الموسم السابع من بطولة فورمولا إي للمركبات الكهربائية ينطلق من منطقة الدرعية التاريخية التي ترسخ اليوم مكانتها وجهة عالمية للرياضة والسياحة والثقافة.

 


لم تكن فكرة تنظيم سباق في الشارع للسيارات الكهربائية في بدايتها أكثر من بضع ملاحظات خُطت على منديل ورقي. فعشية الثالث من شهر مارس آذار من عام 2011، وفي لقاء جمع بين جان توت، رئيس الاتحاد الدولي للسيارات، وأليخاندرو أغاغ، رئيس مجلس إدارة فورمولا إي، في أحد المطاعم الباريسية، وثّق الرجلان أفكارهما في بضع كلمات شكلت نواة لما بات يُعرف بالبطولة الدولية للمركبات الكهربائية أحادية المقاعد. كان بيان المهمة الرئيس لبطولة فورمولا إي، التي تدور سباقاتها في أهم مدن العالم بمشاركة مجموعة من أفضل السائقين والفرق، يركز على استعراض قدرات وسائل النقل المستدامة والدفع بالسيارات الكهربائية إلى موقع الصدارة في السباق من أجل مستقبل أفضل وأكثر نقاء. انطلقت الدورة الأولى من البطولة سنة 2014 في المتنزه الأولمبي ببكين، وتحوّلت إلى علامة ترفيهية عالمية تدور في فلك رياضة السيارات.
بعد انقضاء ستة مواسم على السباق الأول، أثبتت هذه البطولة أنها تتجاوز حدود المفهوم الضيق للسباق على الحلبة لتشكّل منصة تتيح اختبار تقنيات جديدة، وتعزيز قدرات تطوير السيارات الكهربائية المخصصة للإنتاج على نطاق واسع. إنه باختصار سباق من أجل تسريع مسار التحوّل إلى وسائل النقل الكهربائية في سياق مقاربة تأثيرات التغير المناخي وتلوث الهواء.

 

انطلقت الجولة الافتتاحية للموسم السابع من بطولة فورمولا إي من حلبة الدرعية في خواتيم شهر شباط فبراير الفائت بمشاركة 12 فريقًا و24 سائقًا.

Sam Bloxham / LAT Images
انطلقت الجولة الافتتاحية للموسم السابع من بطولة فورمولا إي من حلبة الدرعية في خواتيم شهر شباط فبراير الفائت بمشاركة 12 فريقا و24 سائقا.

الابتكار والاستدامة


بالرغم من العمر القصير للبطولة، إلا أنها لا تنفك تشهد تغييرات ثورية بسبب التطور المستمر في المجال التقني. في دورة عام 2016 – 2017، قال الفائز في البطولة لوكاس دي غراسي، سائق فريق أودي: "إن التطور التقني المستمر سيتيح تعزيز سرعة المركبات الكهربائية ومدى سفرها. لن يطول الوقت قبل أن تصبح هذه السيارات أكثر أمانًا وأقل كلفة مقارنة بالمركبات المجهزة بمحركات تعمل باشتعال الوقود. ولا شك في أن بطولة فورمولا إي تسهم في تسريع هذا المسار."


إن البطولة التي تعبّد الطريق أمام مركبات الغد تحوّلت إلى فئة جذابة ومتدنية الكلفة من منظور صنّاع السيارات الذين اغتنموا الفرصة لاستعراض قدراتهم في مجال تطوير تقنيات النقل الكهربائي. تشهد على ذلك اليوم مشاركة الفرق التابعة لعلامات كبرى في قطاع صناعة السيارات، على غرار أودي، وبورشه، وبي إم دبليو، ومرسيدس، وجاغوار. وفيما يدفع كل فريق بحدود قدراته إلى أقصاها طمعًا بالفوز في البطولة موسمًا تلو الآخر، تشهد الخبرات الهندسية التي يجري توظيفها في تحسين مجموعة الحركة مزيدًا من التطور.


