لويس هاملتون يصطحب قراء مجلة Robb Report في جولة خلف

الكواليس لاستكشاف سيارة «بروجيكت وان» الجديدة، هذه المركبة الخارقة المخصصة للطرقات العادية من مرسيدس-إيه إم جي، والتي أمضى

بطل الفورمولا وان سنوات عدة ينادي بتطويرها.

 

عندما استقبلني لويس هاملتون في مقطورته المجهزة بنظام التكييف الهوائي، كان يحمل في يده علبة من الفطر البني. مد ذراعه، آنذاك، نحوي وسألني: «أترغب في قطعة؟» وإذ رفضت عرضه، دفع بإحدى ثمار الفطر في فمه قائلاً: «الخيار لك»، ثم استطرد ضاحكًا: «أحب الفطر». في ذاك اللقاء، كان هاملتون لا يزال يرتدي آخر زي تأنق به في سياق جلسة تصوير شارك فيها في وقت سابق من هذا اليوم لمجلة Robb Report. اختار لويس الزي بنفسه بعد أن استبعد بذلة أكثر رسمية. لكن في مختلف الأحوال، كان السروال أسود اللون، والمعطف المشغول من المخمل والمزدان بنقوش بيضاء وسوداء متقاطعة، وكلاهما يحمل توقيع المصمم المولود في كولومبيا حيدر أكرمان، يعكسان مظهرًا أكثر فخامة وأناقة بكثير مما يقتضيه الجلوس في هذه المقطورة من طراز «ستار واغون» Star Waggon المركونة عند مدرج طائرات مغبر في إينيوكيرن في صحراء موهافي بكاليفورنيا الجنوبية، على بعد ثلاث ساعات تقريبًا بالسيارة من لوس أنجلس. وإن كانت هذه المنطقة تفتقر إلى مظاهر التأنق والفخامة، فإنها كانت تعوض عن هذا النقص بما تتميز به من مناظر طبيعية، وتحديدًا ذاك المشهد الصحراوي القاحل الذي يتمدد عند سفوح سييرا نيفادا متسربلاً بألوان الباستيل.

 

 سيارة «بروجيكت وان» الجديدة، هذه المركبة الخارقة المخصصة للطرقات العادية من مرسيدس-إيه إم جي

مطلب سائق سباقات
واظب لويس هاملتون، البطل الأسطوري في سباقات الفورمولا وان،
على مناشدة الصانع الألماني تطوير مركبة أعلى أداء. وقد أثمرت مساعيه
عن ابتكار مرسيدس– إيه إم جي سيارة صاروخية للطرقات بسعر 2.7 مليون دولار.

  

أما هواة عالم السباقات، فلا حاجة إلى التعريف بلويس هاملتون الذي حقق العام المنصرم فوزه الرابع ببطولة الفورمولا وان، ما جعله يتساوى في عدد الانتصارات المحققة مع سيباستيان فيتل وألان بروست، ويحل ثانيًا بعد خوان مانويل فانجيو ومايكل شوماخر. أذكر أني شهدت في عام 2007، من موقعي عند المنعطف رقم 10 في حلبة جيل-فيلنوف في مونتريال، فوز هذا السائق المبتدئ آنذاك والبالغ من العمر اثنين وعشرين عامًا بأول سباق فورمولا وان يخوضه رغم أنه لم يكن قد شارك من قبل في أي سباقات على تلك الحلبة. (عزا هاملتون، آنذاك، معرفته بمسار الحلبة إلى التدرب على أنظمة محاكاة السباقات). وعندما كسب هاملتون في العام التالي أول بطولة عالمية له، كان أصغر سائق يفوز باللقب في تاريخ السباق. في عام 2013، انضم لويس هاملتون إلى فريق مرسيدس-إيه إم جي بيتروناس موتورسبورت لسباقات الفورمولا وان، ونجح منذ ذلك الحين في حصد ثلاث بطولات عالمية إضافية فاز بآخرها العام المنصرم.

