ينشد الجامعون ساعات تصمم بحسب الطلب وتعد عنصرا أساسيا في العالم النخبوي لصناعة الساعات. لكن ماذا لو وجدت بعض عناصر ساعاتهم "المتفردة" طريقها إلى زبائن آخرين؟  

 

"أنا من اقترف هذا الخطأ ولا أحد غيري." هذا ما يقوله مايكل أوفيتز، وكيل الفنانين النافذ في هوليوود بالحديث عن عشرات الساعات التي أوكل له مهمة ابتكارها بحسب الطلب لدار باتيك فيليب قبل نحو ستة أعوام أو سبعة. كانت تلك المرة الأولى التي عمد فيها أوفيتز، جامع الساعات منذ 35 عامًا، إلى مثل هذه الخطوة، لكن غايته كانت طموحة. طلب أوفيتز من الدار نماذج من ساعات مرجعية عدة صُنع كل منها من معدن مختلف وازدان بميناء متمايز. وفي الحديث عن باتيك فيليب يقول: "كان القيّمون على الدار رائعين وحققوا كل تفصيل طلبته."

لكن أفيتز نادم لأنه عجز عن استشراف مشكلتين. تمثلت المشكلة الأولى في كونه أساء فهم نفسيته الخاصة. كان يخشى أن يلحق الضرر بكنوزه المميزة إذا ما تزيّن بها، حتى أنه لم يخرج قط بعض الساعات من علبها. أدرك بعد فوات الأوان أنه كان يتقيد بنموذج واحد من كل طراز مرجعي على ما يقول. ويضيف أوفيتز قائلاً: "كان الخطأ الآخر الذي وقعت فيه هو أني لم أطلب من الدار أن يكون التصميم الخاص بساعاتي حصريًا. لذا رأيت كثيرا من ساعات باتيك فيليب تزهو بتصميمي الخاص، ولم أكن أريد لذلك أن يحدث. كنت أنشد ساعات متفردة." (رفضت دار باتيك فيليب التعليق بذريعة الحفاظ على خصوصية زبائنها.)

 

ساعة من طراز Observatoire من فوتيلينان، مجهّزة بالمعيار الحركي Peseux 260 ومستلهمة من ابتكار صُمم بحسب الطلب لزبون في نيويورك.

Voutilainen
ساعة من طراز Observatoire من فوتيلينان، مجهزة بالمعيار الحركي Peseux 260 ومستلهمة من ابتكار صمم بحسب الطلب لزبون في نيويورك.

سيف ذو حدين

قد يكون الالتفاف على الكمائن في عالم صناعة الساعات بحسب الطلب شائكًا حتى في حالة جامعين متمرسين مثل أوفيتز الذي يمتلك أيضًا مجموعة نفيسة ومهمة من الأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة. فالتفويض قد يسفر عن تحقيق أعلى درجات الحق بالمفاخرة – بما في ذلك التباهي بالتأثير في عمل مبتكر عبقري وإرثه – أو قد يؤدي إلى شعور بالغ بالأسى. تكاد كل شركة ناشطة في قطاع المنتجات الفاخرة تنجح في أن ترقى بمسار إضفاء طابع شخصي على ابتكاراتها إلى المستوى التالي تحقيقًا لرغبة زبائن لا يتوانون عن إنفاق أي مبلغ تقتضيه المهمة، حتى وإن بلغت التكلفة ملايين من الدولارات. لكن المشروع قد يخلف نتائج عكسية إذا لم تكن توقعات الزبون والعلامة متسقة.

تمثل رد فعل أوفيتز بالتخلي عن ساعات باتيك فيليب في مجموعته، والتي يمكن تعرّفها من خلال الأحرف الأولى لاسمه MSO المنقوشة على نحو لا يكاد يرى فوق الميناء عند مؤشر الساعة السادسة. عادت نماذج عدة كان يمتلكها لتظهر في السوق بصورة علنية أو خاصة من خلال دور مزادات عريقة. في عام 2018، عُرضت ساعته من طراز الرقم المرجعي Ref. 5004J، المشغولة في علبة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا بقطر 36 ملليمترًا، والمعززة بوظيفتي كرونوغراف أجزاء الثواني والتقويم الدائم، في معرض مزادات الساعات Hong Kong Watch Auction: Seven)) الذي نظمته دار فيليبس في هونغ كونغ. بيعت الساعة في المزاد مقابل 375 ألف دولار تقريبًا. كما بيع نموذج كان يمتلكه من ساعة الرقم المرجعي 3940، مشغول في علبة من الذهب الوردي عيار 18 قيراطًا ومزدان بتعقيد التقويم الدائم، ونموذج آخر من ساعة الرقم المرجعي 5059 في علبة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا معزز بوظيفة التقويم الدائم مع عرض التاريخ الارتدادي، بيعا من خلال شركة الساعات الأوروبية European Watch Company دون الكشف عن المبلغ الذي حققه كل نموذج. لكن على الرغم من المحصلة غير المثالية التي أفضت إليها مغامرة أوفيتز الأولى في عالم الساعات المصممة بحسب الطلب، إلا أنه يقول إنه لم يتخلّ عن تقديره للمفهوم نفسه. وعند سؤاله عما إذا كان ليعيد التجربة، رد قائلاً: "نعم، بشرط أن تكون ساعات متفردة أشارك في تصميمها ولا يجري استنساخها."

