واظب الفنان المحير على جمع كثير من الأعمال الفنية المتواضعة، لكن شغفه بالساعات الفاخرة يثبت أنه كان في طليعة النخبة الأعلى تميزًا من أصحاب الذائقة الرفيعة والمتبصرة. 

 

على غرار ما كان يحدث في بلاط الملك لويس الرابع عشر، الشهير بلقب الملك الشمس، كان مساعدو آندي وارهول ينشدون دومًا دعم صديقهم المحسن والثائر. يتذكر مارك باليت، الذي عمل مع وارهول في نيويورك في ثمانينيات القرن الفائت، وشغل آنذاك منصب المدير الفني لمجلة إنترفيو Interview التابعة لوارهول، كيف أنه حاول مرة أن يظفر بإعجابه من خلال ساعة من طراز Reverso من جاجيه – لوكوتر كان قد ابتاعها حديثًا خلال رحلة إلى سويسرا. يقول باليت في حديث إلى مجلة Robb Report: "تزيّنت بالساعة خلال زيارة إلى المصنع (في إشارة إلى استوديو الفنان الشهير الذي شكل واحة يتلاقى فيها المقربون منه). كنت فخورًا جدًا بالساعة، وأردته أن يرى أغلى مقتنياتي ويشعر بالغيرة. لكنه نظر إلى الساعة وقال بغير اكتراث: "أمتلك عددًا من هذه الساعات."

 

رسم شخصي لآندي وارهول من عام 1986، نفذه الفنان بتقنية الطباعة الحريرية.

رسم شخصي لآندي وارهول من عام 1986، نفذه الفنان بتقنية الطباعة الحريرية.

 

كان وارهول يمتلك حقًا ساعات قيّمة. فبعد وفاته سنة 1987 بسبب مضاعفات صحية أعقبت عملية جراحية في المرارة أُجريت له، عُثر في دارته بشارع إيست 66 ستريت على 313 ساعة بيعت العام التالي في مزاد مميز من تنظيم دار سوذبيز استمر عشرة أيام وشمل بيع أكثر من 10 آلاف شيء آخر. كانت تلك المرة الأولى التي تُعرض للبيع فيها مجموعة ضخمة من الساعات الفاخرة التي تعود ملكيتها إلى شخص واحد، وقد دغدغت المجموعة مخيلة جامعي الساعات في مختلف أنحاء العالم. فقيمة الساعة لم تعد ترتبط فقط ببنيتها، وبات من الممكن أن يتعاظم سعرها بسبب مسيرتها. لا شك في أن النظرة الثاقبة لوارهول، وحياته الغنية بالمغامرات، كانتا من العوامل المؤثرة أيضًا. وعلى غير ما هو عليه حال اللوحات الشهيرة التي أبدعها بتقنية الطباعة بالشاشة الحريرية، والتي تجد دومًا طريقها إلى المزادات، قلما تعود الساعات نفسها لتُعرض مجددًا في المزاد وتشبع سوقًا لا تنفك تزداد نهمًا. وعندما يحدث ذلك، تتصدر هذه الساعات عناوين الصحف في مختلف أنحاء العالم، أولاً بسبب الاهتمام الذي تستثيره في أوساط النخبة من جامعي الساعات، ثم لأنها تسجل مرات أرقامًا قياسية في المزاد. ستتجلى الفرصة المقبلة للظفر بإحدى ساعات آندي وارهول في التاسع من شهر ديسمبر كانون الأول المقبل عندما يعرض متجر هاوزمان آند كو في مزاد لدار كريستيز ساعة الفنان من طراز Patek Philippe Ref. 570 التي تعود إلى عام 1954، والمشغولة في علبة من الذهب عيار 18 قيراطًا. تراوح القيمة التقديرية للساعة بين 50 ألف دولار و100 ألف دولار، وكانت قد حققت في مزاد سوذبيز لسنة 1988 مبلغًا مقداره 3,100 دولار.

