مجموعة جسورة من الناشطين يغدقون أموالهم ويصرفون طاقتهم في سبيل إنقاذ بحارنا المهددة.

 

مثل نسخة حقيقية من فيلم ذا أفنجرز The Avengers أو فيلم جاستس ليغ Justice League  تعاضدت مجموعة دولية من ناشطين غير مألوفين، بعضهم من ذوي المليارات، بهدف إنقاذ بحارنا المهددة التي تتدهور بكل المقاييس بوتيرة مقلقة على نحو متزايد. إن هذه المجموعة التي تطلق على نفسها اسم Philanthropic Ocean Research Vessel Operators إلى أن يتوصلوا إلى اسم أكثر جاذبية، لا تنتظر الحكومات لاتخاذ أي تدابير مؤثرة. إنهم يلجأون، بدلاً من ذلك، إلى تطبيق خبرتهم التجارية من أجل دراسة البحار، وابتكار مشاريع للحفاظ على البيئة في سبيل مكافحة ويلات تغير المناخ، وصيد الأسماك الجائر، وإلقاء نفايات البلاستيك بمقادير هائلة. 

شكل الملياردير شل إنغه روكه، ونصيرة الحفاظ على البيئة نينا جينسن فريقا للعمل عبر مؤسسة ريف أوشن.

Ilja C. Hendel/REV Ocean
شكل الملياردير شل إنغه روكه، ونصيرة الحفاظ على البيئة نينا جينسن فريقا للعمل عبر مؤسسة ريف أوشن.

 

من الذين شكلوا الائتلاف الموسع: ويندي وإريك شميت، وشل إنغه روكه، وأندرو ونيكولا فورست، وفيكتور فيسكوفو، وآنياس تروبليه، وقد يكون على نحو رئيس من مؤسسات ممولة من القطاع الخاص، بغرض استحداث مقاربة أكثر اتساقًا فيما يخص البحوث المتعلقة بالمحيطات.

تتنوع جهودهم، الموضحة فيما يأتي، على نحو مختلف، فيعمل كل من فيسكوفو ومعهد شميت أوشن على تعيين خرائط مناطق شاسعة تحت الماء، بينما تركز مؤسسة تارا أوشن التابعة لتروبليه على تسلسل الحمض النووي لـلعوالق والبكتيريا في الجراثيم الدقيقة. أما مؤسسة مينديرو التي تعود إلى آل فورست، فقد بدأت حملة تحفيزية لتخفيض إنتاج بلاستيك جديد، وتخطط مؤسسة ريف أوشن التي تعود إلى روكه للقيام بدور أكثر دبلوماسية، وذلك بالعمل على جمع قادة عالميين مع أصحاب مصالح متضاربة (أي على سبيل المثال، المصائد السمكية التجارية في مواجهة علماء الأحياء البحرية) على متن يختها الاستكشافي البحثي البالغ طوله 600 قدم بهدف استحداث توافق في الآراء حول أفضل السبل لاستعادة صحة البحار.

يقول رومان تروبليه، الرئيس التنفيذي لشركة تارا، الذي استثمرت مجموعته 100 مليون دولار في مجال الأبحاث خلال السنوات العشر الماضية: "إننا عدد قليل من الأشخاص الذين يتفهمون التكاليف الباهظة ومستعدون للإنفاق. الأمر الإيجابي هو أن لدينا حرية التصرف حسب الرغبة، دون تأخير."

 

 

سفينة ريف أوشن التي يبلغ طولها 600 قدم لا تزال قيد البناء.

Guillaume Plisson/REV Ocean
سفينة ريف أوشن التي يبلغ طولها 600 قدم لا تزال قيد البناء.

أنفق فيسكوفو أكثر من 50 مليون دولار من أمواله الخاصة لبناء سفن أبحاثه DSSV Pressure Drop والمركبة الغاطسة ليميتنغ فاكتور، من أجل دعم مهامهم في استكشاف أعمق أخاديد المحيط. إن إنفاق عشرات الملايين هو ثمن قبول هذه السلالة الجديدة من مناصري الحفاظ على البيئة.

