هل تمتلك شركة السيارات البريطانية علامة قوية بما يكفي لتنجح في طرح أسهمها

للتداول؟

 

منذ أن أبصرت شركتا فيراري وأستون مارتن النور وهما تتصارعان فوق حلبات السباق وفي أروقة المزادات، وتتنافسان على مساحة مواقف السيارات في دور الأثرياء وجدران غرف نوم المراهقين. لكن الخصومة بينهما قد وجدت طريقها اليوم إلى حلبة جديدة تتمثل في أسواق الأسهم العالمية. أدرجت أسهم فيراري في بورصة نيويورك في عام 2015، فيما طُرحت أستون مارتن للتو، وبعد طول انتظار، للاكتتاب العام، في بورصة لندن بالطبع.

 

سيَسُر أستون مارتن لمرة واحدة أن تمضي في أعقاب فيراري. فقبل أن تُطرح الشركة الإيطالية للاكتتاب العام، سعى المحللون إلى تقييمها كما يقيّمون أي صانع سيارات تقليدي. لقد شجبوا إصرار سيرجيو مارشيوني، الرئيس التنفيذي الراحل لدى فيراري، على ضرورة مقاربتها بوصفها شركة للمنتجات الفاخرة، واجتذاب مضاعفات السعر التي تفوق في هذا القطاع ما هي عليه في غيره إلى حد بالغ. وبالرغم من أن أولئك المحللين وصفوا سعر العرض الأولي بالجامح، فإن المستثمرين تجاهلوا رأيهم وآثروا الإصغاء إلى مارشيوني. شهدت قيمة الأسهم ارتفاعًا مستمرًا بنسبة بلغت %150، لتتقدم إلى تحقيق الضعف في الأرباح.

 

سيأمل الكويتيون والإيطاليون من ملاك الأسهم الخاصة في أستون مارتن بأن تتطلع السوق إلى شركتهم من المنظور نفسه. لكن قد يكون من الحكمة أن يولي المستثمرون هذه المرة مزيدًا من الاهتمام لتقييم المحللين. تُعد فيراري ببسيط العبارة واحدة من أعظم العلامات التجارية في العالم. لكن اسمها يرتبط، خلافًا لما هو عليه الحال لهيرميس أو برادا، ارتباطًا وثيقًا بمنتج واحد هو السيارات السريعة. وليس من السهولة بمكان أن تُدمغ سلع أخرى بشعار فيراري، كما تفعل هيرميس إذ تضع شعارها على الحقائب والأوشحة والساعات. أما استخدام الشعار على منتجات أخرى، من الدببة المحشوة إلى متنزهات الألعاب، ففيه مخاطرة من حيث كونه قد يبدو متكلفًا أو استغلاليًا.

 

فيما كانت أستون مارتن تتهيأ لطرح أسهمها للبيع، عملت جاهدة لكي تثبت أنها تشكل أيضًا علامة فاخرة «محمولة» يمكن ربطها بمنتجات أخرى، ومن ثم استحداث مصادر جديدة للإيرادات. لكنها واجهت المشكلة نفسها التي اعترضت فيراري. لقد اطلعنا على زورق AM37، ومجموعة شقق أستون مارتن السكنية Aston Martin Residences في ميامي، والغواصة صغيرة الحجم Project Neptune، حتى مفهوم السيارة الطائرة Volante Vision. لكن جل ما فعلته أستون مارتن في الأمثلة الثلاثة الأولى هو أنها وضعت اسمها وبعض اللمسات التصميمية الخاصة بها على منتج شركة أخرى، ما خلف لدى هواة العلامة والمستثمرين على حد سواء شعورًا بعدم الاقتناع في أحسن تقدير.

 

يمكن رصد التأثير الحقيقي لقوة علامة فيراري في الأثمان التي تحددها لمركباتها. فمقدار الاستحسان الذي تحظى به فيراري يعني أنها تستطيع أن تفرض السعر الذي تريده، ما يجعلها شركة مربحة للغاية بحسب المعايير المحبطة في غالب الأحيان التي تحكم قطاع السيارات. كما أن هذا القدر من الاستحسان الذي تلقاه سيجعلها تحافظ على وضع معافى في الأوقات العصيبة. ثمة قوائم انتظار طويلة بأسماء الراغبين في ابتياع نماذج من طراز مركبات فيراري 488 الذي يحتل مكانة مركزية في أسطول العلامة. وبالرغم من أن هذه القوائم ستقصر في ظل أي انكماش اقتصادي، فإن عمليات تسليم المركبات إلى أصحابها لن تتغير. بل إن مبيعات الشركة لم تكد تتأثر بتداعيات الأزمة المالية. صحيح أن تقييمها بالغ الارتفاع يُعزى بجزء منه إلى الشغف بمركباتها، إلا أن بعض المستثمرين المؤسساتيين الأكثر عقلانية يرون فيها، على نحو مفاجئ ربما، أسهمًا دفاعية.