في مزاد لدار كريستيز نُظم في جنيف العام الفائت، بيعت ساعة وارهول من طراز Rolex Oyster 3525 من عام 1943 تقريبًا، المشغولة في علبة من الذهب الوردي والفولاذ المقاوم للصدأ، بنحو 470 ألف دولار، فتجاوز ثمنها ضعف أدنى قيمة تقديرية لها. يقول ريمي غيمان، خبير الساعات في دار كريستيز: "كان ذلك أعلى مبلغ حققته إلى ذلك الحين ساعة من مقتنيات وارهول. كانت الساعة محط اهتمام بالغ بعد أن جابت المعارض في أنحاء مختلفة من العالم." كانت الساعة نموذجًا أصليًا من الطراز ذي الرقم المرجعي 3525 في فئةRolex Chronograph وتستوطن علبة من طراز Oyster. لكن لم تكن تتميز بمصدرها المرتبط بالفن الشعبي فحسب. هذا الطراز عُرف أيضًا باسم ساعة P.O.W. بعد أن قدمت رولكس نماذج منه لأسرى الحرب البريطانيين لتكون بدائل عن الساعات التي صادرها النازيون. ترافق استصدار نماذج رولكس مع الأخذ في الحسبان أن الجنود لن يُضطروا إلى تسديد أثمانها إلا بعد الفوز بالحرب. لكن لوارهول لمسة فارقة: بعد مرور شهرين، لم يحقق نموذج من الساعة، كانت تعود ملكيته إلى شخص "مدني"، سوى 85 ألف دولار في مزاد من تنظيم دارMonaco Legend Auctions.

يقول غيمان: "لو أن واحدة من ساعات وارهول الثلاث من طراز Tank من كارتييه عُرضت للبيع، لكانت النتائج باهرة. عندما عُرضت سنة 2017 ساعة من طراز Tank كانت تمتلكها جاكي أوناسيس للبيع في المزاد، بلغت قيمتها التقديرية العليا 120 ألف دولار، وبيعت مقابل 379,500 دولار. إن ارتباط ساعة من هذا الطراز بآندي وارهول كان ليشكل عنصر جذب رئيس." يُقال إن المطاف انتهى بساعة جاكي أوناسيس إلى مقتنيات كيم كاردشيان، وفي هذا مثال رمزي عن الشهرة في الزمن الحديث وتفوق سطوة المال على الموثوقية. أما في زمن وارهول، فكانت الشهرة تترافق مع مكانة لا يمكن شراؤها بالمال، بالرغم من أن الفنان كان يستشرف على نحو متبصر "أن ينال كل شخص في المستقبل نصيبه من الشهرة العالمية لخمس عشرة دقيقة."

 لكن بالإمكان حتمًا أن تُحدد اليوم قيمة مالية لساعة مماثلة طالما أنها أصيلة. لم تفلح دار سوذبيز العام الفائت في بيع ساعة من طرازRolex 6538 “James Bond Submariner” راوحت قيمتها التقديرية بين 180 ألف دولار و280 ألف دولار. تزين شون كونري بساعة من هذا الطراز في فيلم Dr. No من عام 1962، لكنها لم تكن النموذج نفسه الذي عُرض في المزاد. وفي عام 2019، بيعت ساعة من طراز Rolex GMT-Master 1675 كان يمتلكها مارلون براندو، ويواظب على التزين بها، مقابل 1.952 مليون دولار، في حين أن أي نموج آخر من الطراز نفسه يحقق في العادة مبلغًا دون 25 ألف دولار.

 

كانت باتيك فيليب من أبرز العلامات التي يثمنها وارهول، وقد بيعت ساعته من الطراز ذي الرقم المرجعي 2503، التي تعود إلى عام 1952 تقريبًا، والمشغولة في علبة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا، مقابل 75 ألف دولار في مزاد نظمته دار كريستيز سنة 2016.

كانت باتيك فيليب من أبرز العلامات التي يثمنها وارهول، وقد بيعت ساعته من الطراز ذي الرقم المرجعي 2503، التي تعود إلى عام 1952 تقريبا، والمشغولة في علبة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطا، مقابل 75 ألف دولار في مزاد نظمته دار كريستيز سنة 2016.

