يشهد عالمنا العربي نشأة جيل جديد من هواة جمع الساعات. فهل يعرف هؤلاء الشباب عالم صناعة الساعات حق المعرفة؟ وهل تعبر مقتنياتهم عن ذائقة شخصية؟

 
كنت في الخامسة عشرة من العمر عندما انطلقت على درب جمع الساعات، ليتنامى شغفي بهذا العالم عامًا إثر عام. أن تكون جامع ساعات لا يعني الفوز بمقام يتحقق لك بلوغه بسهولة عن طريق الإسراف في الإنفاق. بل إنه ثمرة شغف مكتسب. فعلى ما هو عليه الحال في عالم جمع السيارات أو الأعمال الفنية، يتطلب جمع الساعات مسعى حثيثًا في مجال البحث، والمطالعة، وتحليل السوق، والمراقبة، وقبل ذلك كله في مجال تطوير المرء ذائقته الخاصة.


لا شك في أن منصات التواصل الاجتماعي سرّعت عجلة وصولنا إلى المعلومات، وبلغت بمستوياتنا المعرفية أعلى الآفاق، هذا إن كان الواحد منّا يعرف ما ينبغي له البحث عنه بعين الناقد. ينبثق قولي هذا من واقع بسيط: بقدر ما تتوافر المعلومات بغزارة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن هذه المعلومات نفسها قد تتلاعب بمنظورك إلى عالم الساعات إذ تبين لك خصوصًا ما يريد لك السوق أن تراه.

ساعة  "GMT-Master II “Pepsi من رولكس

Alain Costa/Rolex
ساعة  "GMT-Master II “Pepsi من رولكس


أعطي مثالاً على ذلك طراز نوتيلوس ذا الرقم المرجعي 5711/1A من باتيك فيليب، المشغول في علبة من الفولاذ، ولا يهم إن كان ميناؤها أزرق او أبيض اللون. تمايز هذا الطراز على مدى أعوام طويلة، لكنه لم يستأثر بقلوب جامعي الساعات في منطقتنا إلا منذ بضع سنوات عندما تحوّل إلى محط تركيز كل مدوّنة وحساب على منصة انستغرام يُعنى بموضوع الساعات. فقد راح المدوّنون وأصحاب هذه الحسابات يبجلون مكانة الساعة التي لا تكاد قائمة من ينتظرون الفوز بنماذج منها تبلغ نهاية. بل إنهم ضخّموا بموازاة ذلك جاذبية هذه الساعة في أوساط أفراد ما كانوا قد سمعوا بها من قبل. أثمر ذلك عن جيل جديد من هواة الساعات، الشباب والأكبر سنًا على حد سواء، يفتنهم الطابع النادر لهذا الطراز، وتغريهم في الوقت نفسه المكانة التي تتحقق لهم عبر الاستحواذ على نماذج منه، فلا يرون ضيرًا في دفع أربعة أضعاف الثمن الأصلي للحصول على مبتغاهم.

لا بد لي من الإشارة، حتى لا يُساء فهم مقصدي، إلى أني لا أرى غرابة في أن يبتاع المرء نموذجًا من ساعة الرقم المرجعي 5711 إذا ما كان يدرك حقيقة تاريخها، وإذا ما كانت تستهويه شخصيًا. لكن الحافز الحالي الرئيس للإقبال على هذا الطراز يبدو الضغط الذي يسببه الأقران، واتباع التوجه السائد في السوق لتحقيق قيمة مربحة عند إعادة بيع الساعة.


إذا ما تأملنا ما يستثير اليوم اهتمام الجيل الجديد والناشئ من هواة جمع الساعات في أوساط الشبان العرب، فإننا سنجد أن الساعات كلها التي تحظى بالاهتمام وتحقق أسعار بيع باهظة، سواء من خلال المزادات المحلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو عن طريق وكلاء البيع بالتجزئة، فإننا سنجد أنها كلها تقتصر على عشرة طرز لا غير من رولكس، وباتيك فيليب، وأوديمار بيغيه. ثمة طُرز من ريتشارد ميل تجتذب أيضًا الموسرين في منطقتنا.


لكنك إذا ما ناقشت جامع ساعات من المنطقة يراوح عمره بين 18 عامًا و24 عامًا، فإنك ستكتشف ما انطبع في وجدانه وتجذر في عقله بسبب التشديد المستمر والمكرر على أهمية أن يقتني المرء ساعات من طرز Rolex GMT-Master II “Pepsi”، وRolex Hulk، وPatek Philippe 5711، وAudemars Piguet Royal Oak 15202، ومجموعة ضئيلة مشابهة من الطرز التي قد ترقى به إلى منزلة "الجامعين".


من المحزن حقيقة أن يُجر المرء إلى نمط محدد لما ينبغي جمعه في مرحلة مبكرة من مسيرته على هذا الدرب، فينطلق فيه مدفوعًا بالتقدير المادي والمكانة، بدلاً من أن يحتكم إلى ذائقة شخصية وشغف راسخ بفن صناعة الساعات.

