مسابقة الخليج للأناقة تزهو بروائع السيارات عتيقة الطراز والمركبات الحديثة المصممة حسب الطلب

 

في السادس والعشرين من شهر مايو أيار العام الفائت، كانت أنظار النخبة من هواة السيارات الكلاسيكية كلها معلقة في اتجاه واحد، هناك حيث انسكبت شعاعات الشمس فوق صفحة مياه بحيرة كومو الرقراقة في شمالي إيطاليا كأنما لتشارك ضفة البحيرة صخبًا ماتعًا تخالط فيه أصوات المتفرجين الحماسية هدير محركات سيارات كلاسيكية عتيقة الطراز تناثرت فوق المرج الأخضر لفندق فيلا ديستي الذي افتتح عام 1873 وتحوّل عبقه التاريخي لاحقًا إلى خلفية ساحرة لمسابقة أناقة السيارات Concorso d’Eleganza Villa d’Este السنوية. في دورة العام الفائت من هذا الحدث الأسطوري، الذي انعقد للمرة الأولى في سبتمبر أيلول من عام 1929 باسم «كوبا دورو فيلا ديستي» Coppa d’Oro Villa d’Este، اجتمعت نحو 60 سيارة من روائع المركبات الأكثر ندرة التي عرفها تاريخ هذه الصنعة، كأنما لتعيد تكريس مكانة هذه المسابقة الأعلى تميزًا ضمن أحداث مشابهة تُعقد نشاطاتها في بيبل بيتش بكاليفورنيا، وفي باريس وموناكو. أما القاسم المشترك بين هذه النشاطات كلها، فيبقى ذاك التيه الذي يستأثر بالأبصار والأفئدة التي تستلبها المركبات المشاركة إلى سحر من زمن غابر.

 

حصدت سيارة مرسيدس من طراز 170S تعود إلى عام 1950 جائزة أفضل سيارة أوروبية ضمن فئة السيارات الكلاسيكية.

حصدت سيارة مرسيدس من طراز 170S تعود إلى عام 1950 جائزة أفضل سيارة أوروبية ضمن فئة السيارات الكلاسيكية.

 

لن يُرى مقبولاً أن يعمد أي من أولئك الذين تسنّت لهم فرصة حضور نشاطات مسابقة الخليج لأناقة السيارات Gulf Concourse التي انعقدت في دبي بين السابع من شهر ديسمبر كانون الأول الفائت والتاسع منه، إلى مقارنة المسابقة حديثة العهد، بوصفها أطلقت للمرة الأولى سنة 2016، بمثيلاتها من المسابقات التي تكرست عبر العقود، بدءًا من مسابقة بحيرة كومو التاريخية، أو حتى مسابقة بيبل بيتش التي كانت قد أبصرت النور عام 1950 على هامش الدورة الأولى من سباقات الشارع في بيبل بيتش. لكنها حالة الانبهار نفسها كانت تغلب بالمثل على النخبة من جامعي فرائد السيارات وهواتها ممن غصّت بهم على مدى أيام ثلاثة الباحة الشمالية لفندق برج العرب الباذخ، هناك حيث تناثرت فوق المرج المعشوشب وعلى امتداد الحاجز البحري الذي تغازله الأمواج المتكسرة لبحر الخليج مركبات تفاوتت بين طرز عتيقة الطراز أو رياضية يعود بعضها إلى مطلع القرن العشرين، وأخرى حديثة مصممة حسب الطلب.

 

في الباحة الشمالية المشرعة على الأفق البحري في برج العرب، تناثرت سيارات كلاسيكية ورياضية عتيقة الطراز، وأخرى حديثة مصممة حسب الطلب، تندرج ضمن أروع ما أبدعه كبار الصنّاع أمثال فيراري، وجاغوار، ورولز-رويس، وبنتلي، وبورشه، وغيرها

 

