فيما تتنافس الجزر السياحية في إندونيسيا على اجتذاب الزوّار عبر حفلات صاخبة وأسواق مزدحمة، تظل جزيرة سومبا بعيدة عن هذه الصيحات، محافظةً على خصوصيتها وجهةً خفية لعشّاق الفخامة الهادئة. 

في زمن أصبحت فيه الرحلات مغامرات استعراضية أكثر من كونها تجارب حقيقية، تبرز سومبا بوصفها وجهة نادرة تقدّم مفهومًا مختلفًا للفخامة، لا يعتمد على الأضواء واللافتات، بل يهمس بهدوء في أذن كل زائر يبحث عن الصفاء. وهكذا، تفتح سومبا أبوابها بهدوء، لتقودنا خطوة بخطوة في رحلة تتجاوز التوقعات.

كاب كاروسو: حين تنمو الفخامة من قلب الطبيعة

وسط تلال متموجة تتدرج نحو رمال شاطئ كاروسو، يتربّع فندق كاب كاروسو Cap Karoso، الذي افتُتح عام 2023 على ساحل كودي الجنوبي الغربي، بوصفه وجهة صُمّمت لتعيد تعريف العلاقة بين الفخامة والطبيعة. 

على امتداد ثلاثة أفدنة من الأرض الخضراء، يحتضن المكان 20 فيلا مستقلة و44 جناحًا أنيقًا، موزعة بطريقة تضمن للضيوف خصوصية قصوى، وكأنك تملك المكان بأكمله.

جزيرة سومبا: الوجهة السرية للفخامة الهادئة في قلب إندونيسيا

SUMBA

يقف وراء هذا المشروع الثنائي الفرنسي إفغينيا وفابريس إيفارا، اللذان استلهما مفهوم "الرفاه المستدام" من خلفية طويلة في إدارة العلامات الفاخرة والتقنيات الإبداعية. 

فجاءت النتيجة معمارية متقشفة بذكاء: مبانٍ هندسية بزوايا ناعمة، وواجهات زجاجية تطل على البحر أو التلال، وأسطح مزروعة بالنباتات المحلية تحاكي الغطاء النباتي المحيط، وممرات تفوح منها رائحة عشب الليمون والزنجبيل البري. كل شيء محسوب بدقة ليخدم الإحساس بالسكينة.

قبل حتى أن تخطو إلى ردهة الاستقبال، تستقبلك مزرعة عضوية صغيرة تُجسّد فلسفة "الرفاه الواعي". الخضراوات والأعشاب التي تراها هنا تجد طريقها مباشرة إلى أطباق المطعم، في دورة حياة مُغلقة تربطك بالطبيعة بشكل ملموس.

جزيرة سومبا: الوجهة السرية للفخامة الهادئة في قلب إندونيسيا

SUMBA

ومع اقتراب المساء، يتحوّل الفندق إلى لوحة هادئة تنبض بالضوء الخافت وأصوات الأمواج في الخلفية؛ لكن اللحظة الحقيقية التي تُتوَّج بها التجربة تأتي مع العشاء في مطعم "جولانغ" Julang، حين يُصبح العشاء طقسًا مسرحيًا راقيًا، تدور أحداثه على طاولة واحدة طويلة يتقاسمها عدد محدود من الضيوف، ويقودها الطاهي من مطبخ مفتوح، أشبه بمنصة مسرحية تُعرض فيها الوصفات أمامك مباشرة، بكل مراحلها.

يستضيف المطعم طهاة زائرين من أبرز العواصم العالمية، يأتون ليعيدوا ابتكار المكوّنات المحلية بأساليب معاصرة، تجمع بين المهارة العالمية وروح جزيرة سومبا. خلال هذه الإقامة، يتولّى الطاهي البريطاني روبي نوبل، المقيم في ملبورن، تقديم قائمة مصغّرة تدمج بين التقنية الفرنسية والنكهات البوتسوانية والنباتات الأصلية في سومبا. 

وفي هذا الفندق، لا تُقدَّم الخدمة بوصفها واجبًا، بل فعلاً نابعًا من القلب. كل ابتسامة تحمل ودًّا حقيقيًّا، وكل لقاء يتحوّل إلى مساحة من الحوار الصادق. يشعر الزائر كأنه من أهل المكان، وليس غريبًا ولا عابرًا.

جزيرة سومبا: الوجهة السرية للفخامة الهادئة في قلب إندونيسيا

SUMBA

الوجه الآخر للفخامة: منتجع NIHI Sumba

وعلى بعد مسافة ليست بعيدة من "كاب روسو"، يلوح اسم "نيهي سومبا" NIHI Sumba بوصفه رمزًا للفخامة الجامحة. يحتل هذا المنتجع، الذي حقّق شهرة عالمية وتصدّر قوائم "أفضل منتجع في العالم" أكثر من مرة، مساحة شاسعة تُقدّر بخمسمائة وسبعة وستين فدانًا من الغابات والسهول، ويضم 27 فيلا، كل واحدة منها مصممة لتمنح الضيف عزلة تامة وشعورًا بأنه في جزيرة خاصة.

