بوصفي شخصًا يوشك أن يحقق حلمًا ظل يمضي في أثره على مدى 16 عاما، لا بد لي من القول إن حماستي تتجلى في هيئة إحساس متجدد بالمسؤولية. يومًا بعد يوم، يقترب موعد إطلاق علامتي الخاصة للساعات أ. هودج أتولييه A. Hodge Atelier فيما يكمل شريكي في التصنيع المراحل الأخيرة من عملية البحث والتطوير. ومن المقرر طرح الساعة الرئيسة التي تمثل طرازًا من الساعات القافزة يتميّز ببنية غير تقليدية لآلية الحركة، في وقت لاحق هذا العام.

منذ أن رسمت مخطط ساعتي الأولى، بت أفكر في هذه اللحظة كل يوم. لا أخفي أن المهام التي تستهلك حاليا معظم وقتي تتعلق بوضع اللمسات الأخيرة على تصميمات علبة حفظ الساعة، وتنسيق استراتيجية التوزيع، وتشكيل فريق مبيعات، وما إلى ذلك من المهام التقليدية التي ينطوي عليها إطلاق شركة جديدة. لكن لا يسعني بالرغم من ذلك إلا التأمل في بدايات رحلتي في عالم صناعة الساعات الفاخرة والطريقة التي انطلقت بها هذه الرحلة.

كثيرون ممن يعرفونني يعلمون أن حبي لتصميم الساعات وُلد من شغفي بتصميم السيارات ورسم المخططات المعمارية عندما كان عمري 19 عامًا. كنت وقتها أعيش في لوس أنجليس ولم تكن الموارد التعليمية المحلية الخاصة بصناعة الساعات في متناول يدي، لذلك رحت ألتهم كل ما استطعت جمعه من معارف عن هذه الحرفة وحدي.

درست تاريخ العلامات التجارية وخرائطها الجينية، واشتريت كل كتاب متاح، مثل كتاب "صناعة الساعات" Watchmaking لجورج دانيلز وكتاب "رسالة في فن صناعة الساعات الحديث" Treatise on Modern Horology لكلوديوس سونييه. بل إنني اقتنيت كتبًا لم يكن باستطاعتي قراءتها آنذاك لأنها مكتوبة بالفرنسية، على غرار كتاب "دراسة في بناء الساعات الفاخرة" Traité de Construction Horlogère. لذا بدأت تعلم اللغة الفرنسية ذاتيًا لأزيد معرفتي بهذا المجال.

خضعت لتدريب مهني مع صديق مقرب يعمل تقنيًا في دار فاشرون كونستانتين علمني كيف أقارب صيانة الساعات. بدأت الدروس بشحذ معداتي وتجهيزها. فقد تعلمت أن جودة العمل تتوقف بشكل كبير على جودة المعدات والحفاظ عليها، على ما هو عليه الحال مع أي حرفة يدوية أخرى. قضيت بعض الوقت عاملاً في مصنع للجواهر حيث استخدمت آلات التصنيع بمساعدة الحاسوب CNC للتمرّس على تشكيل أجزاء الساعة (الميناء، والصفائح، والجسور، وغيرها).

اقتنيت المخارط ومعدات الزخرفة وكل ما احتجت إليه من أدوات. بل إني اشتريت أيضًا ساعات المعصم وساعات الجيب (على غرار ساعتي القديمة من طراز Pallweber للساعات القافزة) بما يتيح لي أن أكتشف بنفسي الفروقات بينها من حيث التقنية والتطبيق والتشطيب، ما دام لم يُتح لي التردد على مصانع الساعات. كنت أحضر أيضًا اللقاءات التي ينظمها جامعو الساعات في مختلف أنحاء العالم، وذلك لكي أفهم الجامع المولع بالساعات واحتياجاته. في غضون ذلك، كنت أحاول أن أجد موطئ قدم لي في هذا المجال، إذ كنت أبتكر تصميمات وأعرضها على العلامات التجارية، ولكنها كانت تقابل في غالب الأحيان بالرفض.

كنت أبحث عن الدروس أينما كانت متاحة، الأمر الذي سمح لي بالتعرّف إلى جمعية نيويورك لصناعة الساعات الفاخرة Horological Society of New York (HSNY). يقدم أعضاء الفريق الرائع في هذه الجمعية محاضرات عدة ويعطون دروسًا حول تقنيات تفكيك آليات حركة الساعات وإعادة جمعها. شكلت الخبرة التي اكتسبتها داخل هذه الجمعية عنصرًا بالغ الأهمية في مسيرتي.

