عندما افتتح معرض نوماد NOMAD أخيرا نسخته الافتتاحية في الشرق الأوسط داخل المبنى رقم 1 المتوقف عن العمل في مطار زايد الدولي، لم يكن الحدث معرضا للتصميم فحسب، بل لحظة تحوّل ثقافي.
في أبوظبي، شكّل هذا المبنى التاريخي، الذي يُعد تحفة حداثية خليجية الطابع بتوقيع المهندس بول أندرو، واحة بديعة لاستعراض التصاميم القابلة للجمع، والأعمال الفنية المعاصرة، والجواهر، والحِرف، وفضاءً لحوارات إبداعية من الطراز العالمي.
على مر الفترة الممتدة من 19 إلى 22 نوفمبر، أعاد معرض نوماد أبوظبي إحياء الممرات المقوّسة، والردهات الدائرية، والعمود المركزي المكسو بالفسيفساء المتلألئة، ليتحوّل بذلك أحد الصروح العامة الأكثر رمزية في دولة الإمارات إلى وجهة ثقافية مؤقتة. وانسجامًا مع فلسفة نوماد منذ تأسيسها، استثنى المعرض نموذج الأجنحة البيضاء التقليدية في ساحات المعارض، وشكّلت هندسة المبنى إطارًا لكل عمل تركيبي فني، ما يؤكد التزام المعرض الدائم بالجمال المخصوص بالموقع.
Nikita Berezhnoy
أقيم معرض نوماد أبوظبي داخل المبنى رقم 1 المتوقّف عن العمل في مطار زايد الدولي.
أبوظبي.. أفقٌ ثقافي عالمي
قلّما تختبر مدينة تطورًا متسارعًا وواثقًا على ما تشهد أبوظبي اليوم. فمنطقة السعديات الثقافية، التي تحتضن اللوفر أبوظبي والمتاحف المرتقبة مثل متحف زايد الوطني ومتحف غوغنهايم، تعيد صياغة مفهوم العاصمة الفنية العالمية. وتماشيًا مع تقاليد الرعاية الثقافية العميقة في الإمارات، تُوفّر المدينة أرضًا خصبة لما يمثله معرض نوماد على مستوى تلاقي التراث والحداثة والتبادل الثقافي الدولي في سياق واحد.
يقول نيكولا بيلافانس - لوكونت، الشريك المؤسس للمعرض: "إننا نقدّم معيارًا جديدًا كليًا للمنطقة، وهذا هو الوقت المناسب لنكون هنا، ويمكنني توقّع أن تصبح أبوظبي، خلال عامين أو ثلاثة أعوام، واحدة من أبرز وجهات التصميم القابل للجمع في العالم". وربما يكفي شاهدًا على ذلك أن معرض نوماد أبوظبي جمع في نسخته الافتتاحية نخبة من الصالات الفنية، وكثير منها يوثّق من خلال هذا الحدث مشاركته الأولى في منطقة الشرق الأوسط.
Tinko Czetwertynski
منحوتة ضخمة تصوّر سجادة على شكل طائرة بتوقيع علي شعبان.
DEPARTURES .. منصة فنية غامرة
حوّل نوماد أبوظبي إحدى قاعات المطار المألوفة إلى منصة فنية غامرة عبر معرض Departures (المغادرين) الذي أُنجز بالتعاون مع الاتحاد للطيران. وقد استكشف المعرض، الذي ضم إبداعات ثلاثة عشر فنانًا ومصممًا دوليًا، مفاهيم الحركة والهوية والعبور، معيدًا تخيّل المطار بوصفه "عالمًا داخل عوالم". وتمايز ضمن هذه التصاميم عمل لموراكامي بعنوان Thousand Layers of Stomach تحوّلت فيه الرموز التوليدية المستخرجة من أصداف المحار إلى نسيج متدفق، ومنحوتات ضخمة للبساط الطائر ترجم من خلالها الفنان علي شعبان الأشكال الصناعية إلى أعمال مرحة ومحفّزة للتفكير.
وبعد تجاوز نقطة الأمن، قدّم مشروع A Nomadic Library (مكتبة رحّالة)، الذي انبثق عن التعاون بين ميرا هاوا بروجيكتس واستوديو إتيان باتسورماجي ودونغولا ليميتيد إديشنز، هياكل من الألمنيوم قابلة للحركة والتمدد، تعكس الذاكرة والتاريخ والهوية الثقافية. أما الفنان الأذربيجاني أورخان محمدوف، فشارك بعمل تركيبي قائم على الذكاء الاصطناعي ويستلهم وجهات الاتحاد لعام 2026. ومن الأقمشة المنحوتة إلى التركيبات الضخمة والأعمال المدفوعة بالذكاء الاصطناعي، حوّل معرض Departures تجربة السفر إلى مساحة للفن والسرد والتبادل الثقافي. هنا قدمت مؤسسة إرثي للحرف المعاصرة مجموعة "تلاد" تحت رعاية سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، وتعاونت مع الفنان والمصمم المكسيكي ريكاردو ريندون لابتكار أعمال تعزّز السرديات المرتبطة بالحِرف في المنطقة. دمج ريندون في أعماله مناظر المكسيك الخلابة مع تقنيات إماراتية تقليدية مثل تطريز التلي ونسج السعف (السفيفة)، مستخدمًا الخشب الصنوبري والحجر البركاني لصياغة حوار شاعري بين تقاليد ثقافية متمايزة.
