عندما قابلتُ أليساندرو سارتوري قبل عامٍ ونيف تحت أشعة الشمس الحارقة على سطح فندق "ميدل هاوس" في شنغهاي، كان أول ما لفت انتباهي هو أن المدير الفني لدار زينيا يرتدي ملابس سوداء من رأسه إلى أخمص قدميه.
ليس هذا مستغربًا في قطاع غالبًا ما يجري تمثيل المصممين المتشددين فيه من خلال أزيائهم، على ما هو عليه الحال مع كارل لاغرفيلد وقمصانه الجامدة ذات الياقات العالية أو مع يوجي ياماموتو وقبعاته اللافتة من طراز تريلبي.
لكن الغريب هو أن اختيار سارتوري لملابسه ليس من قبيل الاستعراض ولا يعكس بأي حال جماليات الدار الإيطالية العريقة التي تأسست قبل 115 عامًا.
يُشير سارتوري، المصمم البالغ من العمر 58 عامًا والذي يتولّى قيادة الدار منذ عام 2016، إلى أن هذه الأزياء تعينه على التفكير، وهذا ما يصرّح به أيضًا عبر صفحته على إنستغرام إذ يقول "مع أني خبير في الألوان، لكنني أرتدي الأسود دائمًا".
الأمر الثاني الذي يلفت الانتباه هو الطمأنينة الظاهرة على سارتوري قبل ساعات من انطلاق عرض أزيائه. إنه شخص يميل إلى التفكّر في ما حوله، ويخصّص الوقت للاستكشاف خلال رحلات عمل كهذه، متسلحًا بكاميرا من طراز M10 من لايكا.
WWD
قبل انطلاق العرض في دبي، أجْرَت جولي راغوليا، خبيرة تنسيق الأزياء ومعاوِنة سارتوري الوفيّة، بعض التعديلات على قطع مجموعة ربيع 2026، وتحديدًا على سترة Conte والسروال القصير المشغول من كتان زينيا Oasi Linen، وقد نسقتهما مع قميص واسع الياقة بنمط مربعات أمير ويلز.
عصر يوم لقائنا، كانت الدهشة تعتريه من التحول الذي طرأ على الأزياء في المنطقة بعد جائحة كورونا، انطلاقًا مما عاينه في رحلة حديثة من تشنغدو إلى هونغ كونغ. وفي هذا يقول: "قبل جائحة كورونا، كانت الأزياء زاخرة بالألوان، كما بالشعارات الصارخة.
أما بعدها، فوجدت الآخرين من حولي يرتدون أزياء بتوقيع أركتيريكس Arc’teryx وزينيا، وملابس أحادية اللون، وينسقون مع البدلات أحذية من مواد معالجة تقنيًا.
دفعني هذا التوجّه إلى التساؤل: هل نحن في هونغ كونغ، أم في نيويورك أم في لندن؟". على أن كلام سارتوري يخلو من الكبرياء المرافق عادة لكبار المصممين. يعترض عندما أُلمِح إلى أنه يُقلل من شأن تأثير زينيا على الذائقة هنا، لأنها أول علامة فاخرة تُنشئ متجرًا في الصين، وكان ذلك عام 1991.
Giovanni Giannoni
يُجري سارتوري بعض اللمسات النهائية على قطعة مشغولة من الجلد المقلوب قبل ظهور العارض بها على المنصة.
مع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن سارتوري رجل أعمال بارع، كما أن علاقته بدار زينيا علاقةٌ وطيدة. فقد انضم إليها في عام 1989، بعد تخرجه في معهد مارانجوني في ميلانو، بوصفه مصممًا للأزياء الرجالية.
وفي عام 2003، أصبح المدير الإبداعي لعلامة زي زينيا، التي استهدفت الزبائن الشباب الميّالين إلى الجماليات العصرية. صاغ من منصبه هذا هوية العلامة حتى عام 2011، حين عُيّن مديرًا فنيًا لدار بيرلوتي الباريسية التي ناسَبتها براعته في اختيار الألوان.
بعدها بخمسة أعوام، تولى أعلى منصب إبداعي في زينيا. ومنذ ذلك التاريخ، عكف على تنقيح رؤيته لأزياء الدار، التي كانت في الماضي حبيسة الجمود وتحوّلت على يديه إلى أزياء لا شبيه لها في السوق، حتى مع محاولات التقليد الدؤوبة.
