يُمكن لأي شيء أن يشكّل مصدر إلهام لتصميم المساحات الداخلية على متن الطائرات. خذ مثالاً على ذلك المقصورة الفاخرة والمُتلوّنة والزّاخرة بالتفاصيل على متن طائرة Project Thunderbird التي استُلهم تصميمها من كرسي.

لَقِي كولن رادكليف، المصمم المُقيم في لندن، نفسه في بداية هذا المشروع أمام المقصورة الرحبة الفارغة لنموذج من طائرة ACJ319neo، التي تستوعب في نسخة إيرباص التجارية 115 مقعدًا. وفي هذا يقول: "لقد اعتقد المالك أن تصاميم المساحات الداخلية المتاحة مجرّدة من أي مسحة تميّز، لذلك التمس مني بعض الأفكار".

مظهرٍ متفرد

لاستحداث مظهرٍ متفرد، استغل رادكليف قطعةً عزيزة على قلب زبونه: كرسيٌّ من خشب الأبنوس ماكاسار يعود إلى أوائل القرن العشرين، بتوقيع المصمم إميل جاك رولمان، أحد أبرز المؤثرين في حركة الآرت ديكو.

وفي هذا يقول رادكليف: "مِن ذلك الكرسي، خَرجتُ برسوماتٍ مُستوحاة من حِقبة السفر الغابرة تلك، وتُعادل في أناقتها وجاذبيتها أسلوب أودْيون التصميمي الذي كان يُزين سفن المحيطات في ثلاثينيات القرن الماضي. لقد أحببت فكرة الطبقات المشغولة من قشور الخشب المتطابقة والتفاصيل النحاسية غير المصقولة التي تعتّقت بمرور الزمن".

لكن، قد يَجد خبيرُ مساحاتٍ داخلية مثل رادكليف، الذي يعمل عادةً على المساكن الخاصة وليس على الطائرات، أن مفهومه التصوري غالبًا ما يتعارض مع المُعطيات التي تَحْكم الطائرات الضخمة ذات المدى الطويل.

بدأ العمل على الوحدات الوظيفية للطائرة قبل أشهرٍ من وصولها إلى مركز التجهيز التابع لشركة Jet Aviation.

Jet Aviation
بدأ العمل على الوحدات الوظيفية للطائرة قبل أشهرٍ من وصولها إلى مركز التجهيز التابع لشركة Jet Aviation.


ويقول جيريمي كاييه، كبيرُ نُواب رئيس العمليات الإقليمية في "جيت أفييشن" Jet Aviation في بازل بسويسرا، حيث اكتملت المساحات الداخلية لطائرة Thunderbird: "لا يُدرك المصممون كلهم القيود المفروضة على الطائرات، فهي ليست منازل ولا يخوتًا، لهذا نتعاون معهم عن كثب لضمان نتائج قابلة للتنفيذ والمصادقة".

إن تركيب المساحات الداخلية المُخصصة في الطائرات الخارجة توًّا من مصانع الشركة، تتمايز بلون زيتوني يترقّب الطلاء، وهذه ليست عملية سريعة ولا بسيطة، خصوصًا أن عددًا متزايدًا من المالكين باتوا يُصرّون على المظهر المتفرد. يَشْغل آشلي مولتون منصب كبير المصممين الداخليين في شركة "كوملوكس كومبليشن" Comlux Completion المتخصصة في خدمات الطيران.

وخلال استكشاف طائرتها الأولى من طراز ACJ TwoTwenty في المُنشأة الواقعة في إنديانابوليس، أخبرنا بالآتي: "إننا نشرع أحيانًا في التواصل مع الزبائن قبل 14 شهرًا من تسلّمنا الطائرة".
ظلت طائرة رجال الأعمال المكوّنة من ستة أقسام داخلة والمُسجلة تحت رقم الذيل 9H-Five (في إشارة إلى مالكها فنادق ومنتجعات فايف في دبي) قابعة في حظيرة الشركة طيلة 14 شهرًا، وهي مدة أطول مما كان مقررًا.

