هل تعد المركبات الجديدة، من طرز قديمة يستعيدها اليوم بعض الصناع، آلات أحلام من منظور جامعي السيارات، أم أنها فقط حيلة تسويقية منمقة لتحقيق مكسب مالي؟

 

كانت الرسالة، المؤرخة في العشرين من شهر مارس آذار عام 2020، موجّهة إلى أدريان هولمارك، رئيس الشركة البريطانية للسيارات بنتلي موتورز ورئيسها التنفيذي. استُهلت الرسالة بموجز يستذكر بحنين الانتصارات الشهيرة التي حققتها العلامة في السباقات قبل قرن من الزمن، ثم دلفت بلباقة إلى صلب الموضوع. جاء في الرسالة: "على مدى سنين عددًا، سعى بالطبع قسم التسويق في شركة بنتلي موتورز إلى إثراء هذا الإرث المهيب قدر الإمكان. وغالبًا ما لجأت الشركة إلى مالكين فرديين داعمين لها، على غرارنا، لنزوّدها بواحدة أو أكثر من مركباتنا الأصيلة عتيقة الطراز بهدف استعراضها في مناسبات وحملات ترويجية مختلفة للشركة كنا نشجّع عليها بطيب خاطر. انطلاقًا من هذا الموقف الداعم، نكتب لكم اليوم لنعبر عن شعور مشترك بالقلق والاستياء لمعرفتنا بخطط الشركة المزعومة لبناء مجموعة من 12 نسخة طبق الأصل من طراز Blower من بنتلي وطرحها في السوق بسعر مرتفع جدًا."

"لا أحد يرغب في تحطيم مصد سيارة عمرها 70 عاما أو إصابة الطلاء الأصلي بخدوش. إن السيارات الجديدة من طرز قديمة تعد الخيار الأمثل للرحلات اليومية أو حتى لعطلات نهاية الأسبوع."

كان لهذه الرسالة وقع غير مألوف لأنها ذُيّلت بتواقيع عشرة من أشهر جامعي السيارات في العالم، ومنهم مصمم الأزياء رالف لورين، والملياردير لورد بامفورد، مالك شركة JCB لمعدات البناء، ومطور المشاريع العقارية في كاليفورنيا جون موزارت، فضلاً عن روب والتون، وريث شركة والمارت، وسايمون كيدستون، الخبير الاستشاري الدولي بالسيارات عتيقة الطراز. وصف الموقّعون مجموعتهم "بالمتحمّسين دومًا لعلامة بنتلي"، وختموا رسالتهم بتعليق ساخر يستحق الثناء جاء فيه: "غالبًا ما يفشل العاملون في قسم التسويق، بسبب حماستهم غير العصية على الفهم، ليس في إدراك تفاصيل الأمور فحسب، بل حقيقتها الجوهرية أيضًا. إننا نحثكم على ألا تبددوا، رجاءً، الوقت، وموارد التمويل، والطاقة، وسمعة علامة بنتلي، على إنتاج مجموعة السيارات المستنسخة الاثنتي عشرة التي أعلن عنها مؤخرًا. إن جل ما ستحققه هذه المركبات هو تقويض مشاعر التقدير والانبهار الخاصة التي لا يمكن أن تتأتى إلا عن رؤية الابتكار الأصيل واختباره. وكل ما عدا ذلك يعني تشويه تاريخ مجيد."

 

هواجس مبررة

لا بد من رؤية المشهد من منظور شامل بغية إدراك كنه الموضوع. انشغل خبراء السيارات بقطع المركبات المعدة للجمع والنماذج المصنعة من أجزاء مستعملة منذ خمسينيات القرن الفائت، عندما أغرقت الهياكل الداخلية غير المكلفة والهياكل الخارجية الأرخص ثمنًا المشغولة من ألياف الزجاج الأسواق. لكن هذه السلالة الجديدة تندرج في فئة مختلفة كل الاختلاف. على غير ما هو عليه حال تلك المركبات المقلدة، تُصنع النماذج الجديدة من السيارات عتيقة الطراز، أو تحظى بالمصادقة الرسمية، من قبل صنّاع الطرز الأصلية، وتُبنى وفق مسارات شاقة ومتأنية بحسب المواصفات نفسها التي اعتُمدت في تلك الطرز خلال حقبة إنتاجها، في ما خلا بعض المزايا الحديثة الخاصة بالسلامة والتحكم بثبات المركبة. وفي غالب الأحيان، تتبع أرقام الهياكل الداخلية للنماذج الجديدة ومحركاتها التسلسل الرقمي للسيارات السالفة، فتكمّل حقيقة الخط الإنتاجي لطراز غابر.