 

نسخة مايكل أوفيتز المعدلة من ساعة باتيك فيليب ذات الرقم المرجعي 5004J-027، مشغولة في علبة من الذهب الأصفر ومجهّزة بتعقيد التقويم الدائم وآلية كرونوغراف أجزاء الثواني. بيعت الساعة سنة 2018 في مزاد Hong Kong Watch Auction: Seven الذي نظّمته آنذاك دار فيليبس.

Patek Philippe
نسخة مايكل أوفيتز المعدلة من ساعة باتيك فيليب ذات الرقم المرجعي 5004J-027، مشغولة في علبة من الذهب الأصفر ومجهزة بتعقيد التقويم الدائم وآلية كرونوغراف أجزاء الثواني. بيعت الساعة سنة 2018 في مزاد Hong Kong Watch Auction: Seven الذي نظمته آنذاك دار فيليبس.

 

قد يكون الحديث عن هذا الشرط أسهل من تحقيقه. فأينما كان في هذا القطاع، يتطلب مثل هذا المشروع استثمارًا هائلاً، بما في ذلك دفعة مقدمة ضخمة، إذ إن تطوير تعقيد وظيفي جديد أو إعادة ترتيب عناصر الميناء في الساعة ينطوي على كلفة باهظة. لكنه يقتضي أيضًا مستوى معيًنا من الثقة المطلقة بكلمة الصانع. يتحدث جامعو ساعات في بعض الحالات عن اتفاقهم مع إحدى الدور على إنتاج نسخ معدّلة على نحو طفيف من ساعاتهم الأصلية تُطرح في إصدار محدود جدًا. لكن على الرغم من ذلك، ينتهي بهم الأمر أيضًا إلى الشعور بطعم الخسارة.

يحكي جامع ساعات من نيويورك، اشترط للحديث عدم الكشف عن هويته، كيف أنه شعر بالخيانة عندما شرع أحد الصنّاع ينتج عددًا متزايدًا من الساعات مستخدمًا تصميمه. بموجب اتفاق فضفاض بينهما، أتاح للصانع أن يطوّر أربع نسخ إضافية من ساعته لبيعها إلى زبائن آخرين، لكن العدد ازداد لاحقًا ليتحوّل تصميمه في نهاية المطاف إلى مجموعة تسلسلية لا تنفك تتنامى. يقول جامع الساعات: "ظننت في البدء ألا ضير في ذلك لأني حصلت على الساعة التي أردتها. لكن الحقيقة هي أن إقناع الصانع بتولي هذا المشروع لم يكن بالمهمة السهلة، إلا أنه كان في نهاية المطاف سببًا في شهرته، وإذا به يعمد إلى إنتاج نماذج كثيرة من الساعة. ابتأست لذلك نوعًا ما." كانت هذه التجربة مخيّبة إلى حد أنه باع ساعته. صحيح أن المبلغ الذي حققه، وقدره 75 ألف دولار، يقارب ضعف ما تكبّده في الأصل، لكن تلك الساعة كانت الأولى التي ابتاعها من ذاك الصانع، والأخيرة أيضًا.

يتحدث مايكل هيكوكس، جامع الساعات في لندن، انطلاقًا من تجربته الخاصة قائلاً: "ينبغي أن يكون الزبون حذرًا." لكنه لا ينكر على الشركات دوافعها الربحية، ويقول: "عندما تقدم على مثل هذا المشروع، يجدر بك أن تكون مدركًا أن غاية صانع الساعات منه تكمن في نهاية المطاف في تحقيق عائد مالي. أرى شخصيًا أن تحقيق الصنّاع لأرباح أعلى يعزّز قيمة الساعات التي يمتلكها الجامعون."