 

سيارة «بروجيكت وان» الجديدة من مرسيدس-إيه إم جي

سيارة خارقة تليق بهاملتون
تفرض المركبة «بروجيكت– وان» منظومة معايير جديدة لأداء مرسيدس– إيه إم جي.
فالسيارة تولد قوة تزيد عما يعادل ألف حصان، وتشتمل على كثير من المزايا الوظيفية
المدمجة في سيارات الفورمولا وان.

 

لم يكن هاملتون بالطبع السبب الوحيد في هذه النجاحات، بل يشاركه في هذه الإنجازات مئات الرجال والنساء الذين يعملون بجد لساعات طويلة في استديوهات التصاميم، والمختبرات، وورش العمل، من أجل ابتكار عدد من أفضل السيارات الأسرع في العالم، وأكثرها تطورًا على المستوى التقني. بالرغم من أن مرسيدس هيمنت على سباقات الفورمولا وان في ثلاثينيات القرن الفائت، وذلك من خلال مركباتها التي اشتهرت آنذاك بلقب «سيلفر آروز» Silver Arrows، أو «الأسهم الفضية»، إلا أن الصانع الألماني تغيب لاحقًا عن هذه البطولة (باستثناء مشاركته الوجيزة فيها خلال خمسينيات القرن العشرين) حتى كان عام 2010، تاريخ شرائه حصة الأقلية في أصول فريق براون جي بي Brawn GP، وإبقائه على روس براون، صاحب المكانة المتميزة في عالم الفورمولا وان، رئيسًا للفريق. في بادرة شكلت صدمة لعشاق فيراري، نجحت مرسيدس في إغراء مايكل شوماخر– الذي كان قد أمضى الجزء الأكبر من مسيرته المهنية سائقًا في فريق العلامة الإيطالية، للعودة عن قراره بالاعتزال ليشارك إذ ذاك في مواسم السباق الثلاثة الأولى في البطولة التي عادت مرسيدس لتخوضها. ومنذ ذلك الحين، أفلح فريق مرسيدس -إيه إم جي بيتروناس موتورسبورت لسباقات الفورمولا وان في الهيمنة على هذه الرياضة، محققًا الفوز بلقب بطولة العالم للصانعين في كل موسم على مدى السنوات الأربع الأخيرة.

 

لكننا لم نتوجه إلى عمق الصحراء بهدف استعراض انتصارات سابقة (أخبرني هاملتون أنه أصلاً لا يشاهد السباقات)، وإنما لأن مرسيدس– إيه إم جي قد جاءت بأول سيارة خارقة تحمل توقيعها، أي المركبة «بروجيكت وان» إلى الصحراء وقدمت لمجلتنا الفرصة الحصرية لاستكشافها برفقة واحد من أبرز المناصرين الذين دعموا فكرة تطويرها.

 

عُرضت سيارة «بروجيكت وان» للمرة الأولى في سياق الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس إيه إم جي، وشكلت رد الشركة على إطلاق بورشه مركبتها من طراز 918 سبايدر، والطرح المتوقع لسيارة BP23 من ماكلارين. يذكر أن سيارة «بروجيكت وان» المهيبة ومحدودة الإصدار تستلهم معظم مزاياها الوظيفية من عالم الفورمولا وان، لتعيد تقديمها في نموذج مخصص للقيادة على الشارع تُحبس الأنفاس لجماليات مظهره وتفوق أدائه.

 

يبلغ سعر «بروجيكت وان» نحو 2.7 مليون دولار، وسيقتصر إنتاجها على 275 نموذجًا فقط، وإن كان عدد الأسماء المدرجة على قائمة الانتظار بات يتجاوز هذا الرقم بنحو ثلاثة أضعاف أو أربعة أضعاف. سيتم تجهيز المركبة بنظام دفع هجين وعالي الأداء– هو نفسه ذاك المعتمد في سيارات سباق الفورمولا وان– يكمله محرك V-6 مكون من ست أسطوانات بسعة 1.6 لتر، ومعزز بشاحن توربيني مزدوج. وبالرغم من أن البيان الصحافي لم يتضمن معلومات كافية عن المواصفات المحددة للسيارة التي يحتل المحرك موقعًا وسطيًا في هيكلها، إلا أن توبياس مويرز، رئيس إيه إم جي، صرح بأن «بروجيكت وان» ستولد قوة تزيد عما يعادل ألف حصان، وتحقق سرعة قصوى تقارب 220 ميلاً في الساعة. وعن هذا يقول هاملتون: إن الأوان قد آن لتحقيق مثل هذا الإنجاز. 