 

 

نموذج تعود ملكيته اليوم إلى رالف لورين من الطراز الذي كان يُعد في حقبة إنتاجه الأكثر تبجيلاً في أسطول الصانع

Bentley
نموذج تعود ملكيته اليوم إلى رالف لورين من الطراز الذي كان يعد في حقبة إنتاجه الأكثر تبجيلاً في أسطول الصانع.

يتمثل الأصل الذي تنطلق منه بنتلي في مسعاها الجديد بالمركبة الثانية ضمن أربع سيارات بناها هنري "تيم" بيركن وخاض على متنها سباقات لومان في مطلع القرن الفائت. تعود اليوم ملكية سيارة Blower التي تحمل الرقم 2، والتي كانت تخص بيركن، إلى علامة بنتلي، لكن مركبات مشابهة من هذا الطراز، الذي كانت الشركة قد أنتجته في 50 نموذجًا، تتوافر اليوم بسعر يراوح بين خمسة ملايين دولار و20 مليون دولار.

كان بيركن واحدًا من أعضاء فريق بنتلي بويز الشهير الذي ضم متسابقين دمثي الخلق قادوا العلامة إلى المراكز الأولى في نهائيات بطولة لومان 24 ساعة طيلة الفترة الممتدة من عام 1927 إلى عام 1930. في السنة الأخيرة، ضمّ فريق السائقين الذي حقق الفوز كلاً من وولف بارناتو وغلين كيدستون، العم الراحل لسايمون، الأمر الذي يساعد على فهم هواجس الخبير الاستشاري بالسيارات عتيقة الطراز في ما يتعلق بالعبث بإرث العلامة.

يقول كيدستون، المؤتمن على مجموعة السيارات المهيبة التي تمتلكها عائلته، والذي يوفر خدماته الاستشارية في هذا المجال لآخرين: "لا تحتاج أي علامة متفوقة إلى غزو أرشيف الماضي، ولا أعتقد أن مثل هذه المقاربة تخلف أثرًا طيبًا عن العلامة. بل إنها تقوض طابع الندرة المميز للنماذج الأصلية وتنتقص من الإرث الحقيقي للعلامة. إننا لا نستهدف بنتلي دون غيرها بموقفنا. أعتقد أن الواقع نفسه ينطبق على العلامات الأخرى التي انضمت إلى قافلة استنساخ الطرز الأصيلة."

يقول كيدستون: "إن لهذا التوجه تداعيات طويلة الأمد أيضًا، لأنه قد يتسبب في التباس مستقبلاً حول ما هو حقيقي وما ليس حقيقيًا. من النادر أن يتحوّل أي منتج على المدى الطويل إلى ابتكار حصري لجامعي الفرائد إذا كان قد طُور لهذه الغاية خصوصًا. فأي نسخة جديدة تقتصر غايتها من منظور الصانع على تحقيق عائد مالي تفتقر إلى نزاهة المقصد. إنها تخلو من أي قيمة أصيلة. فهذا الطابع الساحر لا يتأتى إلا من خلال عناصر العمر، والتاريخ، والأصالة."

يتشارك كيدستون هذه الهواجس مع آخرين. يقر بروس ماير، أحد المديرين في متحف بيترسن للسيارات Petersen Automotive Museum ومالك مجموعة ضخمة من المركبات العريقة، بأن السيارات الجديدة من طرز قديمة تتيح لأولئك الذين لا يمتلكون المقدرة على دفع ثمن مركبة أصلية الدخول في اللعبة. غير أنه يستطرد قائلاً: "لكنك سترغب في تفادي هذه السيارات إذا كنت جامعًا جادًا لأنها ستنال من أصالة مجموعتك كلها."

 

مقصورة السيارة رقم 2 الأصلية، مركبة هنري بيركن من طراز Blower الذي يجسّد تقاليد علامة بنتلي.

Bentley
مقصورة السيارة رقم 2 الأصلية، مركبة هنري بيركن من طراز Blower الذي يجسد تقاليد علامة بنتلي.

