الرئيس التنفيذي لبولغري يكشف عن رؤيته للمضي قدما بالدار نحو مستقبل لا يتنكر لإرثها العريق. 

 

كيف تقيمون دوركم في تطوير العلامة؟

إني أشبه بقائد الأوركسترا. فهو لا يدعي تفوّقه في العزف على الموسيقيين في فرقته، بل يرصد مهاراتهم ويوائم بينها في سياق جهد متناغم ينبثق من السعي المشترك إلى تحقيق التميز. ما يفعله قائد الأوركسترا في صناعتنا هو إيجاد قاعدة تصلح فضاء مبتكرًا لسماع الموسيقا. أما الموسيقا نفسها، فنوتاتها مكتوبة أصلاً بوصفها جزءًا من الخارطة الجينية للدار، وما على القائد سوى أن يوجّه العازفين وفقًا لإيقاع محدد للارتقاء بسحر المعزوفة.

 

ما هي أولوياتكم للمرحلة المقبلة؟

ستظل أولوياتنا دومًا الإتيان بابتكارات تعكس حس الإبداع المنبثق من مصادر الإلهام التي ميَّزت هويتنا عبر التاريخ، أي التأثيرات الجمالية التي تزخر بها الفنون والأساليب الهندسية الرومانية. أعتقد أننا سنقدّم دومًا رسالة ملهمة من خلال إبداعات تّتسم بثراء محتواها الثقافي والفني. فمنذ أسس ساتيريو الدار سنة 1884، وبموازاة التأثيرات المنبثقة من أصوله الإغريقية، كانت الغلبة في التصاميم لروح روما وما ميّزها من هيبة في الملامح العمرانية، وجرأة في التصاميم والأشكال والأحجام، ليس في زمن الإمبراطورية الرومانية فحسب، بل على مدى الأزمنة المتعاقبة كلها. ولأن إبداعات بولغري كانت دومًا تشكّل انعكاسًا لإرث الدار في روما، فإن ما نبتكره مستقبلاً سيظلّ أقرب إلى خليط تتمازج فيه قرون من التطور الفني والعمراني.

 

ما هو توجهكم للحفاظ على التقاليد الحرفية المهددة بالزوال؟

لم يعد تفكير الشباب الإيطالي، والأوروبي عمومًا، في امتهان عمل حرفي يشكّل اليوم حالة طبيعية وتلقائية. فالكل يصوّب تركيزه على مجالات التقنية وقطاع الخدمات، وقلة من الطلاب يعبّرون عن رغبتهم في امتهان صياغة الجواهر أو صناعة الساعات أو قص الجلود. وفيما خلا سويسرا، لم تعد المناهج التعليمية في أوروبا تعير الحرف التقليدية الاهتمام الكافي. لذا أعتقد أن الحفاظ على الإرث الحرفي يرتبط ارتباطًا وثيقًا ببرامج تدريب الحرفيين. وهي ليست مصادفة أن يكون افتتاحنا العام الفائت مصنعًا جديدًا قد شمل إطلاق أكاديمية بولغري. إنها مدرسة لتعليم أصول صياغة الجواهر، وقد خصصنا لأجلها اثنين من محترفاتنا. إننا نعتقد بأن التمرّس الحرفي يشكّل حاجة جوهرية في صناعتنا. بل إن من واجبنا تحمّل هذه المسؤولية والترويج للحرف التقليدية الآسرة وتطويرها.

 

أي الإمكانات ترصدون في أسواق الشرق الأوسط؟

ثمة قواسم مشتركة كثيرة بين الثقافة الرومانية وما يميز طبيعة الحياة في منطقة الشرق الأوسط حيث الفخامة منذ زمن قصص ألف ليلة وليلة لا تشكّل ظاهرة غريبة أو غير مألوفة. على هذا، فإن ما نبتكره في الدار بإيحاء من إرثنا الروماني يلقى صدى مألوفًا في أوساط زبائننا الشرق أوسطيين الذين تجتذبهم ابتكاراتنا.