 

ذائقة متفردة

في أواخر حقبة وارهول، كان بالإمكان ابتياع إحدى ساعاته الذهبية من طراز Tank من خلال دار سوذبيز مقابل 4,950 دولارًا، وفي عام 2012 مقابل 10,625 دولارًا في مزاد لدار ليسلي هيندمان في شيكاغو. أما اليوم، فمن عساه يعلم قيمة المبلغ الذي يمكن لهذه الساعات أن تحققه؟ قد تكون هذه الساعات هي الأشد تعبيرًا عن وارهول ضمن مجموعته النفيسة، لا سيما وأنها تتميز بأسلوب فني مبسط يليق بإطلالة الفنان الخاصة، والتي كانت الغلبة فيها لأزياء باللون الأسود من إبداعات هالستون. يقول كاميرون بار، مؤسس صالة كرافت آند تايلورد Craft & Tailored وموقعها الإلكتروني، والرئيس التنفيذي لهذه العلامة المتخصصة في الساعات عتيقة الطراز: "كان وارهول شغوفًا بالإبداعات المتميزة التي لا تشيخ. كان يميل إلى الابتكارات غير المتكلفة والفاخرة بالقدر نفسه. لطالما التُقطت له صور يبدو فيها وقد أحاط معصمه بساعة من طراز Tank Louis من كارتييه. طُرح هذا الطراز سنة 1918، لكنه تفرّد بتصميم لا يخبو ألقه بمرور السنين. بل إنه كان يقول: لا أتزين بساعة من طراز Tank بهدف استطلاع الوقت. الواقع هو أني لا أعيد تعبئتها أبدًا. أحيط معصمي بهذه الساعة لأنها الساعة المثالية للتزين بها." تتذكر فرانشيسكا كارتييه، الكاتبة التي وثقت تاريخ العائلة، حديثها مع مصمم ساعات عمل تحت إدارة جدها جان-جاك كارتييه الذي كان يدير فرع الدار في لندن خلال الفترة الممتدة بين عام 1945 وعام 1974. وصف المصمم أسلوب الدار قائلاً: "إن ميزته غياب الزوائد الزخرفية غير الضرورية." تقول فرانشيسكا: "إن طراز Tank يقدم نموذجًا مثاليًا عن هذه المقاربة التي تتبنى مقولة خير الأمور قليلها."

 

ساعة وارهول المشغولة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا من طرازAutomatic Perpetual Calendar Chronograph Ref. 3448 من باتيك فيليب. في مزاد نظمته دار سوذبيز سنة 2014 في جنيف، بيعت هذه الساعة بنحو 303,500 دولار.

Sotheby’s
ساعة وارهول المشغولة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا من طرازAutomatic Perpetual Calendar Chronograph Ref. 3448 من باتيك فيليب. في مزاد نظمته دار سوذبيز سنة 2014 في جنيف، بيعت هذه الساعة بنحو 303,500 دولار.

 

كان وارهول فنانًا، وناشرًا، وجامع فرائد. وفي كل من هذه المجالات، كانت مهاراته تتفاوت بين البراعة النموذجية والدراية المعمقة. وكانت مصادقته على ابتكار ما كفيلة بضخ الزخم في أي سوق جديدة. عندما شرع في ابتياع قطع أثاث مصممة بأسلوب الآرت ديكو، أُسبغت على هذه الفئة هالة من الألق. أما خياراته من الساعات، فكانت حاذقة بشكل خاص. يقول جون ريردون، الرئيس السابق لقسم الساعات في دار كريستيز، ومؤسس المنصة الإلكترونية Collectability لبيع ساعات عتيقة الطراز من باتيك فيليب: "يتبين عند النظر إلى الطُرز التي ابتاعها أنه كان مولعًا بالجوانب التصميمية لصناعة الساعات. كان يميل إلى الابتكارات التي دُمغت موانئها بتواقيع وكلاء بيعها بالتجزئة، والساعات التي تزهو بعلب متميزة الشكل، والتصميم التقليدي. في ما يتعلق بعالم باتيك فيليب، يمكننا أن نلاحظ استحسانه لطُرز Calatrava التقليدية، والساعات التي تغلب عليها تصاميم سابقة لأوانها، على غرار الساعة من مجموعة Ricochet التي صممها جيلبرت آلبرت لباتيك فيليب. أما أبرز ساعة أود رؤيتها تُعرض مجددًا في المزاد، فهي من طراز Patek Philippe 2526 وتتزين بميناء مصقول بطلاء المينا ويثريه توقيع وكيل البيع بالتجزئة Serpico y Laino Caracas. في عام 2016، بيعت في المزاد ساعة من طراز 2503  كان وارهول يمتلكها  مقابل 75 ألف دولار، ما يعني أن ساعته من طراز 2526  قد تحقق رقمًا قياسيًا."