مقترحات تصميمية ذات مغزى
تجسّدت رؤيته هذه في مجموعة موسم خريف 2025 وشتائه المتاحة حاليًا في المتاجر، كما في مجموعة موسم ربيع 2026 وصيفه التي كُشف عنها أخيرًا. فقد تجلى فيها أسلوبه الراقي البعيد عن الصرامة والمَشوب بالعاطفة، والذي يحثّ الرجال على الجمع بين أزيائهم الأثيرة ومقتنياتهم الجديدة.
بُعيْد طرح مجموعته الأخيرة، صرّح سارتوري قائلاً: "أتابع كيف ينسّق زبائني الأزياء وأساليبهم في العيش والسفر والتفكير والعمل. لا بد أن أكون على اطلاع دائم. فمن الأهمية بمكان أن يكون المصمم جزءًا من الجماعة التي يتوجه إليها بإبداعاته، لأن فرض أسلوب محدّد عليهم بات أمرًا من الماضي.
من واجب المصممين اليوم تقديم مقترحات متكاملة ومعبّرة ومفاجئة بصورة إيجابية. في المقابل، سيكون الفشل رفيق كل من يعتقد أنه قادر على فرض أسلوبه بطرح تصاميم مبالغ فيه، معوّلاً في ذلك على ثقة الزبائن العمياء".
Giovanni Giannoni
في كواليس عرض زينيا بدبي، عارضان يرتديان قطعًا مشغولة من كتان زينيا Oasi Linen.
كانت مجموعة موسم خريف 2021 وشتائه من اللحظات الفارقة في مسيرة سارتوري، لأن قطعها الناعمة الأنيقة المصممة في خضم الجائحة أظهرت أنه كان منسجمًا مع زبائنه ويرسم مسارًا جديدًا لدار زينيا. وقد تعززت هذه اللحظة بالاستغناء عن كلمة إرمنيجيلدو من اسم العلامة لتتوافق مع رمزها في البورصة، ZGN، وذلك بمناسبة الاكتتاب العام الأولي.
وفي هذا السياق، تُشير جولي راغوليا، خبيرة تنسيق الأزياء ومعاوِنة سارتوري الوفيّة، إلى أن أليساندرو كان على أهبة الاستعداد حين عمّت الجائحة، على غير ما كان عليه حال كثير من المصممين الذين وقعوا أسرى الحيرة.
وتستطرد قائلةً: "إن الأزياء هي أكثر ما تتعلق به أجسادنا وقلوبنا، لذلك كان استخدامه للكشمير في تلك المجموعة جريئًا ودقيقًا في الوقت نفسه، ولقد عزّز به شعور الناس بالوقاية والراحة في وقتٍ كانت خزائن ملابسهم في أمس الحاجة إلى ذلك. لطالما كان تيقظ أليساندرو سارتوري لهذه الروابط نقطة قوته، ولكن قدرته على التعبير عنها بوساطة الأفلام، في ظل إلغاء عروض الأزياء، أتاحت لشريحة أوسع من الجمهور مشاهدة نتاج عبقريته".
تأثير غير قابل للقياس
تَدرس العديد من العلامات هذا النتاج دراسةً دقيقة وهذا ما يُفسر كثرة المقلّدين. فقد عاينت بنفسي إصدارات عدة مستنسخة من أحذية Triple Stitch الرياضية المطاطية الرّائجة، وهي أحذية يتعدّى سعرها ألف دولار وظهرت بوفْرة في مسلسل Succession. شاهدت أيضًا إصدارات مستنسخة من أحذية موكاسان في معرض بيتي أومو وصالات العرض في ميلانو، وقد يُبرر هذا توكيل زينيا زمرة من محامي الملكية الفكرية.
مع ذلك، لا أحد يُضاهي سارتوري. وقد يكون من الجائز القول إن عالم الأزياء الرجالية لم يشهد رؤيةً مُستدامة ومُتفرّدة كهذه منذ أن هزّ جورجيو أرماني الشباك بأسلوبه الانسيابي خلال ثمانينيات القرن الماضي.
وتشير راغوليا إلى مبدع آخر هو ريك أوينز، وتضيف: "كشف توم براون أيضًا في تصاميمه عن الكاحل، مُغيّرًا بذلك أساليب الحياكة. ولكن أليساندرو سارتوري غيّر مقاربة الناس الفكرية لطريقة ارتداء الأزياء، وتأثيره هذا غير قابل للقياس".