 

مصادر ملهمة

لكن بعض الجامعين لا يرون ضيرًا في أن تزيّن أفكارهم معاصم أشخاص آخرين. يمكن للعلاقة بين العلامة والزبون أن تنطوي على فائدة لكل منهما. يحدث في بعض الأحيان أن يكون التفويض بتطوير ساعة بحسب الطلب مبتكرًا إلى حد أنه يخلف تأثيرًا في مخزون العلامة للسنوات المقبلة. يتحول جامع الساعات إذ ذاك إلى ملهم، ومستثمر، وحقل تجارب، ومجموعة اختبارية.

لنأخذ على سبيل المثال طراز Récital من دار بوفيه 1833، هذا التصميم الذي تميزه تعقيدات كبرى، والذي حظي بتقديرات مختلفة، بما في ذلك الفوز مرات عدة بجائزة جنيف الكبرى لصناعة الساعات GPHG (الجائزة التكريمية الأعلى تميزًا في هذا القطاع). يعود أصل هذا الطراز إلى سنة 2006، عندما قصد جامع للساعات من نخبة زبائن العلامة المالك باسكال رافي وطلب منه ساعة بآلية توربيون مجهّزة باحتياطي ضخم للطاقة يدوم سبعة أيام وتاج عند مؤشر الساعة الثالثة، ويغلب عليها تصميم نقي الخطوط وغير متكلف. يقول رافي: "سألني الزبون آنذاك عن تصوري لميناء الساعة، فأجبته قائلاً إن آلية التوربيون ستكون خزّان الساعة. ستمثل القوة، والطاقة، والوفرة. وانطلاقًا من قفص التوربيون، يمكننا ابتكار تصميم بسيط تميزه زخارف Côtes de Genève المصقولة باللون الأسود."

تعاون باسكال رافي والزبون على ابتكار أول ساعة من طراز Récital أبصرت النور سنة 2007. كان جامع الساعات مسرورًا جدًا بالنتيجة إلى حد انه اقترح على دار بوفيه 1833 إنتاجها في إصدارات إضافية على ما يقول رافي. عُرض النموذج الاختباري لاحقًا على مجموعة مختارة من شركاء الدار في مجال البيع بالتجزئة وعلى نخبة من كبار الشخصيات. يقول رافي: "كان ليسرّنا أن نبيع بضعة نماذج من الساعة. كنّا لنعدّها هدية من جامع الساعات. في ذاك الأسبوع، بعنا 50 نموذجًا." أثمرت تلك الساعة حتى يومنا هذا 22 إصدارًا وباتت تجسّد واحدًا من أشهر تصاميم الدار.

 

انبثق طراز Centigraphe من دار إف ب. جورن عن طلب تقدّم به أحد كبار الزبائن لابتكار ساعة كرونوغراف غير تقليدية مجهزة بثلاثة عقارب.

F.P. Journe
انبثق طراز Centigraphe من دار إف ب. جورن عن طلب تقدم به أحد كبار الزبائن لابتكار ساعة كرونوغراف غير تقليدية مجهزة بثلاثة عقارب.

 

كانت مشاريع التعاون هذه في بعض الأحيان حاسمة إلى حد أنها سلطت الأضواء على صانع ساعات كان مغمورًا نوعًا ما. فعندما غامر كاري فوتيلينان بالعمل منفردًا، بعد أن صقل حرفته متمرسًا تحت إشراف صانع الساعات المرموق مايكل برميجياني في دار برميجياني فلورييه، دفعته أمنية زبون منفرد إلى دائرة الضوء. قبل أن يشرع فوتيلينان في تطوير آليات حركة من ابتكاره، قصده زبون يطلب ابتكار ساعة بوظيفة عرض الوقت فقط تُصاغ في علبة بعروات مستقيمة وتُجهز بمعيار حركي من طراز Peseux 260 القديم والذي كان يُعد آلية الحركة المستخدمة من قبل العلامات المشاركة في مسابقات اختيار ساعات الكرونوميتر الأكثر دقة بحسب المراصد الفلكية. لم تكتمل الساعة وتُسلم إلى الزبون إلا بعد عام كامل من المفاوضات وانتظار توفير المعيار الحركي. ذهب جامع الساعات بعد ذلك بالساعة إلى مرصد بوزانسون في البلدة الفرنسية التي تحمل الاسم نفسه بغية اختبارها رسميًا والمصادقة عليها بوصفها ساعة كرونوميتر معتمدة من قبل المراصد. كان الاختبار أعلى درجة من الاختبار التقليدي الذي تقتضيه شهادة الوكالة السويسرية لاختبار ساعات الكرونوميتر COSC والشائع على نطاق واسع، إذ إنه انطوى على التحقق من الدقة العالية للساعة كاملة وليس لآلية الحركة التي تستوطنها فحسب. أسفرت الساعة غير التقليدية عن ابتكار شهادة كرونوميتر جديدة ومعترف بها تصدر عن مرصد بوزانسون، لكنها أفضت أيضًا بفوتيلينان إلى تطوير مجموعة ساعات أوبزورفاتوار Observatoire التي يكثر الطلب عليها، والتي تشتمل اليوم على 50 إصدارًا مستنسخًا عن الساعة الأصلية.