إن ما يغذي قيمة أي منتج قابل للجمع هو ندرته. لذا فإن سد النقص في أي عرض متناقص سيجعل القلق يتعاظم بطبيعة الحال في ظل تراجع القيمة المتصورة للمنتج. نطرح مثالاً على ذلك سيارة بورشه 993، التي تشكل الجيل الرابع من طراز 911. تحولت هذه السيارة، بوصفها آخر نسخة مجهزة بالمحرك الخاص بالشركة المكوّن من ست أسطوانات في خط مستقيم والذي يعمل بالتبريد الهوائي، إلى مطلب منشود للهواة المولعين بعلامة بورشه وخبراء تعديل المركبات المستعملة. تسبب ذلك في ارتفاع سعر النماذج من هذا الطراز إلى ملايين الدولارات في بعض الحالات. إذا ما افترضنا أن بورشه ستعيد إنتاج المحرك المجهز بنظام تبريد هوائي، فإن سيارة بورشه 993 ستتحول إلى علامة نجمية على لائحة أمنيات جامع السيارات بدلاً من أن تشكل علامة تعجب. فعنصر الندرة سيتلاشى.

 

"من النادر أن يتحول أي منتج على المدى الطويل إلى ابتكار حصري لجامعي الفرائد إذا كان قد طور لهذه الغاية خصوصا. فأي نسخة جديدة تقتصر غايتها من منظور الصانع على تحقيق عائد مالي تفتقر إلى نزاهة المقصد."

إرث لا ينقضي

في المقابل، ينظر أنصار هذا التوجّه إلى الأمور من منظور مختلف. يرى تيم هانيغ، قائد المشروع في بنتلي، أن قرار إعادة إحياء طراز Blower جسّد استجابة عملية للرغبة في إطالة أمد مركبة محددة. يقول هانيغ في تصريح لمجلة Robb Report: "استُخدمت النماذج الأصلية من هذا الطراز إلى حد مفرط لأغراض ترويجية، وفي المناسبات، وفي الجولات المنظمة لكبار الشخصيات، وما شابه ذلك. بل إنها استُخدمت على الأرجح على نحو يفوق ما كان ينبغي أن يكون عليه الحال إذا ما أخذنا في الحسبان عمرها وقيمتها. انبثقت الفكرة بهدف ابتكار نسخة من السيارة باستخدام قطع تبديل للطراز الأصلي". ما إن شاع الخبر حتى تلقت الشركة طلبات من الزبائن الأوفياء لبنتلي لإنتاج بضع نسخة إضافية.

ينطوي المسار المضني لبناء نسخة طبق الأصل جديدة بالكامل ومطابقة لمواصفات حقبة الطراز القديم، على ما يصفه هانيغ "بعلم الآثار الصناعي": نقب فريقه السجلات القديمة بحثًا عن المخططات والوثائق حول المواد المستخدمة في الأصل، وجرى تفكيك أجزاء رئيسة من السيارة، ثم مسحها بالكامل لإنتاج نموذج رقمي. فرض الهيكل الداخلي، المصنوع من صفيحة معدنية بطول 16 قدمًا، واحدًا من أبرز التحديات واقتضى استنساخه تقنية قديمة في استخدام المطرقة، وآلة تعود إلى سنة 1899.

يقول هانيغ: "إننا نستخدم التقنيات الحديثة لبلوغ غايتنا، ولكننا نعتمد أساليب تقليدية لابتكار الأصول الحقيقية التي يجري تركيبها في السيارة. لو أننا انتظرنا لوقت أطول بعض الشيء، لكانت المهارات الحرفية قد اختفت حتمًا. إنه أسلوب رائع لا يتيح الاحتفاظ برماد حقبة ما، ولكنه يسمح أيضًا بالحفاظ على شعلة النار متوهجة ولو على نطاق صغير."

 

سيارة جديدة من طراز Shelby 427 Cobra القديم بنتها شركة Superformance.

Alain Peeri/Ted7/Superformance
سيارة جديدة من طراز Shelby 427 Cobra القديم بنتها شركة Superformance. 

