استقبلت شركة ميتا عام 2023 بخسائر فادحة وصلت إلى 13.7 مليار دولار نتيجة للأبحاث والاستثمارات التي وضعتها في قسم Realty Lab Division المسؤول عن تطوير التقنيات المتعلقة بعالم الميتافيرس المثالي الذي حلم به مارك زوكربيرغ.  فقد وصل إجمالي الخسائر التي تكبدتها الشركة إلى أكثر من 35 مليار دولار خلال أربعة أعوام فقط، وذلك منذ استحواذ ميتا على خوذة الواقع الافتراضي Oculus ثم الانتقال إلى اسم "ميتا" في عام 2021.

ورغم هذه الخسائر كلها، فإن مارك زوكربيرغ لا يزال مؤمنًا بمشروعه المستقبلي ومستعدًا لدعمه بشكل كامل حتى يراه واقعًا أمامه بغض النظر عن العقبات الكثيرة التي واجهها المشروع، بما في ذلك حالات التنمر والتعدي على مستخدمي التقنية.

ولكن هذه الخسائر لم تكن محصورة في عالم الميتافيرس فقط، بل امتدت إلى مختلف المنتجات التي تعتمد على تقنيات التعاملات الرقمية التسلسلية "بلوك تشين" أو Web 3.0. فقد خسر عالم العملات الرقمية أيضًا الكثير من قيمته، ما جعل عملة بيتكوين التي كانت تقود هذا القطاع تصل إلى أقل مستوى لها في عام 2022 عند 19 ألف دولار للعملة الواحدة بعد أن حطمت أرقامًا قياسية وصلت إلى 60 ألف دولار في الأعوام السابقة. 

هل لا يزال الاستثمار في عالم الميتافيرس مُجديًا؟

خسائر متنوعة 

تنوعت الخسائر في مختلف القطاعات التي تعتمد على تقنيات "بلوك تشين" المختلفة، ومن أهم هذه القطاعات الرموز غير القابلة للاستبدال NFTs إذ شهدت الكثير من هذه الرموز خسائر في قيمتها الأساسية جعلتها تنخفض لأكثر من 60٪ من هذه القيمة.

وربما كانت تغريدة جاك دورسي الأولى التي تحولت إلى رمز NFT أكثر الرموز التي خسرت من قيمتها، إذ بيعت للمرة الأولى مقابل 2.9 مليون دولار في مارس 2021 لتنخفض إلى 132 دولارًا فقط في أكتوبر 2022. 

شملت الخسائر قطاع العملات الرقمية ومختلف التقنيات المرتبطة بها. وتقدر التقارير أن هذا القطاع خسر أكثر من 4 مليارات دولار ليسجل انخفاضًا بمقدار 51٪ مقارنةً بالعام الماضي.

ولكن هذه الخسائر لا تعود كلها إلى انخفاض في قيمة العملات، بل إنها نجمت أيضًا عن مجموعة كبيرة من عمليات الاختراق والسرقة للأصول الرقمية. وربما تعد حادثة هروب سام بانكمان فرايد مؤسس منصة FTX لتداول العملات الرقمية أحد أشهر عمليات السرقة والاحتيال لعام 2022. 

هروب فرايد تزامن مع إعلان الشركة إفلاسها رسميًا وسرقة أكثر من 400 مليون دولار من الأصول التي يجري تداولها عبر الشركة. وبالرغم من القبض على فرايد أخيرًا، إلا أن المحكمة لم تصدر حكمًا نهائيًا ضده. 

الأثر الذي تركه هروب فرايد على قطاع العملات الرقمية شكّل الصدمة الكبرى له، إذ أثبت للجميع أن هذا المجال وتعاملات بلوك تشين تحتاج إلى تطوير تقنيات أمنية تحمي المستثمرين فيها بشكل أكبر وتضمن لهم حقوقهم في حالة حاول أحدهم الهروب بأموالهم مثلما فعل فرايد، وهو الأمر الذي حذر منه وارن بافيت وكان ضمن أسباب عدم استثماره في مجال العملات الرقمية، رغم مكانته كأحد أهم رجال الأعمال في العالم. 

هل لا يزال الاستثمار في عالم الميتافيرس مُجديًا؟

Gucci

علاقة البيتكوين والميتافيرس الوثيقة تجعل من الصعب الفصل بينهما وحتى محاولة فصل تأثير قطاع على آخر، وهو ما ظهر بوضوح في عزوف المستخدمين عن التوجه إلى قطاع الميتافيرس بعد الأزمات التي ظهرت في عالم العملات الرقمية.

وينبغي التنبه إلى أن العملات الرقمية هي الطريقة الرئيسة للتعامل في عالم الميتافيرس، ورموز NFT هي جزء من القطع التجميلية لهذا العالم وطريقة لإظهار الثراء في ذاك العالم الافتراضي، كأن تمتلك واحدة من سيارات باغاني في عالمنا الواقعي. 

ولكن خسائر قطاع ميتا لتطوير تقنيات الميتافيرس كان أكبر من الأزمات العالمية التي لحقت بتقنيات البلوك تشين. وربما كان أهم هذه الأسباب محاولة وضع قيود على عالم افتراضي واسع لا يمكن تقييده، إذ إن الميتافيرس الذي طورته ميتا كان حصريًا لها ولمن يمتلكون أجهزة Oculus فحسب، ومن ثم لم يكن من السهل على أي مستخدم الدخول إليه.

كما أن ميتا فشلت في تقديم مزايا حقيقية للشركات حتى تنجذب إلى هذا العالم وتحاول الترويج لمنتجاتها عبره. وذلك على عكس العوالم الافتراضية التي أنشأتها دور تصميم الأزياء الفاخرة مثل غوتشي التي تعاونت مع عالم روبلوكس الافتراضي لبيع ملابس حصرية تحمل توقعيها، وتمكنت من زيادة عدد زيارات هذه المنصة لتصل إلى 20 مليون زيارة مباشرة إلى حديقة غوتشي فيها.

كما اهتمت لويس فويتون وغيرها من علامات الأزياء بهذه التقنية من أجل الترويج لمنتجاتها ومحاولة مواكبة هذا العالم. 

شركات السيارات أيضًا كان لها دور كبير في عالم الميتافيرس خلال العام الماضي، إذ استثمرت رولز-رويس وماكلارين في هذا العالم بشكل كبير، وتعد رموز NFT الخاصة بشركة رولز-رويس التي بيعت إلى جانب مجموعة العناصر الستة الحصرية من الشركة أحد أكبر هذه الأمثلة.

هل لا يزال الاستثمار في عالم الميتافيرس مُجديًا؟

هل يبقى عالم الميتافيرس اختيارًا جيدًا للاستثمار؟ 

الإجابة عن هذا السؤال تتطرق إلى جوانب مختلفة، ولكن بشكل عام ورغم الانخفاض الذي يشهده قطاع العملات الرقمية، إلا أن تقنيات الميتافيرس ما زالت اختيارًا جيدًا للاستثمار خاصةً لهواة جمع القطع الحصرية والخاصة.

ويعد انخفاض أسعار البيتكوين والعملات الرقمية الأخرى الفرصة الذهبية لاقتنائها بأسعار قد لا تتكرر مرة أخرى، وهي فرصة لتكرار الثروات التي صنعت في وقت الأزمة الاقتصادية التي أصابت أمريكا في القرن الماضي وأنتجت مجموعة من أثرى أثرياء العالم.