مع انطلاق الموسم الرابع، الحلقة الخامسة من مسلسل The Bear تحت عنوان Replicants (نسخ متماثلة)، يجد المشاهد جيريمي ألين وايت في دور كارمن "كارمي" بيرزاتو مبتعدًا عن صخب المطبخ وضوضاء الأواني.
بدلاً من التجوّل في مطعم مضطرب، يقود سيارته بهدوء نحو الغرب، خارج حدود مدينة شيكاغو، إلى ضاحية أوك بارك، حيث ينتظره منزل واستوديو فرانك لويد رايت الواقع في 951 شارع شيكاغو.
يتجوّل كارمي بين المبنيين المتصلين، والغرف المعاد ترميمها، معجبًا بتفاصيل مثل غرفة الرسم مثمنة الشكل ذات الارتفاع المزدوج، وغرفة الألعاب ذات السقف المقوس في الطابق الثاني، والنوافذ المزخرفة والأسقف الزجاجية التي صممها رايت بنفسه، إضافة إلى الكراسي ذات الظهر العالي الشهيرة في غرفة الطعام.
وتُعرض خلال المشاهد مخططات وصور تاريخية للمنزل، وصورة لعائلة رايت يعرضها أحد المرشدين على كارمي. وعلى ما هو متوقع، يتوقف الطاهي طويلاً في المطبخ أمام موقد أثري.
في السنوات الأخيرة، أصبح المعمار جزءًا أساسيًا من الأعمال التلفزيونية الراقية، إذ يعمد مصممو الإنتاج إلى إبراز منازل ذات قيمة ثقافية لتكون أكثر من مجرد خلفية للأحداث، بل لتتحول إلى شخصيات قائمة بحد ذاتها.
ظهرت العديد من أعمال فرانك لويد رايت عبر السنين في السينما والتلفزيون، من منزل Ennis House في لوس أنجليس إلى كوخ Seth Peterson بولاية ويسكونسن. لكن هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها المنزل والاستوديو الخاص به في أوك بارك يحتلان مركز الصدارة، ليؤديا دورًا يكاد يوازي دور شخصية رئيسة في القصة.
كريستين تريفينو، مديرة الاتصالات الرقمية في مؤسسة فرانك لويد رايت ومرشدة كارمي على الشاشة، تؤكد حرص فريق الإنتاج على المكان، إذ قالت لموقع Block Club Chicago: "كان واضحًا أن المشاركين لديهم سابقة بالمنزل والاستوديو. وبناءً على ذلك كنا على يقين أنهم سيُبدون الاحترام الكامل للمكان بوصفه موقعًا تاريخيًا".
الحلقة صُوّرت في صباح واحد فقط، وبفريق عمل صغير، لتوازن بين الجمال السينمائي والاحترام العميق لإرث رايت. وأضافت تريفينو: "أعتقد أن ما كان مؤثرًا بحق هو إدراك كيف يمكن لرجل واحد ورؤيته أن يُشكّل مجتمعًا كاملاً".
وُلدت مسيرة رايت المعمارية، ومعها حركة المدرسة البرارية Prairie School، عند وصوله من ولاية ويسكونسن عام 1887، عندما بدأ يتعلم على يد لويس سوليفان، صاحب المبدأ الشهير: الشكل يتبع الوظيفة، وهو المفهوم الذي ترك أثرًا عميقًا في فكر رايت ورؤيته المعمارية.
صمّم رايت وبنى المنزل الأولي في عام 1889، عندما كان في أوائل العشرينيات من عمره، في أثناء عمله تحت إشراف المعماري لويس سوليفان في شيكاغو، وقد اقترض المال من سوليفان لشراء الأرض. وخلال الأعوام العشرين التي عاشها هناك مع زوجته الأولى كاثرين توين وأطفالهما الستة، وسّع المنزل وأضاف إليه العديد من الغرف.
قدمت قرية أوك بارك شبه الريفية، حيث بنى رايت منزله، ملاذًا بعيدًا عن وتيرة الحياة السريعة في المدينة، وكان يستوطنها في الأصل عائلات رائدة من الساحل الشرقي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. في بداياتها كانت الزراعة النشاط الرئيس للقرية، لكن قربها من شيكاغو جذب بسرعة المهنيين وعائلاتهم.
Frank Lloyd Wright Trust
كان منزل أوك بارك نتاج الثقافة التي نشأ فيها رايت في القرن التاسع عشر. استلهم تصميمه من مصادر عديدة سادت أواخر القرن التاسع عشر، كما أدت حركة الفنون والحرف الإنجليزية، التي روجت للحرفية والبساطة والنزاهة في الفن والعمارة والتصميم، دورًا مؤثرًا في مبادئه.
إضافة إلى ذلك، أثرت حركة الفن المنزلي، وهي حركة خاصة بتزيين منازل الطبقة المتوسطة، على ديكورات رايت الداخلية المبكرة. وقد مزج رايت هذه المصادر كلها مع الدروس والممارسات التي تعلمها تحت إشراف مرشديه جوزيف لايمان سيلزبي ولويس سوليفان.