لكن مجموعة أوبزورفاتوار لا تجسّد حكاية لا شبيه لها في محترف فوتيلينان. فقد أسفرت طلبات زبائن آخرين عن ولادة مجموعات تسلسلية أخرى للدار. يقول صانع الساعات: "تكرر الأمر مرات عدة. أراد أحد الزبائن ساعة بتعقيد المنطقة الزمنية الثانية ولكن في تصميم خارج عن المألوف بعض الشيء. قال لي آنذاك: اصنع لي ساعة بميناء يدور بأكمله عند الساعة السادسة. سيكون ذلك رائعًا لأن الميناء سيبدو حيويًا ويبدّل وجهه طيلة الوقت." عكف فوتيلينان إذًا على إعادة تصميم وظيفة عرض المنطقة الزمنية الثانية بحيث يُستعاض عنها بقرص دوّار مدمج في نافذة الثواني الصغيرة مع عقرب للإشارة إلى الوقت في المنطقة الزمنية الثانية. بعد أن نشر الزبون صورًا لساعته عبر صفحة منتدى لهواة الساعات، انهالت الطلبات على فوتيلينان. يقول الصانع الذي ابتكر منذ ذلك الحين 25 ساعة بتعقيد المنطقة الزمنية الثانية تزهو بالميزة نفسها: "كان الزبون وحده صاحب الفكرة، ولم أكن شخصيًا أظن أنها ستلقى هذا القدر من الاستحسان." أما عن صاحب الفكرة نفسه، فيضيف فوتيلينان قائلاً: "لم يرَ الزبون ضيرًا في ذلك. فهو كان يمتلك نموذجًا متفردًا يميزه ميناء يزهو بالنقوش."

لا يُعد الاستنساخ العيب الوحيد الذي يشوب مشاريع التفويض الخاصة بتطوير ساعات بحسب الطلب والتي تشكل أداة للأبحاث والتطوير في حالة العلامات الصغرى المستقلة. يقول آلن، وهو جامع ساعات في سان فرانسيسكو اشترط للحديث عدم ذكر اسم شهرته، إن التقنية الجديدة المعقدة لا تؤتي ثمارها في بعض الأحيان، موضحًا: "إننا المعنيون بشكل رئيس بالاختبارات الأولية على المنتج. فهذه العلامات لا تمثل صنّاعًا كبارًا قادرين على القيام بمختلف الاختبارات للتحقق من حسن أداء ساعاتهم قبل تسليمها إلى الزبائن. إذا تبيّن أن ثمة مشكلة في الساعة، فإننا نضطر إلى إعادتها إلى الصانع."

 

صانع الساعات فرانسوا – بول جورن في محترفه.

F.P. Journe
صانع الساعات فرانسوا – بول جورن في محترفه.

مهمة معقدة

تبقى المشاريع المعقدة لإضفاء طابع شخصي على الساعات نادرة لكن مؤثرة، حتى في حالة الدور الكبرى مثل أوديمار بيغيه التي تنتج نحو 40 ألف ساعة سنويًا في مصنعها الضخم في لو براسوس بسويسرا. بالرغم من أن الدار كانت حتى عام 1951 لا تبتكر سوى ساعات متفردة، إلا أنها تقول إن هذا المستوى من الاهتمام يتوافر اليوم حصريًا لعدد ضئيل من الزبائن النخبويين. يقول مايكل فريدمان، رئيس قسم التعقيدات الوظيفية: "إن الطاقة الإنتاجية تطرح دومًا مشكلة بسبب مقدار الزخارف اليدوية التي نطبقها على ساعاتنا. كما أن المسار طويل وينطوي على كثير من التعديلات التي يفرضها الحفاظ على التوازن بين اللغة التصميمية الخاصة بالعلامة وما يريده الزبون."

