في مشهد اقتصادي آخذ في التحوّل، لم تعد ملاذات الرفاهية وحدها هي ما يجتذب أثرياء أوروبا، بل باتت أيضًا ملاذات ضريبية تعدهم بالتحرر من الأعباء المالية. إلا أن هذا الرحيل المدروس لا يمر دائمًا من دون تكلفة. فقد بدأت بعض الحكومات الأوروبية بمطالبة الأثرياء بـضريبة وداع قبل أن يحزموا حقائبهم.
تطالب بعض دول أوروبا مواطنيها الأثرياء بضرائب خروج قبل انتقالهم إلى ملاذات ضريبية مثل موناكو ودبي وسويسرا، وذلك نتيجةً لجهود بعض الدول الرامية إلى إبطاء أو وقف هجرة فائقي الثراء، بحسب ما أفادت به وكالة بلومبرغ.
وتهدف ضريبة الخروج إلى تحصيل جزء من الأرباح التي جناها الشخص في أثناء استخدامه للبنية التحتية في تلك الدولة لبناء ثروته. وقد تعرضت هذه الضريبة للانتقاد، إذ يُطلب من الأفراد دفع رسوم على أصول غير مبيعة. ومع ذلك، أصبحت ضرائب الخروج أكثر شيوعًا خلال العام الماضي، إذ دفعت تكاليف التعافي من جائحة كوفيد-19، إلى جانب تباطؤ النمو العام، الحكومات الأوروبية إلى البحث عن طرق لزيادة إيراداتها، بحسب ما ذكرته بلومبرغ.
وقال ديفيد ليسبرانس، مؤسس شركة Lesperance & Associates لإدارة الثروات لبلومبرغ: "إن العديد من الدول بدأت بتطبيق ضرائب الخروج، ما جعل الذين يمتلكون أصولاً غير سائلة أو رهنًا عقاريًا يترددون في اتخاذ خطوة الانتقال، لأنهم ببساطة لا يملكون المال الكافي لدفع هذه الرسوم الضريبية المرتفعة".
تعد ألمانيا والنرويج وبلجيكا من الدول التي اتجهت أخيرًا إلي زيادة ضرائب الخروج أو التي تنظر في القيام بذلك. ودولة إسكندنافية مثل النرويج، يمكن أن تفرض على السكان الأثرياء ضريبة تصل إلى 38% على الأرباح الرأسمالية غير المحققة.
أما في ألمانيا، حيث يعود نظام ضريبة الخروج إلى ستينيات القرن الماضي، فتبلغ النسبة حوالي 27%. وتُطبّق الضريبة على الأفراد الذين يمتلكون 1% أو أكثر من أسهم شركة ما، أو الذين يملكون ما يعادل نحو 581 ألف دولار من حقوق الملكية في علامة تجارية. وقد تركت هذه الضرائب أثرًا ملموسًا بالفعل. ففي إحدى الحالات، استبعد مالك شركة تكنولوجيا معلومات ألمانية ابنته من خطط توريث الشركة، لتجنّب دفع ضريبة باهظة على الأصول المنقولة، بحسب ما أفادت بلومبرغ.
وليست هذه الدول وحدها التي تشهد حركة نزوح من قبل أصحاب الثروات الفائقة؛ ففي أبريل الماضي، أدى إلغاء المملكة المتحدة لنظام الإعفاءات الضريبية المعروف باسم Non Doms، وهو نظام امتد لأكثر من 200 عام ويخص المقيمين الأجانب في البلاد، إلى مغادرة عدد كبير من الأثرياء.
استقر العديد من هؤلاء في إيطاليا، وتحديدًا في مركزها المالي ميلانو، حيث يمكنهم دفع ضريبة موحدة قدرها 223 ألف دولار لتجنّب دفع الضرائب الإيطالية على الدخل المُحقق من الخارج، في نظام يُشبه ما كان مطبقًا سابقًا في المملكة المتحدة. ونتيجة للتغيرات الضريبية في المملكة المتحدة وهجرة الأثرياء، طالب البعض الحكومة البريطانية بفرض ضريبة خروج على أصحاب الثروات قبل مغادرتهم البلاد، إلا أن الحكومة، حتى الآن، لم تتخذ أي خطوات بهذا الاتجاه، بحسب بلومبرغ.