 

سيارة «بروجيكت وان» الجديدة من مرسيدس-إيه إم جي

 

إذ يسحب هاملتون كرسيًا يجلس عليه بالقرب من الأريكة حيث اتخذت موقعي، فيما علبة الفطر تقبع مهملة فوق المنضدة خلفه، يعلق قائلاً: «لقد أمضيت سنوات وأنا أصر على مرسيدس لتشرع في تطوير سيارة كهذه. فنحن نخوض سباقات الفورمولا وان، ونمتلك منظومة تقنية متكاملة. إننا نفوز ببطولات عالمية، لكننا لما ننتج بعد سيارة تضاهي مركبات فيراري المخصصة للقيادة على الطرقات العادية. أعتقد أن الشركة أقرت أخيرًا بجدوى هذه الفكرة. لا أقول إنها كانت فكرتي، لكني ظللت أطرح الموضوع لسنوات».

 

كما هو الحال للسيارات المخصصة لسباقات الفورمولا وان، صُنع الهيكل البنيوي الأحادي في «بروجيكت وان» من ألياف الكربون. وقد التزم المصممون، تحت إشراف غوردن فاغنر، رئيس وحدة التصاميم لدى دايملر، بالمبدأ القائل: «لا للعناصر الجمالية البحتة»، مركزين على أن يكون لكل تفصيل في السيارة دور وظيفي. هذا ما يبرر غياب التجاويف، والمقابس، والنتوءات البارزة في أعلى الغطاء، والمعتمدة لأغراض زخرفية فحسب. في المقابل، يؤطر مصباحان مسطحان يعملان بتقنية الصمامات الثنائية الباعثة للضوء LED مقدمة السيارة التي يميزها تحديدًا معوق الهواء الأمامي الضخم. أما الأبعاد الضيقة المميزة لمنطقة مركز الهيكل، وزعنفة القرش العمودية التي تمتد من السقف نزولاً حتى الجزء الخلفي، والذيل الطويل، فكلها تستحضر في الأذهان تصميم سيارات السباق. وفي المقصورة التي تخلو من أي زوائد ويغلب عليها طابع بالغ البساطة، يبدو المقعدان الثابتان اللذان نُحتت تفاصيلهما بإتقان وكأنهما سيفيضان عن حدود محيطهما باتجاه الخارج.

 

يكمن جزء من الإنجاز الذي تمثله سيارة «بروجيكت وان» في واقع أن كثيرًا من التقنيات المعتمدة في عالم الفورمولا وان سُتطبق مباشرة على سيارة تُنتج للقيادة على الطرقات العادية. صحيح أن بعض المزايا، على غرار صناديق التروس التسلسلية (المرتكزة إلى أذرع التبديل)، قد وجدت طريقها في الماضي من عالم السباقات إلى سيارات الشارع، لكن النسب المباشر لم يكن يومًا واضحًا إلى هذا الحد.

 