 

"كانت باتيك فيليب من أبرز العلامات التي يثمنها وارهول، وقد بيعت ساعته من الطراز ذي الرقم المرجعي 2503، التي تعود إلى عام 1952 تقريبا، والمشغولة في علبة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطا، مقابل 75 ألف دولار في مزاد نظمته دار كريستيز سنة 2016. "

 

كنز دفين

أما حكاية طرح الساعات، البالغ عددها 313 ساعة، للبيع، فمثيرة للاهتمام بقدر أي أمر آخر في حياة وارهول. كما أنها تجسد على نحو مثالي سلوكه بالغ الغرابة. بدأ وارهول يقتني الساعات مع توفر موارد مالية إضافية، وكان ينسقها في غالب الأحيان بأسلوبه المتفرد، فيعمد في مرات كثيرة إلى التزين بساعة ذهبية للنساء من رولكس يبرزها فوق كُم قميصه. لكن أحدًا من المقربين منه لم يكن يعلم عدد الساعات التي جمعها. تقول دارين شنيبر، النائبة الأولى لرئيس دار سوذبيز بنيويورك: "عثر على المجموعة الأولى من الساعات في الظلة القماشية المزخرفة التي كانت طياتها تنسدل فوق سريره ذي الأعمدة الأربعة." كانت شنيبر هي التي تولت الإشراف على المزاد الذي نُظم في شهر أبريل نيسان من عام 1988، قبل أن تشرف بعد مرور سبعة أشهر على مزاد آخر لبيع المجموعة الثانية من الساعات التي اكتُشفت تحت القعر الزائف لدرج تُحفظ فيه الملفات. تقول شنيبر: "من الضروري أن نتذكر أن سوق الساعات آنذاك كانت لا تزال في بداياتها. وكان الناس يزايدون على الساعات لأنها كانت ملكًا لوارهول."

عمد وارهول إلى إهداء بايج بويل، وكانت من موظفيه وأصدقائه المقربين، كثيرا من أعماله الفنية، لكنها حرصت على حضور المزاد الذي تستعيد ذكراه قائلة: "ابتعت ساعة من خمسينيات القرن الفائت يزهو ميناؤها بصورة لوجه جين أوتري مقابل 1,800 دولار." كانت بويل ترى في هذه الساعة رابطًا وثيقًا بصديقها الراحل الذي احتفظ في صغره بدفتر للقصاصات ألصق في صفحاته صورًا للمغني أوتري وشريكه في الأعمال السينمائية روي روجرز.

 

ساعة وارهول من طراز Tank Louis من كارتييه، مشغولة في علبة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا، وبيعت سنة 2012 في مزاد نظمته دار ليسلي هيندمان في شيكاغو مقابل 10,625 دولارا.

Hindman
ساعة وارهول من طراز Tank Louis من كارتييه، مشغولة في علبة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا، وبيعت سنة 2012 في مزاد نظمته دار ليسلي هيندمان في شيكاغو مقابل 10,625 دولارا.

تصاميم تقليدية أو مبتكرة

كان وارهول يواظب على اقتناء عدد وفير من الساعات التي يجدّ في الحصول عليها من الأسواق والوكلاء. كان يبتاع أيضًا علب البسكويت، وأعمالاً فنية هندية أمريكية، ومطبوعات عابرة متنوعة. أنفق الابن لمهاجرين روثينيين من الطبقة العاملة، ثروته المستجدة على ساعات من إبداع دور كبرى لم تكن لتفقد قيمتها. كان على معرفة بأهم التجار في العالم، وجعل من التسوق رياضة، مواظبًا على تقفي الإبداعات التي ينشدها برفقة صديقه تود براسنر، تاجر الفنون وجامع الأعمال الفنية الذي قضى نحبه سنة 2018 في حريق أتى على شقته التي تغص بالروائع الفنية في برج ترامب.

