أحواض السفن المستدامة ومصادر الطاقة النظيفة تدفع بقطاع اليخوت في مسار أكثر وعيا للمقتضيات البيئية.

 

قد يجد مشترو القوارب في المستقبل أنفسهم على متن يخوت تستمد قوة دفعها من مظلات شراعية عملاقة، ليتحول ما كان في الماضي مختصًا بعالم الفرضيات إلى احتمال يمكن تحقيقه اليوم. فقد حقق قطاع صناعة اليخوت الفارهة في السنوات الخمس الأخيرة خطوات كبيرة وصغيرة على طريق التحول إلى لاعب عالمي صديق للبيئة. يتزايد انتشار اليخوت الهجينة، وتضطلع القوارب العملاقة، مثل اليخت REV Ocean البالغ طوله 600 قدم، بدور مزدوج من حيث كونها تُستخدم أيضًا سفنًا جوالة للأبحاث. كما ينشط أبرز الصناع من أصحاب الرؤى التقدمية في اختبار أنظمة دفع لا تستهلك أي وقود أحفوري، وتشمل الطاقة الشمسية، والمظلات الشراعية، والمحولات التي ترقى بمفاهيمها إلى مستوى قصص الخيال العلمي، وذلك بهدف إنتاج طاقة كهربائية فورية قابلة للتجدد.

خلال الأشهر الستة المقبلة، يمكننا أن نتوقع تغييرًا بحريًا أعظم، ليس في الطريقة التي يعتمدها قطاع اليخوت لقياس الاستدامة فحسب، ولكن في كيفية تعامله مع الانبعاثات أيضًا.

تقود هذا التحول عائلتا لارسن وفيدشيب، المسؤولتان عن بناء اليخوت الفارهة الأكبر في العالم، وذلك من خلال إطلاقهما مؤسسة الثورة المائية Water Revolution Foundation (WRF) غير الربحية. يتمثل الهدف الرئيس لهذه المؤسسة بابتكار مقاربة لبناء اليخوت ترتكز إلى العلم.

لكن مهمة المؤسسة تبدو أكبر من هذا الهدف، إذ تكمن في إزالة البصمة البيئية لقطاع اليخوت الفارهة للحفاظ على ما يقدّره حقًا أصحاب القوارب، أي الأنظمة البيئية البحرية تحت سطح الماء.

يقول هانك دي فرايز الثالث، الرئيس التنفيذي لشركة فيدشيب، وممثل الجيل الرابع من العائلة إنه وبيتر لارسن، القائد من الجيل الرابع لحوض بناء السفن الذي تمتلكه عائلته، ناقشا الفكرة قبل بضع سنوات. في منتدى لأصحاب الاختصاص في هذا القطاع نُظم مؤخرًا في أمستردام، يقول دي فرايز: «أخبرني بيتر أن علينا التحلي بالجدية إن كنا سنقدم على هذه الخطوة، ووافقته الرأي. لدينا أهداف طموحة جدًا.»

 

مشروع اليخت أكوامارين من هيسن.

 

تسعى المؤسسة إلى تأجيج ثورة في قطاع اليخوت الفارهة من خلال اعتماد تقنيات جديدة، وقياس التأثير البيئي. وفي سبيل ألا يكون الأمر أقرب إلى لغو في فكرة صديقة للبيئة من غير المحتمل أن تبصر النور، تأخذ المؤسسة في الحسبان المسائل الاقتصادية المرتبطة ببناء اليخوت بوصفها جزءًا من معادلتها، وذلك من خلال توفير أدوات جديدة تشتمل على حاسبات من الكربون مدمجة فيها للربط بين سلاسل التوريد التي تبدي قدرًا أكبر من الالتزام بالمعايير البيئية، والتصميم الصديق للبيئة، والعمر الافتراضي للقارب.