 

فيراري

 

لكن الوضع مغاير لأستون مارتن. فكما هو عليه الحال لكثير من الأرستقراطيين البريطانيين الذين توفر لهم هذه العلامة ابتكاراتها، فإن إرثها النبيل يتعارض مع هشاشتها المالية. فقد تعرضت هذه الشركة للإفلاس سبع مرات، وتبدل مالكوها مرات لا عد ولا حصر لها. كما أن مبيعاتها انخفضت إلى النصف خلال الأزمة المالية، ولم تعاود الارتفاع إلا مؤخرًا. لكن أستون مارتن تمتلك في المقابل خطة موثوقة تتيح لها أن تحقق أخيرًا الحجم الذي تحتاج إليه لضمان استقرارها. استقال أندي بالمر، رئيسها التنفيذي، من منصبه في المرتبة الثالثة في أعلى الهرم الإداري لشركة نيسان عالميًا، ليتولى قيادة العلامة البريطانية في أكتوبر تشرين الأول من عام 2014. ويدرك بالمر أن السوق العالمية للسيارات الرياضية، متفوقة الأداء والمكونة من مقعدين، صغيرة وساكنة إلى درجة لا تتيح تحقيق الحجم المنشود.

 

لذا اقتضت خطة «القرن الثاني» التي اعتمدها توسيع حضور الشركة الإنتاجي إلى حد مهيب ليشمل إطلاق سبعة طرز جديدة تضم مركبات رياضية متعددة الاستعمالات، وسيارات سيدان، وسيارة خارقة بمحرك يحتل موقعًا مركزيًا فيها، فضلاً عن مجموعات قيادة كهربائية. وقد خططت الشركة لزيادة المبيعات من 64 ألف مركبة لهذا العام وصولاً إلى 140 ألف سيارة بحلول عام 2023.

 

لا شك في أن ثمة خطرًا قائمًا في هذا التوجه، لكنه لا ينجم عن تقويض صورة العلامة من خلال توسيع دائرة نشاطها. باتت سيارات بورشه الرياضية الأساسية تتمتع بمزايا هندسية محسنة نتيجة لتوسعها المربح جدًا في مجال إنتاج المركبات الرياضية متعددة الاستعمالات، دون أن ينتقص ذلك من الاستحسان الذي تحظى به. لكن أستون مارتن تحاول تحقيق خطتها دفعة واحدة. تتنافس أستون مارتن، إذ تعمل منفردة، مع علامات تستفيد من الحجم الضخم لكبرى المجموعات الناشطة في صناعة السيارات التي تمتلكها، ووفورات الإنتاج التي تتميز بها هذه المجموعات. ستصنع الشركة في مصنعها الجديد في ويلز طرزًا من السيارات لم يسبق لها إنتاجها من قبل، موظفة لأجل ذلك قوة عاملة جديدة، بينما يجدر بها بموازاة ذلك الحفاظ على أعلى معايير الجودة وعلى روح الصنعة الحرفية. ولا تُعد هذه المهمة سهلة.

 

سيؤدي تطوير هذه المركبات الجديدة إلى زيادة في الميزانية العامة للشركة، وما زال علينا أن ننتظر رؤية هذه السيارات أو قيادتها. صحيح أن السيارات الجديدة التي أطلقت تحت راية خطة «القرن الثاني»، وبشكل رئيس السيارات من طرازي DB11 وVantage الجديدين، كانت محط ترحيب عارم، لكنها فقط مركبات رياضية ببابين من النوع الذي واظبت أستون مارتن على إنتاجه.

 

ربما كان المستثمرون العقلانيون ليفضلوا أن يمر وقت أطول بعض الشيء قبل طرح أستون مارتن للاكتتاب، وأن ينتظروا إلى ما بعد اختبارهم قيادة سيارة DXB الجديدة المتوقع طرحها العام المقبل ضمن فئة المركبات الرياضية متعددة الاستعمالات، واستكشافهم مدى صمود الشركة في وجه تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما سينجم بعد سنتين أخريين عن خطتها التوسعية الشرسة. لكن العلامة حددت سعر العرض على أسهمها بمبلغ 24.68 دولار لكل سهم، وقدَّرت تقييم الشركة بمبلغ يعادل 5٫6 مليار دولار، أي عند الحد الأدنى من نطاق القيمة الذي اقترحته في البداية. صحيح أن هذا المبلغ يبقى غير مبرر، لكن شأنه في ذلك، من منظور أي شخص عقلاني، شأن التقييم الأولي لفيراري. فلو أنك استفتيت آنذاك قلبك عوضًا عن عقلك، لكنت اليوم قادرًا على بيع أسهم فيراري التي تمتلكها لتشتري بأرباحك إحدى مركبات هذه العلامة.

 

بن أوليفر صحافي متخصص في عالم السيارات حاز جوائز عدة، وخبير استشاري، وكاتب خطابات، يتخذ من المملكة المتحدة مقرًا له.

 


بن أوليفر صحافي متخصص في عالم السيارات حاز جوائز عدة، وخبير استشاري، وكاتب خطابات، يتخذ من المملكة المتحدة مقرا له.