كان وارهول يميل إلى التكرار في فنه وفي الساعات التي يقتنيها على حد سواء. كانت بعض التصاميم التي تتكرر مراراً في مجموعته، على غرار ساعاته من طراز Tank، تتميز ببعض التباينات، كما أنه كان يؤثر أشكالاً محددة، على غرار الموانئ مربّعة الشكل لساعات أوديمار بيغيه وباتيك فيليب من خمسينيات القرن الفائت وستينياته، عندما كانت صياغة مثل تلك الموانئ تنطوي على عمل شاق. فضلاً عن ذلك، استثمر وارهول في الساعات التي تتميّز برسومات تفصيلية دقيقة تزين أطوار القمر، وتحديدًا في ساعة من باتيك فيليب تعود تقريبًا إلى عام 1970 (بيعت سنة 1988 بمبلغ مرتفع مقداره 22 ألف دولار)، وفي ساعة معصم من عام 1973 تميزها علبة ذهبية كبيرة الحجم وبيضاوية الشكل، ومعيار حركي من طراز "كارتييه أوديمار بيغيه"، وميناء يزهو بأرقام رومانية مشوهة تبدو وكأنها انبثقت عن لوحة لسلفادور دالي (حققت هذه الساعة ثمنًا أعلى إذ بيعت مقابل 37,400 دولار). بالإضافة إلى الساعات التقليدية، برزت في مجموعة وارهول تصاميم آسرة تخرج عن حدود المألوف، بينها ساعة من بولغري في هيئة سوار حلزوني الشكل تُعد سلفًا لطراز Bulgari Serpenti Tubogas (يبلغ اليوم ثمن النسخة المشغولة في علبة بقطر 35 ملليمترًا من الذهب الوردي عيار 18 قيراطًا 41,100 دولار). في مزاد عام 1988، عندما كانت كل ساعة تزيد قيمتها على خمسة آلاف دولار، تُعد باهظة الثمن، بيعت ساعة بولغري مقابل 9,900 دولار.

تستأثر علامتا كارتييه وبياجيه بحضور خاص ضمن أسماء العلامات التي طبعت كنز آندي وارهول. في مزاد عام 1988، استعاد مشترون مرسلون من بياجيه خمسًا من ساعات الدار السبع المشاركة في المزاد بهدف ضمها إلى محفوظات الصانع في جنيف. ألهمت إحدى هذه الساعات، وكانت تتميز بعلبة بيضاوية الشكل من الذهب المصبوب وبأرقام ذهبية شُكلت على هيئة عصا، الساعات في سلسلة Piaget Vintage Inspiration التي تواظب الدار على إثرائها بطرز جديدة، بما في ذلك طراز Black Tie الذي طرحته سنة 2015 في إصدار محدود مشغول من الذهب الأبيض. لم تكن الخطوط المميزة لتصميم بياجيه الأصلي مربعة أو دائرية، وكانت تراوح على نحو بديع بين الأناقة المميزة للبذلة الرسمية Le Smoking من علامة إيف سان لوران وطابع الآرت ديكو الصناعي عتيق الطراز المميز لناطحة السحاب كرايسلر بيلدينغ.

 

ساعة من بياجيه مشغولة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا، كانت ضمن مجموعة وارهول وأعادت الدار شراءها في مزاد وارهول Warhol الذي نظمته سوذبيز سنة 1988.

Piaget
ساعة من بياجيه مشغولة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا، كانت ضمن مجموعة وارهول وأعادت الدار شراءها في مزاد وارهول Warhol الذي نظمته سوذبيز سنة 1988.