في ما يتعلق بفيدشيب، يعلو دي فرايز بسقف توقعاته. إنه يريد لليخوت الفارهة الحديثة التي تبنيها الشركة أن تستخدم بحلول عام 2025 الطاقة الهجينة فقط، أو أن تكون كهربائية بالكامل. ويدعم هذا الهدف عدد متزايد من أصحاب يخوت فيدشيب في عمر الشباب. وفي هذا يقول دي فرايز: «أولئك الذين لا يواكبون هذا المسعى هم مديرو المشاريع الأكبر سنًا وغير الراغبين في التخلي عن التقنيات المثبتة لصالح أخرى جديدة.»

تستثمر أحواض أخرى لبناء السفن في المساعي الهادفة إلى تعزيز الالتزام بمعايير الحفاظ على البيئة في مسارات تصنيع القوارب. في أنكونا بإيطاليا، يجمع المصنع الجديد لمجموعة فيريتي بين التبريد، والتدفئة، والطاقة بهدف خفض استهلاك الكهرباء وصولاً إلى نسبة %79، ويستخدم أيضًا الألواح الشمسية لإنتاج الطاقة. يقول ستيفانو دي فيفو، الرئيس التنفيذي للمشاريع التجارية في مجموعة فيريتي: «استخدمنا المواد القابلة لإعادة التدوير على متن يخوتنا الفارهة طيلة أعوام، لكن التصنيع يتطلب اعتماد التدابير الأشد تأثيرًا.»

كما تتبنى شركة أوشيانكو، المطورة لليخوت العملاقة، التقنية المستدامة في منشأتها في ألبلاسيردام بهولندا. سيسمح النظام الجديد الذي اعتمدته الشركة لاستعادة الحرارة وضخها بخفض معدل استهلاكها للغاز الطبيعي إلى النصف، فيما ستوفر هنا أيضًا الألواح الشمسية نحو %10 من مجمل الطاقة التي تحتاج إليها المنشأة. وإذ اختار الصانع الإيطالي سان لورينزو أن يمضي بهذا التوجه خطوة إلى الأمام، عمد إلى تركيب الألواح الشمسية على مساحة تعادل تقريبًا مرة ونصف مرة مساحة ملعب لكرة القدم، وذلك في إطار خطته لتحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل على مستوى إنتاج الطاقة.

 

اليخت التصوري Ice Kite.

اليخت التصوري Ice Kite.

 

أما التغير الثالث الذي سيجتاح عالم اليخوت، فيتمثل بقانون تنظيمي دولي يفرض خفض انبعاثات أكسيد النترات، التي تشكل مصدر تلوث كبير، بنسبة %70 في اليخوت التي يبلغ طولها 78 قدمًا أو أكثر. سيقتضي تحقيق ذلك إضافة محول خاص إلى المحركات، لكنها عملية معقدة.

الواقع هو أن النقص في الدقة الهندسية يحفز اليوم مسارًا لإعادة تصميم الهياكل وحجيرات المحركات. بل إن بعض الصناع أمثال هيسن قد لجأوا إلى تصميم هياكل أسرع وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، بما في ذلك الهيكل 5000 Aluminum Class الذي اعتمدته الشركة في مشروع يختها الجديد أكوامارين، وذلك بهدف استيفاء مقتضيات القوانين التنظيمية. تتصدر أيضًا أحواض سفن أخرى، تشمل بيلغن وسي آر إن، المشهد من خلال تصاميم مبتكرة تستوفي الشروط التنظيمية كافة.

تُعد هذه الأخبار كلها مبعث سرور لصناع اليخوت والمالكين على حد سواء. فبالإضافة إلى ابتكار يخوت أكثر اعتمادًا على أشكال الطاقة النظيفة، يتركز اليوم اهتمام أحواض السفن في العالم على الصورة الكبرى، أي صحة البحار والمحيطات التي تخوض اليخوت في مياهها، الأمر الذي يعني أن متعة الإبحار ستبقى مثيرة ورائعة في عام 3020 بقدر ما هو عليه حالها اليوم.

 

"تسعى مؤسسة الثورة المائية إلى تأجيج ثورة في قطاع اليخوت الفارهة من خلال اعتماد تقنيات جديدة، وقياس التأثير البيئي."