يتميز اليخت أورورا البالغ طوله 161 قدما

بخطوط محددة المعالم تجعله واحدًا من اليخوت الفارهة الحديثة ذات المظهر الخارجي الأكثر جرأة.

أما مساحاته الداخلية التي تحمل توقيع

المصمم أخيل سالفانيي، فالغلبة فيها للمنحنيات والأشكال ولتجليات ترف ماتع.

 

أمضي وقتًا قيِّمًا وطويلاً مع زبائني لكي أتمكن من التعرف إلى طبيعة أحلامهم. وبعد ذلك أقوم بتحويل تلك الأحلام إلى تصاميم ما كانوا هم أنفسهم يتصورونها بات المهندسون المعماريون المختصون في مجال تطوير الأبنية السكنية يتمتعون بحظوة في عالم اليخوت الفارهة. بل إنهم يحلون في بعض الحالات محل مصممي اليخوت التقليديين. يعمل هؤلاء المهندسون، غالبًا، على تحويل معايير التصاميم البحرية الراسخة والمألوفة إلى ما يشبه رديف الكنزة ذات الياقة المرتفعة في عالم الأناقة، أي أنهم يُظهرونها بشكل جميل إنما دون أن يعمدوا إلى المبالغة.

 

اليخت أورورا

  

يرغب أصحاب اليخوت اليوم في أن تعكس تصاميمها المشغولة وفق الطلب طابع المنازل وأجواءها. كما أنهم يبدون حرصًا على أن يكون تصميم اليخت متفردًا وغير مستنسخ، فيعمدون بالنتيجة إلى الاستعانة بخدمات استديوهات التصاميم والخبراء المختصين الذين يتقنون ابتكار المظهر التصميمي المتمايز فلا يقتصر دورهم على تنسيق بضع قطع من المفروشات الفخمة. حقق أخيل سالفانيي Achille Salvagni إنجازات كثيرة في مجال التصميم، فوضع بصمته مثلاً على شقق سكنية تُشرف على سنترال بارك، وبيوت ريفية الطراز في لندن، ومجموعة من قطع الأثاث وتراكيب الإنارة التي تحظى بشعبية واسعة. وقد أفلح هذا المصمم في الارتقاء باسمه إلى مرتبة رفيعة في عالم اليخوت الفارهة. بل إن سالفانيي، الذي يشتهر بالتصاميم المشغولة بحسب الطلب والحرفية العالية، والتفاصيل المميزة التي تحمل بصمته، قد بات مقصدًا للزبائن الذين يبحثون عن تجربة عيش متمايزة على متن يخوتهم. لعل اليخت أورورا، البالغ طوله 161 قدمًا الذي أطلقته مؤخرًا شركة روسينافي الإيطالية، يُعد واحدًا من أبرز المآثر التي ابتكرها.

 

كوّة السقف ذات الخطوط المتعرّجة.

تتمايز تصاميم سالفانيي بمقاربته التي يغلب عليها طابع فني تعكسه أعمال معاصرة تضفي أجواء غير متوقعة على المكان.

 

يشكل اليخت أورورا ثالث مشروع تعاون بين سالفانيي وروسينافي، إذ سبق له أن صمم لصالح هذه الشركة اليخت Numptia بطول 230 قدمًا، واليخت Endeavour II البالغ طوله 164 قدمًا. يعكس كل من اليخوت الثلاثة مقدرة سالفانيي الفذة على الجمع بين مؤثرات تصميمية فاخرة، وألوان غير مبهرجة، ومساحات تغلب عليها خطوط انسيابية، إنما بموازاة الحفاظ على روح فردية مميزة للمكان. خلال جولة على متن اليخت أورورا في سياق معرض موناكو لليخوت، قال لي سالفانيي: «إني أعدّ نفسي طبيبًا نفسيًا بقدر ما أنا مصمم. فأنا أمضي وقتًا قيمًا وطويلاً مع زبائني لكي أتمكن من التعرف إلى طبيعة أحلامهم. وبعد ذلك أقوم بتحويل تلك الأحلام إلى تصاميم ما كانوا هم أنفسهم يتصورونها».

 

كوّة السقف ذات الخطوط المتعرّجة. 

تشكل المنحنيات عنصرًا مهما في تصميم سالفانيي كما يشهد كرسي Gae
 

يذكر أن تصميم يختٍ ما يتطلب مقاربة ذهنية مختلفة تمامًا عن تلك التي يمكن اعتمادها لتصميم منزل شاطئي في ماليبو، أو قصر في البندقية. في حالة اليخت، لا يتعلق الأمر بالحرص على اختيار المواد فحسب، تماشيًا مع مقتضيات الحفظ على وزن اليخت خفيفًا قدر الإمكان. بل إنه يشمل أيضًا التنبه إلى غياب أي روابط دائمة بين اليخت ومحيطه. يقول سالفانيي موضحًا: «إذا كنت تبتكر تصميمًا لمنزل في بالم بيتش أو في لندن، فإن إرث المكان نفسه يشكل قاعدة أساس لهوية المشروع». أما في حالة اليخت، فالمناظر المحيطة به تظل تتبدل بصورة مستمرة. لذا يستطرد المصمم قائلاً: «إن التصميم يتمحور بالنتيجة حول صاحب اليخت نفسه وليس حول موقع محدد».

