذلك يقول: "لا ينبغي إطالة الأمر على مدى 20 عامًا أو 30 عامًا أو 50 عامًا. إذ إنها لجأت إلى استثمارات ذكية على الفور- مثل الكليات والجامعات التاريخية المخصصة لذوي البشرة السمراء- سوف يكون لها تأثير دائم في ما يفعلونه. قد يكون هناك استعجال فيما يتعلق بالتمويل. لكن التأثير سيكون طويل الأمد. الأمر لا يتعلق بالانتهاء من الإنفاق قريبًا، بل يتعلق بالبدء في أقرب وقت."

يتهم بعض الناشطين أثرياء "رأسماليين محسنين" باستخدام تبرعاتهم لتبييض سمعتهم ومكاسبهم غير المشروعة. وفي ذلك تقول غانغولي: "يشكل الذنب دافعًا للعطاء"، على الرغم من أنها تفضل عبارة "عدالة تصالحية". إن العنصر المحفز كثيرًا ما يكون "بحثًا متعمقًا في كيفية تكوين الثروة. يشرع الناس في نبش قصة الأسرة ويظنون أن أمرًا ما قد لا يكون على ما يرام تمامًا. إنهم غالبًا ما يستخدمون منظور عام 2020 للنظر إلى الوراء لعام 1950، لكن هذا ليس بالمنظور الصحيح دومًا. على سبيل المثال، يدرك الناس الآن أن المجتمعات قد تكون تضررت بسبب استخراج الموارد. ثمة رغبة في الإصلاح في الوقت الحالي."

تقول غانغولي إن دوافع المتبرعين تشوبها تعقيدات. غالبًا ما يكون زبونها حفيد شخص ما جمع ثروة. وفي ذلك تقول: "إننا نطلق عليهم الجيل الثالث. إن الجيل الأول هو الذي يؤسّس الأعمال العائلية وينشئ الثروة من العدم، إنه رأس الأسرة. بينما الجيل الثاني هم الأشقاء والأبناء، ثم الجيل الثالث هو الذي يرث الثروة ويقع على عاتقه أمر إنفاقها في مجال الأعمال الخيرية. إننا نوشك اليوم على التعامل مع الجيل السادس في بعض المؤسّسات."

ثمة مشكلة محتملة قد تواجه الجيل الثالث من حيث كون سياساته ومواقفه تميل إلى الاختلاف الكبير للغاية عن تلك الخاصة بـالجيل الأول. في حالة طومسون فيتر، وهو تاجر تجزئة من كاليفورنيا عمره 86 عامًا ويعمل في بيع البنزين وتجارة المركبات المصممة للاستجمام، فقد أدى تفاني الأجداد إلى عدم ظهور خلافات. أسّس فيتر وزوجته جين تريفور فيتر صندوقًا استشاريًا للجهات المانحة بالتعاون مع مؤسّسة سان دييغو وأبلغا أحفادهما السبعة بأنه يمكنهم تقديم تبرعات سنوية لدعم قضايا من اختيارهم، طالما لا تُعد قضايا سياسية من وجهة نظر آل فيتر. يقول طومسون: "المؤسسة لا تعمل في السياسة، ولا أنا. إنهم من اليسار، وإنني من اليمين!"

وفي ذلك يقول فيتر:" اختار الأحفاد، الذين تراوح أعمارهم بين 19 عامًا و30 عامًا، قضايا لم أسمع بها من قبل، ولم أفكر بها قط. إحدى القضايا كانت قبيلة هندية." ويقول: "تشعر إحدى الحفيدات بقلق بالغ بشأن زيادة درجات الحرارة عالميًا، ويشكل هذا بعض التضاد في المصالح من حيث كوني أبيع البنزين. لكن هذا التناقض لا يسبب مشاكل، إذ لا يعلو ضجيجها، طالما أني أعطيها قليلا من المال."

إن الضرورة الملحة التي يشعر بها جيل أصغر للتكفير عن الخطايا البيئية الجسيمة التي ارتكبها الآباء هي شأن ألِفَتْه كاثرين لورينز، من مؤسّسة سينثيا آند جورج ميتشل. كان جورج ميتشيل، جدّ لورينز، قطبًا من أقطاب صناعة النفط ورائدًا في تقنية التكسير الهيدروليكي لأغراض تجارية. لقد عمد هو وزوجته، سينثيا، من حيث كونه موقعًا على حملة "التعهد بالعطاء" إلى إنشاء مؤسّسة الأسرة، التي تترأسها الآن لورينز، وذلك قبل وفاته في عام 2013.

تدرك لورينز، المهتمة بالاستدامة، الصراع المتأصل في فكرة وجود مؤسّسة خيرية ترسخ نفسها لمصلحتها بدلاً من إنفاق رأسمالها. لكنها تعي في الوقت نفسه الفوائد الناتجة عن توخي الحذر. وفي ذلك تقول: "إن اكتناز مزيد من الثروات دون عطاء يخدم الصالح العام يُعد ضررًا كبيرًا. لكن لمَ التبديد طالما يمكنك الاستمرار في فعل الخير على الدوام بسبب كل تلك الأصول؟ يمكن أن تترك فراغًا كبيرًا ليس بالضرورة أن يمتلئ. إنه مع تغير المناخ، يزعم كثير من الناس أن دولارًا ينفق الآن يساوي أكثر من دولار ينفق في المستقبل. أشعر أن الأمر كله هو عملية توازن." لكن لشخص في موقع سكوت- من حيث كونها من الجيل الأول، ولا تشعر بأنها مقيدة برغبات الوالدين أو الأجداد- تقول لورينز إنه حان الوقت الآن "لتوزيع السيارات بوصفها هبات" على غِرار أوبرا.

