في عام 1968، شرعت شركة بان آم تتلقى الحجوزات للسفر على متن مكوك فضائي يسافر إلى القمر. وعندما جرى إيقاف البرنامج بعد ثلاث سنوات، كان عدد تواقيع الراغبين في المشاركة في الرحلة قد بلغ حتى ذلك التاريخ 90 ألف توقيع.

ألهبت تلك الفكرة اللامعة الحلم بإمكانية أن يسافر المدنيون إلى الفضاء الخارجي. لكن تحوّل الحلم إلى الحقيقة استغرق 53 عامًا ليتجلى أمرًا واقعًا في شهر يوليو تموز الفائت عندما سافر كلٌّ من ريتشارد برانسون، وجيف بيزوس مؤسس شركة أمازون، على متن المركبة الفضائية الخاصة به.

"نبيع اليوم بضع رحلات هنا وهناك، لكننا سنقدّم في النهاية مرادفًا للسفر على متن طائرات بوينغ 787. إننا نخطو خطوات أولى صغيرة على طريق تحقيق إنجاز ضخم"

Virgin Galactic
أصبح ريتشارد برانسون أول سائح فضائي على متن رحلة فيرجن غالاكتيك. 

وقد ارتفع سقف المجازفة هذا الشهر عندما بات مقررًا أن يتولى الملياردير جاريد أيزكمان، مؤسس شركة Shift4 Payments والطيّار المتمرّس البالغ من العمر 38 عامًا، قيادة بعثة مدارية تستمر أيامًا عدة على متن الكبسولة الفضائية Crew Dragon التي يطلقها إيلون ماسك ويديرها أربعة مدنيين فيما تخلو من روّاد الفضاء المحترفين. تنطلق هذه البعثة تحت اسم Inspiration4 (إلهام4).

كان بيزوس في حالة من الإثارة البالغة عند عودته من رحلة صاروخية استمرت عشر دقائق على متن مركبة الإطلاق العمودي نيو شيبارد New Shepard. وقد شبه آنذاك السياحة الفضائية برحلات للطيران الاستعراضي من القرن الفائت. يقول بيزوس: "نبيع اليوم بضع رحلات هنا وهناك، لكننا سنقدّم في النهاية مرادفًا للسفر على متن طائرات بوينغ 787. إننا نخطو خطوات أولى صغيرة على طريق تحقيق إنجاز ضخم".

لكن هذه الخطوات الصغيرة بدأت تتسارع. يقول بيزوس إن قيمة الحجوزات التي تلقتها شركة بلو أوريجين Blue Origin والتي تعكس التزامات الطامحين إلى اختبار السياحة الفضائية تساوي نحو 100 مليون دولار، فيما تفترض شركة فيرجن غالاكتيك أن 600 فرد مستعدون لدفع 450 ألف دولار ثمنًا لتذكرة واحدة على متن رحلتها دون المدارية التي تستمر 90 دقيقة.

إذا ما بدا لك أن الأسعار غير منطقية، فلأنها كذلك حقيقة: انتهى المزاد على التذكرة الأخيرة المتاحة للرحلة على متن نيو شيبارد إلى مزايدة بقيمة 28 مليون دولار، وفي نهاية المطاف لم يحضر صاحب المزايدة الأعلى، ما اضطر بلو أوريجين إلى ترقية أوليفر دايمن، الطالب البالغ من العمر 18 سنة والذي يتابع دراسته في مجال الفيزياء، إلى الرحلة الافتتاحية، ليصبح بذلك أصغر شخص يزور الفضاء.

يوفّر الثريان اللذان يتنافسان للتربّع على عرش عالم السياحة الفضائية دون المدارية تجربتين متشابهتين. تمتلك بلو أوريجين مركبة تشبه كبسولة وكالة ناسا ومرتبطة بصاروخ يُستخدم للإقلاع، فيما المركبة الفضائية VSS Unity من فيرجن غالاكتيك تستخدم مركبة أم لتنقلها إلى الأعالي حيث تنفصل عنها وتشغّل محركات صاروخها لتبدأ صعودها العمودي.

