بعيدًا عن صخب الريفييرا الفرنسية وخليج سورينتو الإيطالي، بات الشمال الأوروبي الوجهة الجديدة لنخبة المسافرين في صيف 2025، إذ يلتقي النسيم البارد برفاهية صامتة تنأى عن الزحام السياحي المعتاد.
لم تعد السويد وفنلندا مجرّد محطات عبور، بل تحوّلتا إلى وجهتين متكاملتين لعشاق التجارب الراقية، ممن يبحثون عن جمال الطبيعة، وخصوصية الإقامة، وسكينة لا تمنحها الشواطئ الحارّة والمزدحمة. ويُعرف هذا التوجّه المتنامي عالميًا لقضاء العطلات في مناطق معتدلة الحرارة بدلاً من الوجهات الحارة التقليدية باسم Coolcationing، وهو توجه يُعيد رسم خرائط السفر الفاخر.
بحسب تقرير حديث صدر عن شبكة "فيرتويوزو" Virtuoso، وهي شبكة عالمية من مستشاري السفر الفاخر، جاءت السويد ضمن قائمة الوجهات العشر الأولى الأكثر تفضيلاً في 2024، مع ارتفاع في حجوزات الصيف بنسبة 263% مقارنة بالعام السابق.
وتشير البيانات إلى أن منطقة اسكندنافيا عمومًا وتشمل النرويج، والدنمارك، وأيسلندا، إلى جانب السويد وفنلندا، شهدت نموًا بنسبة 79% في الحجوزات بين يونيو وأغسطس، مع حضور لافت من المسافرين ذوي الإنفاق المرتفع.
وفي هذا السياق، تؤكد ستايسي فيشر-روزنثال، رئيسة شركة فيشر ترافل Fischer Travel المتخصصة في تصميم تجارب السفر الفاخر، أن ما كان يُعد سابقًا مجرّد محطة توقف في ستوكهولم أو هلسنكي بات اليوم تجربة قائمة بحد ذاتها.
وتضيف أن شركاءهم في وكالة آيتي دايز ترافل 80Days Travel، المتخصصة في تنظيم رحلات الصفوة، يؤكدون أن زبائنهم يركّزون بالكامل على السويد والدنمارك بوصفهما وجهاتين رئيستين، بدلًا من إضافتها إلى برامج رحلاتهم في النرويج أو أيسلندا.
وتتابع فيشر-روزنثال: "إن بنية الفخامة التي كانت محصورة بالمدن بدأت تمتد إلى الغابات والمناطق الساحلية النائية، حيث تُقدّم اليوم التجربة بحلّة راقية، تشمل التنقل بـالطائرات الخاصة والطائرات المائية، بعيدًا عن الفنادق المزدحمة".
فنادق ومطاعم خارج العاصمة.. تتصدّر المشهد
في أقصى الجنوب السويدي، وتحديدًا في قلب ريف أوسترلين المطلّ على بحر البلطيق، يتجلى فندق ومطعم "فين" Vyn بوصفه من أبرز الإضافات إلى مشهد الفخامة المعاصرة في المنطقة.
افتُتح المشروع في عام 2023 تحت إشراف الطاهي السويدي الشهير دانيال برلين، الذي كان قد نال سابقًا نجمتين من دليل ميشلان عن مطعمه السابق "برلين كروغ" Berlin Krog، والذي يُعد اليوم من الأسماء الأبرز حضورًا على خارطة الطهو الإسكندنافي.
Vyn Restaurant
يضم المشروع 15 جناحًا أنيقًا يتبنّى الأسلوب المبسّط ويستحضر في تصميمه قيم البساطة الراقية التي تشتهر بها المنطقة.
أما المطعم، فيُقدّم قائمة موسمية تعتمد على منتجات عضوية طازجة من المزارع المحلية والغابات المحيطة، ما يجعل تجربة تناول الطعام امتدادًا طبيعيًا للمكان.
وتمتد قائمة الانتظار لأكثر من ثلاثة أشهر، في مؤشر على ما يُمثّله فين" من حيث كونه وجهة لتجربة استثنائية تستقطب الذوّاقة من شتى أنحاء العالم.
يقول برلين: "الطبيعة هنا ليست مجرد خلفية، بل هي العنصر الأساسي في كل ما نقدّمه. الضيوف لا يأتون لتناول الطعام فحسب، بل للانغماس في إيقاع هادئ يتجاوز حدود الذائقة".
وقد يكون أبرز ما يُعزّز من مكانة المنطقة بوصفها وجهة فاخرة ناشئة، هو إعادة افتتاح قصر تاريخي قريب باسم "ماريهيل إيستيت" Maryhill Estate، وتحويله إلى منتجع فاخر من فئة الخمس نجوم.
وفي ظل الحراك المتنامي على الساحة الفندقية، تتداول الأوساط أخبار مشاريع جديدة يقودها طهاة مرموقون، ما يعزز من ملامح ما يُسمى اليوم "بحركة الفخامة الإسكندنافية الجديدة".
Maryhill Estate
النمط الفنلندي: الأكواخ الفاخرة في الغابات
أما فنلندا، فتعيش على وقع تحوّل نوعي في مشهد الضيافة الفاخرة، تُعيد من خلاله تعريف مفهوم العزلة النخبوية في قلب الطبيعة.
ففي غضون عامين فقط، شهدت البلاد افتتاح أكثر من اثني عشر منتجعًا وملاذًا خاصًا موزّعة بين شمالها المكسو بالثلوج وجنوبها الغني بالبحيرات والغابات، ما يتيح اختبار تجارب إقامة تُضاهي في تفرّدها أشهر وجهات العالم.
Nivunki Village
من بين تلك المشاريع يبرز منتجع "أوكتولا" Octola بوصفه عنوانًا للخصوصية المترفة، إذ يُقدّم تجربة إقامة شتوية مستوحاة من أسلوب الحياة في القطب، مع خدمات مُصممة حسب الطلب. كما تتألق قرية "نيفونكي" Nivunki Village، التي تحتفي بالعمارة الخشبية التقليدية ضمن بيئة مغمورة بالسكينة والثلوج.
Octola
في المقابل، تترقّب الأوساط السياحية افتتاح "كوتونا مانور" Kotona Manor على ضفاف بحيرة سايما، الوجهة التي تُعدّ الأكبر في البلاد، حيث يدمج المشروع بين الطابع الإقطاعي الكلاسيكي وأعلى معايير التصميم البيئي المعاصر.
ولا تكتمل ملامح هذه النهضة إلا بذكر النماذج المعمارية الطليعية التي تقدمها منشآت مثل "آركتيك باث" Arctic Bath، المقام على شكل أكواخ عائمة فوق نهر لولي في لابلاند، أو "تري هوتيل" Treehotel، حيث تتخذ كل وحدة شكلًا فنيًا مدهشًا، من أعشاش الطيور العملاقة إلى المكعبات العاكسة التي تذوب بصريًا في محيطها الطبيعي.