لكل من لم يلتقط الإشارات بعد، جاءت عروض الأزياء الرجالية في ميلانو مطلع هذا العام لتؤكد الأمر بلا مواربة: البريق عاد إلى الواجهة.
ولم يكن هذا التوجّه أكثر وضوحًا مما بدا عليه في عرض دولتشي آند غابانا. فبعد استعراض سلسلة من المعاطف الفاخرة المزدانة بالفراء، تألق عشرون عارضًا على الممشى في مجموعة من بدلات السهرات والمناسبات مختلفة التصاميم.
وقد أثرت كل إطلالة كماليات للزينة شملت قلائد ضخمة، وتفاصيل إضافية من الفراء، ومشابك متنوعة، في مشهد زادته ألقًا ومضات آلات التصوير عند مدخل الممشى. وسط هذه المبالغة المتعمدة لإظهار معاني الثراء، بدا العرض مثل بلسم طال انتظاره بعد مواسم كانت الغلبة فيها لتصاميم لا تبوح بالكثير.
عادت مظاهر الاستهلاك العلني والزخارف الباذخة لتفرض حضورها في ظل حالة من التقلّب الاقتصادي. ففي ما يشبه حركة تمرّد على المناخ المالي العالمي، باتت الثقافة الراهنة تطالب باستعراضات سمتها الجرأة.
وبعد الإعلان في أكتوبر عن تولّي لوكا غوادانيينو إخراج نسخة جديدة من فيلم American Psycho (مختل أمريكي)، شرعت منصات التواصل والأعمال الفنية التي ترتكز إلى الذكاء الاصطناعي تحتفي بفائض البذخ الذي اتسم به مصرفيو لندن وزيورخ ونيويورك في ثمانينيات القرن الفائت.
على أننا ما زلنا لا نعرف ما إذا كان مصمم أزياء الفيلم، الذي لم يُكشف عن اسمه بعد، سيلجأ إلى هذا المنحى الكلاسيكي في اختيار ملابس أوستن باتلر الذي يؤدي دور باتريك بيتمان. لكن لو أُتيح لنا أن نرشّح مصممًا، لاخترنا برونيللو كوتشينيللي، الذي يصوغ النسخة الأرقى من قطعة لا غنى عنها في عالم المال: الصدار المبطّن بالصوف.
في المقابل، استحضر المصمم الأمريكي تود سنايدر في البيان الخاص بمجموعته لخريف 2025 أجواء باريس زمن الانحلال، مشيرًا إلى "رجال الأعمال الذين كانوا يتوافدون إلى مطعم لو فولتير Le Voltaire لتناول العشاء متأنقين ببدلات ثلاثية القطع". وقد ترجم هذا المشهد في قصّات فضفاضة بعض الشيء، وأقمشة فاخرة مثل المخمل والبروكار الحريري.
لكن يبقى أن ما لا نستحسن عودته إلى الواجهة هو شبح الركود الاقتصادي. فيما يختار البعض الإسراف، يشد آخرون الأحزمة. وفي أوقات انعدام اليقين، كثيرًا ما يشكّل الرجوع إلى القصّات الكلاسيكية عزاءً أنيقًا مستمدًّا من إرثٍ راسخ.
وهنا يأتي دور رالف لورين، الذي تعاون مع دوري كرة القاعدة الأمريكي لإطلاق مجموعة أمريكية الطابع مثالية لأمسية في مقصورة الملعب تختزل مفهوم الانعتاق الراقي. وإن أخفقت المحاولات كلها، فإن حقيبة دانهيل تشكل خيارًا فاخرًا للهروب.
جلود فاخرة
Hermès
على مشارف قرنين من التفرّد في ابتكار المنتجات الجلدية الأعلى تميزًا في العالم، لا عجب في أن تحظى حقائب هيرميس بكثير من الانتباه، فهي تستحق ذلك بجدارة. لكن من الخطأ إغفال الفئات الأخرى في سجل الدار الإبداعي.
قد تبدو محاولة الحصول على حقيبة من طراز HAC أو Bolide مهمة صعبة حقيقةً، لكن كل شعور بالإحباط يتلاشى عندما تتدثّر بمعطف جلدي طويل، أو تجلس للعمل فوق مكتب مكسو بجلد العجول. لا أحد يُتقن هذه الصنعة مثل هيرميس.
LUKE DICKEY
معطف جلدي من هيرميس، ينسدل إلى ما تحت الركبة، مشغول من الجلد.