 

أما عند سالفانيي، فيستحضر اليخت أورورا صورة وحيد قرن، لا سيما إن نظرت إليه من الجهة الأمامية. وعن هذا يقول: «إن الناظر إلى اليخت يكاد يرى الكتلة العضلية التي تحتجب تحت هيكله الخارجي». وكان مالك أورورا، وهو شاب سويسري يبلغ الثامنة والعشرين من عمره، قد أبدى رغبته في الحصول على يخت تميزه مواصفات بصرية غير اعتيادية، على مستوى المظهر الخارجي والتصاميم الداخلية على حدٍّ سواء. وإذ ذاك، عمد فولفيو دي سيموني، صاحب الباع الطويل في مجال هندسة اليخوت، إلى ابتكار أسطح خارجية لليخت تتسم بجوانبها الحادة ومحددة المعالم، ومساحات فسيحة للغاية، وبنية فوقية منخفضة الارتفاع. وقد شملت المرافق المميزة للمساحات الخارجية مجلسين، وشرفة خاصة ألحقت بالجناح الرئيس الذي أقيم فوق السطح العلوي، إضافة إلى نادٍ صحي يضم حجرة بخارية في النادي الشاطئي.

 

كوّة السقف ذات الخطوط المتعرّجة.
كوّة السقف ذات الخطوط المتعرّجة.

 

لكن الأسطح الخارجية غير التقليدية بتصميمها، لا سيما النوافذ الأمامية الضخمة التي تنحدر نزولاً في الجناح الرئيس، فرضت مزيدًا من الصعوبات على مهمة سالفانيي. وفي هذا يقول المصمم: «إن اليخت كان يبدو رائعًا من الخارج. لكنني أدركت أيضًا أننا لن نتمكن من إخفاء العناصر البنيوية. لذا كان علينا احتواؤها بطريقة ما في التصميم». هذا ما حققه المصمم بابتكاره «أجنحة بيضاء» أو بتعبير آخر أعمدة عريضة دثرها بكسوة من الجلد وجعلها مدمجة في خط ميلان النوافذ. يوفر الجناحان والنوافذ المقابلة للسرير كبير الحجم في الجناح الرئيس إطلالة آسرة على الأفق البحري دون تقويض حس التناغم المميز للمكان. يقول سالفانيي: «استطعنا أن نضفي طابعًا منزليًا على مساحة كانت تبدو أشبه بتصميم حلبة سباق».

 

استطعنا أن نضفي طابعا منزليا على مساحة كانت تبدو أشبه بتصميم حلبة سباق

 

بعد أن استطلعت عشرات اليخوت الفارهة المصممة بحسب الطلب في سياق معرض موناكو، أبهرني ابتكار سالفانيي. المساحة كلها تعكس حالة تعبيرية انسيابية جريئة تحددها المنحنيات التي تُعد الشكل الأكثر جرأة في لغة التصاميم. والواقع هو أن عناصر التصميم، ومنها كوّة السقف والدرج المنحوت بإتقان والأرائك الوثيرة في الصالون، كلها تكرس اندماج اليخت أورورا بغير مشقة في هذه اللغة التصميمية القائمة على المنحنيات.

 

يعزز الحمّام بتفاصيله الأنيقة والمصقولة طابع الفخامة والتصميم بحسب الطلب اللذين يميزان هذا المشروع. 
يعزز الحمام بتفاصيله الأنيقة والمصقولة طابع الفخامة والتصميم بحسب الطلب اللذين يميزان هذا المشروع.

 

كان استخدام «المواد النبيلة» كما يسميها المصمم أساسيًا في هذا المشروع. وقد أبدى سالفانيي، المناصر دومًا للمشغولات الحرفية، تبصرًا في خياره للمواد المستخدمة والمفروشات المصممة بحسب الطلب التي اعتُمدت في مختلف أرجاء اليخت. وبهدف إضفاء بُعدٍ خاص على المساحات الداخلية وتعزيز عنصر التمازج والتراكب فيها، استخدم المصمم مجموعة متنوعة من الأخشاب تفاوتت بين خشب الساج للأرضيات وخشب شجر الجميز المخطط للجدران، زيادة على أنواع عدة من رخام كاريرا انتقاها بنفسه من مصادرها الإيطالية. أما مائدة الطعام، فطُعِّم سطحها بأوراق الذهب باستخدام تقنية حرفية شبه منسية كان قد طورها النجارون الباريسيون في عشرينيات القرن الفائت، وهي تقنية تُضفي على الأسطح ملمسًا شبيهًا بملمس جلد التماسيح. وقد ناغم سالفانيي بين هذه الطاولة وثريا بتصميم تقدمي ابتكرها لأجل حجرة الطعام في هيئة كرة. ولأن مالك أورورا أراد أن يكون يخته «قاربًا سريعًا» قادرًا على الإبحار بسرعة 28 عقدة، كان دي سيموني وسالفانيي متيقظين لمسألة الوزن. فالجدار الرخامي المتعرج في الجناح الرئيس مشغول على سبيل المثال من ألياف الكربون المصقولة بقشرة من رخام كاريرا.

 

تناغم مفهوم «الأجنحة البيضاء» الذي اعتمده سالفانيي في الجناح الرئيس مع هندسة اليخت البديعة التي تحمل توقيع فولفيو دي سيموني. 
تناغم مفهوم «الأجنحة البيضاء» الذي اعتمده سالفانيي في الجناح الرئيس مع هندسة اليخت البديعة التي تحمل توقيع فولفيو دي سيموني.

 

باختصار، يمكن القول إن سالفانيي أفلح، من خلال تطعيم تصميم اليخت أورورا بمعالم الفخامة، بالارتقاء بابتكاره فوق حدود «المساحة الساكنة التي تتزين بكل بساطة بقطع الأثاث وورق الجدران». وهذا ما يسعى وراءه تحديدًا الشبان من أصحاب اليخوت اليوم.

 


‏Achille Salvagni Architetti
‏www.achillesalvagni.com
 
‏Rossinavi
www.rossinavi.it