أتقن الثنائي كاسبر وهايدي إيلونت، من شركة فيب العائلية للتصميم،

فن تحقيق التوازن بين الحياة المعيشية والعمل المهني بحسب ما يشهد منزلهما الساحلي في الدانمارك.

 

عندما تهب نسائم بحر البلطيق محمّلة بالملح، يشرع منزل كاسبر وهايدي إيلونت فضاءه لاحتوائها. فالمنزل الواقع في ضواحي كوبنهاغن يربض على بعد بضع أقدام فقط من خط الشاطئ، وعلى مقربة في الجهة المقابلة من سد بحري صغير. اللافت أن تصميمه المتقن والمخادع، الذي يجمع بين الطوب والزجاج وخشب الأرز، يوحي للناظر بأنه ملاذ شاطئي وحسب، بينما هو فيلا يستخدمها الثنائي مقرًا لإقامتهما الدائمة على مدار العام. الأكثر إثارة للدهشة من ذلك أن الزوجين إيلونت يقطنان الفيلا الغارقة في السكينة برفقة أطفالهما الثلاثة، على الرغم من أن الزائر لا يلحظ في المكان أي مظاهر فوضى. لكن هذا الواقع سرعان ما يبدو منطقيًا حالما ندرك أن كاسبر يشغل منصب الرئيس التنفيذي للشركة الدانماركية العائلية فيب Vipp الرائدة في مجال التصاميم الصناعية، وحيث تتولى أيضًا زوجته هايدي إدارة قسم الموارد البشرية. يشتهر الدانماركيون في العموم بتثمينهم البالغ للمثل العصرية الحديثة، وللحداثة التي يشكّل الطابع العملي عنصرًا متأصلاً في جوهرها. فالتصميم العصري المرموق ينبغي أن يكون ذا طابع جمالي وذا جدوى وظيفية في آن واحد. لا يمكن الاكتفاء بأحدهما دون الآخر.

 

منزل ساحلي في الدانمارك

 

يقع المنزل الممتد على مساحة مقدارها 2٫800 قدم مربعة في حي سوفاك الهادئ والمؤنس في بلدة دراوور الصغيرة المنبسطة في جوار البحر. استغرق تشييده عامًا كاملاً، واكتملت أعمال بنائه وتجهيزه منذ سنتين. لا تستغرق مسافة الطريق للزوجين إيلونت من المنزل الى المقر الرئيس لشركة فيب في كوبنهاغن سوى 20 دقيقة، وكلاهما يقوم بهذه الرحلة اليومية القصيرة. يتكون المنزل من مجموعة من الكتل الهندسية البسيطة التي يلحظ تصميمها تعزيز الإفادة قدر الإمكان من الإطلالات على البحر. يحتضن الطابق الأول من البناء مطبخًا كبيرًا مفتوحًا وحيزًا لتناول الطعام، فيما تشغل الطرف الجانبي منه غرفة معيشة للعائلة تكمّلها مكتبة، وثلاث غرف نوم صغيرة المساحات مخصصة للأطفال، إضافة إلى حمّام. يُفضي سلّم بدرجات سوداء بغير قوائم، كأنها تطفو في الفراغ، صعودًا إلى الدور الثاني الذي أفردت مساحته كاملة للبالغين، فاحتضن حجرة نوم رئيسة تميزها واجهة زجاجية مؤطرة كلوحة تشرف على الأفق البحري، وحجرة للاستحمام جُهِّز سقفها بكوّة زجاجية. تعزز هنا أيضًا شرفة خاصة الشعور بالإقامة في فندق بديع التصميم.

 

منزل ساحلي في الدانمارك

 

 فيما كان كاسبر منشغلاً مع هايدي في ذاك الصيف المشرق بإعداد وجبة غداء بسيطة من الخضراوات المحلية والجبن والخبز، قال: «كانت الفكرة بمجملها تدور حول بناء منزل شاطئي مفتوح بالكامل على الأفق البحري بمساحات لا تقتضي أن نخلع أحذيتنا». وأضاف: «من السهل أن يعيش المرء هنا». لكن لا شك في أن تنفيذ فكرة تبدو سهلة في ظاهرها قد يكون معقدًا في الواقع. لذا لم يكتف الزوجان إيلونت، وكلاهما بلغ من العمر 43 عامًا، بالتعاقد على تحقيق المشروع مع مهندس معماري واحد، بل استعانا باثنين من أفضل الخبراء في هذا المجال، ليتولى أحدهما تصميم المبنى الخارجي فيما يعمل الآخر على تصميم المساحات الداخلية. اعتمد المهندس المعماري ماتس لونت خيارات محددة من المواد الطبيعية بالكامل في سبيل إنجاز العمارة الأولية. وفي هذا يقول: «إن كل خيار اعتمدناه ينطلق من غايته الوظيفية». تزهو الواجهة الأمامية للبناء والمطلة على الطريق بقطع آجر كولمبا الرمادية الطويلة التي تصنعها الشركة الدانماركية بيديرسن، فتبدو صلبة ومتناغمة مع محيطها العام. أما جانب البناء المطل على البحر، فيتدثر بألواح من خشب الأرز القادرة على مقاومة عوامل الطبيعة. فخشب الأرز يشكّل مادة تقليدية متينة يمكنها الصمود في وجه تأثيرات عوامل المناخ التي تنشأ بمرور السنين. اعتُمدت أيضًا واجهات زجاجية ضخمة تطل على البحر من الجهة الخلفية، حيث أقيمت باحة جانبية تنفتح كما النوافذ على فناءات مرصوفة بخشب الأرز.