Nikita Berezhnoy
في مجموعة "تلاد" من مؤسسة إرثي، تلاق بديع بين مناظر المكسيك الخلابة والحرف الإماراتية التقليدية.
من ميلانو ولندن وباريس إلى دبي وتونس
قدّمت صالة نيلوفار Nilufar الشهيرة في ميلانو، والتي تأسست عام 1979 على يد نينا ياشار، أحد العروض الأعلى تميزًا في المعرض. فبوصفها علامة تشتهر بربطها بين روائع الماضي وتجارب الحاضر، كشفت الصالة عن تصميم مبتكر على هيئة «شريحة» تثريها ستائر نيلوفار المميزة. وقد مهّد ممر مضاء بتراكيب الإضاءة التي تحمل توقيع كريستيان بيليتزاري الأجواء العامة للعرض، لينفتح على مزيج من أعمال البرونز والرخام والنحاس. بموازاة ذلك، تولّت قطع تاريخية من تصميم جيو بونتي توثيق هوية العرض، إذ وُضعت في حوار بصري مع أعمال جديدة لكل من أوسانا فيسكونتي، واستوديو دانيال كاي، وإيتيريو وبيليتزاري. وقد أسفر هذا التلاقي عن عرض موجز لكن بالغ القوة، يبرهن مجددًا على قدرة نيلوفار الدائمة على وصل الأزمنة بأسلوب جليّ وأنيق.
Stéphane Aboudaram
مهّد ممر مضاء بتراكيب الإضاءة التي تحمل توقيع كريستيان بيليتزاري الأجواء العامة للعرض الذي يحمل توقيع صالة نيلوفار.
أما العرض الأكثر طموحًا من حيث العمل على المواد، فحمل توقيع غاليري فومي Gallery FUMI اللندنية، التي كشفت عن إبداعات جديدة بتوقيع جيريمي أندرسون، وكوستا ساكسي، وسام أورلاندو ملير، وفوكيناس بتريديس، وجيس شليزينغر. في بادرة وفاء لنهج الصالة التي أسسها سام برات وفاليريو كابو، جمع العرض بين الحِرف التقليدية والتجريب المستقبلي، إذ دُفعت المواد، مثل السيراميك والمنسوجات والزجاج العاكس والبرونز، إلى حدودها التعبيرية القصوى، على ما بيّنت أقمشة ساكسي المحبوكة والثريا الجديدة من أندرسون.
Nikita Berezhnoy
جمع عرض Gallery FUMI بين الحِرف التقليدية والتجريب المستقبلي من خلال تصاميم دفعت بالمواد إلى حدودها التعبيرية القصوى.
وفي نوماد أبوظبي أيضًا، قدمت غاليري بي إس إل Galerie BSL الباريسية عرضها المنسق الذي يحتفي بالتقاطع بين الفن والتصميم وابتكار المواد في أعمال جمعت بين النحت والتجربة الحسية وتصدرها عمل بعنوان Gandhara Carapace هو ثمرة تعاون المصممة اللبنانية ندى دبس مع استوديو ليل Studio Lél الباكستاني، وإبداعات مستوحاة من الطبيعة بتوقيع المصممة بيا ماريا رايدر المقيمة في ميونيخ.
Nikita Berezhnoy
استعرضت صالة The AP Room تصاميم للفنان الإيراني روهام شامخ تكوّنت من مقاعد ومصاطب مصبوبة في أشكال عضوية تشبه الجذور.
وفيما ركّز عرض صالة The AP Room من دبي على أعمال الفنان الإيراني المقيم في دبي روهام شامخ الذي جسدت مجموعته The Roots (المكوّنة من مقاعد ومصاطب مصبوبة في أشكال عضوية تشبه الجذور) تأملات في التجربة الإنسانية، أبرزت مجموعة باردو Bardo Collections الحِرف التونسية عبر مجموعات من السيراميك والليتوغرافيا والتصوير والجواهر والأثاث اجتمعت في عرض بعنوان Jardin Précieux (حديقة نفيسة). بموازاة ذلك، سلط المعرض الضوء على مواهب محلية مثل أيمن مباركي الذي استلهم في طاولاته الجانبية المصنوعة من الطين المحروق ورسوماته الأنيقة الإرث المتوسطي.
Nikita Berezhnoy
أبرزت Bardo Collections الحِرف التونسية عبر مجموعات من السيراميك والليتوغرافيا والتصوير والجواهر والأثاث.
وجهات بتوقيع بوتيغا فينيتا
Oculis Project
في معرض Destinations من بوتيغا فينيتا، أعاد ثمانية مصممين تفسير تقنية إنتريشياتو من منظوره الخاص.
أبرزت بوتيغا فينيتا، بوصفها شريكًا رسميًا، حضورها الإيطالي الأنيق في نوماد أبوظبي من خلال معرض Destinations (وجهات) الذي مثّل رحلة عبر الأمكنة والتقاليد والمقاربات وضم أعمال ثمانية مصممين من شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وفيما تولت رنا بيروتي تنسيق المعرض احتفاءً بالذكرى الخمسين لتقنية إنتريشياتو لنسج الشرائط الجلدية Intrecciato، أعاد كل فنان تفسير هذه الحرفة من منظوره الخاص باستخدام مواد محلية وتقنيات متوارثة. وكان من أبرز المعروضات العمل التركيبي الهندسي الأخضر لعبدالله الملا والمستوحى من تقاليد النسج الإماراتية، وعمل مضيء باسم Totem صاغه نضر جمّاس من صفائح خزفية مقطوعة يدويًا.







