إذ تعد التقنية بإحداث تحوّل جذري في عالم صناعة الساعات المصممة حسب الطلب، فإنها تؤسس لموضوع حوار جديد،
حتى وإن كان ينحصر إلى الآن في مراكز البيع.

 

قد ينغمس المرء أشد الانغماس في البرنامج التطبيقي المتوافر على الأجهزة اللوحية والذي يتيح إضفاء تعديلات شخصية على ساعة Bugatti Type 390 الأحدث من دار برميجياني. فالمطورون، الذين يعرفون زبائنهم حق المعرفة، لم يكتفوا بأن يوفروا لهم الفرصة لتعديل خيارات المعادن المستخدمة، والألوان، واللمسات النهائية، والمواد المستخدمة في الساعة التي تتخذ علبتها شكل قطرة دمع. بل إن الأهم من ذلك هو أنهم أتاحوا لهم أيضًا ملامسة هذا الابتكار الجديد في العالم الافتراضي. وإذ استخدم ممثل برميجياني، الذي كان يتولى مهمة استعراض مزايا برنامج التصاميم الافتراضية، بضع حركات إيمائية، نجح في تحريك الصورة كبيرة الحجم للساعة في مختلف الاتجاهات، كاشفًا عن مجموعة من الأسطح الجديدة التي يمكن إضفاء تعديلات إضافية عليها. وفيما راح يستأنف العرض وقد علت وجهه ابتسامة عريضة، بات جليًا أن العرض الذي يقدمه شرع يتحوّل إلى جلسة للعب. قد يبدو للراسخين في ولعهم بعالم الساعات، والذين يسهل إغواؤهم وتشتيت انتباههم، أن برميجياني تخطط ربما لأمر ما.


لكن هل هذا ما يحدث حقًا؟ الواقع أن أولئك الذين يتطلعون قدمًا إلى تنزيل التطبيق الكفيل بأن يثير في النفس بهجة طفولية سيُصابون بالخيبة إذ يكتشفون أنهم لا يستطيعون اختبار برنامج برميجياني للتصاميم الافتراضية إلا في أحد متاجر الدار. فكما هو عليه الحال لكثير من أدوات المساعدة الرقمية التي باتت متوافرة على الشبكة العنكبوتية في سوق الساعات المصممة حسب الطلب، ابتُكر هذا البرنامج بشكل رئيس أداة للبيع يستخدمها ويتحكم بها شخص يتمتع بقدر كاف من المعرفة التي تتيح له توجيه الزبون إلى تحديد خيارات لا يندم عليها بعد ابتياع الساعة. فدور الساعات تتحوط في رهاناتها، إذ إن إنفاق نحو 200 ألف دولار على ما يُعد تصميمًا مبتكرًا بوساطة الحاسوب لا يزال يُعد من منظور معظم الزبائن قرارًا جسورًا، حتى وإن كان الارتقاء بمظهر ساعة إلكترونية ينطوي على قدر كبير من المتعة. بينما البرنامج التطبيقي، على غرار برنامج برميجياني للتصاميم الافتراضية، يتيح لك الاختيار بين لمسات جمالية مختلفة، كزخرفة الألواح الجانبية لعلبة الساعة بنقش حبات اللؤلؤ أو كسوتها بألياف الكربون، فإن إضفاء أي تغييرات على المعيار الحركي، الذي يشكّل أقصى ما يُطمح إليه في مجال تعديل الساعات، ما فتئ يقتضي أن يمسك المرء المعيار بيديه. يبدو، إذ ذاك، أن الاسترشاد بالعنصر البشري يبقى عاملاً أساسيًا في الثورة الإلكترونية للساعات المصممة حسب الطلب.

 

يتيح البرنامج التطبيقي للتصاميم الافتراضية من آرمن ستروم إضفاء تعديلات جمالية على ساعات الدار.  www.arminstrom.com 

يتيح البرنامج التطبيقي للتصاميم الافتراضية من آرمن ستروم إضفاء تعديلات جمالية على ساعات الدار.
www.arminstrom.com


تُرخي التجربة التي اختبرتها فاشرون كونستانتين منذ عشر سنوات من خلال مجموعة ساعات Quai de l’Ile بظلّها على هذه القرارات. فالمجموعة التي أطلقت سنة 2008 قد تُعد الطراز الأكثر تطورًا الذي أنتجته الدار. كانت ساعات هذا الطراز قد صُمِّمت هي أيضًا بما يتيح إجراء التعديلات عليها منذ بداية مرحلة تصنيعها، وذلك باستخدام شاشة تعمل بتقنية اللمس اعتمدتها الدار قبل ثلاث سنوات من ظهور أجهزة الآيباد، موفرة للزبائن عددًا من الخيارات يفوق ما كان متاحًا من قبل. تمثّلت الخلاصة التي استنتجها صُنّاع الساعات من ردود الفعل غير المتحمسة لذاك الطراز، والتي غذّتها بلا شك في السنة التالية أزمة مالية ناشئة، بالإشارة إلى الإسراف في تقديم الخيارات. لكن هذا السلوك النفسي لا يزال سائدًا في سوق الساعات المصممة حسب الطلب على الرغم من أن التقنية تجعل وضع الخيارات موضع التنفيذ أكثر سهولة.