 

" إن كل خيار اعتمدناه ينطلق

من غايته الوظيفية "

_ ماتس لونت

 

أسهم اعتماد مجموعة محدودة من المواد التي اقتصرت على الخشب والفولاذ والزجاج في تحقيق تناغم عفوي بين عمارة المنزل ومحيطها الطبيعي.
أسهم اعتماد مجموعة محدودة من المواد التي اقتصرت على الخشب والفولاذ والزجاج في تحقيق تناغم عفوي بين عمارة المنزل ومحيطها الطبيعي.
 

" ينبغي أن يكون التصميم العصري المرموق ذا طابع جمالي وذا جدوى

وظيفية في آن واحد. لا يمكن الاكتفاء بأحدهما دون الآخر "

 

يدور تصميم المساحات الداخلية حول عنصري البساطة والتباين. فالمطبخ الأسود من فيب ومصباحا الإنارة في السقف يتعارضان بأناقة ووضوح مع الجدار المكسو بالخشب.
يدور تصميم المساحات الداخلية حول عنصري البساطة
والتباين. فالمطبخ الأسود من فيب ومصباحا الإنارة في السقف يتعارضان بأناقة ووضوح مع الجدار المكسو بالخشب.

 

 انبثق تصميم المساحات الداخلية المقيدة من موهبة المصمم ديفيد ثولستروب الذي يصفه كاسبر بالنجم الساطع والذي اشتهر تحديدًا بمشروع تجديد مطعم نوما الشهير بالتعاون مع المهندس المعماري الدانماركي بياكيه إينيلز. كان كاسبر قد أوكل إلى ثولستروب مهمة ابتكار شقة فيب التي تشغل دورًا علويًا فوق مكاتب الشركة في كوبنهاغن وتشكّل محلاً للإقامة يحجزه الضيوف الراغبون في الانغماس في تجربة تتيح لهم اختبار فلسفة العلامة الإبداعية وتصاميمها. يقول كاسبر: «بعد أن شاهدت نتاج عمله في فندق فيب، بتّ على يقين بضرورة أن يسبغ ديفيد لمسته الساحرة على منزلنا الخاص. فالرؤى التي يعتمدها في تصاميمه تقارب حد الكمال».

 

 يتزين بهو المنزل بأعمال فنية من ابتكار تايس فينت.
 يتزين بهو المنزل بأعمال فنية من ابتكار تايس فينت.

 

اختار ثولستروب كسوة الأرضيات بالإسمنت المسلح الخام، وابتكر خلف الدرج جدارًا يرتفع على امتداد طابقين ويتدثر من الأرضية إلى السقف بشرائح خشبية متراتبة. وفي هذا يقول ثولستروب: «إن الدرج المعدني الأسود يستلهم لغة التصميم الجوهرية التي تعتمدها شركة فيب، ويتباين على نحو بديع مع الجدار المتاخم له بكسوته الخشبية». لدى سؤال كاسبر عن السبب الذي دفعه إلى التعاقد مع مهندسين معماريين اثنين، على الرغم من أن واحدًا كان يستطيع على الأرجح إنجاز كامل المشروع بشقيه الخارجي والداخلي، قال: «إن خبرات أي مهندس تبقى محصورة في مجال اختصاصه. أما الاستعانة بمهندس واحد، فتشبه الطلب إلى طبيب متخصص في جراحة الدماغ بأن يجري عملية جراحية لقدمك!». يبدو أن الاستعانة بالمهندسين المعماريين لونت وثولستروب معًا أسهمت في استحداث مشروع تعاون تصميمي مثالي. يقول كاسبر: «أتاح هذا الأمر الانطلاق في مسار سلس بالكامل، استفدنا في سياقه من أفضل الخبرات في كلا الاختصاصين».

 

 تنفتح غرفة المعيشة على كل من المطبخ والشرفة الخارجية، وقد أسهم تأثيثها بأريكة منجدة من مجموعة هاي، وبساط وستائر، في تلطيف أجوائها.
 تنفتح غرفة المعيشة على كل من المطبخ والشرفة الخارجية، وقد أسهم تأثيثها بأريكة منجدة من مجموعة هاي، وبساط وستائر، في تلطيف أجوائها.