في الموسم الأول الذي نُظم سنة 2014 وشهد انطلاقة بطولة فورمولا إي في مسارها الثوري، تسابق السائقون على متن سيارات الجيل الأول Gen1. كانت المركبات الكهربائية كلها تتشارك مواصفات البنية الصلبة نفسها، والتي تجمع بين هيكل داخلي من شركة Spark Racing Technology ونظام بطارية من صنع Williams Advanced Engineering، فضلاً عن مجموعة حركة من وحدة ماكلارين للتقنية المتطورة McLaren Advanced Technology. كان البرنامج الخاص بمجموعة الحركة متاحًا وحده للتطوير من قبل الفرق المشاركة. في المركبات من طراز الجيل الأول، كانت طاقة البطارية تفرض على كل سائق الانتقال من سيارة إلى أخرى في منتصف السباق الذي يستمر 45 دقيقة. لكن البطولة نجحت في تخطي هذه العقبة بدءًا من الموسم الخامس (2018 – 2019) مع اعتماد سيارة الجيل الثاني Gen2. استُخدم في مركبات هذا الطراز هيكل جديد من المصنّع نفسه، ولكنه تناغم هذه المرة مع نظام بطارية بقدرة مضاعفة من وحدة ماكلارين للتقنية المتطورة. تُنتج سيارة الجيل الثاني قوة مقدارها 250 كيلو واط، وتتسارع من صفر إلى 100 كيلومتر/الساعة في غضون 2.8 ثانية، فيما تحقق سرعة قصوى تساوي 280 كيلومترًا/الساعة. أما على مستوى التصميم، فأعيد تطوير البنية الخارجية للسيارة بأسلوب يستلهم مركبة شخصية الرجل الوطواط ويضفي عليها مظهرًا أكثر خفة ورشاقة. يقول جان توت: "إن هذا التصميم السابق لزمانه يكرّس مكانة فورمولا إي من حيث كونها فئة تدفع قدمًا بحدود الابتكار على مستوى التطورات التقنية والمظهر الخارجي في آن."

الموسم السابع من بطولة فورمولا إي للمركبات الكهربائية ينطلق من منطقة الدرعية التاريخية التي ترسخ اليوم مكانتها وجهة عالمية للرياضة والسياحة والثقافة.

Sam Bloxham / LAT Images
 


تشحذ الفرق المشاركة في البطولة قدراتها وخبراتها للإتيان بتحسينات إضافية تجعلها أقرب إلى تحقيق الحلم بالفوز. لكن في ما خلا التعديلات على نظام التعليق ومزايا الديناميكية الهوائية، لا يمكن للفرق إجراء أي تغييرات على الهيكل الداخلي للمركبات إلا ضمن حدود المسموح به على مستوى مجموعة الحركة، بما في ذلك المحرك، والمحوّل، وأعمدة التوجيه، ونظام التبريد.


وفيما يُتوقع أن تدخل مركبات الجيل الثالث Gen3 الأكثر تطورًا حيّز الاستخدام في الموسم التاسع من البطولة (سنة 2022 – 2023)، يستمر التركيز على تحقيق إنجاز أفضل على مستوى الحد من معدل الانبعاثات الكربونية بما يضمن تقليص البصمة الكربونية إلى صفر بحلول عام 2030. ويأتي هذا المسعى استكمالاً لإعلان فورمولا إي في سبتمبر أيلول 2020 عن كونها أول رياضة في العالم لا تتسبّب منذ إطلاقها بأي انبعاثات كربونية مباشرة.

 

"بني مضمار سباق فورمولا إي مقابل المشهد التاريخي لحي الطريف شاهدا على المسعى الذي تلحظه رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز لصون تاريخ الدرعية بموازاة المضي قدما بمخططات مستقبلية تضع أرض الملوك على خارطة العالم السياحية والثقافية والرياضية. "

الدرعية على خارطة العالم


عام 2030 هو أيضًا التاريخ المفصلي لتحقيق تلك الإنجازات الطموحة التي رسمت المسار إليها المملكة العربية السعودية مع الإعلان في أبريل نيسان من سنة 2016 عن الخطة الاقتصادية والاجتماعية المتكاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وتطوير المجتمع، رؤية المملكة 2030. في إطار هذه الرؤية التي تتكامل فيها البرامج السياحية والثقافية والترفيهية مع مبادرات برنامج جودة الحياة ومشاريع تطوير البنى التحتية للنقل المستدام، كان من البدهي أن تشرع المملكة العربية السعودية واحاتها لأحداث رياضية عالمية، بما في ذلك بطولة فورمولا إي التي استضافتها البلاد للمرة الأولى سنة 2018.