تندرج على جدول أعمال الدار حاليًا مهمة تطوير ذراع منزلقة أكبر حجمًا وأسهل للاستخدام لتنشيط وظيفة معيد الدقائق في ساعة لأحد الزبائن من طراز Royal Oak Grande Complication. يقول فريدمان: "إنها فكرة رائعة يمكننا حتمًا اقتراحها مستقبلاً، ربما بعيدًا عن استنساخ التصميم نفسه المميز لساعة الزبون. لم نفكر من قبل في السماح بإضفاء مثل هذا التعديل الشخصي على ساعات من طراز Royal Oak." لكنّ التنفيذ لن يكون بالبساطة التي يبدو عليها الأمر. فلا بد من إعادة هندسة عناصر الساعة كلها بما يتيح تعديل حجم الجيب الذي تتحرك فيه الذراع المنزلقة والحفاظ في الوقت نفسه على معايير مقاومة الساعة لنفاذ الماء.

تُعد فاشرون كونستانتين العضو الثالث في المثلث الذهبي لنخبة صنّاع الساعات الذي يضم أوديمار بيغيه وباتيك فيليب. وقد واظبت الدار على إنتاج الساعات المبتكرة بحسب الطلب طيلة قرون. لكن لزبائنها سقف توقعات عاليًا عندما يتعلق الأمر ببقاء مشاريع التفويض التي يتقدمون بها إلى العلامة ابتكارات متفردة. يبني محترف لي كابينوتييه Les Cabinotiers التابع للدار تعقيدات لا تتكرر بعناصر عصية على الاستنساخ للساعات المبتكرة بحسب الطلب التي يبقى كثير منها ملكية خاصة لا تقع عليها أنظار العامة.

 

تقدم مؤخرًا أحد كبار زبائن أوديمار بيغيه بطلب إلى الدار لتصميم ذراع منزلقة بارزة لمعيد الدقائق في ساعته من طراز Royal Oak Grande Complication المشابهة للنموذج المبيّن في هذه الصورة.

Denis Hayoun
تقدم مؤخرا أحد كبار زبائن أوديمار بيغيه بطلب إلى الدار لتصميم ذراع منزلقة بارزة لمعيد الدقائق في ساعته من طراز Royal Oak Grande Complication المشابهة للنموذج المبين في هذه الصورة.   

 

لكن الوقت والموارد الضرورية لمشاريع الساعات المعقدة المبتكرة بحسب الطلب يقتضي استثمارات ضخمة في حالة الصناع المستقلين الذين يفتقرون إلى البنية التحتية للمنشآت الفسيحة والجيوش من الموظفين. قد لا يتوافر لهؤلاء الصنّاع إذا ما أرادوا أن تؤتي الحسابات نتائجها المرجوة أي خيار في ما خلا تكرار الابتكارات السابقة. في حالة فوتيلينان، الذي لا يصنع سوى 60 ساعة تقريبًا في السنة الواحدة، والذي ينوي بناء المعايير الحركية في محترفه، ينطوي الالتزام بابتكار ساعة متفرّدة على تضحية شخصية هائلة أيضًا. يقول فوتيلينان، الذي ابتاع مؤخرًا مبنى جديدًا لتوسيع محترفه واستخدام عدد إضافي من الموظفين للعمل على الساعات المبتكرة بحسب الطلب: "يعوزنا الوقت، لكنه أيضًا وقتي الشخصي. خلال السنوات المنصرمة كلها، كنت أتولى بنفسي مهام بناء علب الساعات، وصقل العقارب وتصنيع بعض أجزائها." يحتاج فوتيلينان إلى يوم كامل لإنجاز مجموعة واحدة من العقارب، ما يعني أنه يكرّس ما بين 50 يومًا إلى 60 يومًا في السنة لإنجاز هذه المهمة فحسب. يقول إنه يمضي أكثر من نصف وقته جالسًا في مقعده، وفي معظم الأيام يواصل العمل حتى ساعة متأخرة مساء.

  

مايكل هيكوكس (يسارًا)، جامع الساعات في لندن، مستطلعًا إحدى الساعات في الصالون الدولي للساعات الراقية SIHH (المعروف اليوم باسم معرض واتشز آند وندرز Watches and Wonders أو ساعات وعجائب)، أحد أضخم معارض الساعات التجارية في سويسرا.

Ben Gierig/A. Lange & Söhne
مايكل هيكوكس (يسارا)، جامع الساعات في لندن، مستطلعا إحدى الساعات في الصالون الدولي للساعات الراقية SIHH (المعروف اليوم باسم معرض واتشز آند وندرز Watches and Wonders أو ساعات وعجائب)، أحد أضخم معارض الساعات التجارية في سويسرا.  