كحال تلك الساعات الميكانيكية بديعة التصوير ومتقنة الصنع التي تحمل توقيع دار فاشرون كونستانتين، الجهة الراعية لمسابقة أناقة السيارات لهذا العالم، بدت المركبات التسع والثلاثون المشاركة في الحدث أقرب إلى شاهد على إرث تليد لصنعة تزاوج بين الأصالة الحرفية وجمالية الابتكار في ارتقائها إلى مستوى العمل الفني المتفرد. كيف لا يكون إبداعًا ذاك الذي تختزله في الباحة المشرعة على الأفق البحري روائع مثل سيارة السباق مرسيدس من طراز SSK من عام 1922، أو مركبة جاغوار XJ220 من عام 1993 التي كانت تُعد في زمانها أسرع مركبة تدخل حيز الإنتاج إذ حقق سائق الفورمولا 1 آنذاك (والمعلق الرياضي الحالي على هذه البطولة) مارتن براندل على متنها سرعة قياسية قاربت 349 كيلومترًا/ الساعة، فضلاً عن سيارة لاند روفر من الفئة الأولى Series Iالتي يعود تاريخ إنتاجها إلى عام 1951، والتي حازت في المسابقة جائزة «خيار الجمهور» ضمن فئة السيارات الكلاسيكية، وغيرها من روائع ما تمخضت عنه مواهب كبار الصنّاع مثل فيراري، ورولز-رويس، وبنتلي، وبورشه.

 

بدت المركبات التسع والثلاثون المشاركة في الحدث أقرب إلى شاهد على إرث تليد لصنعة تزاوج بين الأصالة الحرفية وجمالية الابتكار

 

هنا كل مركبة تختزل فصولاً من حكايتها وتاريخ صانعها فيما يشبه همسًا ساحرًا ترصده تارة في خطوطها المنحوتة بأناقة وطلاء هيكلها المصقول الذي يتوهج تحت ضياء شمس دبي، وطورًا فيما يكتنف مقصورتها الداخلية من تفاصيل باذخة تؤكد أن بعض الإبداع يكبر ولا يشيخ. بعض التاريخ يطالعك هنا في فتنة مركبة سوداء من طراز كورد Cord 812 تعود إلى عام 1936 ويُظهر عدادها أنها لم تقطع سوى ميل واحد منذ تصنيعها قبل نحو 80 عامًا. ابتاعت السيارة لدى إنتاجها سيدة من الولايات المتحدة الأمريكية لم تلبث أن اكتشفت أن مركبتها لا تعمل. عوضًا عن إعادتها إلى الشركة المصنعة لإصلاح أعطالها، آثرت الاحتفاظ بها في المرآب لوقت طويل إلى أن استحوذ عليها مالكها الحالي في دبي والذي أخضعها لعملية ترميم وصيانة شاملة. يذكر أن مركبة كورد 810 التي بزغ فجرها عام 1935 ولم تبع الشركة منها سوى 1٫174 نموذجًا، كانت تُعد أول سيارة أمريكية أنتجت بنظام دفع أمامي مع نظام تعليق أمامي مستقل. عمدت الشركة إلى تعزيز محرّك سيارات هذا الطراز، وهو من نوع V8 مكون من ثماني أسطوانات، بشاحن سمح بالارتقاء بقوتها الحصانية بمقدار 70 حصانًا لتعادل إذ ذاك 125 حصانًا، كما أثرت جماليات مظهرها الخارجي بأنابيب عادم خارجية مطلية بالكروم ومثبّتة إلى جانبي المحرك. آنذاك، كان ابتكار شركة كورد يُعد رياديًا بامتياز، إذ ضمّنت مواصفاته القياسية أول مذياع، وبوقًا مثبّتًا إلى عجلة القيادة، فضلاً عن نظام لتبديل الحركة من أربع سرعات مثبّت إلى عمود المقود. لكن لسوء الحظ، لم يكن النجاح حليف كورد التي واجهت مشكلات كثيرة لجهة التأخر في تسليم المركبات إلى الزبائن، فضلاً عن ارتفاع سعرها إلى نحو ثلاثة آلاف دولار، أي ما يقارب ثمن سيارة من طراز كاديلاك الأعلى مستوى. عملت الشركة، لاحقًا، على تحديث مركبات عام 1936 التي لم تنجح في بيعها وأعادت إطلاقها في السنة التالية تحت طراز كورد 812 لتعود وتعلن في وقت لاحق من العام نفسه عن توقف إنتاج المركبة.