عندما تواصلت مع سارتوري عبر تطبيق زووم في إحدى أمسيات الصيف الأخيرة، كان في طريقه إلى عشاءٍ من تنظيم نادي السيارات "أوكا روسا" في ريف إيطاليا الشمالي، وقد أصرّ على التوقف كي يُرسل لي صورة سيارته من طراز بورشه 911 تارغا الذي يعود إلى عام 1972.
Giovanni Giannoni
إنها سيارةٌ كلاسيكية ضمن مجموعة مهيبة يحتفظ بها سارتوري في "ميلانو غاراج" Milano Garage، المرآب الذي أنشأه ثم دعا هواة جمع السيارات الضليعين لاستئجار مساحاته.
تُتيح السيارات لسارتوري فرصة أخرى لتجربة الألوان، ويشير إلى أن اختباره للألوان يكون خلف الكواليس، أو في هذه الحالة خلف عجلة القيادة. ومع أن سيارته من طراز بورشه تتباهى بلون برتقالي زاهٍ، إلا أن أزياءه سوداء بالكامل.
قبل حيازته مفاتيح سيارة حمراء من طراز Lancia Fulvia HF من عام 1972، وسيارة بورشه 911 توربو برونزية من عام 1981، وسيارة فورد موستانغ فاست باك 289 زرقاء من عام 1965، اعتاد سارتوري في شبابه التنقل في المنطقة على دراجته، بالقرب من مصنع الصوف التابع لدار زينيا.
وُلد سارتوري في بلدة تريفيرو، على مقربة من المقر الرئيس لدار زينيا، وكان لأمّه تأثير كبير على مهنته المستقبلية. فقد كانت خيّاطة وغالبًا ما كان يُرافقها في نزهات السبت لشراء الأقمشة.
وفي هذا يقول: "أتذكر أني بين السابعة والتاسعة من عمري كنت أقود الدراجة حول القرى هناك وأمر أمام فيلا زينيا ومصنع الصوف.
كنت ألمح الجمال الكامن داخل دار زينيا عبر البوابة، ودفعني ذلك إلى الحُلم. لقد أحببت المكان، مع أنني لم أكن أعرف آنذاك أنه تابع لدار زينيا". ولا يسع المرء إلا أن يشعر بأن مسيرة سارتوري المهنية كانت مُقدّرة سلفًا، لا سيما بالنظر إلى مقدار تغلغل المنسوجات في هوية زينيا.
WWD
سواء كانت القطع من الصوف أو الحرير أو الكتان أو الجلد، يُضفي سارتوري على كل إطلالة ربيعية لمسةً من الخفّة تمتد إلى أحذية المجموعة.
أقمشة فاخرة ومواد مبتكرة
على غير ما هو عليه حال دور الأزياء بمعظمها، في ما خلا لورو بيانا، تُدير زينيا خمسة مصانع مجهزة بأحدث التقنيات. تخصصت الدار بدايةً في ابتكار المنسوجات، ولا تزال خبرتها في تطويع المواد الخام حاضرة في مختلف مشاريعها.
يجتمع سارتوري أسبوعيًا مع فريقه لمناقشة أحدث التقنيات وتحديد الأقمشة المناسبة لكل قطعة أزياء، سواء كان هذا القماش مزيجًا خفيفًا من الحرير والكتان، أو قماشًا متموجًا نصفه من الورق المُدوّر من المجلات والجرائد ونصفه من القطن. تستكشف زينيا أيضًا الجلود فائقة الخفة، ومن الإطلالات المبتكرة في مجموعة موسم ربيع 2026 وصيفه سترة من القماش الإسكتلندي المربّع باللونين البني والكريمي، تبدو للوهلة الأولى كأنها خليط من الكشمير والكتان، لكنها في الواقع محبوكة من شرائح رقيقة من الجلد.
كانت هذه المواد الخفيفة مناسبة لدبي، حيث كشفت زينيا عن المجموعة في يونيو، تاركةً بذلك فراغًا كبيرًا في جدول أسبوع الموضة في ميلانو، الذي اعتادت اختتام أطواره.
ولم يكن عرضها تكرارًا لتصاميم كشفت عنها سابقًا في أوروبا، على ما تفعل بعض الدور، بل كان عرضًا لتصاميم جديدة، وهذا ما استدعى انتقال فريق زينيا بأكمله إلى دبي (أحد أسواق العلامة الرئيسة)، والعمل من هناك على امتداد أسابيع.