لم تقتصر قيمة تلك المحاضرات على إثراء معارفي، إذ إنها أتاحت لي بناء العديد من الصداقات واكتساب الشجاعة لمواصلة مساعيّ لاحتراف صناعة الساعات. كان في مقدمة أولئك الأصدقاء الذين قدموا لي التشجيع نيكولاس مانوسوس، المدير التنفيذي للجمعية. خضت معه محادثات مطوّلة أكثر من مرة فيما كنت أواصل التصميم والابتكار على مرّ السنوات، وكان دومًا داعمًا حتى لبعض مفاهيمي التصميمية الأكثر خروجًا عن المألوف. بل إن تفهمه للغاية التي أسعى إلى تحقيقها من خلال عملي كان أثمن من الدعم الذي قدمه لي لتأسيس شركتي.

أهدف، مع كل مسعى من مساعيّ المِهنية، إلى أن أخلّف ورائي مسارات مفتوحة من الفرص التي لم تتوافر لي ليستفيد منها الجيل الذي يخلفني. إن ما دفعني دفعًا إلى صناعة الساعات كان شغفي بتمثيل التألق الحقيقي لثقافتي من خلال الفن والعلم والتصميم، فضلاً عن مساعدة أمثالي على إدراك أننا جميعًا ننتمي إلى فضاءات غالبًا ما تُقصينا أو تتجاهلنا.

لذا، عندما عرض مانوسوس فكرة استحداث منحتي بنجامين بانيكر وأوسكار والدان، وإضافتهما إلى قائمة الجمعية الحالية التي تضم عددًا من فرص المعونة المالية، لم أفاجأ.

استُحدثت كلتا المنحتين لتعزيز فرص ذوي البشرة السمراء واليهود ودعمهم، إذ شعرنا أن كلتا الجماعتين تتعرض للإغفال. في كل عام، سيحصل طلاب صناعة الساعات على معونات مالية لمساعدتهم على دفع الرسوم الدراسية وشراء المعدات. فقد أردنا دعم أولئك الذين اعتقدنا أنهم ينتمون إلى فئات محرومة وإعلامهم بأننا نراهم. وبوصفي شخصا علّم نفسه بنفسه وموّل نفسه على نفقته الخاصة، أقدّر بشدة واقع أن أكون جزءًا من مبادرة من شأنها أن تساعد على خطّ درب أكثر سلاسة لصناع الساعات المستقبليين، خلافًا لما كان عليه الأمر معي.

هذا يقودني إلى النقطة التي دُعيت إلى مناقشتها. فعندما سألتني مجلة Robb Report عن رأيي حول القصور في الإدماج ونقص التنوع في عالم صناعة الساعات، أخذت أفكر في مختلف المرات الأخرى التي سُئلت فيها عن هذه المسألة، ولماذا بدا الأمر كما لو أنني الشخص الوحيد الذي يُطرح عليه هذا السؤال، ولماذا كان من الصعب دومًا الإجابة عنه. وبالرغم من أنني أقدّر هذا الاستفسار حق قدره، إلا أني لست الشخص المناسب للإجابة عنه، لأنني لم أكن المسبب لانعدام التكافؤ، بل نتيجة له.

في الحالات التي تقل فيها فرص إدماج مجتمع أصحاب البشرة السوداء أو الملونة والسكان الأصليين، لا أبواب مفتوحة أمامنا. خيارنا الوحيد هو إما أن نبني الباب أو أن نكون الباب. ويمكنني أن أقول بكل امتنان إنني عملت على إيصال نفسي إلى موضع يسمح لي بالاضطلاع بالدورين، من خلال مشاركتي مع جمعية نيويورك لصناعة الساعات الفاخرة والعمل الخيري الذي نواصل القيام به، بموازاة تأسيس علامتي التجارية للساعات الفاخرة.

إني بالطبع على دراية بقلة عدد أصحاب البشرة السوداء والبشرة الملوّنة والسكان الأصليين في المساحات التي كثيرًا ما أكون فيها. وسواء كان ذلك في مصانع الساعات، أو في ميادين رواد الأعمال العديدة التي استكشفتها، يبدو لي أن غياب التنوع يرجع إلى عوامل مختلفة جلية للجميع، لكن المجموعات المسؤولة عن معالجتها لا تكترث لذلك. لا بد من الإشارة أيضا إلى أن مطالبة متلقي انعدام تكافؤ الفرص بشرح أسباب إقصائهم أمر جد مرهق نفسيًا وعاطفيًا.