تذهب نينا جينسن، الرئيس التنفيذي لمؤسّسة ريف أوشن، إلى أن هذا لا يكفي. وفي ذلك تقول: "يُنفق أقل من 1% من الأعمال الخيرية العالمية للحفاظ على المحيطات. وهذا مقدار قليل من أجل جزء من الكوكب يغذي ملياري شخص، ويوفر ملايين الوظائف، ويمنحنا 50% من الأكسجين الذي نحتاج إليه. لم نتمكن على الأرجح من تقريبه من قلوب الناس كما ينبغي. ربما ينبغي أن يكون ذلك خطوتنا التالية."

مؤسسة ريف أوشن

Rev Ocean

إن رجل الصناعة النرويجي شل إنغه روكه، الذي جمع مليارات الدولارات من استخراج الثروات من البحر، والناشطة البحرية نينا جينسن، التي أمضت حياتها المهنية في الدفاع عن المحيطات، يشكلان معًا فريقًا غير متوقع. لكنّ توافقًا حدث بين الاثنين منذ عام 2017، عندما قرر روكه أن يفعل شيئًا حيال المحيطات المتدهورة.

تقول جينسن، الرئيس التنفيذي السابق لصندوق النرويج العالمي لحماية الطبيعة: "إن مسيرة روكه المهنية تتعلق بالمحيط، وهو منزعج مما يراه. لقد قدّر الوقت المتبقي له في مسيرة حياته ويرغب في استغلاله في تعديل هذه الاتجاهات."

أصبح روكه ثاني أغنى فرد في النرويج، بثروة تقدر بنحو 5.6 مليار دولار، جراء التوسع في تأسيس عمل تجاري يرتكز على مصائد سمكية، ثم شراء الحصة الكبرى في شركة Aker، وهي تكتل نرويجي للشحن والحفر البحري، والذي توسع بعد ذلك ليشمل مجال الطاقة الحيوية البحرية والطاقة المتجددة.

 

REV Ocean
سفينة ريف أوشن التي يبلغ طولها 600 قدم لا تزال قيد البناء.

إن مشروعه الخيري الأكثر طموحًا هو مؤسسة ريف أوشن التي تملك سفينة تحمل الاسم نفسه ويبلغ طولها 600 قدم، وقد صُممت بوصفها سفينة أبحاث واستكشاف في الطبقات الجليدية. تضم هذه السفينة، التي من المقرر إطلاقها في أواخر عام 2022 أو أوائل عام 2023، طائرة مروحية، وغواصة يمكنها الغوص حتى عمق 7500 قدم، بالإضافة إلى ستة مختبرات وأماكن إقامة لأربعة وخمسين عالمًا، و 36 فردًا يشكلون الطاقم. كما أنها صُممت أيضًا لتكون يختًا للإيجار يتسع لإقامة 28 ضيفًا في  14مقصورة فاخرة. إن الهدف، عقب إدراجها للعمل، هو تأمين ضيوف يقومون بتمويل المبادرات البحثية من خلال رسوم الإيجار.

تعاونت جينسن، عبر الصندوق العالمي World Wide Fund، مع روكه فيما يتعلق بالخطط الأولية لابتكار مختبر عائم متطور. وفي ذلك تقول: "تتيح تقنية السحب المتطورة إحضار العينات الحية إلى السفينة دون أن تتضرر." وتضيف:" إن الفريق في طور استكشاف المستوى التالي من تقنية التعرف عبر الوجه. إذا كنا بصدد البحث عن نوع معين من الأسماك، على سبيل المثال، فهذا يعني استطاعتنا أن نحصل على هذا النوع حصريًا وليس غيره." ستكون سفينة ريف أوشن أيضًا قادرة على البث المباشر من أعماق المحيط في أي مكان في العالم.

 أما المجموعة التي شكلتها خلفية جينسن بوصفها عالمة أحياء بحرية، والتزام روكه بإنقاذ المحيطات كونه ممولاً جيدًا، فقد أثمرت عن شكل جديد من الحراك النشط. عندما عرض روكه عليها وظيفة الرئيس التنفيذي في مؤسسة ريف أوشن، ترددت جينسن، لكنه أصرّ. وفي ذلك تقول جينسن، التي قبلت العرض: "في النهاية، رأيت إمكانية التعاون مع رجل صناعي نجح في تحقيق كل هدف حدده على الإطلاق. نحاول، نحن الناشطين، حل هذه المشاكل منذ عقود، لكن بنتائج محدودة. نحتاج إلى أشخاص ذوي نفوذ ولديهم رأس مال ممن هم صناع قرار عالميون."