وفي هذا يقول سارتوري: "نقلنا المجموعة مباشرة من المحترفات إلى دبي من دون إدخال أي تعديلات. كان الفريق بأكمله هناك، 51 فردًا، منهم 17 حائكًا".
حتى خارج مواعيد الرحلات المخصصة لعرض الأزياء، يُدرك سارتوري أهمية استحداث تجارب تُخاطب الحواس، ولهذا يسمح للضيوف بالتجوال في مواقع العرض وتفقّد الأزياء بعد نهاية العروض.
وفي هذا يقول بروس باسك، المدير الأول لقسم الأزياء الرجالية في ساكس فيفث أفينيو وفي نيمان ماركوس: "تنامت عروض أزياء زينيا على مر السنين من حيث النطاق والإبهار، بفضل التناول الفني المُنفّذ بامتياز. ثمة دائمًا فكرة رئيسة وحيوية في قلب المفاهيم البصرية المستحدثة في هذه العروض، وبها تتعزز الرسالة الرئيسة للمجموعة ويتوثّق مغزاها".
تضمنت العروض السابقة كمية هائلة من ألياف الكشمير وعارضاتٍ متوشحات بالكتان يرفلن بين أعواد الكتان المنتصبة. ولم يختلف الحال في دبي، حيث حوّلت زينيا دار الأوبرا إلى واحة صحراوية تشتمل على كثبان رملية ونباتات محلية وألوان باهتة تحاكي ألوان الأزياء، وكان القصد من ذلك إشعار الضيوف بالراحة. كثّف سارتوري من استخدام الطبقات والتنسيقات الأحادية اللون في هذه المجموعة فيما طرح قواعد الإطلالات الموسمية جانبًا.
ويعزو سارتوري نهجه هذا إلى عادته في العمل على أكثر من مجموعة أزياء في الوقت نفسه، بدلاً من العمل على واحدة كل ستة أشهر، ويشرح هذا بقوله: "إنّ التضارب بين المواسم جزءٌ من الرؤية، وبه تتعزز فكرة التّراكم والتوافق والتراصف".
يكمن تمايز هذه المجموعة في طريقة تصميم سارتوري لبدلات الصيف. فقد استحدث قطعًا خفيفة من الكتان باستخدام أساليب حياكة مبتكرة تستغني عن البطانات التقليدية وتَصون في الوقت نفسه سلامة البنية. أسهمت أحذية اللوفر الخفيفة ومشي العارضين حفاة في تعزيز الشعور بالخفة.
حتى سترة "إيل كونتي" Il Conte المتفردة بياقة شريطيّة حيكت بحجم أكبر تعزيزًا للراحة. بعد الألوان الصحراوية المحايدة، جاء الدور على ألوان الأبيض الكريمي والأخضر المصفّر والأحمر الضارب إلى البني والبرتقالي الداكن والخزامى، فيما اقترنت القمصان والسراويل القصيرة بالتفاصيل المحيكة. ومع أن سارتوري يرتدي الأسود دائمًا، لكنه ظهر في ختام العرض بزيّ رمادي باهت، إلى جوار المغني وكاتب الأغاني جيمس بليك الذي عُهد إليه تنسيق موسيقا العرض.
Giovanni Giannoni
تُبرز الإطلالات الأربع، المشتملة على قطع متباينة الألوان من الحرير والكتان والصوف، براعةَ مصانع دار زينيا.
فلسفة مستدامة
بالرغم من الوجهات الرائعة التي تُنظّم فيها العروض، إلا أن طرق سارتوري وزينيا كلها تؤدي إلى جبال الألب في بييلا، وتحديدًا إلى "واحة زينيا" Oasi Zegna، مشروع التشجير والمحمية الطبيعية التي تُقارب مساحتها 40 ميلاً مربعًا والتي تَصرّف فيها إرمنيجيلدو زينيا بحكمةٍ عندما خصّها بالحماية في ثلاثينيات القرن الماضي.
لا تزال هذه المنطقة معلمًا مهمًا للدار إلى يومنا هذا. فعلى امتداد العقود التسعة الماضية، زرعت فيها زينيا أكثر من نصف مليون شجرة، مُرسِية بذلك مبادئ الاستدامة التي تهتدي بها في ابتكاراتها. يعني هذا قابلية تتبع الأزياء، من المادة الأولية إلى المنتج النهائي، مع إمكانية رصد مسار قماش كشمير زينيا Oasi Cashmere بمسح رمز الاستجابة السريعة على البطاقات المرافقة للمنتجات.