 

نموذج من مركبة مرسيدس-بنز أس أل آر 722

نموذج من مركبة مرسيدس-بنز أس أل آر 722 التي أنتجها الصانع الألماني سنة 2006  في إصدار خاص يحتفي بالفوز الذي كان قد حققه
السائق ستيرلينغ موس على متن إحدى سيارات مرسيدس في سباق الألف ميل الإيطالي لعام 1955، مع الإشارة إلى أن مركبات أس أل آر الأولى
كانت ثمرة تعاون بين مرسيدس وماكلارين في عام 2003.

 

في مسابقة الخليج لأناقة السيارات، حازت مركبة كورد 810، التي اشتهر طرازها بتصميمه الأنيق، الذي يحمل توقيع غوردون إم بوهريغ، ومصابيحه الأمامية القابلة للطي، جائزة أفضل سيارة أعيد ترميمها ضمن فئة المركبات الكلاسيكية. أما الجائزة الأولى للمسابقة، أي جائزة فاشرون كونستانتين لأفضل سيارة، فكانت من نصيب مركبة لانسيا فلامينيا سوبر سبورت من عام 1965. وأنت تتأمل في الخطوط التصميمية لهيكل المركبة الخارجي الذي يعكس ملامح أناقة راقية لا لبس فيها، كما في سقفها الذي يتقوس في هيئة فقاعة مزدوجة، لا يسعك إلا أن تقف مأخوذًا بواحدة من أروع الابتكارات التي حملت توقيع المصمم الإيطالي الشهير زاغاتو. تعود ملكية سيارة الكوبيه هذه اليوم إلى شركة توميني كلاسيكس للسيارات الكلاسيكية في دبي، وهي تجسّد آخر طرز جُهزت بمحركات من صنع الشركة الإيطالية الشهيرة فيتوريو جارنو. في النموذج الفائز، وهو من طراز 3C الذي اقتصر إنتاجه على 150 سيارة، اعتمد الصانع محرك فيتوريو سعة 2.8 لتر قادر على إنتاج قوة تعادل 150 حصانًا.

 

شهدت مسابقة الخليج لأناقة السيارات عرض مركبة من طراز مورغان أيرو 8 من عام 2010.

شهدت مسابقة الخليج لأناقة السيارات عرض مركبة من طراز مورغان أيرو 8 من عام 2010.

 

هي أمجاد غابرة بدا من السهل استعادتها على صهوة ذاك الألق الذي كان يفيض عن هذه السيارات كلاسيكية، يُضاف إليها أيضًا سيارة السباق من طراز بورشه 959 التي فازت عام 1986 بسباق رالي باريس دكار (ولاحقًا برالي الفراعنة في مصر قبل أن يتم طرحها في نموذج عُدَّ آنذاك أسرع سيارة على الطرقات)، وسيارة فيكتور من عام 1992 مزودة بمحرك W8 وشاحن توربيني مزدوج حصدت جائزة «أفضل سيارة أمريكية»، وسيارة فيراري من سنة 1990 من طراز F40 عُدَّت أفضل مركبة ممثلة لفئتها، إضافة إلى سيارة مرسيدس - بنز من طراز 170S من عام 1950 تربّعت على عرش أفضل السيارات الأوروبية. على الرغم من أن مأثرة مرسيدس عتيقة الطراز كانت تزهو بلونها الأسود، إلا أنها كانت تستحضر في الأذهان أسطورة «الفيلة البيضاء»، هذا اللقب الذي التصق بمركبات الفئة S كبيرة الحجم ومتفوقة الأداء التي أطلقها الصانع سنة 1927 ليخوض بها غمار السباق الافتتاحي للسيارات الرياضية على حلبة نوربورغرينغ الألمانية حديثة العهد آنذاك. أما الطراز 170 S، فكان قد طُرح للمرة الأولى سنة 1949 بديلاً أكبر حجمًا بعض الشيء إنما أكثر فخامة من الطراز 170 V الذي أنتجه الصانع في مرحلة ما قبل الحرب. زودت آنذاك مرسيدس مركبات 170 S بنسخة محسنة من محرك M136 سعة 1٫697 سنتيمترًا مكعبًا، وعمدت إلى تحسين مجمل مزايا الأداء بما يتيح تحقيق سرعة أقصاها 122 كيلومترًا/ الساعة.