 

الصانع المتمرد

قد يتأتى عن ذلك أن يستغرق بناء صانع مستقل لساعة تُبتكر بحسب طلب الزبون وقتًا يفوق ذاك الذي يقتضيه الحصول على شهادة جامعية. يقول هيكوكس، جامع الساعات في لندن، إنه اضطر إلى الانتظار خمس سنوات قبل أن يتسلم ساعته المعدلة بحسب الطلب من طراز Series II من روجر و. سميث، والمجهزة بميناء هيكلي، في حين أنه كان قد فوّض أمر ابتكارها إلى هذا الصانع في عام 2012. عندما أصبحت الساعة جاهزة، كان هيكوكس قد فقد اهتمامه بها. كما أنه تعرض لبعض الانتكاسات المالية المؤقتة. لذا، وبدلاً من تسديد الرصيد المتبقي وتسلّم ساعته، قرر بيعها إلى وكيل الساعات سيلاس والتون مالك الموقع الإلكتروني A Collected Man المتخصص في الاتجار بالساعات الفاخرة عتيقة الطراز. يقول هيكوكس: "حرص سيلاس على أن ينتهي المطاف بالساعة إلى مجموعة زبون يستحقها، لذا كان روجر راضيًا عمّا آلت إليه الأمور." (رفض سميث التعليق رسميًا على تلك التجربة.)

يصنّع روجر و. سميث اثنتي عشرة ساعة فقط في العام الواحد، ويكثر الطلب على ابتكاراته. لذا كان من السهل على هيكوكس أن يتخلى عن ساعته بمبلغ يزيد بنحو 36,500 ألف دولار على الثمن الذي تكبده والذي يقارب 126 ألف دولار على ما يقول. يقول هيكوكس: "كانت تلك صفقة رابحة لي من المنظور المالي، بالرغم من أني لست مستثمرًا أو مضاربًا في مجال الساعات."

 

 

Voutilainen
استلهمت ساعة GMT-6 من فوتيلينان من مشروع تفويض أصلي يخص زبونا خاصا من زبائن الدار.  

 

لكن سنوات الانتظار الخمس التي اختبرها هيكوكس لا تُقارن بما يقاسيه بعض الزبائن من أصحاب الأمنيات الخارجة عن المألوف. عندما كشف فرانسوا - بول جورن سنة 2008 عن أول ساعة من طراز Centigraphe، كانت اثنتا عشرة سنة تقريبًا قد انقضت منذ تلقى الطلب الأصلي الذي تقدم به عالم رياضيات قصده ليوكل إليه مهمة ابتكار ساعة كرونوغراف غير تقليدية مجهّزة بثلاثة عقارب: يتمّ العقرب الأول دورة كاملة في غضون ثانية واحدة، بينما تستغرق دورة العقرب الثاني 20 ثانية ودورة العقرب الثالث عشر دقائق. يقول جورن: "لم أستطع التوصل إلى حلّ لتحقيق مطلبه، إلى أن زرت ذات يوم وحدة فيراري للسباقات Scuderia Ferrari حيث أدركت كيف يمكنني أن أجعل ثلاثة عقارب تدور بثلاث سرعات مختلفة." كانت سنوات عدة قد مضت على وفاة الزبون قبل أن يؤتي المفهوم الذي اقترحه أُكُله وتتسنى له فرصة رؤيته.  

يشتهر جورن بكونه يفعل ما يحلو له. إنه يعمل، إذا جاز التعبير، وفق جدوله الزمني الخاص، وغالبًا ما يرفض مشاريع يرى أنها لا ترقى إلى مكانته. أما الإسراع للبحث عن حل فقط لإرضاء زبون لا يتحلى بالصبر، فليس خيارًا مطروحًا. كما أنه لن يبني قط أي ساعة عبر إضافة التعقيدات أو الوحدات فوق المعيار الحركي القاعدي. يقول جورن: "إنها مهمة سهلة جدًا، وتشبه بناء السيارات باستخدام المنصات المشتركة. هذا ما يُسمى بالعمل الصناعي، ولا أقوم بمثل هذا العمل. إني أتبع دومًا النهج الذي أريده. غالبًا ما أرفض طلبات غريبة أو أشياء لا أراها مثيرة للاهتمام."

 

جامع الساعات غاري غيتز متفحصا ساعة عبر عدسة مكبرة.

جامع الساعات غاري غيتز متفحصا ساعة عبر عدسة مكبرة.