إلى ذلك، تعتمد الدار كليًا على الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة وأوروبا، كما تعي أن إنشاء خزانة أزياء رائعة يتطلّب الوقت ولا يتحقق دفعة واحدة، وهو أمر يشبه ازدهار غابة.
يقول سارتوري: "تتوجه ابتكاراتنا الرجالية إلى هواة الجمع، لذلك نضفي عليها قيمة ونمزج القطع موسمًا إثر موسم، على ما يفعل أي رجل مع خزانة أزيائه. ما نريده هو تكوين مجموعة متمايزة من حيث الجودة والتصميم والجماليات".
يختار زبائن زينيا الأزياء بعناية، وينطبق الأمر نفسه على سارتوري ومعاونيه. إن مِن بينهم مَن اشتغل معه عقدًا أو أكثر، مثل جولي راغوليا، التي قابلت سارتوري في عام 2014 ثم عهَد إليها لسنوات عديدة بتنسيق العروض والإشراف على مجموعة متنوعة من الحملات.
وفي هذا تقول: "لمسنا تقارب أفكارنا عندما أحطنا بما يشتغل عليه كل واحد منا. وأتذكر أننا أجرينا وقتها محادثة رائعة حول الفن والأزياء والثقافة". بعد فترة وجيزة، دعاها سارتوري لتنسيق عروض بيرلوتي في باريس، وبعد عودته إلى زينيا، طلب منها الانضمام إليه. يُصادف خريف هذا العام ذكرى مرور عشر سنوات على بداية تعاونهما.
Daniele Mango\WWD
سارتوري جالسًا في سيارته الكلاسيكية من طراز موستانغ داخل مرآب ميلانو.
منظور عالمي
يبتعد أسلوب سارتوري عن التسلّط الطاغي على أسلوب بعض أقرانه، إذ يولي اهتمامه لنمط حياة زبائنه وطريقة تفاعلهم مع الأزياء، سواء كانوا شبابًا في العشرينيات من طوكيو، أو مُسنّين أنيقين في السبعينيات من تورنتو.
لقد عاينت ذلك بنفسي في شنغهاي، حيث نجح الممثل مادس ميكلسن، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 58 عامًا، والممثل ليو وو المنتمي إلى جيل الألفية، في بيع منتجات يُقارب سعرها 10 ملايين دولار خلال ساعة واحدة عبر بثّ مباشر على تطبيق وي تشات.
إلى ذلك، يتبنّى سارتوري منظورًا عالميًا، ولهذا يتلقّف الإلهام من شتى الأنحاء. وفي هذا يقول: "أشاهد وأرى كل شيء، ولكن تصاميمي ليست محصورة في وجهة محددة".
يرى سارتوري أن الأمر يتعلق بالأسلوب والقيم ودعم اختيارات الزبائن الواعية التي تُراعي طريقة صناعة الأزياء وتوافقها مع نمط حياتهم وما تحتويه خزائن ملابسهم. إن ما يهمّ هو الارتقاء والاستمرارية، وليس ملاحقة آخر التوجهات.
WWD
إلى جانب مشاركين من شتى الأجيال والأعراق، تُشارك النساء أيضًا في العروض.
يؤثّر هذا الاهتمام الشديد بالأسلوب الذي يعلو فوق عاديات الدهر والأمكنة على اختيار الشخصيات المشارِكة في العروض والحملات الإعلانية.
فإلى جانب مشاركين من شتى الأجيال والأعراق، تُشارك النساء أيضًا في العروض، مع أن سارتوري لا يعتزم تصميم الأزياء النسائية مستقبلاً. وفي هذا يقول: "لا، ليس هذا مؤشرًا على ما هو آتٍ. أحب تصميم الأزياء الرجالية، لكني أرى أنه يُمكن للمرأة استعارة سترة أو كنزة محبوكة من زوجها أو والدها وارتدائها على النحو المناسب.
لذلك أسعى في عروضي إلى تقديم مثال عن هذه المرأة وأرى ذلك مدعاة للاهتمام". تستعين العلامة بالممثّل مادس ميكلسن منذ سنوات، فقد شارك في العديد من العروض والحملات الإعلانية، كان آخرها حملة موسم ربيع 2025 وصيفه.