 

شهدنا مؤخرا افتتاح منتجع بولغري في دبي. هل ترصدون أي وجه شبه بين عالم الضيافة وفن صناعة الجواهر؟

قد لا يكون الأمر معلنًا بوضوح، لكن أول مهارة يطورها صائغ الجواهر هي حس الضيافة. فقبل ظهور مفهوم الزبائن بقرون عدة، كانت صياغة الجواهر ترتكز إلى التفاعل الشخصي مع الفرد الذي تُبتكر أي قطعة جواهر لأجله وتقتضي من ثمَّ معرفته في العمق. إلى يومنا هذا، لا يزال عالم صناعة الجواهر الراقية يرتكز في غالبيته إلى التصميم حسب الطلب، ما يفرض إذًا تطوير مهارات الضيافة لاستقبال الزبائن ومناقشة توقعاتهم قبل توفير الخدمة المطلوبة لهم، تمامًا كما يحدث في عالم الضيافة الفندقية. باختصار، لقد طوّرنا على مدى السنين حسًا معمقًا بأصول التفاعل مع الزبائن، وهذه مهارة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بجوهر صناعتنا.

 

ما أكثر ما يستهويكم في عملكم؟

أكثر ما يبهرني الفرصة المتاحة للوقوف على اكتشافات جديدة في عالم الفن والجمال والتصاميم. أدرك أن هذا امتياز خاص، لكني أعرف أيضًا أن الاستمتاع به يقتضي أن أكون فضوليًا حد الهوس. بل إني غالبًا ما أحث فريق عملي على التحلي بالفضول المعرفي لأنه أساس الابتكار.

 

هل تجدون في جدول أعمالكم فسحة لممارسة الهوايات؟

أمارس رياضة التزلج، وأنافس أولادي في سباقات السيارات الصغيرة «كارتينغ».

 

وماذا عن ولعكم بعالم السيارات؟

صحيح أني لا أعد جامع سيارات، ولكني مولع حقيقة بهذا العالم. أثمِّن السيارات عتيقة الطراز لكني بصراحة أهتم أكثر بالمركبات الحديثة. لا يرتبط الأمر عندي بالسرعة تحديدًا، وإنما بما تتيحه سيارات اليوم من تجربة حسية ماتعة بفعل ما يجتمع فيها من سبل الراحة، والتقنيات المتطورة، ومزايا الثبات وقوة الأداء. ما يبهرني عمومًا الإحساس بالجماليات التي يعكسها تصميم المركبة وبناؤها، من الخطوط المنحوتة بإتقان إلى رائحة الجلد الفاخر الذي تتدثر به المقصورة.

 

خلال أسفاركم الكثيرة، أي الوجهات تركت أثرا مميزا في وجدانكم؟

تبهرني على وجه الخصوص عوالم مثل نيبال ولاداخ في أعالي الهمالايا، هناك حيث يتداخل أبيض الثلج الذي يكلل قمم الجبال مع الألوان الزاهية للمعابد. باختصار، أشعر وكأن تلك المناطق تخاطب وجداني بما يجتمع فيها من روائع عمرانية ومزايا جمالية وطابع خاص.

 

برأيكم كيف يختبر المرء السعادة، وأي تجارب الترف التي عرفتموها كانت الأكثر تفردا؟

يكفي أن يعيش المرء اللحظة ويركّز اهتمامه على ما يفعله اليوم عوضًا عن التفكير بما قد يحدث غدًا. أما التجربة الأكثر تميزًا التي اختبرتها، فكانت في سياق رحلة مع أولادي لتسلق قمة الجبل في جزيرة لومبوك الإندونيسية. صحيح أن المهمة كانت شاقة، لكن التجربة كشفت لنا عن مشهد طبيعي آسر.

بين شغف راسخ باستكشاف مكامن الجمال أينما رصدتها العين ورؤية متبصرة لصون ثقافة إبداعية تمتد عميقًا في جذور التاريخ، يرسم الفرنسي الإيطالي جان-كريستوف بابان منذ عام 2013 لمستقبل بولغري مسارًا طموحًا تتفرع فيه دروب الإبداع بين فن صياغة الجواهر وصناعة الساعات الراقية وكماليات الأناقة، وحتى فنون الضيافة الفندقية، موائمًا لأجل ذلك بين مواهب ومهارات ينسّق إيقاعها بكثير من الحكمة ليضمن للغد ابتكارات يظل في تفاصيلها متسع لهمس حكايات إبداعية من أزمنة غابرة.