أمجاد تكتمل

كانت علامة جاغوار رائدة في هذا التوجه، إذ افتتحت مركز Jaguar Classic للتراث واستعادة المركبات في عام 2014. تمثل أول أمر عمليات للمركز بإعادة ابتكار سيارة مرجعية إذ إن مركبة كهذه كفيلة باستعراض قدرات هذا القسم على أحسن وجه ممكن. لكن فكرة إعادة إحياء الماضي ارتكزت أيضًا إلى نوع من العمل غير المكتمل. يقول دان بينك، مدير المركز: "إن النماذج المخطط لإنتاجها من بعض طرز مركباتنا الأكثر شهرة لم تكن دائمًا تكتمل ضمن حقبة إنتاج الطراز، وذلك لأسباب مختلفة. لكن برامج إنتاج سيارات جديدة من طرز قديمة أتاحت لنا تصويب هذا الوضع. كما أن هذه البرامج تشكل ممارسة تعلمية قيمة جدًا لفريقنا من حيث كونها تتيح التدفق المتعاقب للمعارف والخبرات من الأجيال السابقة بما يساعد على تعرّف أدق التفاصيل في مركباتنا الأعلى تميزًا."  

تركز العمل إلى الآن على ثلاثة طرز تعود إلى العصر الذهبي للعلامة في خمسينيات القرن الفائت وستينياته، وهي طُرز D-type، وXKSS، وE-type. في عام 1963، وضعت جاغوار خطة لبناء 18 نسخة من سيارة Special GT E-type، لكن العدد المكتمل من هذه النماذج اقتصر على 12 نسخة إلى أن جرى في عام 2016 إنجاز النماذج الستة الأخيرة وفق مسار استنساخ كان من الدقة بحيث أتاح تأهل هذه النماذج للفوز بشهادة مركبات السباق التاريخية من الاتحاد الدولي للسيارات.

توجهت أنظار جاغوار بعد ذلك إلى طراز XKSS، النسخة المخصصة للقيادة على الطرقات من سيارة السباق D-type. لم ينجُ من الحريق الذي اندلع في مصنع العلامة سنة 1957 سوى 16 نموذجًا من السيارات الخمس والعشرين الأصلية من هذا الطراز. أما النماذج التسع البديلة اللاحقة، فلم تكتمل إلا بعد 61 عامًا في سنة 2018. فضلاً عن ذلك، أعلنت جاغوار عن إنتاج 25 سيارة جديدة من طراز D-type لا يزال بعضها قيد التصنيع وإن كانت قد بيعت كلها (سُلمت السيارات كلها من طرازي XKSS وE-type إلى أصحابها).

"لا تحتاج أي علامة متفوقة إلى غزو أرشيف الماضي، ولا أعتقد أن مثل هذه المقاربة تخلف أثرا طيبا عن العلامة."

يُعزى أحد أسباب ارتفاع الطلب إلى واقع أن النماذج الأصلية من طراز D-type الجديرة بالمشاركة في مسابقات الأناقة تحقق أسعارًا تقارب تسعة ملايين دولار (بالرغم من أن نموذجًا منها بيع سنة 2016 في أحد المزادات مقابل 21 مليون دولار)، في حين أن النماذج المعاصرة تُباع بسعر يعادل تقريبًا تُسع هذا المبلغ. وعلى ما أشار ماير سابقًا، يمكن للسيارات الجديدة من طرز قديمة أن تلبي رغبة أولئك الذين لم تتوافر لهم بعد الموارد الكافية للاستثمار في مركبة أصيلة عتيقة الطراز. كما أنها تشكل في حالة أولئك الذين يمتلكون موارد مالية غير محدودة تقريبًا وسيلة للحفاظ على الاستثمار الأعلى قيمة في سيارة قديمة أصيلة. لا شك في أن لهذا التوجه طابعًا حصريًا، لكنه ذو تأثير طاغ في المستوى الأعلى تميزًا في عالم جمع السيارات.

يقول بيتر مولن، وهو عضو آخر في مجلس إدارة متحف بيترسن للسيارات، ومؤسس متحف مولن للسيارات Mullin Automotive Museum في كاليفورنيا الجنوبية أيضًا: "إن المركبات الجديدة من طرز قديمة تتيح للجامعين الاستمتاع بسياراتهم دون تكبد كلفة استخدام المركبات الأصلية والقلق المرافق لذلك. فلا أحد يرغب في تحطيم مصد سيارة عمرها 70 عامًا أو إصابة الطلاء الأصلي بخدوش. إن السيارات الجديدة من طرز قديمة تُعد الخيار الأمثل للرحلات اليومية أو حتى لعطلات نهاية الأسبوع."