مثل حال آخرين، يأمل دافيد تراكسلر، الرئيس التنفيذي لدار برميجياني، والذي يتبنى موقفًا عمليًا لا لبس فيه، أن تستهدف الحلول الإلكترونية مجموعة أكبر من الزبائن، فلا تقتصر على النخبة من الزبائن الذين يُشكلون رعاة لخدمات ابتكار الساعات الراقية المصممة حسب الطلب وترميمها. يقول تراكسلر: «يرغب بعض الناس في أن تتوافر لهم حرية الانتقاء بين خيارات مختلفة، لكنهم لا يريدون بالضرورة الغوص في متاهة تحديد الخيارات الخاصة كلها بشكل فردي. إنهم يرغبون في مجموعة من الخيارات التي يشعرون بالراحة لدى التعامل معها، وأنا شخصيًا أعد نفسي واحدًا منهم».


تؤمن دار فندي، التي وجدت لنفسها مؤخرًا موطئ قدم في عالم الساعات الراقية بإطلاقها ساعة Policromia MTO القابلة للتعديل، تؤمن هي أيضًا بأهمية المشاورات. ربما يُعزى السبب في ذلك إلى ما يتمتع به لويجي فيفونيه، مدير قسم التصميم والتطوير التابع لوحدة صناعة الساعات لدى فندي، والذي يرتحل مرافقًا ابتكاراتها أينما حلّت، من مرونة وحس إبداعي. تتيح منظومة فندي من الأجزاء الزخرفية المتداخلة لمالك الساعة أن يصمم ميناءها باستخدام مجموعة غير متناهية من زخارف الأعمال الفنية، من بينها التدرجات اللونية المختلفة لعرق اللؤلؤ، والترصيع الألماسي المسرف، والتطعيمات مختلفة الأحجام المشغولة من معادن غير تقليدية على غرار الملكيت وعين النمر. يختار الزبون كل ما يريده تحت إشراف فيفونيه الذي تسمح له أدواته بأن يبين للزبون بدقة كيف ستبدو الساعة بعد إنجازها، وذلك باستخدام برنامج تطبيقي للتصاميم الافتراضية يجعل أجزاء الساعة المختلفة تتراكب بقدر من الواقعية يفوق ما تعد به المخططات التصميمية المنجزة باعتماد برامج تطبيقية مرمّزة خصيصًا لهذه الغاية. على الرغم من أن البرنامج يبقى متوافرًا حصريًا على جهاز الحاسوب الخاص بفيفونيه، إلا أن المصمم يزوِّد زبائنه ممن يبتاعون ساعات Policromia MTO بصور افتراضية مطبوعة للساعات ويخلّف لديهم شعورًا بالثقة لجهة اشتمال ابتكاراتهم على شيء من موهبته.


أما إن كنت تشعر بأنك استُثنيت من فرصة تتيح لك اللهو بتصميم الساعات عبر الحاسوب الخاص بك، فبمقدورك أن تراجع برنامج تصميم الساعات الخاص بدار آرمن ستروم والمتوافر منذ نحو سنتين على موقعها الإلكتروني لكل من يلج الشبكة العنكبوتية. يتيح البرنامج كسوة الأجزاء المختلفة المكونة لساعات الدار حديثة التصميم من طراز Skeleton، وحتى ساعة Mirrored Force Resonance الجديدة، بخيارات متنوعة من المعادن والألوان. لكن على الرغم من أن البرنامج المتاح إلكترونيًا يوفر لأي كان خدمة إبداعية مجانية، إلا أن التنفيذ على أرض الواقع يبقى أكثر تناغمًا مع التوقعات السائدة في قطاع صناعة الساعات.


يقول جان- جاك بوريس، وكيل ساعات آرمن ستروم: «يؤثر عمليًا معظم زبائننا إضفاء تعديلات بسيطة محدودة على الساعات الأكثر شهرة التي نبيعها». على الرغم من أنه يبقى على التقنية أن تحوّل معظم مشتري الساعات إلى زبائن حقيقيين للساعات المصممة حسب الطلب، إلا أن الجيل المقبل من الزبائن قد يتبنى سلوكيات مختلفة كل الاختلاف. يقول بوريس: «حضر مؤخرًا زبون إلى أحد متاجرنا يرافقه ابنه الصغير. وبينما كان الزبون يتأمل الساعات في واجهات العرض، كان ابنه قد أتقن سريعًا استخدام برنامج التصاميم التطبيقي، بل إنه سرعان ما نادى على والده قائلاً: «تعال يا أبي لتشاركني بناء ساعة!».