قد يصبح الأمر محبطًا بالقدر نفسه عندما تدخل هذه الميادين ويجري تذكيرك على الدوام بأنك غريب عن الحاضرين كافة. عندما أخبر الناس بمهنتي، غالبًا ما تعتريهم الصدمة لرؤية صانع ساعات أسود البشرة. لا يندهشون من واقع أنني صانع ساعات أمريكي، ولا من كوني صانع ساعات مستقلًا يعرض فكرة مبتكرة. بل دائما ما ترتبط المفاجأة بلون بشرتي، وعادة ما تتبعها أسئلة فضولية منفّرة.

لست سوى رجل يستمتع بصنع الساعات، وهذا ما سأستمر في التركيز عليه. لا أشير إلى لون بشرتي، بل أستحضر البعد الثقافي: تاريخ التصميم والنظريات والأبحاث الأكاديمية والتأثيرات الجغرافية والمنظور وما إلى ذلك.

إن الاعتراف بالحاجة إلى توسيع نطاق الفرص ومسؤولية رؤية أولئك الذين يشعرون بأنهم غير مرئيين رؤية فعالة جزء أساسي من العملية الثورية الهادفة إلى معالجة موضوع متشعب مثل التنوع. في بعض الأحيان، تُقابل هذه الدوافع بمعارضة من الجماعات المحظيّة والمفضّلة التي تشعر بأن إنشاء دروب عادلة للأشخاص المحرومين أو الفقراء أو المهمشين يعني أن فرصهم، هم، ستتناقص.

يتحوّل هذا المنظور إلى أبواب مغلقة. لكن ينبغي على تلك الجماعات التي ترفض تلبية هذه الاحتياجات أن تفهم أن منح المزيد من الفرص لمن لا يملكها لا يعني تقليص عدد الفرص التي سيحصل عليها من يملكونها حاليًا. فلطالما كان ثمة فرص تكفي الجميع. لذا، بالنسبة لأولئك الذين يشغلون مناصب مؤاتية تسمح لهم باستغلال مكانتهم لإحداث التغيير، يبدأ الأمر حقيقة من إنشاء مسارات يمضي عليها من هم في حاجة إليها ولكن لم يسعهم رؤيتها من قبل.

إن هذا ما أعنيه عندما أتحدث عن "بناء الباب". رأت جمعية نيويورك لصناعة الساعات الفاخرة أن ثمة حاجة ناقصة، وقد لبّتها من خلال إطلاق مبادرات عدة، لتحقق بعملها هذا مسعاها الرامي إلى تطوير فن صناعة الساعات وعلومها.

إلى جانب المساعدة التي تقدّم بها زملاؤنا من أمناء الجمعية، استطعنا فتح أبواب لا حصر لها، دخل منها العديد من أصحاب العقول الفذة، وذلك من خلال المنح الدراسية. ونواصل المضي قدمًا في عام 2022 الذي سيشهد إطلاق منحة غريس فراير الموجهة للطالبات في قطاع صناعة الساعات. تمكننا إلى الآن من خطّ سبل جديدة ستضمن بقاء أجيال جديدة من صانعي الساعات، وهذه هي القيمة التي نسعى إليها دومًا في العمل الذي نقوم به.

لطالما كان أوج ما وصلت إليه صناعة الساعات نتيجة لمزيج عالمي من الأفكار التي تراكمت عبر العصور. ولكن إحداث تغيير ملموس في هذه الصناعة يستوجب الاعتراف بالتنوع الموجود دائمًا ولكن لا تجري مقاربته إلا نادرًا. تمتلك ثقافات متنوعة تاريخًا حافلاً في مجال صناعة الساعات، ومع ذلك نادرًا ما يُعترف بهذه الحقيقة على ما ينبغي. لقد تبنّيتُ مهمة السعي إلى أن أكون خير مثال يساعد على تقبّل رؤية آخرين مثلي في مجالات كهذه، ويلهمني في ذلك آخرون حملوا المشعل قبلي، على غرار بنجامين بانيكر، الرجل الذي كان التجسيد الأسمى لفكرة "أن تكون أنت الباب".