 

 

Sacha Bollet/Fonds Tara

Sacha Bollet/Fonds Tara
سفينة الأبحاث التابعة لمؤسسة تارا أوشن.

تشمل مبادرات روكه الأخرى ثورة البلاستيك Plastic REVolution ومنها اشتق الاسم، فهي محاولة لجعل عملية إعادة تدوير البلاستيك مربحة، وتشمل كذلك مقر منظمة World Ocean Headquarters، الذي سيكون مركزا عالميا لسياسات المحيطات وأبحاثها. وفي ذلك تقول جينسن: "نحن لا نريد فقط تمويل عدد ما من بعثات بحثية. إذ إننا، بعد عقد من الزمن، لن نكون بحاجة لحلول لمشكلة البلاستيك فقط، بل سنكون بحاجة أيضًا إلى سبل تكفل خفض التأثير السلبي للبشر في البحر. سوف ندفع بسبل التعاون قدمًا عبر اهتمامات متعددة من أجل تحسين وضع المحيط إلى الأفضل."

مؤسسة تارا أوشن

Tara Ocean Foundation

عندما أطلقت آنياس تروبليه، التي تُعرف أكثر بوصفها مصممة الأزياء الفرنسية آنيس بي، مؤسّسة تارا أوشن في عام 2003، لم يكن لديها أي فكرة عن الأبحاث البحرية. ما كانت تعلمه حقًا هو أن أحد أنصارها الرئيسين، بيتر بلايك، قد وافته المنية مؤخرًا خلال بعثة استكشافية على متن سفينته سيماستر، المخصصة للأبحاث والتي يبلغ طولها 117 قدمًا. فالرجل الذي ذاع صيته بسبب انتصاراته في مسابقة كأس أمريكا قُتل على أيدي قراصنة في نهر الأمازون في أثناء بعثة قياس التغير البيئي.

 

 

 

المتبرعة للمؤسّسة، مصممة الأزياء آنياس بي.

AP
المتبرعة للمؤسّسة، مصممة الأزياء آنياس بي.

 

اشترت تروبليه، التي تتحدر من أسرة كانت شغوفة بالبحر لأجيال، وابنها إيتيان بورجوا السفينة سيماستر. ثم أعادا تسميتها تارا، وافتتحا أول مؤسّسة في فرنسا مكرّسة للحفاظ على محيطات العالم. يقول رومان تروبليه، الرئيس التنفيذي لمؤسّسة تارا، وهو عالم أحياء جزيئية، وبحّار سابق مشارك في مسابقة كأس أمريكا، وابن شقيق آنياس: "كان لدى عمتي وابن عمتي معرفة فيما يتعلق بعالم الأزياء، لكنهما لا يعرفان كثيرا عن الدعم الإسنادي الخاص بتشغيل سفينة أبحاث، لذلك أصبحتُ رئيس العمليات." أدرك رومان أن أبحاث المحيطات آنذاك كانت في مهدها وأن العلماء في حاجة إلى بيانات موثوقة لتفسير التوجهات على نحو واضح. وفي ذلك يقول: "كنت أعلم أيضًا أن الأمر سيتطلب نهجًا أكثر شمولية لفهم كثير من الصلات المترابطة التي تحدث في الماء."

يصف رومان المؤسّسة، من حيث كونها تعتمد على وسائط مالية أصغر من وسائط حرّاس المحيط الآخرين، بأنها أنجزت أفعالاً عظيمة خلال الثمانية عشر عامًا الماضية، من ضمنها بعثات استكشاف بحثية إلى غرينلاند، والقارة القطبية الجنوبية، والقطب الشمالي، والبحر الأبيض المتوسط، ​​والمحيط الهادئ. بخلاف السفن البحثية الأخرى، تجري تارا دراسات لمدة أربع سنوات للتوصل إلى استيعابٍ أفضل للفروق الدقيقة المتعلقة بالتغير البيئي للكائنات البحرية متناهية الصغر. وفي ذلك يقول رومان: "لإجراء بحوث معمقة ذات فائدة، يعيننا ذلك على مقارنة أنظمة محلية أصغر مع البيانات الكبيرة المتوافرة لدينا."