 

تربعت على عرش أفضل المركبات الكلاسيكية سيارة لانسيا فلامينيا من عام 1965 التي تكرّس بخطوطها التصميمية بالغة الأناقة إرث المصمم الإيطالي الشهير زاغاتو.
تربعت على عرش أفضل المركبات الكلاسيكية سيارة لانسيا فلامينيا من عام 1965 التي تكرّس بخطوطها التصميمية بالغة الأناقة إرث المصمم الإيطالي الشهير زاغاتو.

 

لكن عبق التاريخ كان يقابله تحت قبة المسابقة إبداع أكثر حداثة عكسته مجموعة مختارة من السيارات العصرية المصممة حسب الطلب، وفي طليعتها المركبة الفائزة بالجائزة الأولى عن هذه الفئة، وهي من نوع فيونا من عام 2015. في سيارة فيونا، أبدعت شركة سينجر، المتخصصة في تحديث سيارات بورشه وتعديلها، والتي تحتل مكانة ريادية في الولايات المتحدة ضمن أبرز الشركات المصنعة للسيارات العصرية المصنوعة حسب الطلب، في تحديث مركبة من طراز بورشه 911 جي تي 3، فأعادت ابتكارها عبر إثرائها بتحسينات عصرية استهدفت هيكلها الخارجي ذا الطلاء الأزرق الداكن، والمحرك والمكابح، كما المقصورة الداخلية المكسوة بالجلد الفاخر. كما شملت السيارات الحديثة التي عُرضت في سياق المسابقة مركبة من طراز مورغان أيرو 8 من عام 2010 تعود ملكيتها إلى السيدة حنان مزوزي، مؤسسة نادي أرابيان غازيل الأول من نوعه للسيدات من هواة السرعة والسيارات الرياضية خارقة الأداء. أنتجت سيارة مورغان من هذا الطراز، المتميز برشاقة الأداء وفخامة المظهر، للمرة الأولى سنة 2002، وأعادت الشركة طرحها في نسخة محدثة سنة 2015 مستلهمة تصميم السيارات الكلاسيكية المكشوفة لستينيات القرن الفائت، فيما استبدلت بالمحرك القديم آخر من بي أم دبليو أيضًا كما كان الحال من قبل، إنما هذه المرة بسعة 4.8 لتر فيما كان المحرك القديم بسعة 4.4 لتر وقادرًا على تحقيق سرعة أقصاها 160 ميلاً/ الساعة، وقوة عزم دوران تعادل 447.42 نيوتن متر عند 3٫600 دورة في الدقيقة. شهدت نشاطات المسابقة في دبي تسليم أول نموذج من سيارة جانارلي ديزاين التي تُعد أول سيارة مكشوفة بمقعدين تُصمم وتُصنّع في دبي. تستوحي المركبة تصميمها من السيارات الرياضية لخمسينيات القرن الفائت وستينياته، وفي طليعتها سيارة فيراري من طراز تيستاروسا لعام 1957، وسيارة شلبي إيه سي كوبرا من عام 1962. أما أكثر ما يميز التصميم الذي ابتكره أنطوني جانارلي، فهو خلوها المتعمد من أنظمة المساعدة على القيادة المطورة بهدف التركيز على الإتيان بمقومات تجربة قيادة غاية في التميز. جُهزت السيارة، التي صُنع هيكلها الخارجي من الألياف الزجاجية والألياف الكربونية، بمحرك نيسان V-6 من ست أسطوانات بسعة 3.5 لتر قادر على إنتاج قوة مقدارها 310 أحصنة.

 

حازت مركبة كورد 810 من عام 1936 جائزة أفضل سيارة أعيد ترميمها ضمن فئة المركبات الكلاسيكية

حازت مركبة كورد 810 من عام 1936 جائزة أفضل سيارة أعيد ترميمها ضمن فئة المركبات الكلاسيكية.

 

تجلّت روائع السيارات في معرض مسابقة الخليج للأناقة، في دورته الثانية، بشائر تنبئ بالسير قدمًا على طريق الارتقاء بهذا الحدث إلى مصاف المسابقات العالمية بما يتيح له بحلول عام 2020، تاريخ انطلاق نشاطات معرض إكسبو دبي المرتقب، استقطاب نخبة النخبة من جامعي السيارات النادرة في مختلف أنحاء العالم.

 

‏Gulf Concours
www.gulfconcours.ae