قد يبدو اليخت المجهز بمصدر لطاقة غير محدودة، والذي لا يصدر أي ضجيج ولا يتسبب في أي انبعاثات كربونية، أشبه بمركبة من رواية لجول فيرن. لكن التقنية الأقرب إلى عالم الخيال العالمي والمرتكزة إلى خلايا وقود الهيدروجين توشك أن تتحوّل إلى حقيقة في قطاع اليخوت.

في قطاع يتبنّى التقنيات الحديثة بوتيرة بطيئة جدًا، يعكس استخدام هذا المصدر التجريبي للطاقة على متن يخت فاره تبلغ كلفته عشرات ملايين من الدولارات، خطوة جريئة وجسورة من الناحية المالية. لكن أربعة أحواض للسفن بدأت بتجهيز مجموعة من اليخوت الجديدة بخلايا وقود الهيدروجين.

من المتوقع أن يجد اليخت الأول طريقه إلى الماء في عام 2024. وإذا ما نجح هذا المسعى، فإن هذا الطراز من اليخوت قد يحل يومًا محل القوارب الشراعية التي تعمل بالطاقة الشمسية وبمحركات الكهرباء والديزل، والتي جسدت الخطوة الأولى على طريق تحقيق الاستدامة في العالم البحري.

يقول مايكل بريمن، مدير المبيعات في شركة لارسن لليخوت Lürssen Yachts: "لا بد أن تبادر شركة ما إلى الانطلاق في هذا المسعى"، مشيرًا في ذلك إلى يخت فاره قيد البناء في مقر الشركة بألمانيا. لم تكشف لارسن، التي بنت العديد من اليخوت الفارهة الأضخم والأشد تعقيدًا في العالم، حتى عن طول اليخت المرتقب الذي لا يحمل اسمًا إلى الآن. لكن بريمن يثني على المالك، الذي فضل أيضًا عدم ذكر اسمه، بوصفه رجلًا يتطلع إلى المستقبل بحماس، فيقول: "إنه يتصرف بذكاء. فهو لم يقدم على هذا المشروع إلا بعد دراسة مختلف جوانبه".

يفرض استخدام الهيدروجين تحديات كبيرة: فتخزين هذا العنصر شديد الاشتعال فقط بشكليه السائل والغازي يقتضي توافر خزانات ضخمة تُبتكر خصوصًا لهذه الغاية وتشغل مساحة كبيرة وثمينة على متن اليخت.

كما أن محطات التزود بوقود الهيدروجين عند السواحل معدومة في مواقع كثيرة. لتجاوز هذه العقبات، تستخدم لارسن الميثانول – الذي يمكن حفظه في خزانات تقليدية وتحويله إلى هيدروجين – مصدرًا رئيسًا للوقود. يُذكر أن هذه العملية تنتج نسبة أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بحرق الديزل، وبالإمكان تحويل بعض أشكال الميثانول إلى هيدروجين من دون التسبب في أي انبعاثات ضارة.

ما إن تحوّل خلية الوقود الهيدروجين إلى طاقة كهربائية، حتى يصبح بالإمكان استخدامها أو تخزينها في مجموعات من بطاريات أيونات الليثيوم.

تغذي هذه الطاقة النظيفة المحركات الكهربائية، فيما تستمر الخلية في توليد الكهرباء. ستواصل خلية الوقود عملها طالما أنها تتغذى بالهيدروجين.

شرعت علامة لارسن، بالتعاون مع مجموعة فرويدنبيرغ Freudenberg Group، بالعمل على خلية الوقود الخاصة بها منذ عام 2019، ومن المقرر البدء بمرحلة الاختبارات النهائية على هذا الابتكار في هذا الربيع. أما المنفعة الأخرى التي ينطوي عليها هذا النظام، فتكمن في كون الخلية "تخلو من أي أجزاء متحركة، ما يعني أنها لا تصدر أي ضجيج أو اهتزازات" على ما يقول بريمن.

لن توفر خلية الوقود الطاقة لنظام الدفع الرئيس على متن اليخت. لكنها ستتيح تشغيل الأنظمة الكهربائية على متن اليخت، وأنظمة التدفئة والتبريد في سكون تام طيلة 15 يومًا، أو ستسمح للقارب بالإبحار ببطء ودون التسبب في أي انبعاثات لمسافة ألف ميل. يُجسد كلا الخيارين إنجازًا ثوريًا مهمًا، إذ إنهما يتيحان لليخت البقاء بعيدًا عن الموانئ لأسابيع أو الإبحار عبر المياه في المواقع الحرجة بيئيًا والتي لا يُسمح إلا لليخوت الكهربائية بالمرور عبرها.

بموازاة ذلك، تعمل شركة بالييتو Baglietto الإيطالية على بناء نموذج اختباري من خلية وقود تقول إنها ستعرضه في حوض السفن التابع لها أواخر هذا العام. يمكن استخدام هذا النظام، الذي سيجري تسليمه للزبائن بنهاية عام 2024 أو بداية عام 2025، على متن يخوت بطول 171 قدمًا أو أكثر. وفيما تخطط سان لورينزو لإطلاق نظامها الخاص في الفترة نفسها تقريبًا، تعمل فيدشيب أيضًا على نظام لخلايا الوقود، لكنها لا تقدّم أي معلومات عن موعد إطلاقه.

يجمع نظام بالييتو الهيدروجين مباشرة من مياه البحر، كما يمكن ملء الخزانات المخصصة له بالهيدروجين المتاح تجاريًا. وعلى ما هو عليه الحال في نظام لارسن، فإن خلية الوقود من بالييتو ستستخدم لتشغيل الأنظمة الكهربائية كلها على متن اليخت بموازاة السماح له بالإبحار ببطء ودون ضجة بسرعة 6 إلى 9 عقد بحرية. يقول أليساندرو بالزي، مدير قسم الطاقة في بالييتو: "يتمثل أحد أهم أهدافنا بتعزيز مدى الإبحار الذي يمكن تحقيقه باستخدام مصدر للطاقة لا يتسبب في انبعاثات ضارة. فهذا من شأنه أن يسمح لأي يخت ببلوغ المواقع المحظورة على أنظمة الدفع التي تعتمد على الديزل".

صحيح أن هذه الأنظمة تجسد خطوة تغييرية مهمة في مجال التقنيات المستدامة، إلا أن أحدًا لا يتوقع إطلاق يخت لا يصدر حقيقة أي انبعاثات كربونية قبل عقد من الآن على الأقل. يقول فينتشينزو بويريو، الرئيس التنفيذي لشركة تانكوا، أحد أوائل الصناع في قطاع اليخوت الذين تبنّوا خيار المحركات الهجينة التي تجمع بين الطاقة الكهربائية ووقود الديزل: "إن الطاقة النظيفة لم تصبح متاحة بعد للمحركات الرئيسة".

بالرغم من أن خلايا وقود الهيدروجين ستشكل عنصرًا بالغ الأهمية، إلا أنها لا تمثل الحل الشامل، على الأقل في الوقت الراهن. يقول بويريو: "سنشهد تضافر أنظمة مختلفة لتلبية حاجتنا إلى الطاقة النظيفة، وقد يشمل ذلك حتى الطاقة المنبعثة من الانصهار النووي. ينشد المالكون اليوم تصاميم ليخوت تتيح استبدال هذه الأنظمة إذ تتواصل مساعي تطويرها خلال السنوات العشر المقبلة".