لم يكن طومسون فيتر على يقين من ذلك. وفي ذلك يقول: "أرى أن رد الفعل على الجائحة العالمية بات قضية قصيرة الأمد، وليس شيئًا يستوجب تغيير وجهة نظرك على المدى البعيد فيما يتعلق بالعمل الخيري." يشعر آل فيتر بسعادة غامرة بالنتائج التي حققتها مؤسّسة أسرتهم حتى الآن. وفي ذلك تقول جين: "تلقينا منهم أول قائمة توزيع في عيد الميلاد. لقد احتفظوا بها لتلك المناسبة. نحن سعداء للغاية." يوافق زوجها على ذلك ويقول: "نحن متحمسون للغاية حيال ذلك، أود أن أحث جميع الناس على القيام بذلك. فقد أدمع عيوننا صباح عيد الميلاد. قد لا نكون بيل وميليندا غيتس، لكن الأمر كان مجزيًا للغاية. إني أستحسن حقًا الخصم الضريبي!"

 

تزايد العطاء بعد الجائحة

يأمل تيديسكو أن ترسّخ أزمات عام 2020 تغييرًا دائمًا في الطريقة التي نتبعها في العطاء. وفي ذلك يقول: "شكل العام الماضي، من نواح كثيرة، العاصفة المثالية. إذ كان هناك جمع لثروات، وانتقال على مستوى تاريخي، واهتمام غير مسبوق بالعمل الخيري- لم يتحقق بسبب ضيق الوقت والخبرة- وكثير من الطاقة المكبوتة. عندما توقف العالم في شهر مارس آذار 2020، جرت مناشدة المانحين بالتحرك، استجاب كثير منهم لذلك النداء دون تردد، كان ما شهدناه من الاستجابة شيئًا مذهلاً تمامًا، إنه تبرؤٌ من عادات وأنماط سلوكية كانت عديمة الكفاءة في السابق. رأينا تحولاً وإلحاحًا احتاجت الممارسات المتبعة أن تتكيف معهما لمواجهة الوضع الحالي على نحو أفضل."

يقول تيديسكو: يتفكر المانحون الآن في مسألة "ماذا يعني أن تعمل وكيلاً؟ هذا تحول مهم في فكر المحسنين. إنهم يفصلون رأس المال على أنفسهم شخصيًا، ويدركون بذلك أنهم وكلاء رأس المال للصالح العام." هذا الشعور يجسده تصريح سكوت في شهر يوليو تموز بأن "الثروة الشخصية لشخص ما هي نتاج جهد جماعي، ونتاج هياكل اجتماعية تقدم فرصًا لبعض الناس، وأيضًا عقبات أمام أعداد لا تحصى."

تعمد الآن بعض أكبر المؤسّسات الخاصة إلى رفع معدلات المدفوعات لديها إلى ما فوق الحد الأدنى القانوني الذي تبلغ نسبته 5%. أعلنت مؤسّسة فورد العام الماضي أنها ستطرح سندات بقيمة مليار دولار للمساهمة في تعزيز المنح المقدمة من جانبها وزيادتها إلى أكثر مما نسبته 10% من قيمة وقفها في عامي 2020 و2021. تحذو جهات أخرى حذوها، منها مؤسّسة دوريس ديوك تشاريتابل، ومؤسّسة ماك آرثر، ومؤسّسة دبليو. ك. كيلوغ، ومؤسّسة أندرو و. ميلون، وذلك في سياق جهد جماعي لزيادة التمويل بمقدار 1.8 مليار دولار فوق المدفوعات المعتادة على مدى السنوات القليلة القادمة.

على الرغم من أن هذا التعزيز كان في الأساس استجابة طارئة للجائحة العالمية، إلا أن مؤسّسات أخرى مثل مؤسّسة بار Barr Foundation في بوسطن التي يُقدر رأسمالها بمليارات الدولارات- هي بسبيل رفع معدل مدفوعاتها بما نسبته 25% هذا العام- أخذت تزيد من تعهداتها تجاه قضايا هيكلية طويلة الأمد مثل عدم المساواة العرقية. السؤال: هل هذه الجهود سوف تختفي بعد الجائحة العالمية؟ من أجل الحفاظ على الزخم، فإن مجموعة تحت قيادة معهد Institute for Policy Studies and the Patriotic Millionaires، وهو منظمة يؤيد ما نسبته 1% من أعضائها إعادة توزيع الثروات، تعمل على تنظيم حملات لكسب تأييد الكونغرس من أجل رفع الحد الأدنى القانوني لمدفوعات المؤسّسات من 5% إلى 10% للسنوات الثلاث القادمة، وجعل هذا الحد الأدنى قابلاً للتطبيق فيما يتعلق بالصناديق الاستشارية للجهات المانحة، أيضًا.

تعتقد غانغولي أن التوجه الجديد للعطاء بسخاء، وعلى نحو أسرع، سوف يستمر إلى ما بعد الجائحة العالمية. وفي ذلك تقول: "يتزايد العطاء عبر كل فئة ومنصة. يتيح لنا العقد القادم فرصة مشاهدة سخاء في أروع صوره." كما يقول أوكسلي: "ما الداعي للانتظار؟"