بينما تسعى علامات مختلفة في قطاع المنتجات الفاخرة إلى تعزيز سلوكياتها المسؤولة، هل يصبح ابتياع المنتجات الفاخرة عملا خيرا؟

            

ما أسرع انكشاف خطأ التوقعات! في يناير كانون الثاني 2020، سارعت القنوات الإخبارية إلى نشر قوائم بتوقعات متفائلة للعقد الجديد، بينما حملت مجلة فوغ تباشير "فيضان من التفاؤل الذي بتنا بأمس الحاجة إليه". ومن كان ليلومها على ذلك؟ ففي أعقاب عقد شابه الغموض في عالم تلبدت سماؤه بغيوم عاصفة اقتصادية هوجاء، وبإنذار حرب تلوح في أفق منطقة الشرق الأوسط، وسمفونية النشاز التي راحت تنبعث من الجناح الغربي للبيت الأبيض، كان المتوقع بطبيعة الحال أن تشهد الأمور تحسنًا.

لكننا بتنا ندرك الحقيقة الآن. فالحجر المنزلي الذي فرضته الجائحة لأشهر قلب حياتنا رأسًا على عقب. وبالرغم من أن بعض المحصلات قد تكون إيجابية، إلا أنه لم يبقَ سوى نزر يسير ثمين من ذاك التفاؤل الصادق - وإن كان متعمدًا - الذي تُقنا إلى الإحساس به منذ وقت غير بعيد.

لكن بينما تنقشع سحب الدخان، لا يبدو أن التوقعات كلها كانت سخيفة. بل إن بعضها قد يتحقق في وقت أسرع مما كان متوقعًا. سرّع فيروس كورونا خصوصًا إيقاع انتشار مسارات خُلقية واعية اجتماعيًا يعتمدها عدد متزايد منا وجهة لعادات التسوق لديه.

لنرجع بضع خطوات إلى الماضي. قال الخبراء إن هذا العقد سيشهد رسوخ "الاقتصاد الخُلقي"، هذا المصطلح الذي أطلقه ستيفن أوفرمان سنة 2014 في كتاب توقعاته الذي حمل العنوان نفسه Conscience Economy. كانت السلوكيات السيئة في مجال الأعمال، في ما مضى، مفيدة لقيمة الأسهم وتخلّف في الوقت نفسه تأثيرًا مخدرًا للمستهلك. لكن الحال تبدّل. بدأنا نكترث. كانت روح عصر فاضلة على مستوى إنفاق المستهلكين قد بدأت تترسخ، لا سيما في قطاع المنتجات الفاخرة الذي تشبّث لسنوات بمفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات.

لكن وجه الاختلاف اليوم، الذي ربما حفزته جائحة كورونا، لا يقتصر على تسارع إيقاع روح العصر الفاضلة، بل يتجلى أيضًا في مقتضياتها التي تزداد تشددًا. لم يعد ادعاء النوايا الخيّرة كافيًا. نريد للعلامات التجارية أن تثبت ذلك.

تحاول علامات كثيرة تلبية هذا المطلب. في منتصف مرحلة الحظر، استضاف جان – كريستوف بابان، الرئيس التنفيذي لبولغري، ما وصفته الدار بمؤتمرها الأول للاستدامة، وسلط الضوء على مختلف مساعي بولغري للتصدي لفيروس كورونا والدفع قدمًا بسلوكها المسؤول (تعبير يصبح مضجرًا أكثر كلما استُخدم)، وعلى النهج الذي ستتبعه لإثبات ذلك.

قال بابان إن بولغري كانت تعمل على تطبيق جديد لتفاعلات المستهلكين ابتُكر من طريق شبكة التعاملات المالية الرقمية التي تتيحها شركة أورا Aura، وهي منصة أطلقتها العام الفائت مجموعة إل في إم إتش LVMH التي تنضوي علامة بولغري تحت مظلتها. ستتمثل إحدى الوظائف التي يتيحها التطبيق توفير إمكانية تعقب مسار المنتج على نحو يوفّر لمجموعة متزايدة من المستهلكين الواعين اجتماعيًا وبيئيًا معلومات عن الأساليب المعتمدة في تصميم المنتجات التي يبتاعونها وتوريد المواد المستخدمة فيها وتصنيعها، والبلدان التي يتحقق فيها ذلك كله. فضلاً عن ذلك، سيبيّن التطبيق كيف ستستخدم إيرادات بيع المنتجات التي تُصنّع دعمًا لقضايا نبيلة.

ستضمن القدرات التنسيقية للتعاملات المالية الرقمية الحفاظ على أمن البرنامج وإدارته وتشريعه، وستساعد بموازاة ذلك على محاربة التزييف. إنها معادلة رابحة على المستويات كافة.