تتميّز الفيلات بأسقف القش التقليدية والأخشاب المحلية..

لكنها في الوقت نفسه تنضح برفاهية متخفّية، تمتزج فيها التفاصيل الحرفية اليدوية مع تصاميم معاصرة تُبرز جمال الطبيعة المحيطة. كل فيلا مزودة بمسبح خاص يطلّ على المحيط، وتنساب المياه فيه بهدوء يعكس فلسفة "الترف الصامت" التي يشتهر بها المنتجع.

جزيرة سومبا: الوجهة السرية للفخامة الهادئة في قلب إندونيسيا

SUMBA

أحد أبرز التجارب الفريدة هنا هي العلاج بالخيول Horse Whispering الذي يرتكز إلى طقوس روحية وعلاجية في الوقت نفسه، تعتمد على التفاعل مع الخيول في مزارع مفتوحة وسط الطبيعة، لخلق حالة من التوازن العاطفي والنفسي. هذه التجربة أصبحت رمزًا للمنتجع، إذ تُصنّف كواحدة من الجلسات العلاجية الأشد غرابة وإلهامًا في عالم السفر الفاخر.

أما شاطئ المنتجع، الذي يُعرف باسم Occy's Left, فهو يُعد من بين أفضل مواقع ركوب الأمواج في العالم، وتستقطب مياهه الزرقاء العميقة أمهر راكبي الأمواج من مختلف القارات، بحثًا عن موجة مثالية.

في المساء، تتحوّل مناطق تناول الطعام في المنتجع إلى مسارح حسية، تمتد فيها موائد خشبية طويلة تحت السماء المفتوحة، تُضاء بالفوانيس البسيطة وتفوح منها رائحة جوز الهند المشوي وأعشاب الجزيرة البرية.

الأهم من ذلك هو أن المنتجع يضع المجتمع المحلي في قلب عملياته، إذ يشارك في مبادرات بيئية واجتماعية تهدف لحماية البيئة البحرية وتعليم الأطفال، ما يعزز شعور الزائر بأنه جزء من رسالة أكبر، وليس مجرد نزيل في مكان فاخر.

جزيرة سومبا: الوجهة السرية للفخامة الهادئة في قلب إندونيسيا

SUMBA

المغامرات: عبور صامت نحو أعماق سومبا

ومثلما يجسّد "كاب كاروسو" و"نيهي سومبا" الفخامة المتناغمة مع الطبيعة، تنسج جزيرة سومبا قصص مغامراتها بأسلوب فريد. فرغم هدوئها الظاهر، تحمل سومبا روح المغامرة في تفاصيلها. 

ركوب الأمواج في شواطئها لا يُشبه ما هو عليه في أي مكان آخر، إذ تبدأ الرحلة بخطوة رمزية عبر طرق ترابية تمر وسط قرى قائمة على أعمدة خشبية، ترتفع فيها البيوت القشّية في تصاميم تقليدية مرتبطة بعقيدة "مارابو" التي تؤمن بأن أرواح الأجداد تسكن في أعالي الأسقف وتحمي أهل القرية. 

جزيرة سومبا: الوجهة السرية للفخامة الهادئة في قلب إندونيسيا

SUMBA

ثم، في لحظة هادئة، تكشف الغابة عن بحيرة معزولة، ومنصّة خشبية تطلّ على مياه صافية تعكس السماء كمرآة. لا سياج، لا حشود، إنها الطبيعة في أبسط وأجمل حالاتها فحسب. تلك القفزة الأولى من المنصّة ليست مجرد سباحة، بل تجربة وجودية، كأنك تترك وراءك ضجيج العالم بأسره.

جزيرة سومبا: الوجهة السرية للفخامة الهادئة في قلب إندونيسيا

SUMBA

أما تجربة الغوص، فهي احتفال ملون بالحياة البحرية. فريق المنتجع يأخذك في قارب صغير إلى الشعاب المرجانية الغنية بالألوان، تتحرك فيها الأسماك الاستوائية في لوحات حيّة. الأطفال يطاردون أسماك الببغاء، فيما المرشدون ينقضّون على سمك النهاش الأحمر الذي يُطهى لاحقًا لوجبة مسائية فاخرة، مطعّمة بالأعشاب المحلية وزيت جوز الهند.

وفي عصر بدأت فيه الشعاب المرجانية تفقد ألوانها بسبب التغير المناخي، تظل أعماق سومبا أثرًا نادرًا نجح في الإفلات من هذه الكارثة. فهي لا تزال تحتفظ بألوان زرقاء وخضراء وأرجوانية آسرة، وكأنها لوحة تحت الماء لا يمسّها الزمن.