 

 

ميزان القوى

يمتلك الصانع وحده الحق برفض أي مشروع، الأمر الذي يخلّ بتوازن القوى على نحو قد يفاجئ بعض جامعي الساعات ممن درجوا على أن تسير السفن بما يشتهون في الحياة. فأي تعليق عفوي عن الوقت الذي ستختاره للتزين بساعتك التي يُقدر ثمنها بمئات آلاف الدولارات أو بملايين الدولارات كفيل بأن يذهب بمشروعك أدراج الرياح. يتذكر باسكل رافي من دار بوفيه 1833 ما حدث عام 2013 عندما وافق على ابتكار ساعة مصممة بحسب الطلب لأحد الزبائن ومجهزة بآلية التوربيون، ووظيفة معيد الدقائق بالإضافة إلى مزاياها الميكانيكية المتفوقة في عالم الساعات. كان يُفترض بتلك الساعة أن تزهو بنقوش يدوية الصنع ورسومات منفذة بتقنية الطلاء بالمينا. لكن جامع الساعات ارتكب خطأ جسيمًا عندما أعلم رافي بأنه سيشعر بالزهو عندما يتزيّن بها في أثناء السباحة في بلدته ذات الطقس العليل. قُضِي على المخططات لابتكار الساعة على الفور. يقول رافي: "أرى شخصيًا أنه لا يمكن الإقدام مطلقًا على مثل هذا الأمر. قلت له إني أعتذر ولن أبتكر الساعة. اعتقد أني أمازحه. فلم يخطر لذاك الرجل أني قد أرفض طلبًا بقيمة 2.25 مليون دولار. قلت له شكرًا لك. أكن لك الاحترام لكن ما تخطط له لا يعكس صورة الدار."

قد تقضي أيضًا المشكلات المرتبطة بالعناصر الجمالية على أي مشروع. فلا يمكن لفوتيلينان أن يرضى بطلب لتنفيذ زخارف يعدها مبهرجة. يقول صانع الساعات: "أميل إلى الساعات التقليدية جدًا التي يغلب عليها مظهر تقني." لن تطلب مثلاً من لامبورغيني تجهيز سياراتك الخارقة من طراز هوراكان بمقاعد تتدثر بكسوة قماشية تزينها نقوش الأزهار.

يولي صناع الساعات المستقلين أمثال فوتيلينان، الذين لا ينفقون أي مال على الحملات التسويقية أو لا يستطيعون ذلك، أهمية بالغة للتحكم بعناصر التصميم البصرية. يؤدي جامعو الساعات دور إعلانات جوّالة. لكن هذا لا يعني أن الصنّاع يحتكرون الأفكار المتبصرة. على العكس من ذلك، تسعى الشركات أحيانًا في إثر أفكار جامعي الساعات ووجهات نظرهم الثاقبة. يعتمد هذا القطاع، على ما هو عليه حال معظم القطاعات الأخرى اليوم، على الشخصيات المؤثرة في مواقع التواصل الاجتماعي. وفي بعض الأحيان، أسهمت العلاقة المفيدة للطرفين إلى الدفع بكل من الصانع وجامع الساعات إلى دائرة الشهرة.

قدمّ غيتز مقترحاته الخاصة لتصميم هذه الساعة من طراز Dead Beat Second من دار بيترمان بيدا.

Petermann Bédat
قدم غيتز مقترحاته الخاصة لتصميم هذه الساعة من طراز Dead Beat Second من دار بيترمان بيدا.

 

يواظب غاري غيتز، جامع الساعات في سيليكون فالي، على عرض منشورات عن مجموعته الخاصة عبر صفحة حسابه @garyg_1 على إنستغرام، ويكتب عنها أيضًا في الموقع الإلكتروني Quill & Pad. يتذكر غيتز كيف أن غاييل بيترمان، المشارك في تأسيس دار بيترمان بيدا Petermann Bédat، قصده وصديقه خلال العرض المسبق لأحد المزادات في نوفمبر تشرين الثاني من عام 2019. يقول غيتز: "لم أكن أعرفه، لكنه أدرك من أكون وسأل عما إذا كان بمقدوره أن يُرينا إحدى ساعات الدار لنطلعه على رأينا فيها." أخرج بيترمان  آنذاك من العلبة نسخة أولى من طراز Dead Beat Seconds تزهو بميناء أزرق اللون وأرقام رومانية مصقولة بالذهب. بعد أن طلب غيتز الإذن لإبداء رأيه الصريح، وصف الميناء "بالمضجر" واقترح على بيترمان أن يضفي عليه مسحة تمايز.