 

يستمر مسار استعادة الطرز القديمة في منشأة أستون مارتن في نيوبورت باغنيل حيث أعادت الشركة إحياء طراز DB4 GT Zagato من خلال 19 نموذجا جديدا.

Aston Martin
يستمر مسار استعادة الطرز القديمة في منشأة أستون مارتن في نيوبورت باغنيل حيث أعادت الشركة إحياء طراز DB4 GT Zagato من خلال 19 نموذجا جديدا. 

على خطى جميس بوند

لا غرابة في أن يحظى رأي مولن بدعم بول سبايرز، رئيس وحدة Aston Martin Works لاستعادة الطرز القديمة وصيانتها في أستون مارتن. يقر سبايرز بأن بعض زبائن أستون مارتن الأوفياء تخوّفوا من استعادة الطرز القديمة، لكن "مخاوفهم سرعان ما تبددت عندما زاروا المصنع واختبروا جودة العمل، وشغف الفريق المعني وتفانيه" على ما يقول سبايرز الذي يضيف: "بل إن بعض مالكي النماذج من السيارات الأصلية ذهبوا إلى حد ابتياع نموذج أو أكثر من المركبات الحديثة من طرز قديمة."

بعد أن أعاد سبايرز وفريقه في عام 2017 ابتكار 25 نموذجًا من طراز DB4 GT الشهير الذي أنتجته أستون مارتن بين عام 1959 وعام 1963 (بلغ سعر كل نموذج جديد 1.9 مليون دولار)، عملوا على إنتاج 19 نموذجًا إضافيًا من طراز DB4 GT Zagato الذي يعود إلى مطلع ستينيات القرن الفائت. أما اليوم، فيتركز اهتمامهم على إنتاج نماذج جديدة من إحدى المركبات الأكثر شهرة في العالم. إنها سيارة الطراز DB5 التي قادها الممثل الراحل شون كونري سنة 1964 في دور العميل جيمس بوند في فيلم غولدفينغر Goldfinger  أو إصبع الذهب. ستُجهز النماذج الجديدة من الطراز القديم DB5 Goldfinger Continuation بالمزايا المحسنة نفسها التي استخدمها العميل بوند، بما في ذلك نظام نشر الحاجز الدخاني، ولوحات الأرقام الدوارة، والزجاج المضاد للرصاص. يقارب سعر النموذج الجديد من هذا الطراز 3.6 مليون دولار، فيما بيعت إحدى سيارات الكوبيه الأصلية من الطراز نفسه - التي استُخدمت أواسط ستينيات القرن الفائت للترويج للفيلم – بنحو 6.4 مليون دولار في مزاد انعقد في شهر أغسطس آب 2019 خلال أسبوع مونتيري للسيارات في كاليفورنيا. يبدو أنه يتأتى لك أن تضع سعرا للمنشأ.

 

Aston Martin
 

الشغف المستمر

لكن كثيرا من العلامات وجامعي السيارات يرون أن فلسفة طرح مركبات جديدة من طرز قديمة لا تتعلق بالمال فحسب. يعتقد مولن أن هذه المركبات "تعيد تأجيج الشغف في صفوف الشباب من الهواة المتحمسين وتعزز هذه الهواية" على ما يقول محقًا، على الأقل من منظور باني السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية لانس ستاندر وفريقه في شركة Superformance. تُعد هذه الشركة الكيان الخارجي الوحيد المجاز له إعادة ابتكار النسختين المرجعيتين 289  و427  من طراز شيلبي كوبرا التقليدي، الذي طوّره الراحل كارول شيلبي والذي صادق على إنجازات شركة ستاندر، فضلاً عن نماذج جديدة من طراز GT40 الذي أسهم شيلبي في تطويره لصالح فورد. يقول ستاندر: "يقصدنا زبائن في أواخر العشرينيات من العمر ومطلع الثلاثينيات. يعمل أحدهم في مجال تصميم الألعاب الإلكترونية، وقد اشترى منّا نموذجين من طراز GT40 وسيارة من طراز شيلبي كوبرا."