الصِّدار
Brunello Cucinelli
يُعد الصدار قطعة لا غنى عنها في خزانة فئة معينة من الرجال المهنيين، والحقيقة هي أنها تصميم عملي إلى حد بعيد. فلماذا لا تختار الأفضل؟
هنا يأتي دور برونيللو كوتشينيللي، الذي يمكن الوثوق به لتقديم تصاميم عملية توفّر الدفء وتُحاك في مجموعة متنوعة من الأقمشة والبطانات الفاخرة، بدءًا من الجلد المقلوب المبطن ووصولاً إلى الصوف البكر.
بل إن الصدارات التي يطرحها لا تتسم بأشكال ضخمة، وكلها كفيلة بأن ترتقي بإطلالتك حتى عندما تؤثر الابتعاد عن المظهر الرسمي وتنظر باستهجان إلى كل من يرى اليوم أن رابطات العنق الممهورة بتوقيع مصممين معروفين لا تزال ضرورية للتأنق في المكتب.
LUKE DICKEY
صدار خفيف مشغول من الألياف اليابانية الدقيقة المقاومة لنفاذ الماء.
النظارات
Morgenthal Frederics
بخلاف معظم العلامات المتخصصة في ابتكار نظارات فاخرة، تتميّز شركة مورغنثال فريدريكس، التي تأسست في نيويورك عام 1913، بكونها بعيدة كل البعد عن الإنتاج الكمي.
تشتهر الدار بمعالجتها المتقنة لقرون جاموس الماء، التي يحوّلها الحرفيون إلى نظارات طبية وشمسية تُعد من بين الأرقى والأشد تفردًا في العالم.
كما أنّ العلامة تختار شركاءها بعناية بالغة، وكان آخرهم المصمم الهندي سابياساتشي موخيرجي، الذي خُصصت له تصاميم بإطارات من أخشاب نادرة وتفاصيل من طلاء المينا.
LUKE DICKEY
نظارات شمسية من طراز The Ninety-Nine مصنوعة من التيتانيوم والأسيتات.
رابطة العنق
Cesare Attolini
هيمنت رابطات العنق المتفردة في تصاميمها على عروض الأزياء لموسم خريف 2025، وتمايزت بتفاصيل متنوعة، من القصّات الأعرض والأقمشة الأثقل وزنًا إلى الخامات غير المتوقعة مثل الجلد المقلوب.
لكن في العالم النخبوي للأزياء الرجالية الذي تحتكره دار تشيزاري أتوليني، لا شيء يُضاف لأغراض الزينة فحسب. فعندما يتغيّر عرض الياقة، تتغير معه أطواق القمصان ورابطات العنق.
إنه نظام متكامل ينبع من أعلى درجات الحرفية والدقة، إذ إن كل تفصيل يُبتكر يدويًا في نابولي. وبمعزل عن أي إطلالة، تبدو رابطة العنق التي تحمل توقيع تشيزاري عملاً فنيًا قائمًا بذاته: طيّات سباعية أيقونية وقصات غير مبطنة توحي بالخفة، وأقمشة غنية بنقوش كلاسيكية لكن جريئة لمظهر غاية في الحداثة.
إذا ما أثريت إطلالتك برابطة عنق من الدار، فإنك ستكتشف أنك تتجمّل بتقليد متجذر في أرض أسلوب أناقة نابولي يعلو فوق التوجهات الآنية.
LUKE DICKEY
رابطة عنق من تشيزاري أتوليني، تزيّن النقوش نسيجها الحريري.
الأحذية المرتفعة
Berluti
خلال عروض Pitti Uomo في شهر يناير الفائت، اكتسبت عبارة "أنِيق من الرأس حتى القدمين" معنًى إضافيًا في شوارع فلورنسة، حيث نُسقّت الأحذية المرتفعة من طراز تشيلسي مع البدلات الرسمية التقليدية، لتعكس على نحو مفاجئ أبرز إطلالة رجالية ثورية ترسم معالم التوجّه الحالي في عالم الأزياء.
لم تكن هذه الأحذية ذات تصاميم تقليدية أو مألوفة، إذ اختار كثير من الحضور تصاميم بكعوب على الطراز الكوبي وبمقدمات توحي بالجرأة.