كان بانيكر عالِم فيزياء، ومزارعًا، وعالم فلك، ومؤلفًا بارعًا جمع دراساته في العديد من الكتب، وصانع ساعات. وفي مختلف هذه المجالات، تعلّم بانيكر ذاتيًا. ابتكر هذا الرجل ساعة رائعة من الخشب يُعتقد أنها أول ساعة صُنعت على الأراضي الأمريكية. كانت تعمل بدقة إلى أن تلفت في حريق بعد سنوات. وبناء على طلب أندرو إليكوت، اضطلع بانيكر بدور رئيس في استكمال تطوير واشنطن العاصمة، بعد أن أعفى الرئيس جورج واشنطن المخطِّط الأصلي بيار شارلز لانفان من منصبه.

في البداية، استُدعي بانيكر للقيام بمسح كامل للعاصمة، من خلال إنشاء نقاط حدودية مبنية على حساباته وإجراء ملاحظات فلكية لتحديد نقاط الدخول. أخذ لانفان خططه معه بعد أن طُرد من منصبه، ولكن بانيكر زعم أن بمقدوره إعادة رسمها من ذاكرته، وهذا ما فعله بالضبط. لقد كان دوره محوريًا في استكمال بناء العاصمة.

Illustration by Celyn/فرص متكافئة

Illustration by Celyn/فرص متكافئة

يمكن للمرء أن يجادل بأنه لولا مساهمات بانيكر الكبيرة لهذا البلد، لما اكتمل بناء عاصمتنا الفيدرالية. لقد كان عليه أن يفعل كل ما في وسعه لدحض الفكرة السخيفة القائلة إن ذوي البشرة السوداء والذكاء يقعان على طرفي نقيض، وهي نقطة حاول بانيكر أن يستغلها للتأثير على توماس جيفرسون بهدف إقناعه بتغيير آرائه المستهجنة عن ذوي البشرة السوداء وتبريراته للاستعباد. كان لا بد لبانيكر أن يكون الباب. بل إن إرثه لا يزال يشكّل أحد هذه الأبواب على مستويات عدّة.

تتمثل مقاربتي الخاصة لبناء الباب ولأن أكون الباب بإنشاء شركات (مثل A. Hodge Atelier و9B Collective، وHodge Brothers Productions وغيرها) توفر فرصًا مهنية لمجتمع ذوي البشرة السوداء والبشرة الملوّنة والسكان الأصليين، وتدعم المبادرات التعليمية الموجهة للأطفال المحرومين أكاديميًا وتطوّرها. أواصل الانتساب إلى المنظمات التي لديها جداول أعمال واضحة تهدف إلى تحقيق التقدم الثقافي مثل جمعية نيويورك لصناعة الساعات الفاخرة، والتعبير عن آرائي علنًا لتثقيف الآخرين، وأواظب في الوقت نفسه على الاستزادة من المعارف التي تتيح لي مقاربتي هذه القضايا على نحو صحيح حتى يتحقق تقدم حقيقي في هذا المجال.

إني أشجع الجميع وأتحداهم لأن يكونوا هم الحل. فلا يكفي الاستفسار عن هذه القضايا، بل ينبغي أن يكون السؤال جسرًا للمرور إلى الفعل: كن الحل للمشكلة التي تستفسر عنها. في الآونة الأخيرة، سألني العديد من الأشخاص عن الإدماج والتنوع لأنهم يريدون إشباع فضولهم فحسب، أو لأنه موضوع رائج حاليًا، لكنهم لا يهتمون حقيقة بهذه القضية. لذا قد يُساء تفسير اهتمامهم هذا ويُحمل على أنه اهتمام فظ وقاسي، لأن الإجابات التي أقدمها سيكون غرضها الترفيه، وليس تقديم معرفة قيمّة.

لذا أسأل أي شخص يقرأ هذا المقال: ما هي برأيك المشاكل الكامنة في صميم قضية القصور في الإدماج والتنوع في مختلف القطاعات والصناعات؟ وما الذي أنت مستعد لفعله لتحلّ المشكلة؟

ألديس هودج رجل أعمال وصانع ساعات ومنتج تنفيذي وممثّل. سيبدأ عرض الموسم الثالث من مسلسله City on a Hill من إنتاج شوتايم وفيلمه الجديد Black Adam في وقت لاحق هذا العام.