 

فيكتور فيسكوفو يعتلي متن السفينة الغاطسة ليميتنغ فاكتور، التي يقودها بنفسه، من أجل تنفيذ غطسة نحو أعماق منطقة تشالينجر ديب، وهي نقطة القاع السحيقة في المحيط.

Caladan Oceanic
فيكتور فيسكوفو يعتلي متن السفينة الغاطسة ليميتنغ فاكتور، التي يقودها بنفسه، من أجل تنفيذ غطسة نحو أعماق منطقة تشالينجر ديب، وهي نقطة القاع السحيقة في المحيط.

 

 

إن أحدث مشروع لها، وهو دراسة الجراثيم الدقيقة في المحيطات، أو الميكروبات التي تشكل ما نسبته 70% من الكتلة الحيوية للمياه، يستحدث عالمًا جديدًا من أبحاث المحيطات. وفي ذلك يقول رومان: "إنها أكبر بكثير من مجموع أجزائها: العوالق والفيروسات والبكتيريا وغيرها من الأحياء الدقيقة. إنها كائن حي مكتمل. نريد أن نفهم كيف تعمل هذه الجراثيم الدقيقة ككل، وإذا ما كانت حساسة تجاه التلوث البيئي الجاري بسبب البلاستيك، أو تجاه ارتفاع درجة حرارة المحيط."

لقد قضت مؤسسة تارا عشر سنوات، وأنفقت ما يقرب من 100 مليون دولار على دراسة الفيروسات والبكتيريا والعوالق. سيشكل مشروع الجراثيم الدقيقة مهمة أكثر تعمقًا، حيث تتضمن تسلسل الحمض النووي والتقاط الصور، وكذلك القياس الدقيق للمعايير البيئية.

تجمع تارا، في بعثاتها الاستكشافية، علماء قدموا من نحو 25 مختبرًا في 10 دول، حتى إنها تعاونت مع وكالة ناسا. تحظى المؤسّسة أيضًا بصفة مراقب خاص لدى الأمم المتحدة. تستضيف تارا، في إيماءة فرنسية للغاية، عشرة فنانين لممارسة الرسم والتلوين والتصوير في كل بعثة استكشافية. وفي ذلك يقول رومان: "يبدو الأمر على غرار المستكشفين العظماء في القرن السابع عشر الذين أبحروا في المحيطات لاكتشاف عوالم جديدة. نحن الآن نستكشف عوالم جديدة تحت سطح الماء."

 

صورة للسفينة الغاطسة، المركبة الوحيدة المعتمدة في العالم للغطس إلى أقصى الأعماق.

Richard Varcoe/Caladan Oceanic
صورة للسفينة الغاطسة، المركبة الوحيدة المعتمدة في العالم للغطس إلى أقصى الأعماق.

 

فيكتور فيسكوفو

Victor Vescovo

في عام 2015، اكتشف فيكتور فيسكوفو، وهو مدير صندوق استثمار، ومتسلق جبال، وضابط استخبارات بحرية سابق، مهمته القادمة: استكشاف أعماق المحيطات. وفي ذلك يقول: "إن المحيطات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالحياة على الأرض، لكن ما نسبته 90% من قاع المحيط لا يزال غير مكتشف. يبدو أنه لم يتقدم أحد للدفع بتقنية تسبر أعماق المحيطات بكاملها وتتيح الغوص، بما في ذلك حكومتنا والمجتمع العلمي البحري. لذا عقدت العزم على فعل ذلك ونفذته."

 

 

الكائن الآلي SuBastian من معهد شميت أوشن، يجمع عينة من الكائنات التي في بحر كورال في أستراليا.

Schmidt Ocean Institute
الكائن الآلي SuBastian من معهد شميت أوشن، يجمع عينة من الكائنات التي في بحر كورال في أستراليا.