في السادس والعشرين والسابع والعشرين من شهر فبراير شباط الفائت، عادت البطولة للسنة الثالثة على التوالي إلى الدرعية، جوهرة نجد، بالرغم من القيود على السفر والإجراءات الصارمة التي فرضتها جائحة كورونا. شهد اليومان انطلاقة السباق الافتتاحي للموسم السابع من بطولة فورمولا إي بمشاركة 12 فريقًا (سيارتان وسائقان لكل فريق) شملت إنفيجن فيرجن رايسنغ Envision Virgin Racing من بريطانيا، وبي إم دبليو أندريتي موتورسبورت BMW Andretti Motorsport من الولايات المتحدة الأمريكية، وماهيندرا رايسنغ Mahindra Racing من الهند، وتاغ هوير بورشه Tag Heuer Porsche ومرسيدس إي كيو Mercedes – EQ Formula E team من ألمانيا، وجاغوار رايسنغ Jaguar Racing من بريطانيا. وللمرة الأولى في تاريخ البطولة، انتظمت جولتا السباق مساء، فأضيء مسار الحلبة، الممتد في محيط معالم الدرعية الأثرية بطول 2,495 كيلومترًا يتخللها 21 منعطفًا، بكشافات ضوئية تعمل بتقنية الصمامات الثنائية الباعثة للضوء التي تستمد الطاقة من مصدر مستدام.

 

البريطاني سام بيرد على متن سيارته طراز Jaguar I-TYPE 5.

Andy Hone
البريطاني سام بيرد على متن سيارته طراز Jaguar I-TYPE 5.

جاغوار في الصدارة


في سباق جائزة الدرعية، اختُتمت الجولة الثانية، التي حضرها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، بتتويج البريطاني سام بيرد الذي حقق فوزه العاشر في بطولة فورمولا إي، والفوز الأول له مع جاغوار رايسنغ.


كان بيرد قد خاض منافسة محمومة على الحلبة مع الهولندي روبن فرينز، سائق فريق إنفيجن فيرجن رايسنغ. تسابق السائقان إلى الصدارة حتى إعلان انتهاء السباق قبل موعده المقرر بخمس دقائق مع رفع العلم الأحمر جراء حادثي اصطدام وقع أحدهما بين سيارتي النيوزيلندي ميتش إيفانز، السائق الثاني في فريق جاغوار رايسنغ والبريطاني أليكس لين (من فريق ماهيندار رايسنغ). حل فرينز في المركز الثاني، فيما كان المركز الثالث من نصيب البرتغالي أنطونيو فيليكس دا كوستا من فريق DS TECHEETAH.


كان فوز فريق جاغوار رايسنغ مضاعفًا في سباق الدرعية إذ شهدت الجولة الأولى فوز إيفانز بالمركز الثالث على متن سيارة جاغوار طراز Jaguar I-TYPE 5.


في ختام السباق، قال مدير الفريق جيمس باركلاي: "إنها انطلاقة رائعة لنا في هذا الموسم مع وصولنا مرتين إلى منصة التتويج. يشهد ذلك على ما يوظفه الفريق من جهد وخبرة للتعامل مع مختلف جوانب الأداء، بما في ذلك طراز Jaguar I-TYPE 5."

لحظة تتويج البريطاني سام بيرد الذي حقق الفوز لفريق جاغوار رايسنغ في سباق الدرعية.

Sam Bloxham / LAT Images
لحظة تتويج البريطاني سام بيرد الذي حقق الفوز لفريق جاغوار رايسنغ في سباق الدرعية.


في العاشر من الشهر الحالي، تنطلق في روما الإيطالية الجولة الثالثة من بطولة فورمولا إي التي تشتمل على 14 جولة تُقام على أرض دول مختلفة عبر القارات الخمس. سيحمل فريق جاغوار إلى روما فوزًا يعيد التأكيد على الأهمية التي توليها شركة جاغوار لاند روفر لبطولة فورمولا إي من حيث كونها منصة لاختبار تقنيات جديدة للسيارات الكهربائية تتوافق مع مقتضيات الأداء المتفوق، ومساحة اختبارية للتطورات التي تحققها جاغوار في مسار المهمة التي التزمت بها تحت عنوان "التسابق إلى الابتكار" Race to Innovate بما يتيح نقل الخبرات من عالم السباقات إلى مركبات الشارع ويعزز المسعى الحثيث إلى تغيير وجه قطاع النقل وتحقيق الاستدامة. 