لواجهة المنزل، تبنى رايت الأسلوب الخشبي المائل Shingle style الرائج في منازل العطلات لعائلات الساحل الشرقي الثرية، وكان هذا الأسلوب مفضلاً من قبل صاحب عمله السابق سيلزبي. ويظهر تأثير سوليفان في تبسيط وتجريد المبنى ومخططه. كما تتميز واجهته بأشكال هندسية جريئة، مثل الجملون المثلث الكبير على قاعدة مستطيلة، وزوايا النوافذ متعددة الأضلاع، والجدار الدائري للشرفة الواسعة.
وفي عام 1895، أضاف رايت غرفة للألعاب، وهي مصممة بمقياس يناسب الأطفال لكن بأبعاد معمارية عظيمة، وتعكس إيمانه بأن "بيئة الطفل يجب أن تكون جميلة قدر الإمكان". وقد ضمت الغرفة تفاصيل معمارية تعززت في مشاريع لاحقة له.
سقف الغرفة العالي المقوس يستند على جدران من الطوب الروماني، ويوفر ضوءًا طبيعيًا من خلال نافذة سقفية محمية بشبكات خشبية مزينة بأزهار وبذور منمقة، وأضواء معلقة من البلوط والزجاج، أضيفت بعد رحلة رايت إلى اليابان عام 1905، لتنشر توهجًا دافئًا في الغرفة. وعلى جانبي الغرفة، تمتد نوافذ زجاجية رصاصية تثريها مقاعد مدمجة تطل على أشجار عالية تحيط بالمنزل، ما يضع الأطفال في قلب الطبيعة.
فوق المدفأة المصنوعة من الطوب الروماني، رُسمت جدارية تحكي قصة "الصياد والجني" من عالم ألف ليلة وليلة، صممها رايت ونفذها زميله الفنان تشارلز كوروين، وهي تجمع بين الزخارف الشرقية والأشكال الهندسية المسطحة.
في عام 1898، بنى رايت جناح الاستوديو الجديد بتمويل من شركة Luxfer Prism، وكان الاستوديو مواجهًا لشارع شيكاغو ومتصلاً بالمنزل عبر ممر. وقد تدثرت واجهة الاستوديو بالخشب والطوب، وتمايزت بمظهر أفقي طويل يميز المباني، فيما أضافت الزخارف والتماثيل طابعًا فنيًا يثير إعجاب الزوار والزبائن.
بعد رحيل رايت، قُسم المنزل إلى شقق سكنية، قبل أن يُرمم من قبل مؤسسة فرانك لويد رايت بدقة متناهية عام 1974، ليصبح اليوم من المنازل التاريخية الأكثر استقطايًا للزوّار في شيكاغو.
Frank Lloyd Wright Trust
بحلول عام 1909، أنجز رايت أكثر من ثلث أعماله، معظمها في شيكاغو وضواحيها. واليوم، تحتضن أوك بارك أكبر مجموعة من المباني في العالم التي صممها رايت.
خلال فترة إقامة رايت في منزله بأوك بارك، صمم العديد من المنازل في شيكاغو وأوك بارك، من بينها منزلان ظهرا في The Bear. فبعد زيارته لمنزل رايت، يتجه كارمي إلى أسفل الشارع ليلقي نظرة على منزل Heurtley House، الذي شُيّد عام 1902، ويُعد نموذجًا بارزًا لأسلوب رايت الأفقي المعروف باسم أسلوب البراري، بجدرانه الأفقية المنخفضة، وسقفه الهرمي البارز مع نوافذ الزجاج ذي الطابع الفني.
رايت قلب المخطط التقليدي رأسًا على عقب، فوضع غرف المعيشة والطعام في الطابق العلوي لتعظيم الضوء والإطلالات، من دون قبو أو علّية. هنا عاشت شقيقته جين بورتر من عام 1920 حتى عام 1946، وقد خضع المنزل عام 1997 لترميم بمستوى نألفه عادة في المتاحف.
كما يتوقف كارمي أمام منزل شُيّد عام 1895 لصالح المحامي ناثان مور، على طراز تيودور بسطحه شديد الانحدار والطوابق العلوية المزيّنة بالخشب المكشوف. شكل هذا التصميم خروجًا نادرًا عن أسلوب رايت، الذي كان يتجنب عادةً التقليد التاريخي والزخارف المستوحاة من الماضي.
في عام 1922، دُمرت الطوابق العلوية للمنزل بسبب حريق، لكن رايت عاد بتصميم جريء أعاد فيه ابتكار المبنى، جامعًا بين عناصر قوطية وأخرى مايانية في واحد من أبرز أعماله غير التقليدية. تميّز إصدار عام 1923 عن مشاريعه التي تتبع أسلوب البراري، ليُظهر مرونة رايت في تلبية طلبات الزبائن مع الاستمرار في دفع حدود العمارة إلى آفاق جديدة.