 

أحد طرز سانتونس Santos الثلاثة التي أثمر عنها سنة 2019 مشروع التعاون بين كارتييه ونادي Arab Watch Club.

Cartier
أحد طرز سانتونس Santos الثلاثة التي أثمر عنها سنة 2019 مشروع التعاون بين كارتييه ونادي Arab Watch Club.

لكن ثمة جانبًا مشرقًا أيضًا في هذا المشهد لا بد لنا من مقاربته. قابلت جامعين عدة في العشرينيات من عمرهم اكتسبوا معرفة معمقة ووافية في عالم صناعة الساعات، وأفلح الواحد منهم في تطوير ذائقته الشخصية وتحديد رغباته في مجال جمع الساعات. آثر العديد من هؤلاء الجامعين الخروج عن دائرة المألوف والتقليدي، والنأي بأنفسهم عن النماذج المستنسخة، واختاروا بدلاً منها الاستثمار في ابتكارات صنّاع مستقلين وعلامات مثل إم بي آند إف، وإتش موزر آند سي، ولوران فيرييه، وأورويرك. توجّهوا أيضًا إلى العديد من الصنّاع الذين يعتمدون خطوط إنتاج صغيرة الحجم ولا يبنون سوى عدد ضئيل جدًا من الساعات سنويًا أمثال علامات لين Laine، وهولثينريتش Holthinrich، وسارتوري بيار Sartory Billard. فقد أتاحت لهم هذه الأسماء فرصة التمايز بين أترابهم، واكتساب ذائقة جديدة في عالم الساعات، وحتى ابتكار ساعات شخصية متفرّدة. يعكس هذا الواقع تحوّلاً رئيسًا في مجال بيع الساعات وجمعها، إذ نشهد نشأة فئة جديدة من جامعي الساعات العرب الشباب المطلعين حقيقة على هذه الصناعة والقادرين بالنتيجة على حجز مكانة لهم على خارطة الجامعين في العالم.

 

يتزامن ذلك مع بروز توجّه آخر في منطقتنا يستقطب الاهتمام في عالم الساعات الأوسع نطاقًا، ويتمثّل بالإصدارات الخاصة والمتفردة التي تُبتكر لنوادي الساعات المحلية في دول عربية مختلفة. ففي السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة، تزايدت أهمية الانضمام إلى ناد لهواة الساعات يمنح الأعضاء الإحساس بالانتماء إلى مجموعة، ويشكل في الوقت نفسه وسيلة متميزة لتبادل المعارف في هذا المجال وتناقلها عبر الأجيال. كما أن هذه الظاهرة كانت مؤثرة إلى حد بالغ في الميل إلى جمع الساعات عند العديد من الأفراد الراغبين في أن تعبّر ساعاتهم عن أفكارهم الخاصة، فتعكس روح الثقافة المحلية فيما تكشف في الوقت نفسه عن مستوى عال من التخصيص بحسب الذائقة الشخصية.

ساعة 5711 .Nautilus Ref من باتيك فيليب

Patek Philippe
ساعة 5711 .Nautilus Ref من باتيك فيليب

تعاونت نواد عدة لهواة جمع الساعات مع علامات كبرى في هذا القطاع بهدف ترجمة رؤية أعضائها في ساعات متفردة التصاميم، على ما تشهد مشاريع التعاون التي جمعت مثلًا بين كارتييه ونادي Arab Watch Club لهواة الساعات في الشرق الأوسط، وبين هوبلو والنادي القطري لهواة الساعات، وبين روجيه دوبوي ونادي هواة جمع الساعات في دبي Dubai Watch Club. لا يُمكن التغاضي عن قوة هذا التوجه الذي حث العلامات على مراجعة استراتيجياتها في منطقتنا والتركيز على ابتكار العديد من الإصدارات المحدودة لكل سوق رئيسة. طرحت كارتييه هذا العالم على سبيل المثال طرازين خاصين للمنطقة: طراز Santos Dumon Platinum لسوق الإمارات العربية المتحدة، وطراز Pasha Green MEA لأسواق الشرق الأوسط. أقدمت علامة بِل آند روس أيضًا على خطوة مماثلة لقيت الاستحسان وتمثلت بابتكار سلسلة محدودة من ساعات الغوّاصين لسوق الكويت.

 

وجدت المنطقة أخيرًا طريقها إلى الخارطة العالمية لكل علامة في قطاع الساعات، لكن المطلوب بذل جهود إضافية كثيرة لتثقيف الجيل الشبابي الناشئ من جامعي الساعات بموازاة تعزيز الروابط مع الجامعين المحليين الذين كرسوا حضورهم في هذا المجال.


*حسان الأخرس، جامع ساعات مقيم في دبي، أطلق مدوّنة Arab Watch Guide للمحتوى والاستشارات في مجال الساعات، وأسس نادي Arab Watch Guide لهواة الساعات في منطقة الشرق الأوسط.