ينبسط فندق ذا تشيدي البيت فضاء لتجربة إقامة فاخرة تحتفي بتراث الإماراتيين الأوائل في الشارقة.

 

في مواجهة بحر لا يتعب موجه وملحه من سفر، يتراجع صخب الحداثة في الشارقة عن فضاء أفردته المدينة لأمجاد تاريخ ما فتئ عبقه يتضوّع في سكينة أزقة ضيقة حفظت خطى الإماراتيين الأوائل. هناك تحنو حجارة بيوت وأسواق عتيقة على فيض حكايات من زمن مضى يُرجع اليوم صداها قلب الشارقة، مستلبًا الزائرين إلى مساحات تزهو بجماليات العمارة القديمة، والموروثات الثقافية، وكنوز الماضي وآثاره. وهناك يتمدد سحر الماضي عبر متاهات دارات حجرية يستوطنها اليوم فندق ذا تشيدي البيت واعدًا مريديه بإقامة راقية من بعض ترفها أنس من رحم الأصالة.

وأنت تطأ أعتاب فندق ذا تشيدي البيت في قلب الشارقة، متجاوزًا واجهته الخارجية الحجرية عبر ممر ضيق يُفضي إلى ردهة الاستقبال، لا شيء يُنبئك بذاك الانبهار الأول الذي يأخذ منك كل مأخذ في حضرة سكينة آسرة تنأى بك عن ضجيج الخارج. فالفندق الذي تتوزع مرافقه على عشرة أبنية تاريخية أعيد تهيئتها في سياق مشروع أطلقته هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق) لاستعادة المنطقة التراثية وصون معالمها العمرانية، يبدو أقرب إلى مدينة مسوّرة أنست إلى زمانها القديم، فانبعثت واحة تستزيد من ألق محيطها التاريخي وتستلهم روحه.

في الجوار تتناثر فسيفساء من بيوت عتيقة تستوطنها اليوم متاحف تعبر بك أروقتها إلى زمن الإماراتيين الأوائل، من متحف بيت النابودة الذي يعكس طبيعة العمارة التقليدية القديمة في الإمارات، إلى متحف الشارقة للتراث الذي يحتفي بسيرة الأجداد وسبل عيشهم وما اختبروه من حرف ومهن في البر والبحر، أو متحف الحصن الذي ارتفع بنيانه عام 1823 في هيئة صرح مهيب ضم قلعة دفاعية، ومقرًا وسكنًا للعائلة الحاكمة على ما تشهد مقتنياته من الصور والقطع الأثرية والأسلحة القديمة. هنا أيضًا يربض متحف مدرسة الإصلاح التي توثّق مشاهد من النظام التعليمي القديم، ومتحف الفنون الذي يحتضن روائع أعمال فنية من مختلف المدارس التعبيرية، ومتحف ثالث لإبداعات تؤرّخ تطور الخطوط العربية عبر السنين.

 

تثري تصميم المجلس في جناح البيت أرائك عربية الطراز، وآنية نحاسية للزينة، وجداريات من الحبال المضفرة تذكر كلها ببيوت الأجداد.

 