تعامل بيترمان وشريكه فلوريان بيدا مع تلك النصيحة بجدية. يتميّز الميناء المشغول من الفولاذ والياقوت في ساعة Dead Beat Seconds النهائية بجزء مقطوع بين مؤشر الساعة الواحدة ومؤشر الساعة الرابعة يكشف عن آلية الحركة الميكانيكية يدوية التعبئة التي جُهزت بها الساعة. في نوفمبر تشرين الثاني من العام 2020، حصدت الساعة جائزة Horological Revelation ضمن جائزة جنيف الكبرى لصناعة الساعات. لم يتلقَ غيتز أي مال مقابل النصيحة التي قدمها، لكن بيدا وجّه له الشكر من على المنصة في أثناء تسلم الجائزة. يقول غيتز: "إن السؤال عن وجهات نظرنا يشكل مبعث سرور لي ولأصدقائي، ويسرّنا حقًا أن نشهد على نجاح صناع الساعات المستقلين."

 

فريد ماندلبوم، جامع ساعات برايتلينغ المقيم في فيينا، والخبير الاستشاري للدار.

The Image Gate
فريد ماندلبوم، جامع ساعات برايتلينغ المقيم في فيينا، والخبير الاستشاري للدار.

شراكة متينة

لا شك في أن المكانة التي يحققها جامع الساعات والتقدير الذي يحظى به يرضيان الغرور إلى حد كبير. لكن أقصى درجات الإطراء تنعكس في الحصول على وظيفة خبير استشاري بدوام كامل ومدفوع الأجر.

تحظى صفحة الحساب الشهير على إنستغرام @watchfred، الخاصة بفريد ماندلبوم، جامع الساعات في فيينا، بأربعة وخمسين ألف متابع. وكان ماندلبوم أول من اتصل به جورج كيرن، الرئيس التنفيذي لبرايتلينغ، عندما كان يتحضر لتسلم إدارة العلامة سنة 2017. وما هي إلا فترة وجيزة حتى استقل كيرن الطائرة إلى النمسا ليغري ماندلبوم بالاضطلاع بدور رسمي في الدار. يقول ماندلبوم، الذي استعانت به برايتلينغ للمساعدة على تطوير مجموعة من الإصدارات الجديدة المستلهمة من طرز الدار القديمة: "يسمّونني المؤتمن على التراث." شملت الإصدارات الحديثة من طرز قديمة طرازي Ref. 806 وAVI Ref. 765، وكلاهما يُعد نسخة حديثة وطبق الأصل من الساعتين الأصليتين اللتين أبصرتا النور سنة 1959 وسنة 1953 على التوالي. كما يقدم ماندلبوم خدماته الاستشارية في مجال التصميم عمومًا عندما يتعلق الأمر باستحضار تاريخ العلامة. أما السبب في ذلك، فيُعزى إلى أن معرفة ماندلبوم العميقة بهذا المجال ترجع بجزء منها إلى حقيقة أن مجموعته الخاصة من ساعات برايتلينغ عتيقة الطراز تفوق بكثير مخزون الدار. اقتنى ماندلبوم على مدى العقد الأخير نموذجًا واحدًا من كل ساعة كرونوغراف "ذات صلة" (على ما يصفها) أنتجتها الدار يومًا. يقول ماندلبوم: "يمكنني القول إن نطاق درايتي بإرث العلامة لم يكن متوافرًا عندما تسلم جورج دفة القيادة." الواقع هو أن كثيرا من نماذج الطرز التراثية التي تعرضها برايتلينغ على موقعها الإلكتروني وفي فهرس ابتكاراتها تعود إلى ماندلبوم الذي أثبت إلى الآن أنه يتمتع حقًا بلمسة سحرية. بيعت النماذج كلها من الإصدارين الحديثين المذكورين أعلاه بسرعة إلى تجار البيع بالتجزئة والوكلاء، ومن المتوقع أن تطرح الدار إصدارًا من طراز ثالث هذا العام.

لكن هذا المستوى من التعاون ليس متاحًا للمبتدئين. إنه مسار يستغرق سنوات عدة وينطوي على مجازفة مالية ضخمة من كلا الطرفين. لكن ماندلبوم يصر على أن نجاح هذا التعاون لا يسفر عن تطوير ساعات فحسب. وفي هذا يقول: "تتطور في هذه الأوساط علاقات الصداقة والدعم والمساعي الحميدة. إنها في نهاية المطاف رياضة للنبلاء."

أسهم ماندلبوم في تطوير الإصدار الجديد من طراز AVI Ref. 765 1953 لبرايتلينغ.

Breitling
أسهم ماندلبوم في تطوير الإصدار الجديد من طراز AVI Ref. 765 1953 لبرايتلينغ.