 

 

إن سفينة فيسكوفو DSSV Pressure Drop، وهي سفينة كانت تابعة للبحرية الأمريكية جرى تعديلها ويبلغ طولها 224 قدم، قد أعيد إطلاقها في عام 2018، إلى جانب سفينة ترايتون الغاطسة الجديدة التابعة لها، والتي يطلق عليها اسم ليميتنغ فاكتور. كان هدف فيسكوفو استكشاف النقاط الأعمق تحت سطح الماء، وكذلك تعيين منطقة مجهولة لم تُسجل من قبل على الخريطة، وتمكين العلماء من دراسة أشكال جديدة من الحياة البحرية في الأعماق السحيقة. صُممت السفينة الخاصة بالأبحاث لتشتمل على مختبرات رطبة وأخرى جافة، ومقصورات تتسع لتسعة وأربعين شخصًا، منهم 15 عالمًا، ومختصون تقنيون، ومندوبو وسائل إعلام، فيما أصبحت ليميتنغ فاكتور أول سفينة غاطسة في العالم تتسع لشخصين وقادرة على الغوص إلى الأخاديد الأكثر عمقًا في المحيطات.

بعد أن استكشف منطقة القمم السبع، انتقل فيسكوفو إلى استكشاف المحيطات لأسباب نبيلة وأخرى شخصية. وفي ذلك يقول: "ما نقوم به أشبه بمهمة يقوم بها الإنسان فوق سطح القمر، بما يصاحبها من إثارة، مقارنة بإطلاق كائنات آلية صوب الفضاء فحسب. هناك شيء مميز يتعلق بالقدرة على التفاعل مع بيئة من الصعب للغاية الوصول إليها."

رصد أخطبوط في رحلة غوص استكشافية لأعماق البحار.

Schmidt Ocean Institute
رصد أخطبوط في رحلة غوص استكشافية لأعماق البحار.

 

تولى فيسكوفو، في أثناء بعثة الاستكشاف Five Deeps Expedition التي استمرت عشرة أشهر، قيادة المركبة الغاطسة ليميتنغ فاكتور بنفسه، إلى أدنى النقاط في خمسة محيطات، ما أدى إلى ازدهار الأبحاث. وفي ذلك يقول عن نزوله إلى عمق 35,843 قدمًا في المحيط الهادئ إلى حيث نقطة "تشالنجر ديب" Challenger Deep، أخفض نقطة في العالم، في منطقة معروفة باسم أخدود ماريانا ترينش: "في الواقع، يسود الهدوء هذه المنطقة تمامًا. على عمق سبعة أميال تحت سطح الماء، يعج القاع بالحياة، بما فيها من فيروسات وبكتيريا، وهي أكثر أشكال الحياة نشاطًا."

جمع الفريق ما يقدر بنحو 300 ألف عينة تقريبًا، وجرى تحديد نحو 40 نوعًا جديدًا في أثناء رسم خرائط وتعيينها لمساحة 268 ألف ميل مربع من الأراضي تحت الماء. استطلعت البعثة الاستكشافية ذا رينغ أوف فاير، في عام 2020، أخاديد في المحيطات بدءًا من اليابان إلى البحر الأحمر. في الجزء الثاني من الرحلة، الذي بدأ في شهر فبراير شباط، توجه الفريق عائدًا إلى أخدود ماريانا، إلى جانب تنفيذ غطسته الأولى في الأخدود الفلبيني.

يؤمن فيسكوفو، على غِرار حرّاس المحيط الآخرين، بجدوى الأنظمة المفتوحة، لذلك يجعل اكتشافاته متاحة للمجتمع العلمي العالمي. يقول فيسكوفو إن المؤسّسات الممولة على نحو فردي تؤدي دورًا حاسمًا في أبحاث المحيطات واستعادتها. وفي ذلك يقول: "طالما أنها ممولة ذاتيًا بما نسبته 100%، أدركت أنه يمكن أن ندفع بعجلة الأمور لتحدث بسرعة إلى حد ما وبكفاءة. لدى الحكومات كثير من اللوائح، ما يجعل إنجاز أي شيء يستغرق وقتًا طويلًا. السرعة هي الكلمة المؤثرة."

 

كائن مكتشف حديثًا من السحاريات يبلغ طوله 150 قدمًا، يعتقد أنه المخلوق البحري الأطول في العالم.

Schmidt Ocean Institute
كائن مكتشف حديثا من السحاريات يبلغ طوله 150 قدمًا، يعتقد أنه المخلوق البحري الأطول في العالم.

