ما أثر الدورات التدريبية على إجراءات الوقاية من اضطراب مسار الطائرة واستعادة السيطرة عليها-في الحفاظ على سلامة الطيارين؟

 

انقلبت الطائرة الصغيرة ذات المعقدين بضراوة ظهرًا على عقب، ووجدتني فجأة أحدق عبر مقدمتها في الأمواج التي بدا أن المسافة بيننا وبينها تتقلص بسرعة مثيرة للفزع. وعندما قال مدرب الطيران مارك غرينفيلد: «ابدأ إجراءات استعادة السيطرة الآن»، بدا صوته هادئًا على نحو غريب إذا ما أخدنا في الحسبان أن بضع ثوان فقط كانت تفصلنا عن اختراق صفحة الأمواج في القناة الإنكليزية.

عاندت ذاك الميل الغريزي إلى سحب ذراعي التحكم إلى الخلف، وعمدت بدلاً من ذلك إلى دفع مقدمة الطائرة صوب صفحة الماء. كانت تلك الخطوة تكفي لضمان أن يحلق الجناحان المتعطلان مجددًا بما يتيح لي ضبطهما في وضع مواز للأفق، والعمل سريعًا على خفض معدل القوة ثم رفع مقدمة الطائرة الاستعراضية من طراز Slingsby عاليًا وسط السحاب وزيادة قوة الدفع في غضون ذلك.

كان غرينفيلد يتولى تعليمي إجراءات إنقاذ الطائرة حين يسوء الوضع تمامًا، الأمر الذي قد يطرأ بسهولة عندما تفرض المطبات الهوائية، أو القصور الميكانيكي، أو العناصر المشتتة للانتباه، على الطيار الارتجال. من المؤسف أن الطلب على الطيارين في شركات الطيران والشركات الخاصة قد فرض التعجيل بمرحلة التدريب، فيما تسبب خفض ميزانيات قوات الدفاع في انخفاض عدد الطيارين المتمرسين من ذوي الخلفية العسكرية الذين ينتقلون إلى العمل في قطاع الطيران التجاري. كما أن طفرة أنظمة القيادة الآلية في الطائرات أدت إلى الحد من فرص ممارسة مهارات الطيران اليدوي. تُضاف هذه العوامل كلها إلى تراجع محتمل في معايير قيادة الطائرات.

 

Ugurhan/Shutterstock

Ugurhan/Shutterstock

 

تدرك الجهات التنظيمية هذا الواقع كل الإدراك. يقول مصدر من هيئة الطيران المدني في المملكة المتحدة آثر عدم الكشف عن هويته: «نرى عددًا متزايدًا من الطيارين الذين لا يمتلكون أي خلفية لبناء مهارات قيادة الطائرات الشراعية والطائرات الصغيرة بالرغم من أن هذه المهارات كفيلة بتعزيز أدائهم وإدراكهم لقوى الديناميكية الهوائية.»  يدير اليوم غرينفيلد، الطيار الحربي السابق في المملكة المتحدة، والذي تولى أيضًا إدارة مدرسة Empire Test Pilot School في بريطانيا، وأكاديمية Ultimate High Academy التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها. ينشط غرينفيلد منذ عقدين في توفير دورات تدريبية تطبيقية للطيارين على إجراءات الوقاية من اضطراب مسار الطائرة واستعادة السيطرة عليها UPRT.

ساهم غرينفيلد أيضًا في صياغة قوانين تنظيمية جديدة للطيران في أوروبا دخلت حيز التنفيذ في أواخر عام 2019. صيغت هذه القوانين استجابة لحوادث فقدان الطيارين السيطرة على طائرات تُعد صالحة تمامًا للطيران. تقتضي القوانين التنظيمية المعدلة أن يتلقى طيارو الطائرات التجارية حديثو العهد في هذا المجال تدريبًا على إجراءات الوقاية من اضطراب مسار الطائرة واستعادة السيطرة عليها باستخدام طائرة حقيقية قبل أن يلتحقوا بوظيفتهم الأولى في شركة طيران مدني أو شركة خاصة. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فالوضع مختلف إذ إن طياري الطائرات التجارية المجازين من إدارة الطيران الاتحادية يحتاجون إلى نسخة معدلة من التدريبات على إجراءات الوقاية من اضطراب مسار الطائرة واستعادة السيطرة عليها، ويكفي في بعض الأحيان إتمام هذه التدريبات باستخدام جهاز محاكاة. يقول راندال بروكز من شركة Aviation Performance Solutions  في الولايات المتحدة الأمريكية: «توفر أجهزة المحاكاة خيارًا رائعاً للتدريب في ظل الظروف النموذجية للطيران. لكن حتى جهاز المحاكاة كامل الحركة لا يضاهي الوجود على متن طائرة، ولا يفرض القدر نفسه من الضغوط للتعلم لأن المتدربين كافة يدركون أنهم لا يواجهون خطر الموت. وعندما يخرجون عن حدود هذه الظروف، ستزداد بعض السيناريوهات التي تدربوا عليها خطورة.»

تتضمن الدورة التدريبية في أكاديمية Ultimate High Academy الطيران لمدة ثلاث ساعات إلى أربع ساعات، والتدرب على القاعدة الوحيدة القادرة على حل أي مشكلة على ما يقول غرينفيلد.  تُختصر هذه القاعدة، التي سيصدح بها صوت الطيار عاليًا عند تطبيقها، بثلاث كلمات هي الدفع، والتثبيت الأفقي، والقوة، أي دفع ذراع التحكم إلى الأمام لتحفيز مقدرة الجناحين على التحليق مجددًا، وتثبيتهما في وضع أفقي، واستخدام القوة عند الحاجة. وفي العادة، إذا فقد الطيار السيطرة على الطائرة بسبب تعطل الجناحين، فقد يكون من المفيد له أن يزيد معدل القوة.

صحيح أن أرقام إحصائيات الحوادث تشهد تحسنًا في العموم، لكن بروكز يلفت إلى أن معدلات التحسن ليست جيدة في حالة طائرات الشركات الخاصة بقدر ما هي عليه في شركات الطيران التجارية. وقد يُعزى أحد الأسباب في ذلك إلى كون الطيارين في الشركات التجارية يمتلكون خبرة أكبر ويتلقون بانتظام تدريبات مستمرة أكثر مقارنة بما هو عليه حال بعض الطيارين العاملين في قطاع الشركات الخاصة وقطاع تأجير الطائرات. الجدير بالذكر أن بعض الأقسام الأكبر حجمًا في قطاع الطيران الخاص قد بدأت اليوم تُخضع أيضًا طواقم الطيران لديها للتدريبات على إجراءات الوقاية من اضطراب مسار الطائرة واستعادة السيطرة عليها.

في أعقاب الدورة التي شحذت مهاراتي شخصيًا، بتُّ مقتنعًا بأن مثل هذه البرامج التدريبية على الطيران تساعد في إنقاذ الأرواح. لكن المؤسف هو غياب أي قانون يفرض على طياري طائرات رجال الأعمال المجازين الخضوع لهذه الدورات التدريبية. ويبقى الأمل بألا يقع حادث مأساوي آخر لفرض تحويل هذه التدريبات إلى شرط إلزامي.