روائع عمارة أصيلة

هذا الانعتاق إلى سحر غير منقوص تجتذبك إليه واحات التاريخ في قلب الشارقة التراثي يظلّ يلازمك أينما حللت في أرجاء مشروع فندق ذا تشيدي البيت الذي افتتح أبوابه سنة 2018 بعد أن استعادت مجموعة شروق أبنيته المتهالكة بالتعاون مع شركة غودوين أوستن جونسون Godwin Austen Johnson للهندسة المعمارية والتصاميم الداخلية في دبي. تتوزّع بعض مرافق المشروع على بيوت يزيد عمرها على 100 عام كانت في ما مضى سكنًا لأشقاء ثلاثة هم: إبراهيم، وعيسى، وعبد الرحمن المدفع. وقد راعت الشركة في استعادتها الحفاظ على الطابع التقليدي الأصيل لبيوت الأجداد من الإماراتيين والذي يتجلّى مزيجًا من جدران مبنية من الحجارة المرجانية والجص والطين، وأسقف تناغم بين عارضات من الخشب وخوص النخيل، وأبواب وشبابيك مصنوعة من خشب الساج ومزدان بعضها بزخارف بديعة. في هذه البيوت التي يرتفع كل منها طبقة واحدة، يشرف معظمها على فناءات خارجية تحوّلت اليوم إلى مجالس ظليلة، لا تغفل الأنظار عن البراجيل الهوائية التي تشكل سمة راسخة في الطراز المعماري للمنطقة، ويتمايز بينها برجيل مجلس إبراهيم المدفع الذي أقيم خارج حدود القاعة وتفرّد خلافًا لغيره بتصميم دائري.

 

 يشكل باب الفيل المصنوع من الخشب القديم عنصرا أصيلاً في بيت إبراهيم المدفع، ويحجب خلفه المكتبة والمتحف.

يشكل باب الفيل المصنوع من الخشب القديم عنصرا أصيلاً
في بيت إبراهيم المدفع، ويحجب خلفه المكتبة والمتحف.

 

في ضيافة التراث

وأنت تخطو في الفناءات والممرّات مستأنسًا سكينة تسود المكان كأنها بعض روحه، تكاد تضل سبيلك مرات ومرات عبر متاهات الأبنية قبل أن تحط رحالك في واحدة من فسحات الإقامة التي تتوزّع على بيوت (استُلهمت أسماؤها من بعض أحياء الشارقة، على غرار الشويهين، والشيوخ) في هيئة 53 غرفة، بينها ثمانية أجنحة فاخرة. ولكن أينما حللت في رحاب هذه المساحات الداخلية التي لا تعوزها فخامة، لا سيّما في أجنحة البيت التراثية Al Bait Heritage Suites أو في جناحي Chedi Grand Suites، لا يسعك أن تغفل عن أصالة تراث أحسنت شركة غودوين أوستن جونسون استحضاره في تفاصيل تصاميم داخلية تتناغم بغير تكلف. فبإيحاء من مساكن الأجداد، ترتّبت المساحات مجالس وحجرات للنوم تتنفّس النسيم العابر إليها من واجهات زجاجية بمصاريع خشبية، وتزهو بقطع أثاث فاخر بغير بذخ مسرف تميّزه أرائك عربية الطراز، وطاولات من الخشب المحفور يدويًا، وآنية نحاسية للزينة، وسجاد عتيق الطراز. هنا كل تفصيل يوحي بأصالة التراث فيما يستحضر حميمية المساكن القديمة.

 

 في جناح Grand Suite، تتناغم تفاصيل تصميم داخلي يستحضر أصالة التراث.

في جناح Grand Suite، تتناغم تفاصيل تصميم داخلي يستحضر أصالة التراث.

 

آثار من زمن مضى

وإن كانت فسحات الإقامة تشي ببعض ما كانت عليه حياة الإماراتيين الأوائل، فإن ثمة شواهد أوفر على زمانهم في مكتبة فسيحة أقيمت في ركن من بيت إبراهيم المدفع. تنبسط المكتبة في مستويين وتحتضن روائع مؤلفات تاريخية وثقافية تتوزّع في خزائن جدارية من حول المجالس المتعددة. وفي المتحف المجاور، الذي يحكي سيرة آل المدفع، قد يمضي الزائر ساعات يطالع صفحات عن تاريخ عائلة اضطلع أفرادها بأدوار مهمة في الحياة المعاصرة للشارقة. تقرأ تارة عن بيوتهم التي احتضنت أيضًا في قديم زمانها مقر مكتب الجمارك الأول في حقبة الوجود البريطاني (بيت عيسى المدفع)، ومتحف الشارقة البحري (بيت عبد الرحمن المدفع)، وأول مقر للخدمات البريدية في الشارقة (بيت إبراهيم المدفع)، ومرات عن نشاطهم في الشأن العام وعلاقاتهم الوطيدة بملوك الجزيرة العربية وشيوخها. لكن أكثر ما يستوقفك في رحاب هذه الواحة تفاصيل عن امتهانهم تجارة اللؤلؤ، بل بعض المعروضات التي توثّق تقليد صيد اللؤلؤ في المنطقة، وتتفاوت بين صرّة تحتضن لآلئ قديمة، ونسخة نادرة من كتاب اللؤلؤ تعود إلى سنة 1908، والنسخة العربية من الكتاب نفسه التي طبعها الشيخ سعيد بن محمد بن سعيد المدفع في الهند سنة 1928، فضلًا عن بعض الأدوات التي كانت مستخدمة من قبل التجار تشمل ميزانًا، ومصفاة للتصنيف بحسب الحجم، وصندوقًا خشبيًا للتخزين.