 

"لو أننا انتظرنا لوقت أطول بعض الشيء، لكانت المهارات الحرفية قد اختفت حتما. إنه أسلوب رائع لا يتيح الاحتفاظ برماد حقبة ما، ولكنه يسمح أيضا بالحفاظ على شعلة النار متوهجة ولو على نطاق صغير."

إذا كان جامعو السيارات عاجزين عن حسم موقفهم حول إذا ما كانت هذه المركبات تجسد عملاً بغيضًا أو ابتكارًا منشودًا إلى حد بالغ، فإن السوق قد تحسم المسألة. يقول براين رابولد، نائب رئيس وحدة خدمات التثمين في شركة Hagerty Classic Insurance المتخصصة في التأمين على السيارات الفاخرة: "لم يكن أحد يعلم حقيقة ما ستؤول إليه الأمور عندما تبدّل وضع الاقتصاد العالمي في شهر مارس آذار الفائت. لكن السوق (الخاصة بالفرائد الجديرة بالجمع) مزدهرة جدًا الآن."  تشير تقديرات شركة Hagerty إلى أن سيارات أصلية عدة من الطرز المذكورة آنفًا شهدت ارتفاعًا في سعرها أو حافظت على قيمتها الثابتة بعد أن طُرحت في السوق نماذج جديدة من الطرز نفسها، وذلك بالرغم من الغموض الذي ساد العام الفائت. (اقرأ فيما يأتي "الزمن خير حكم").

 

نموذج احتفالي من Superformance في الذكرى الخمسين لسيارة السباق GT 40 Mk I التي فازت ببطولة لومان سنة 1969.

Superformance
نموذج احتفالي من Superformance في الذكرى الخمسين لسيارة السباق GT 40 Mk I التي فازت ببطولة لومان سنة 1969. 

نادرة ونفيسة

لم تفقد إذاً السيارات الأصيلة عتيقة الطراز، التي تمتد جذور حكاياتها عميقًا في خزانات الوقود فيها، قيمتها العالية. لكن النماذج الحديثة احتفظت بالمثل بقيمتها. شمل مزاد لدار آر إم سوذبيز انعقد في شهر أكتوبر تشرين الأول الفائت نموذجًا من كل من سيارات جاغوار الجديدة من طرز قديمة. بيع النموذج الأرخص مقابل 1.32 مليون دولار، فيما حقق النموذج الأغلى ثمنًا مليوني دولار، ما يؤكد حتمًا وجود جمهور راغب حقيقة في تخصيص مكان لهذه المركبات في مجموعاته.

يقول ألكسندر ويفر، خبير السيارات في دار آر إم سوذبيز: "إن المركبات الجديدة من طرز قديمة تُشكل فئة مستقلة. إنها ليست نسخًا طبق الأصل، لكنها ليست سيارات أصيلة عتيقة الطراز. كما أن المثير للاهتمام هو أن بعضها أكثر ندرة من الطراز الأصلي (على ما هو عليه حال المركبات الجديدة من طراز D-type القديم من جاغوار التي بلغ عددها ثلث عدد النماذج الأصلية الخمس والسبعين)، الأمر الذي يزيد من الطلب عليها."

سيارة مستعادة من طراز E-type Jaguar Lightweight من جاغوار، تندرج ضمن سلسلة النماذج الستة الجديدة التي اكتمل بناؤها سنة 2016.

John Wycherley/Jaguar
سيارة مستعادة من طراز E-type Jaguar Lightweight من جاغوار، تندرج ضمن سلسلة النماذج الستة الجديدة التي اكتمل بناؤها سنة 2016.  

هل تكون هذه السيارات فقط وسيلة للحفاظ على إرث كان ليذوي ويتبدد لولا الزخم الجديد؟ هل نحتاج حقيقة إلى مستقبل تصدأ فيه سيارة قديمة نفيسة من طراز Blower تحت غطائها بسبب عدم توافر تقنيين قادرين على صيانتها، حتى وإن كان تدهور حالها يزيد من قيمتها بدلاً من أن ينتقص منها؟ قد يكون جوهر الحقيقة أبسط من ذلك بكثير. صحيح أن الوضع قد لا يبقى على حاله إلى الأبد، لكن ألا يُعقل أن يستفيد اليوم أصحاب المصلحة كلهم في لعبة استعادة الطرز القديمة بغض النظر عما يكتبون في رسائلهم، حتى وإن لم يكونوا معنيين بالاعتراف بذلك؟