يذكر أن مشروع «بروجيكت وان» لم يكن يبدو دومًا خيارًا مناسبًا لمرسيدس– إيه إم جي. فقد قال لنا مويرز في سياق مقابلة سابقة: «لطالما اعتقدت أن إيه إم جي لما تبلغ بعد المستوى المطلوب لتطوير سيارة خارقة أو فوق العادة أو ما شابه. لكن زبائن كثيرين طالبوني بذلك على مر السنوات الأخيرة، فتكاملت أجزاء الصورة لدينا». وإذ اتُخذ القرار بالعمل على هذا المشروع، انطلقت الشركة في الوجهة التي يجدر بها أن تسلكها بخطى ثابتة. وفي هذا يقول مويرز: «إن عالم صناعة السيارات يشهد تحولات ملحوظة للمستقبل في مختلف الفئات. وكان من الواضح لنا أننا لن نعتمد محركًا من ثماني أسطوانات أو اثنتي عشرة أسطوانة، لأن مقاربة كهذه تنضوي تحت ما قد أصفه بالأسلوب القديم والبالي. آثرنا، عوضًا عن ذلك، اعتماد أنظمة حركة كهربائية وتعزيز الكفاءة. وبسبب المزايا المستخدمة حاليًا في سيارات الفورمولا وان، كانت الأبواب مشرعة أمامنا لتحقيق هذا المشروع وبناء هذه السيارة».

 

سيارة «بروجيكت وان» الجديدة من مرسيدس-إيه إم جي

أمضيت سنوات وأنا أصر على مرسيدس لتشرع في تطوير سيارة كهذه. فنحن نخوض سباقات الفورمولا وان،
ونمتلك منظومة تقنية متكاملة. إننا نفوز ببطولات عالمية، لكننا لما ننتج بعد سيارة تضاهي مركبات فيراري
المخصصة للقيادة على الطرقات العادية

 

لكن الارتحال بأي سيارة من الحلبة إلى الطرقات العادية لا يخلو من العقبات. فأمد عمر المحرك تحديدًا يطرح مسألة بالغة الأهمية. في عالم السباقات، قد يتم تبديل المحرك مرات عدة في كل موسم. وبالرغم من أن سيارة الشارع ستكون مدعمة بحسب مزاعم مويرز بمحركين كهربائيين إضافيين، وستتم 11 ألف دورة في الدقيقة (مقابل 13 ألف دورة في الدقيقة لسيارات الفورمولا وان)، إلا أن استخدامها المستمر سيفرض إعادة بناء نظام الحركة فيها بشكل كامل بعد أن تقطع مسافة تقارب 31 ألف ميل. يقول مويرز: «إن هذه السيارة تمثل التحدي الأصعب الذي خضناه يومًا».

 

لهاملتون، الذي لا يعزف عن مواجهة أي تحدٍّ، آراؤه الخاصة بمستقبل السيارات. وإن سألته عن المزايا التي يرغب في أن يشتمل عليها الجيل الجديد من سيارات الفورمولا وان، فستجد أنه لا يناور في الإجابة. يقول هاملتون: «أود أن يعاود الصناع إحياء آلية عصا نقل الحركة، والدواسات الثلاثية، بموازاة تقليص عدد الأزرار غير المجدية في عجلة القيادة، والعودة إلى بناء سيارات سباق خام. لكن هذا لن يحدث». ولدى سؤاله عن رأيه في السيارات ذاتية القيادة، وعما إذا كان الرجل الآلي سينتزع دفة القيادة من السائقين؟ أجاب هاملتون قائلاً: «سأكون قد رحلت عن هذه الدنيا قبل حدوث ذلك بوقت طويل».

 

أما في السؤال عما ينوي فعله بعد تقاعده من عالم السباقات، فأبدى هاملتون بعض التردد قبل أن يجيب قائلاً: «لا أعلم. لا أزال حاليًا في طور استكشاف الخيارات المتاحة، وفي طليعتها عالم الأزياء. وسأواظب دومًا على العمل في المجال الموسيقي. كنت قبل بضعة أيام أعزف لحن أغنية Easy على البيانو، ووجدتني أفكر كم سيكون الأمر رائعًا لو أن ليونيل ريتشي كان يجلس إلى جانبي في تلك اللحظة ويشاركني الغناء. أيمكنك تصور المشهد؟»

 

أجل، يمكنني تخيل المشهد. لكن فيما قد تكون نهارات ريتشي مرنة كما لو أن الوقت صبيحة يوم الأحد على حد ما يردد في أغنيته، فإن هاملتون سيكون خلال هذه الأيام منشغلاً للغاية في الترويج للسيارة «بروجيكت وان» والاستعداد لموسم الفورمولا وان الحالي.