وفي هذه الساحة، تتمايز دار بيرلوتي الفرنسية، التي تحتفل هذا العام بمرور 130 عامًا على تأسيسها، من خلال مجموعة متنوعة تضم تصاميم بأطراف مستوحاة من الغرب الأمريكي، وجلودًا معتقة ثنائية الألوان، تُطلى يدويًا على يد حرفيين إيطاليين.
LUKE DICKEY
حذاء مرتفع من طراز Caractère Capri، مشغول من جلد فينيتزيا الخاص بالدار.
القمصان
Turnbull & Asser
في الذكرى الأربعين بعد المائة لتأسيس دار تورنبول أند آسر، لا بدّ من النظر في الأسباب التي رسخت حضور هذه الدار الكائنة في شارع جيرمين الشهير في عالم الأزياء الرجالية.
لطالما كانت الدار مقصدًا لرجالات بارزين في الحياة وعلى الشاشة، على ما تشهد مثلاً بدلة Siren التي ارتداها ونستون تشرشل لتمكين رئيس الوزراء من الظهور بمظهر لائق سريعًا خلال الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية، وقمصان روبرت ريدفورد ذات الألوان الحيادية والتي أضفت لمسة مميزة على حضوره في فيلم The Great Gatsby (غاتسبي العظيم).
كما تولّت الدار تصميم أزياء عدد من أبطال سلسلة جيمس بوند، بما في ذلك إعادة إصدار قمصان شون كونري الزرقاء الفاتحة وقميص بدلة السهرات التي ارتداها دانيال كريغ في فيلم Casino Royale والتي أصبحت اليوم جزءًا دائمًا من مجموعتها.
أما من ينشد ما هو أبعد من ذلك، فإنه سيجد ضالته في خدمة الحياكة حسب الطلب الخاصة، وهو ما يمكن أن يشهد عليه الملك تشارلز الثالث بنفسه، بعدما منح الصيف الماضي تفويضًا ملكيًا جديدًا لمدير قسم الحياكة حسب الطلب في الدار، جيمس كوك.
TURNBULL & ASSER
قميص مشغول من القطن الخالص من تورنبول أند آسر.
الحقيبة المثالية
Dunhill
على ما هو عليه حال إبداعات دانهِل بمعظمها، خصوصًا في عهد سايمون هولواي، فإن الفحص الدقيق والمتكرر سمة راسخة في مسار الإنتاج.
فهذه الدار تثمّن الاهتمام بأدق التفاصيل، وقد سبق لنا الحديث عن تفرّد تصاميمها متقنة الحياكة، والقطع المحبوكة حتى الساعات العتيقة التي تحمل اسمها.
لكن الحقائب الجلدية تستحق الثناء أيضًا.
بل إن ثمة الكثير مما يمكن استنباطه من الإرث العريق لهذه الدار. في مجموعة ربيع 2025، تألقت الحقائب المثالية لعطلة نهاية الأسبوع بتفاصيل مميزة مثل المقابض ذات الغرزات والتي تُذكّر بعجلات قيادة السيارات (اشتهرت الدار في الماضي بصياغة تفاصيل المقصورة الداخلية لأوائل السيارات).
أما بطاقات الأمتعة المصنوعة من القماش، فتُخبّأ داخل قطع معدنية زخرفية، فيما السحّابات العلوية مصمّمة على نحو مثالي لحفظ مظلات دانهِل ذات المقبض المصنوع من القصدير.
LUKE DICKEY
حقيبة جلدية من دانهِل تثريها الغرزات الدقيقة.
المجموعة المختلطة
Isaia
خلال أسبوع أزياء الرجال في ميلانو، شهد ضيوف عرض إيسايا لمجموعة خريف 2025 مفاجأة غير متوقعة: تصاميم نسائية. لكن العارضات لم يتألقن على الممشى فحسب بفساتين وتنانير تبرز التباين مع بدلات الرجال، بل ارتدين السراويل أيضًا في مجموعة متناغمة تحتفي بخبرة إيسايا العريقة في فن الحياكة وتستحضر جذورها في نابولي.
وقد شملت التصاميم سراويل جلدية أنيقة جرى تنسيقها مع كنزات محبوكة تكملها أحزمة عند الخصر، ومعاطف طويلة باللون الأخضر الزيتوني.
ALBERTO MADDALONI
عارض وعارضة بإطلالات من مجموعة إيسايا لموسم خريف 2025.