لا تقدر بثمن

من الصعب بناء مقارنات بين سوق أعمال وارهول الفنية وسوق مقتنياته من الساعات. حققت أسعار لوحاته وأعماله الطباعية ارتفاعًا بالغًا سنة 2007  قبل أن تتدهور في العام التالي على غرار الأعمال الأخرى كافة تقريبًا في عالم الفنون، ثم تعود لتستقر وتشهد زيادة مطردة منذ عام 2010، محققة نموًا سنويًا بمعدل وسطي يساوي 12.5% بحسب شركة Artnet. في عام 2013، بيعت اللوحة التي أبدعها وارهول سنة 1963 بعنوان Silver Car Crash (Double Disaster) (أو تحطم سيارة فضية: كارثة مزدوجة) مقابل 105.4 مليون دولار. لكن إبداعاته الفنية تشمل أيضًا أعمالاً تُباع بأسعار دنيا. في السنة نفسها التي شهدت تلك الصفقة ذات الرقم القياسي، شرعت دار كريستيز في تنظيم "مزادات للبيع بأسعار مخفضة" على آلاف أعمال وارهول الصغيرة – التي كان الفنان ينتجها بغزارة – وكان كثير منها لا يتخطى عشرة آلاف دولار. أما ساعات وارهول التي تُطرح للبيع، فعددها ليس كافيًا لابتكار مقياس موثوق للتضخم. ندرك إلى أي حد تزايدت قيمة ساعة نادرة من باتيك فيليب، لكن ارتباطها بوارهول يتجلى عنصراً مباغتاً ومربكًا. ثمة ساعات ترتبط بماض ساحر وروايات مثيرة، وقد تحقق أي سعر يبدو أي مناصر لوارهول مستعدًا لدفعه. إن كل ساعة في مجموعته تُعد بطريقة ما اكتشافًا أكثر ندرة من أي من لوحاته. فالرسومات المتاحة التي ابتكرها آندي وارهول لمارلين مونرو وماو تسي تونغ كثيرة، لكنه لم يمتلك سوى نموذج واحد من ساعة الطيارين الفضية من طراز Longines for Wittnauer من عام 1930.

 

ساعة وارهول من طراز Oyster Chronograph Ref. 3525 من رولكس، مشغولة في علبة من الفولاذ المقاوم للصدأ والذهب الوردي. بيعت الساعة في مزاد نظمته دار كريستيز في جنيف سنة 2019 بنحو 470 ألف دولار.

Christie’s
ساعة وارهول من طراز Oyster Chronograph Ref. 3525 من رولكس، مشغولة في علبة من الفولاذ المقاوم للصدأ والذهب الوردي. بيعت الساعة في مزاد نظمته دار كريستيز في جنيف سنة 2019 بنحو 470 ألف دولار.

في كتاب السيرة الذاتية الملحمي Warhol الذي نشره مؤخرًا الناقد الفني بلايك غوبنيك في 976 صفحة، ترد حكايات عدة عن ميول الفنان في ما يتعلق باكتناز الفرائد. يُقال إنه كان يهوى التجوال وقد ملأ جيب معطفه بالألماس. لم تبصر تلك الألماسات النور قط، لكنه كان يستمتع بمعرفته أنها محفوظة في مكانها كنزًا نفيسًا ورائعًا لا لغاية محددة. ذهب وارهول أيضًا إلى استثمار هذا الشعور المثير بالألق الذي يختبره من خلال الارتباط الحسي في "الفن التجاري" الذي حدد وجه السنوات الخمس عشرة الأخيرة من حياته، وكانت الغلبة فيها لمشاريع لم ينخرط شخصيًا في ابتكارها إلا بمقدار، لكنها كانت تحمل اسمه، وكان ذلك كافيًا. جسد مزادا سوذبيز لعام 1988 بطريقة ما أصدق تعبير قدمه وارهول عن هذا الأسلوب. فقد زايد مئات الأشخاص على الساعات لأن وارهول كان قد انتقاها بنفسه، ولمسها، وربما أحاط بها معصمه. في غضون يومين كان الفاصل بينهما سبعة أشهر، ابتكر وارهول سوقًا جديدة. لقد أضفى جاذبية خاصة على ساعات تقليدية متقنة الصنع. بل إن حضوره الشخصي لم يكن لازمًا لتحقيق ذلك.