 



في أرض الملوك

في أرض الملوك

Ameen_Qaisran
 


همس التاريخ صاخب في فضاء الدرعية التي لا تنفك تحكي آثارها سيرة بناء الدولة السعودية الأولى. في الدرعية الواقعة شمال غربي العاصمة السعودية، تتنفس واحات النخيل الصحراوية عبق ذاك الماضي البعيد الذي شهد أول نواة لتأسيس المملكة العربية السعودية. هناك، بُني حديثًا مضمار سباق فورمولا إي مقابل المشهد التاريخي لحي الطريف، شاهدًا على المسعى الذي تلحظه رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز لصون تاريخ الدرعية بموازاة المضي قدماً بمخططات مستقبلية تضع أرض الملوك على خارطة العالم السياحية والثقافية والرياضية.


بُني حي الطريف، موقع حلبة الدرعية، سنة 1766 ميلادية وعاشت في رحاب بيوته المبنية باللبن بأسلوب العمارة النجدية. وأنت تزور اليوم معالم الحي الذي أدرج سنة 2010 على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، مستكشفًا آثار المدينة المستعادة، وقصر سلوى الذي سكنه الملوك الأوائل، ومنهم الإمام محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الأولى، يستلبك هذا المتحف التراثي المشرع على الهواء الطلق إلى الانغماس في رحلة عبر الماضي السياسي والاجتماعي والثقافي للمملكة.


ضمن مخططات رؤية المملكة 2030 الهادفة إلى ترسيخ مكانة الدرعية من حيث كونها وجهة سياحية وثقافية من الطراز العالمي تجتذب نحو 25 مليون زائر سنويًا، بدأت هيئة تطوير بوابة الدرعية التاريخية تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع تأهيل ضخم بقيمة 75 مليار ريال سعودي. بالإضافة إلى الساحات الخارجية والممرات التي تمتد بطول ثلاثة كيلومترات وتشرف على وادي حنيفة التاريخي الذي تحرسه أشجار النخيل، سيشمل المشروع إثراء المنطقة بمجموعة متنوعة من المقاصد الترفيهية والثقافية، بما في ذلك 20 فندقًا، وما يزيد على 100 وجهة للطعام تحتفي بالمطابخ العالمية، فضلاً عن مجموعة من متاجر كبرى العلامات التجارية. وإذا كانت هذه المقاصد تضفي مسحة حداثة على هذا الفضاء التاريخي، فإنها لن تسلبه عبق أصالة تعد به، إلى جانب المعالم الأثرية، مجموعة من المتاحف التي يجري العمل على تطويرها في حي الطريف، وفي طليعتها متحف الدرعية في قصر سلوى، الذي تحكي معروضاته من الأعمال الفنية والأفلام الوثائقية تاريخ تطور الدولة السعودية. يشمل مشروع التطوير أيضًا معرضًا للحياة الاجتماعية والمهن في قصر الأمير عمر بن سعود، ومتحفًا للخيل العربية ينقسم إلى قسمين: متحف الآثار والمقتنيات وتعرّف الخيل العربية في المباني الطينية الواقعة شمال قصر الأمير ثنيان بن سعود، والمعرض الحي للخيول في اسطبلات الإمام عبد الله بن سعود التاريخية الواقعة إلى الجنوب من قصره. وعلى الضفة المقابلة من وادي حنيفة، تنشط أيضًا أعمال تطوير حي البجيري التاريخي الذي كان يُعد في ذاك الماضي البعيد مستقرًا للشيخ محمد بن عبد الوهاب. بدأت معالم استعادة حي البجيري تتجلى في ما يتوزع عبر جنباته من مقاه ومطاعم ومراكز تجارية تشرف على حي الطريف، وواحة الدرعية للفنون، وفندق سمحان التراثي الذي يزهو بطابع العمارة النجدية التراثي ويحتضن 142 غرفة.


إنها أرض الملوك تشرع فضاءها اليوم لغد عالمي ستظل جذوره ضاربة في عمق التاريخ والتراث.