في المتحف أيضًا آثار عائلة تضم طوابع بريدية قديمة، ونسخة طبق الأصل لرسالة بعث بها رئيس لجنة إغاثة الأسطول العثماني في البصرة إلى عبد الله المدفع، جدّ إبراهيم المدفع الذي حُفظت هنا أيضًا بعض مقتنياته، ومن بينها محبرة من الرخام، وقلم من الخشب، وساعة جيب من الذهب.

 

 حوض السباحة الملحق بالنادي الصحي الذي يعد بجلسات علاجية وطقوس تقليدية تعزز الإحساس بالرفاه.

حوض السباحة الملحق بالنادي الصحي الذي يعد بجلسات علاجية وطقوس تقليدية تعزز الإحساس بالرفاه.

 

واحات الترف

في رحاب فندق ذا تشيدي البيت، أقيمت مجموعة من غرف الاجتماعات، واحتضنت الفناءات متجرًا لبيع جواهر من ابتكار مصمّمين إماراتيين، ومقهى ومتجرًا لبيع المثلجات (لا سيما تلك التي تُعد من حليب النوق والفستق الحلبي وخلاصة بتلات الورود)، فضلًا عن مطعمين، يختص أحدهما بالأطباق العالمية فيما يوفّر الآخر للضيوف فرصة استكشاف المذاقات الأصيلة للمطبخ الإماراتي. وفي ركن قصي، احتجب خلف الأبواب المزخرفة ناد صحي للسيدات، وآخر للرجال، جُهّز كل منهما بمرافق للعلاجات المائية والبخارية، وبحمّام تقليدي للاستزادة من رفاه تعد به طقوس تقليدية. تشمل العلاجات في بعضها تقشير الجسم بالصابون الأسود العَبِق برائحة الأوكاليبتوس، وتغليفه بكسوة من طين الرسول المغربي الممزوج بماء الورد، وجلسة تدليك بزيت الأرغان لتجربة متكاملة تعيد إلى الأجساد حيويتها وإلى النفوس ألقها.

هو ألق تقاليد أصيلة تستعيده أيضًا إذ تعرج ذات أمسية على سوق الشناصية المجاور، أو سوق العرصة التراثي المتصل بالفندق، والذي يُعد واحدًا من أقدم الأسواق الشعبية في الإمارات العربية المتحدة. عبر أزقة ملتفة وضيقة عمرها أكثر من نصف قرن، وكانت في ما مضى تشكل محطة تلاقي البدو الرحل وجمالهم المحمّلة بالبضائع، تهيم الأبصار والحواس في صخب باعة ينادون على معروضات بديعة تتفاوت بين أوشحة الكشمير، والأواني النحاسية العتيقة، والتحف الخشبية، والصناديق العربية المزخرفة باللؤلؤ، والسلال المصنوعة من سعف النخيل، وسياح يساومون على أثمان عطور وبخور، ومصوغات تراثية، وهدايا تذكارية.

 


The Chedi Al Bait, Sharjah
www.ghmhotels.com
5555 502 6 971+