تعبر كل من المركبتين إلى الفضاء لفترة وجيزة، متيحة للمسافرين الستة في كل مقصورة مشاهدة كوكب الأرض والسواد الحالك الذي يمتد بعدها عبر النوافذ الثابتة، فضلاً عن اختبار انعدام الوزن لمدة ثلاث دقائق قبل العودة إلى الأرض. يرجع الطيارون بمركبة VSS Unity إلى مطار سبياس بورت أمريكا في نيو مكسيكو، فيما مركبة نيو شيبارد ذاتية القيادة تستخدم ثلاث مظلات للهبوط بالكبسولة على مقربة من موقع إطلاقها في تكساس.

في عام 2001، ساعدت شركة Space Adventures على تنسيق رحلة دنيس تيتو إلى محطة الفضاء الدولية على متن المركبة الفضائية الروسية سويوز Soyuz، ليتحوّل تيتو بذلك إلى أول سائح فضائي رسمي. واليوم يقول رئيس الشركة توم شيلي: "بعد اختبارات دامت سنوات، بات لدينا فجأة خيارات عدة للمركبات الفضائية المتاحة".

يشير شيلي إلى الفوارق الملحوظة بين الرحلة الفضائية دون المدارية والرحلة المدارية من حيث التمويل والاستعدادات. فالانضمام إلى الأولى سهل نسبيًا ولا تزيد كلفته على سعر مركبة من طراز رولز – رويس فانتوم. كما أن الإعداد لمثل هذه الرحلة قد يستغرق ما بين بضعة أيام إلى بضع ساعات فقط، فيما تقتضي الرحلة المدارية أشهرًا من التدريب.

SpaceX
حملت بعثة Radarsat من سبايس إكس أقمارًا صناعية إلى المدار الفضائي.

بالحديث عن الزوّار المحتملين إلى محطة الفضاء الدولية التي تدور حول كوكب الأرض، والذين يمضون في العادة على متنها عشرة أيام أو أكثر، يقول شيلي: "تتسنى لهم معرفة الأنظمة التي يتعاملون معها، واختبار البدلات الفضائية منضبطة الضغط، وانعدام الوزن، وأنظمة الحماية في حالات الطوارئ، وإجراءات إعداد الطعام". قد تراوح كلفة هذه الرحلة ما بين 40 مليون دولار و70 مليون دولار. وبالرغم من أن شيلي يثق بأن شركته قادرة على تنظيم رحلة من حول القمر أيضًا، إلا أنه يقول: "لكن ذلك سيزيد كلفة الرحلة إلى مئات ملايين الدولارات".

يبدو أيضًا أن المخاوف حول السلامة لم تحبط الحماسة في أوساط الجماهير. فالطلب تجاوز حدود المقاعد المتاحة إلى المحطة الفضائية الدولية على نحو ملحوظ على ما يقول شيلي الذي لن يتسنّى لشركته قبول طلبات جديدة حتى عام 2023. أما شركتا فيرجن غالاكتيك وبلو أوريجين، فستكثفان تدريجيًا الرحلات دون المدارية في عام 2022، لكنهما ستحتاجان إلى سنوات عدة قبل أن يتأتى لهما العمل بكامل طاقتهما.

يقول مايكل كولغلازييه، الرئيس التنفيذي لفيرجن غالاكتيك الذي كان يعمل سابقًا في ديزني، إن المطارين الفضائيين للشركة (التي تخطط لبناء المطار الثاني في إيطاليا) سيشغلان في نهاية الأمر 400 رحلة فضائية سنويًا. يضيف كولغلازييه قائلاً: "لا أعرف تحديدًا إلى كم مركبة سنحتاج، لكن العدد قد يصل على الأرجح إلى تسع مركبات".

يتوقع هاورد ماكوردي، خبير السياسات الفضائية في الجامعة الأمريكية، أن تدعم كل شركة عائداتها من السياحة بأقمار صناعية متحركة أو رواد فضاء. وفيما يستعيد توصيف بيزوس، يقول: "لم يستطع الطيارون الذين كانوا يجوبون البلاد في رحلات استعراضية تأمين قوتهم من خلال نقل السياح فحسب. لكنهم نجحوا في ذلك عندما شرعوا ينقلون البريد لصالح الحكومة".