لا تنفرد بولغري بهذا التوجه. فبعيدًا عن مجموعة العلامات المنضوية تحت مظلة إل في إم إتش (كانت علامتا لويس فويتون وعطور كريستيان ديور سباقتين إلى تبني تقنية التعاملات المالية الرقمية)، تمتلك اليوم شركة أرياني Arianee التقنية للمصادر المفتوحة، ومقرها في باريس، نظام عضوية يشمل مجموعة ريشمون (الشركة الأم لدار كارتييه)، ودار الساعات أوديمار بيغيه، وعلامتي ساتوشي استوديو وفيرلان اللتين تهزان قواعد المألوف في عالم الأزياء. فضلاً عن ذلك، تتعاون مجموعة كيرينغ (التي تنضوي تحتها علامات غوتشي، وبالنسياغا، وأوليس ناردين) مع شركة أوريتان ذات التمويل الخاص التي تختص بالتحقق من مزاعم العلامات التجارية فيما يتعلق بإمكانية تعقب المواد الطبيعية مثل القطن.

 

"لم نعد نحكم على مشترياتنا بحسب طريقة صنعها ومكان التصنيع فقط، بل بحسب مقدرتنا أيضا على أن نقيس بوضوح أثر المسؤولية الذي تخلفه وراءها."

 

لكن ثمة مؤشرات مبكرة إلى أن تطبيق التقنية أصعب مما تصورته بداية الشركات التي ستحقق مكانة ريادية في هذا المجال. في معرض الساعات Geneva Watch Days الذي انعقد في جنيف في شهر أغسطس آب الفائت، أقرّ أنطوان بين، رئيس وحدة الساعات في بولغري، بأن المشروع يتقدم ببطء. قال بين إن دائرة ما يُسمى "بجوازات السفر الرقمية" قد بدأت تتسع، على ما هو عليه الحال لدى علامتي الساعات الزميلتين فاشرون كونستانتين وبرايتلينغ (كلتاهما عضو في نظام أرياني)، إلا أن المجموعة الكاملة للمنافع والتطبيقات الخاصة بها على الهواتف الذكية لمّا تتوافر بعد للمستهلك.

لنفترض أن هذه التطبيقات ستصبح متاحة في مرحلة ما. إذا ما أثبتت كفاءتها، وكانت موثوقة حقًا، فإن بعض الخدمات مثل شبكة أورا ستدفع قدمًا بمسار اللعبة. يُعد مفهوم المنتج "المسؤول" مألوفًا لأي شخص يمتلك نموذجًا من الأحذية التي تصنعها علامة ستيلا ماكارتني من نفايات بلاستيكية تُجمع قبل الوصول إلى مياه المحيط ويُعاد تدويرها، أو يقتني إحدى سيارات بولستار الكهربائية التي تتدثر مقصوراتها الداخلية بكسوة من مواد نباتية. لكن إلى يومنا هذا، لم تتوافر أدلة كافية لدعم مزاعم هاتين العلامتين. عندما ألححت بالسؤال على توماس إنغنلاث، الرئيس التنفيذي لعلامة بولستار، حول ضرورة توفير مثل هذا الإثبات والسبيل إلى ذلك، أقرّ بأنه لم يفكّر مليًا في هذه المسألة. لا يزال الدرب أمامنا طويلاً.

إن روح العصر الفاضلة تتطور إذاً. لم نعد نحكم على مشترياتنا بحسب طريقة صنعها ومكان التصنيع فقط (فهذا المعيار يشكل أصلاً ملحقًا خُلقيًا لانطباعات أكثر انفعالية حول شكل المنتج وطابعه ومدى مواءمته)، بل بحسب مقدرتنا أيضًا على أن نقيس بوضوح أثر المسؤولية الذي تخلفه وراءها.

من مفارقات الجائحة والقيود الملازمة لها أن تلك التوقعات بنشأة نموذج جديد لسلوكيات المشترين قد بدأت تبدو مترددة بعض الشيء. فالصورة تتبدل بسرعة. أشار التطبيق الاستثماري تيكر Tickr، الذي أطلق سنة 2018 لابتكار محافظ استثمارية يتركز نشاطها حول التغير المناخي، والمساواة، والشركات التقنية التي تهز قواعد المألوف، أشار إلى أن عائداته ارتفعت بنسبة 300% خلال جائحة كورونا. كما استشرف التطبيق وصول عدد مستخدميه بنهاية العام الفائت إلى 100 ألف فرد، أي بزيادة تعادل أربعة أضعاف ما كان عليه الحال سنة 2019. في أيامنا هذه، الطمع مفيد.

لكن دعونا لا نستبق الأمور. ندرك أن ثمة عملية تبادلية مشروطة هنا تضع عمل الخير في مواجهة النزعة الاستهلاكية، غير أنه من المرجح أن وراء الأكمة ما وراءها. تشير العمليات الحسابية على سبيل المثال إلى أن مراكز البيانات التي تغذي دورات التعاملات المالية الرقمية للشفافية (وغير ذلك أيضًا) ستستهلك الطاقة الكهربائية بحلول نهاية هذا العقد بنسبة 8% من معدل الاستهلاك العالمي، فيما انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تتسبب بها ستساوي ثلاثة أضعاف المعدل الذي كانت الرحلات الجوية تسجله قبل جائحة كورونا. في نهاية الأمر، لا شيء بسيط على الدوام.


يكتب روبن سويثنبانك، ومقره في المملكة المتحدة، بانتظام في صحيفتي ذا نيويورك تايمز، وفاينانشل تايمز، ومجلة إسكواير.