لكن اختيار الدار لرجل الأعمال الستيني وجامع الساعات الشهير أورو مونتاناري، المعروف أيضًا بين متابعيه من هواة الساعات باسم جون غولدبرغر، هو ما أثار انتباه صحيفة فاينانشال تايمز وأشعل وسائل التواصل الاجتماعي.
عندما تواصلت معه دار زينيا بشأن جلسة تصوير، يتذكر سارتوري أنه قال: "أنا شخص عملي، ولست عارض أزياء". كان مونتاناري حاضرًا في دبي، حيث أبهج هواة الجمع الأربعين، سواء من المواطنين أو كبار الشخصيات القادمين من شتى أنحاء العالم، والذين استمعوا إلى محاضرته.
يُشير بروس باسك إلى أسلوب سارتوري الذي يجمع بين الإبداع والواقعيّة، موضحًا أن تبنّيه للأزياء الرياضية شكل نقطة تحول في المسار التقليدي الذي كانت تسلكه الدار العريقة.
وفي هذا يقول: "إن أليساندرو مصمم موهوب وتجريبيّ وحاضرُ البديهة". ومع أن أرباح مجموعة زينيا، التي تضمّ أيضًا علامتي توم براون وتوم فورد، تراجعت تراجعًا طفيفًا في عام 2024، ولكن إيرادات علامة زينيا نمَت بثبات، لتبلغ نحو 2.2 مليار دولار في العام المنصرم.
وتُقدم تقارير الأرباح السنوية قراءة مشوقة لما يجري في قطاع الأزياء.
ففي الوقت الذي تضرّرت فيه مجموعة إل في إم إتش ومجموعة كيرينغ ضررًا كبيرًا، ارتفعت مبيعات علامات مثل برونيللو كوتشينيللي، التي تُولي هي الأخرى أهمية كبيرة لمصدر المواد الأولية وسبل الإنتاج الخلقي والشفافية.
Giovanni Giannoni
حتى في الكواليس، ينصبّ الاهتمام على الإطلالات المشتملة على قطع من الجلد المقلوب بلون بني محمّر.
سواء كان الزبائن يبحثون عن أزياء تحترم شروط الاستدامة أو لا، فإن هذا غير ذي أهمية، لأن سارتوري وفريقه حريصون أشدّ الحرص على تعزيز الصلة بالجذور ونشر القيم التي أرساها إرمنيجيلدو زينيا.
مع ذلك، لا بد لسارتوري من بيع الأحلام، القابلة للارتداء طبعًا. لذلك يواصل استكشاف الحيّز الذي يتقاطع فيه التصميم الكلاسيكي مع التصميم الطليعي، قاصدًا بذلك إبهاج رجال العصر وبعض نسائه الأنيقات. تحكي راغوليا وقائع زيارتها لافتتاح أحد المعارض في نيويورك.
كانت ترتدي أزياء زينيا وخلال وقوفها بالقرب من صديقتها التي كانت منغمسة في الحديث مع أحد الفنانين، أطال هذا الأخير التحديق فيها. في النهاية اقترب منها، ثم لمس كمّ سترتها، وسألها بعينين دهِشتين عن الصانع.
تقول راغوليا: "عندما أخبرته أن السترة من تصميم زينيا، أبدى إعجابه بالقماش وطريقة نسجه ولونه. في هذا المعرض المزدحم، كان هذا الفنان يتحدث عن زينيا، مع أن أعماله الفنية تملأ الجدران".
قد يكون سارتوري بصدد تثبيت معيار جديد لما يمكن أن تبلغه دور الأزياء الفاخرة، لكنه يُشير إلى نصيحة تسري على الأعمال الفنية كما على السراويل، وهي "اشترِ ما يعجبك".
وفي هذا يقول: "يبدو الأمر بسيطًا، ولكنه ليس كذلك. كان الزبائن يرزحون تحت وطأة إملاءات الدور زمنًا طويلاً، وقد حان الوقت ليتحرر الزبون من هذه القيود ويسير على هدي ذائقته الشخصية ويبني خزانة ملابسه عبر الاستماع إلى ما يشده والتأمل في ما حوله.
مع ذلك لا بد أن يكون القرار قراره، لأن لأزياء تكتسب قيمة عندما تكون خاصة به ومصممة للارتقاء بإطلالته. لا أريد للزبون أن يقلّد أي شخص آخر".