الفخامة العملية
Loro Piana
غالبًا ما يرتبط اسم لورو بيانا بالتصاميم الراقية متقنة الحياكة. لذا قد لا يكون هذا الاسم أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن الملابس المخصصة لأنشطة وأغراض معينة، بالرغم من أن هذا ما ينبغي أن يكون عليه الحال.
فمحترف الأقمشة الإيطالية الشهير الذي تحوّل إلى دار عملاقة في عالم الفخامة لا يبتكر أي منتج لا غرض محددًا له: رسّخت لورو بيانا مكانتها بوصفها وجهة مفضّلة للبحّارة الجادين وهواة ركوب الخيل، وكذلك للمتأنقين من حول العالم الذين يُقدّرون مزايا الكشمير المقاوم لنفاذ الماء، والذي طرحته الدار عندما ابتكرت نظام Storm System في عام 1994.
كما تشمل الأمثلة على الفخامة العملية التي تتيحها الدار سترة Roadster التي تثريها تفاصيل من الجلد المقلوب، والتي ابتكرتها الدار عام 2004 احتفاءً بالذكرى الخامسة والسبعين لانطلاق مسابقة فيلا ديستي لأناقة السيارات.
تتزيّن السترة بمشبك لولبي محفوظ داخل الجيب الأمامي لتثبيت مفاتيح السيارة، وطيات في الأكمام لتسهيل الحركة في أثناء القيادة، وجيوب جانبية مدعّمة لحفظ قفازات القيادة.
أما النسخة الأحدث من هذه السترة، والمشغولة من مزيج الحرير والكتان بلون الشوفان، فتُعد القطعة الانتقالية المثالية للهروب من المدينة نحو ملاذ عطلتك خلال الأشهر الدافئة.
LUKE DICKEY
سترة Roadster، حيكت من مزيج الحرير والكتان.
مشروع التعاون
Ralph Lauren x MLB
في عام 2008، تولى رالف لورين بنجاح مهمة تصميم زيّ الفريق الأمريكي المشارك في الألعاب الأولمبية، وكانت تلك خطوة مستحسنة. فليس كل من يفاخر بفريقه يرغب في ارتداء نسخة من قميص الفريق لا معالم محددة لها.
ولحسن الحظ، أعاد المصمم المخضرم الكرة من خلال سترات من الساتان، وكنزات محبوكة متداخلة الألوان، وبالطبع بعض قمصان بولو التي لا غنى عنها. وفي شهر مارس الفائت، ارتحلت العلامة بهذه المجموعة إلى اليابان في سياق فعالية خاصة في متنزّه شيوبيا مياشيتا شيبويا خلال سلسلة مباريات دوري كرة القاعدة الرئيس في طوكيو.
LUKE DICKEY
سترة Polo Ralph Lauren Yankees، مشغولة من نسيج قطني مختلط.
الأناقة المثالية للأمسيات
Dolce & Gabbana
يعرف دومينيكو دولتشي وستيفانو غابانا كيف يختاران موضوعًا محوريًا لكل مجموعة، سواء استلهموه من ساحل أمالفي أو من جزيرة صقلية.
لكن بتأثير من الطبعات المستوحاة من ليمون سورينتو والصلصال الملوّن، قد يغفل المرء أحيانًا الدراية التي تمتلكها الدار في مجال الحياكة.
ISIDORE MONTAG
عارض في بدلة من مجموعة دولتشي أند غابانا لخريف 2025.
فدولتشي نشأ داخل محترف والده للخياطة، وقد جاءت مجموعة خريف 2025 لتذكّرنا بذلك، من خلال 20 عارضًا قدموا عددًا مذهلاً من التصاميم الرسمية المخصصة للسهرات والأمسيات ضمن مجموعة Sartoria الخاصة بالدار.
من الياقات المائلة غير المتماثلة، إلى الأحزمة الساتانية يابانية الطابع ورابطات العنق ذات الأطراف المربعة العريضة والمشابك اللافتة، جاءت النتيجة مزيجًا آسرًا يجمع بين أجواء هوليوود القديمة وروح العصر.
العارض: جيسلان دوفال Jislan Duval
تصفيف الشعر: كازوتو شيمومورا Kazuto Shimomura
محررة صفحات الأزياء: نعومي روجو Naomi Rougeau
مديرة جلسة التصوير: آيرين أوبيتزو Irene Opezzo
خبير التقنيات الرقمية: ماكسويل شورت فيرست Maxwell Short first
مساعد مديرة التصوير: ماثيو بيرينو Matthew Perino