لطالما عُدَّ الحديث عن الطلاء مثيرًا للاهتمام بقدر مشاهدته يجف. لكنّ هذا الأمر ما عاد قائمًا اليوم. فكما تُغيّر التقنية كيفية بناء السيارات وقيادتها، تُحدث أيضًا تحولات في الكسوة التي تتدثّر بها هذه السيارات. وتتفاوت التطورات في هذا المجال بين الأصباغ التي تجعل لون الطلاء يتغيّر أو التي تكبح تأثير الحرارة، والجزيئات القادرة على أن تصحّح عيوبها تلقائيًا عندما تصيبها الخدوش. ويتسابق الصنّاع إذ ذاك إلى اكتشاف المعادلات المثلى الكفيلة بأن تحقق لهم التفوّق على منافسيهم.

 

تقول كلوديا براون، كبيرة المديرين في قسم الألوان والزخارف لدى مرسيدس- بنز: «إننا نعيش حاليًا حقبة مثيرة للاهتمام، ويشغلنا من حيث كوننا مصمّمين التفكير في الخطوة المستقبلية التالية». وتلفت براون إلى أنّ أحد التوجّهات الأشدّ إثارة اليوم يكمن في استخدام طلاء شفاف مظلل، أو في دمج الرقائق المعدنية في تركيبة الطلاء الشفاف، ما من شأنه أن يتيح الحصول على ألوان أشدّ تمايزًا للأسطح الخارجية. توضح برون قائلة: «كنا في الماضي ندرج الرقائق المعدنية في طبقة الطلاء الأساسية فحسب. لكن هذه التقنية باتت توفّر لنا لونًا زاهيًا أكثر من ذي قبل وأشدّ تمايزًا نوعًا ما». فيما يتعلق بالسيارة الاختبارية EQ Silver Arrow من مرسيدس–بنز (الصورة المقابلة)، التي عُرضت خلال مسابقة بيبل بيتش للأناقة هذا العام، استحدثت براون مع فريق عملها طلاء يحاكي مظهر المعدن السائل. وعن هذا تقول براون: «إنّ الجزيئات رقيقة للغاية ومسطّحة. ولعل أفضل ما يمكنني قوله في توصيفها هو أنها تنتظم تلقائيًا فوق شكل السيارة كأنها لوحة جدارية، ما يولّد هذه الكسوة المعدنية التي تتفوّق على أي طلاء أو لمسات مصقولة أخرى من حيث مقدرتها على تسليط الضوء على التصميم».

 

أما في شركة إنفينيتي، فيُبتكر اللون الأحمر Dynamic Sunstone Red عبر تثبيت طبقة من طلاء شفاف مظلّل بالأحمر فوق اللون الأساسي النحاسي، وذلك باستخدام مزيج من التقنيات الميكانيكية واليدوية. وقد استحدثت الشركة حجرة خاصة لأعمال الطلاء تتيح لأهل الاختصاص لديها في هذا المجال العمل بمزيد من الدقة للتحكم بسماكة طبقات الطلاء وجودتها.

 

" إننا نعيش حاليا حقبة مثيرة للاهتمام، ويشغلنا كوننا مصممين

التفكير في الخطوة المستقبلية التالية "

ـــــ كلوديا براون، مرسيدس – بنز

 

مع ارتفاع درجات الحرارة يتنامى سعي صنّاع السيارات إلى البحث عن تقنيات طلاء ذات تأثيرات مبرّدة للحفاظ على شعور الركّاب بالراحة على متن المركبات وتحسين كفاءتها في الوقت نفسه. تقول كريستن كينان، مؤسسة Trichromatic Studio للتصاميم، الدار المتخصصة في الألوان والمواد واللمسات النهائية، ومديرة التصاميم فيها: «ستكتسي الأصباغ القادرة على خفض الحرارة أهمية بالغة بحق، لا سيما في سوق المنتجات الفاخرة». وتعدّد كينان بعض الأصباغ الجديدة التي تبتكرها شركة BASF المورّدة لمنتجات الطلاء، والتي يمكن إضافتها إلى طبقات الطلاء الداخلية والخارجية بغية خفض الحرارة المتراكمة بنسبة تصل إلى %50. تقول كينان: «إنّ هذه الأصباغ تُستخدم منذ مدة في قطاع البناء، وإنها قد بدأت اليوم تجد طريقها إلى عالم صناعة السيارات». إضافة إلى ذلك، تلفت براون إلى أنّ فريق عملها لدى مرسيدس – بنز يعكف أيضًا على ابتكار أنواع من الطلاء تشتمل على أصباغ خاصة ذات تأثير مبرّد، وأن الشركة تأمل في توفير هذه الابتكارات في غضون سنتين كخيارات متاحة للمركبات التي تنتجها.

 

لكنّ التطورات التي تحققت لا تقتصر على عالم السيارات. تقول شركة كاواساكي مثلاً إنها طوّرت لأجل درّاجتها النارية من طراز Ninja H2 لعام 2019 طلاء قادرًا على «تصحيح عيوبه ذاتيًا». ابتُكرت لأجل ذلك طبقة طلاء علوية خاصة باستخدام أجزاء مجهرية تقوم مقام نابض كيميائي، ما يولّد تأثيرًا يحاكي أداء منصة القفز البهلوانية إذ يمتصّ الصدمات ويتيح للخدوش أن تلتئم تلقائيًا في غضون عشر دقائق، أو أسبوع واحد كحدّ أقصى للحالات الأشد تطرفًا. وعن هذا تقول كينان: «إنّ لهذا الابتكار أهمية بالغة، لأنّ التجوال على متن درّاجة يُعرّضها بلا شك لقدر أكبر من الصدمات الناجمة عن الصخور والحصى المتناثرة عبر الطريق».

 

وبالرغم من أنّ تطبيقات هذه التطورات المستقبلية تستغرق بعض الوقت، إذ تلفت براون إلى وضع أنواع الطلاء موضع الاختبار لمدة قد تصل إلى خمس سنوات قبل الموافقة على استخدامها، إلا أنّ بعض الابتكارات المهيبة ستبصر النور قريبًا. فبراون تعمل مع فريقها على تقنيات طباعة رقمية تسمح بتطبيق الرسومات مباشرة على هيكل السيارة دون الحاجة إلى آلية رشّ الدهان، إضافة إلى محاولة تطوير طلاء متغيّر الألوان. تقول براون: «إن هذه الابتكارات مهمة لنا كوننا مصمّمين، لأننا نتفكّر في كثير من العناصر القابلة للتبديل. سيكون من الرائع أن يحظى الزبون بسيارة متفرّدة، وأن يكون قادرًا على تبديل لونها». فهل ما زال أحدكم راغبًا في مشاهدة الطلاء يجف؟