معهد شميت أوشن

Schmidt Ocean Institute

تقول ويندي شميت عن المحيط: "إنه مخزن مؤننا، وصيدليتنا، وملعبنا." لطالما كان لدى سيدة الأعمال السابقة في سيليكون فالي، وهي أيضًا بحارة متمرسة، تعطش لا يرتوي على ما يبدو لتعلم مزيد عن البحار. على الرغم من أنها ترأست جمعيات عدة غير ربحية لمعالجة قضايا كبيرة أخرى، بداية من حقوق الإنسان وصولاً إلى الطاقة المتجددة، إلا أن جانبًا كبيرًا من تركيزها كان مخصصًا لأعماق البحار.

شاركت شميت، في عام 2009، في تأسيس معهد شميت أوشن مع زوجها إريك، الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، للنهوض بالأبحاث الخاصة بعلوم المحيطات. وفي ذلك تقول: "كانت فكرة المعهد حقًا مزيجًا من شغفي بالمحيط ورغبة إريك في رؤية تطور التقنيات المعتمدة على الأرض والفضاء وهو يسرّع من فهمنا لها."

كان المعهد من أوائل المنظمات التي جعلت سفينة أبحاث متطورة متاحة للمجتمع العلمي دون تكلفة مقابل إتاحة النتائج مجانًا. وفي ذلك تقول جيوتيكا فيرماني، خبيرة مشهورة في علوم المحيطات والرئيس التنفيذي للمعهد: "أدرك آل شميت أن إحدى العقبات التي تقف في طريق معرفة محيطنا هي تكلفة الذهاب إلى البحر."

ويندي شميت على متن سفينة الأبحاث فالكور تشاهد لقطات نادرة للحياة البحرية.

Dana Edmunds/Schmidt Ocean Institute
ويندي شميت على متن سفينة الأبحاث فالكور تشاهد لقطات نادرة للحياة البحرية.

على مدى العقد الماضي، نفذت سفينة R/V Falkor، البالغ طولها 272 قدمًا، 75 بعثة استكشافية، بينما أتمت المركبة (ROV) SuBastian، التي يُتحكم فيها عن بعد، أكثر من 400 مهمة غطس خلال أربع سنوات. بناء على ذلك، جرى رسم خارطة ما يفوق مليون ميل مربع من قاع المحيط بالإضافة إلى تحقيق اكتشافات مذهلة لا حصر لها. خذ، على سبيل المثال، اكتشاف حيد مرجاني جديد هو أطول من مبنى إمباير ستيت، أو كائن هلامي لاسع يبلغ طوله 150 قدمًا، ويُعد الآن أطول مخلوق بحري معروف. إن سفينة فالكور هي أيضًا واحدة من السفن العلمية الوحيدة التي استمرت في أبحاثها في عرض البحر في أثناء الجائحة.

أندرو ونيكولا فورست.

Jessica Wyld/Minderoo Foundation
أندرو ونيكولا فورست.

مؤسسة مينديرو

Minderoo

لطالما كان أندرو فورست مفتونًا بالمحيط منذ أن كان صبيًا، حتى إنه منذ خمس سنوات، بعد أن جمع ثروة تقدر بمليارات الدولارات، عاد إلى الجامعة لدراسته.

التحق ثاني أغنى شخص في أستراليا من جديد بجامعته التي تخرج فيها، وهي جامعة غرب أستراليا، للحصول على درجة الدكتوراه في علم البيئة البحرية. لم يظن رجل الأعمال، الذي يدين بكثير من ثروته للتعدين، أن الدراسات العليا ستكون سهلة، لكنه أيضًا لم يكن مستعدًّا تماما لحجم العمل الذي تبين أنه مطلوب. وفي ذلك يقول لمجلة Robb Report إنه "لم يكن هناك توازن بين العمل والحياة خلال مدة الأربع سنوات تلك." حصل أندرو فورست على شهادة الدكتوراه في عام 2019.

لكن مع أن دراساته كانت منهكة، إلا أنها أوضحت أيضًا تعقيدات مشاكل البحار. فقد ركز فورست، تحت توجيه البروفيسورة جيسيكا ميويغ، رئيسة مختبر Marine Futures Lab، على منطقة عرض البحار. وفي ذلك يقول: "هذا المكان هو الذي وقع عليه الضرر الأكبر." وبدأ حقًا يدرك أن فداحة التلوث المدمر، والصيد الجائر وتغيير المناخ، أخذت تكتسب أبعادًا مقلقة فيما يتعلق بعالم البحار.