 

" كانت الفكرة بمجملها تدور حول بناء منزل شاطئي مفتوح بالكامل

على الأفق البحري بمساحات لا تقتضي أن نخلع أحذيتنا "

_ كاسبر إيلونت

 

يحتل سرير من علامة بوليفورم مركزا وسطيا في غرفة النوم الرئيسة للاستمتاع بالإطلالة البحرية.

يحتل سرير من علامة بوليفورم مركزا وسطيا في غرفة النوم الرئيسة للاستمتاع بالإطلالة البحرية.

 

يُعد تأكيد جدوى التخصص منطقيًا، لا سيما أن شركة فيب تبرع في الإتيان بعدد من أفضل الابتكارات. وقد ذاع صيتها تحديدًا في مجال تصميم المطابخ الأنيقة وذات الخطوط النقية حد الإبهار، وابتكار البيوت مسبقة الصنع، وبشكل مثير للدهشة أيضًا في إنتاج سلال المهملات. الواقع أن سلة المهملات التي اشتهرت بها شركة فيب والتي تُشغّل بوساطة دوّاسة (ويُحتفظ بها اليوم ضمن مجموعة متحف الفن الحديث) شكلّت نقطة الانطلاق في نشاط الشركة الأم مذ قام بابتكارها أولغر نيلسن، جد كاسبر، من أجل صالون تصفيف الشعر الخاص بزوجته. يقول كاسبر، الذي يمثل الجيل الثالث من مديري الشركة ويمتلك اليوم ثلث حصصها بالتساوي مع أخته صوفي المقيمة في نيويورك ووالدته يتيه: «لقد ترك لنا جدي إرثًا رائعًا وقيمًا مذهلة». تلتزم الشركة اليوم بفلسفة التصميم «الوظيفي والأصيل إنما الأنيق في آن» على ما يقول.

 

" إن الاستعانة بالمهندسين المعماريين لونت وثولستروب معا أسهمت في استحداث مشروع تعاون تصميمي مثالي "

 

المهندسان المعماريان ماتس لونت وديفيد ثولستروب
تعاون المهندسان المعماريان ماتس لونت وديفيد ثولستروب على تصميم منزل العائلة.
استلهم ثولستروب تصميم الدرج الفولاذي الأسود من «لغة التصميم الجوهرية التي تعتمدها شركة فيب».

 

" إن العمارة تزخر بقوة بالغة التأثير "

_ كاسبر إيلونت

 

لا مكان بالتأكيد يصلح لاستعراض جماليات ابتكارات فيب أكثر من منزل آل إيلونت الشخصي. فخزائن المطبخ المصقولة باللون الأسود غير اللامع والنضد التي أقيمت في وسطه كجزر مستقلة وتزينت بوفرة الأدراج تحمل بصمة فيب التقليدية، ويشهد على ذلك مظهرها المتين والأنيق في آن والذي يشكّل سمة راسخة في إبداعات الشركة. خلال زيارتنا إلى المنزل، قُدم لنا طعام الغداء في أطباق بيضاء مصممة في هيئة دائرتين متداخلتين من مجموعة فيب الخزفية. من المسلّم به بالطبع أن يُؤتى بسلال المهملات أيضًا من شركة العائلة. لكن إحدى السلال المخصصة لغرف الأطفال تزينت بقدر إضافي من البهرجة. فقد أثرتها نقاط ملونة اعتُمدت في تصميم مجموعة محدودة الإصدار تعاونت الشركة على ابتكارها مع الفنان داميان هيرست. يشكّل هذا الابتكار شاهدًا على تحوّل فيب من شركة متخصصة معروفة على نطاق ضيق إلى لاعب عالمي صغير إنما مؤثر في ساحة التصميم. في غرفة المعيشة، اختيرت الأريكة المخملية الضخمة بلونها الأخضر، الذي يختزل اللمسة الوحيدة المفعمة بالألوان في المنزل، من مجموعة العلامة التجارية الدانماركية العصرية هاي Hay. لا تصنّع شركة فيب المفروشات المنجدة. أما تركيبة الإضاءة المعلقة فوق مائدة الطعام، فهي من مجموعة المصابيح التقليدية Bubble التي صممها جورج نيلسون لصالح شركة هيرمان ميللر. فالثنائي إيلونت لا يتوانيان عن ابتياع مستلزمات منزلهما من أي مصدر طالما أن جمالياتها تتناغم مع أسلوب المعيشة الذي ينشدانه والقائم على الجمع بين الأناقة والبساطة. يقول كاسبر: «إن الهندسة المعمارية تزخر بقوة بالغة التأثير، ويمكن للتصميم المتقن أن يحدث تغييرات جذرية».

  


Studio David Thulstrup
www.studiodavidthulstrup.com
Vipp
www.vipp.com