أما السبب في ذلك، فهو أنها كانت أول طائرةٍ من طراز ACJ TwoTwenty في طَوْر الإكمال، وقد اختار الزبون مخطط المساحات الداخلية من بين 77 مخططًا ممكنًا، وبعد معاينة مئات الأقمشة والجلود والأخشاب والمعادن. كانت الثمرة النهائية مقصورةً مفتوحةً وعصرية تستوعب 16 مقعدًا.

في هذا يقول دارون دراير، الرئيس التنفيذي لشركة كوملوكس كومبليشن: "إن كل مشروع جديد يحمل في طياته تحديات كثيرة، ولكننا في هذه الحالة كُنا بصدد تطوير نماذج وخيارات عديدة لمناطق الجلوس، حتى يتسنّى للزبائن انتقاء ما يناسب تفضيلاتهم". خَلُص فريق كوملوكس إلى أن تجهيز المساحات الداخلية لطائرة 9H-Five مُنحنى تعلّمي حاد، ولكن إقرار نظام العمل يعني أن تجهيز طائرات TwoTwenty المستقبلية سيكتمل في وقت أقصر.

تُؤكد الاختلافات الشاسعة في الأسلوب بين مقصورتي الطائرتين النطاق الواسع للخيارات الممكنة، فضلاً عن تعقيدات البنية. أمضى الخبراء في شركة جيت أفييشن شهرًا كاملاً في استحداث نمطٍ مُنمّق على هيئة أشعة الشمس، يشتمل على 180 "شعاعًا" رفيعًا من أربع طبقات خشبية مختلفة، مفصولة بشرائط نحاسية رفيعة، لتزيين أحد جدران المقصورة. ويقول كاييه: "لقد ثُبّتت كل قطعةٍ في مكانها يدويًا"، مشيرًا إلى أن النمط نفسه زيّن أربعة جدران مماثلة.

المساحات الداخلية الرائعة والعصرية على متن طائرة 9-H Five.

Jet Aviation
المساحات الداخلية الرائعة والعصرية على متن طائرة 9-H Five.


ازدان أحد جدران المكتب أيضًا بطلاءٍ مخملي ونسيجٍ من الذهب والحرير، فيما تدثّر الحمام بكسوة من رخام نيرو بورتورو Nero Portoro والعقيق بلون البيج. في الوقت نفسه، تُخفي الجدران مئات الأمتار من حزم الأسلاك، وأنابيب التهوية، والمواد العازلة للصوت.

وإذا ما أخذنا في الحسبان ضرورة أن تكون المواد المستخدمة في الطائرة خفيفة ومقاومة للاشتعال لكي تنال الترخيص المطلوب، فإن الحلول الإبداعية غالبًا ما تكون ضرورية. في حالة أسطح المطبخ الحجرية، استخدمت كوملوكس مُركّبًا مماثلاً أخف وزنًا، كما ضمّت الطبقات الخشبية الرّقيقة إلى الألواح الإسفنجية المقاومة للضوضاء.

تُصقل الوحدات الوظيفية (المطابخ، والمراحيض، وحجرات التخزين) في ورش العمل، ومن ثم تُنقل إلى مُجسّمٍ للطائرة بالحجم الطبيعي. ويقول دراير: "إنها مُجسماتٌ تُماثل في أبعادها مخططات المساحات الداخلية للطائرات المَعْنِية". ويتابع: "نُخضِع هذه المخططات لمعاينات عدة، بعد نجاح المعاينة نُثبّتها في الطائرة". بين الهندسة والإنتاج ومراقبة الجودة وإصدار شهادات الترخيص، يترك مئات العُمّال بصماتهم على المقصورة.

تُدرك شركتا جيت أفييشن وكوملوكس كومبليشن أن العملية محكومة بمواعيد محددة. فالمالكون قد انتظروا أصلاً سنوات عدة من تاريخ اختيار الطائرة إلى تاريخ تَسلّمها. وفي هذا يقول كاييه: "تُباشر فِرق الهندسة والإنتاج في شركتنا العمل ما إن يكتمل التصميم، لذلك يكون قسم كبير من المساحات الداخلية مكتملاً حتى قبل استلام الطائرة". ويختم قائلاً: "بمجرد وصول الطائرة إلى مُنشأتنا، نكون متأهبين لبدء عملية التجهيز".