في عام 2001، قبل العودة إلى الدراسة بوقت طويل، أسس فورست وزوجته نيكولا مؤسّسة مينديرو التي تبحث عن حلول تقدمية للمشكلات الكبرى التي تواجه أستراليا وكوكب الأرض. أسهمت دراساته في توجيه مبادرة الحفاظ على الموارد التي أطلقتها باسم Flourishing Oceans، لا سيما اثنين من برامجها الرئيسة: الأول هو برنامج Sea the Future، الذي يهدف إلى الحد من تلوث المحيطات عبر دفع الحكومات إلى إلزام شركات بخفض اعتمادها على إنتاج جديد من البلاستيك واستخدام بلاستيك معاد تدويره بدلاً من ذلك، أو دفع مقابل مادي تحت بند "رسوم مسؤولية المنتج".  مما يؤسف له، أن الصدمة التي تلقتها سوق الوقود الأحفوري بسبب الجائحة العالمية أعاقت الجهد المبذول من طريق جعل البلاستيك الجديد أرخص ثمنًا، لكن المؤسّسة تواصل الضغط باتجاه استخدام بلاستيك معاد تدويره. المشروع الآخر هو OceanOmics، الذي يجمع ويحلل الحمض النووي البيئي في مياه المحيطات للحصول على قياس أكثر دقة للحياة البحرية وتطوير أساليب حماية أفضل.

 

السفينة Pangea Ocean Explorer التابعة لمؤسسة مينديرو.

The Minderoo Foundation
السفينة Pangea Ocean Explorer التابعة لمؤسسة مينديرو.

 

في الوقت نفسه، يستثمر معهد شميت في تقنيات واعدة صُممت بهدف تحسين صحة المحيطات، وذلك عبر المنظمة غير الربحية شركاء شميت للتكنولوجيا البحرية، التي ساندت، على سبيل المثال، شركة سيلدرون التي تصمم طائرات مسيرة تعمل بطاقة الرياح والطاقة الشمسية لجمع بيانات عن المحيطات دون انبعاثات. وفي ذلك تقول شميت: "لديك حقًا فرصة للقيادة. أنت قادر على الاستثمار في سبيل التثبت من صحة مفهوم ما متعلق بشيء ما حتى توضح طريقة جديدة للمضي قدمًا." وفي ذلك تقول إنه على العكس من ذلك، لا تستطيع الحكومات تحمل تكلفة هذه المخاطرة كما أن حقل الصناعة منشغل دائمًا بالعائد من الاستثمار.

ترى شميت أن نظرة أكثر شمولية لعالم ما تحت الأمواج تُعد أمرًا حيويًا للبشرية. وفي ذلك تقول: "إننا نعرف عن الجزء الخلفي من القمر أكثر مما نعرف عن المحيط. لا أعتقد أنك تستطيع معالجة أي قضايا بيئية على الأرض دون فهم ما يحدث في البحر." وفي ذلك تقول فيرماني: "إنه دون تلك المعرفة الأساسية، فالأمر يبدو كأننا نعيش في منزل مكون من ثلاثة طوابق دون أن نعرف ما الذي يدور في الطابق الأول."

 

على الرغم من ثقة فورست أن الناس باتوا يدركون الآن مدى خطورة الوضع، إلا أنه يعتقد أن إخفاقًا في التصرف بسرعة وعلى نحو حاسم سيكون مأساويًا. يحدو فورست الأمل في أن تتمكن مؤسّسة أسرته، التي تعد إحدى أضخم المؤسّسات الخيرية في أستراليا ولديها التزام مالي بمبادرات مختلفة يفوق 1.5 مليار دولار، من أن تؤدي دورًا في مواجهة هذا المد وتغييره.

وفي ذلك يقول فورست: "إن محيطاتنا مريضة. لدينا، على ما أعتقد، أقل من خمس سنوات لإنقاذ محيطاتنا من الدمار الوحشي الناتج عن النفايات البلاستيكية. لدينا أقل من عشر سنوات حتى ننقذ محيطاتنا من تداعيات سيئة ناتجة عن صيد جائر. هذا العقد هو الذي أراه سوف يسجل في التاريخ."