عندما كان توم شرودر في الرابعة عشرة من عمره، لم يكن يتخيل أن شغفه بالإبحار سيقوده في رحلة بحرية حول العالم. ولكن مرور ثلاثة عقود من الزمن كانت كافية لتحويل هذه الرحلة إلى حقيقة، إذ ينطلق شرودر وزوجته جانين وأبناؤهما الأربعة في رحلة تمتد لسبع سنوات على متن اليخت الاستكشافي "مايفريك" Maverick الذي يبلغ طوله 146 قدمًا. 

يُقيم شرودر، المستثمر المغامِر، بالقرب من كولونيا، وعن بواعث هذه الرحلة يقول: "بِعت شركتي في عام 2019، ثم عمّت جائحة كورونا". وبعد لزوم المنزل عامًا كاملاً، تقاربت الأسرة أكثر من أي وقت مضى. لقد نجحت الجائحة في تمتين أواصِرنا، ومن هذه التجربة انبثقت الرحلة البحرية حول العالم".

رحلة عائلية مدتها 7 سنوات على متن اليخت Maverick

يتضمن مسار الرحلة الطَّموح أوروبا والشرق الأوسط والأمريكتين، وزيارة بعض المناطق البحرية الأكثر وحشة في الدائرة القطبية الشمالية والقارة القطبية الجنوبية وكيب هورن والممر الشمالي الغربي. 

لقد كانت الأسابيع التسعة الأولى في عرض البحر الأحمر اختبارًا تجريبيًا لقدرات يخت Maverick، وهو أول يخت في خط Flexplorer 146 الذي استحدثته شركة بناء اليخوت الإيطالية سي دي إم CDM. 

يتمايز هذا اليخت بهيكل فولاذي متين وسطح خلفي مفتوح، كما أنه يستوعب قارب خدمات مخصّص بطول 33 قدمًا ومجموعة من الألعاب المائية ومنصة للغوص. وبفضل إمكانية تخصيص اليخت، استحدثت العائلة تصميمًا يلائم الابن الأصغر فيل، الذي يبلغ من العمر 11 عامًا ويعاني متلازمة داون. 

وفي هذا يقول شرودر: "صمّمنا المساحات الداخلية لتكون ملائمة للعائلة قدر الإمكان". يُشير شرودر أيضًا إلى أنه يتشارك وزوجته سطح المالك، الذي يتضمن مقصورتهما ومقصورة فيل المخصصة للنوم والدراسة، ويشتمل على شرفات خاصة في مقدمة اليخت ومؤخرته. 

أما مقصورات باقي أبنائهما: بِيتْ البالغ من العمر 19 عامًا، وبِنْ البالغ من العمر 22 عامًا، وتِمْ البالغ من العمر 25 عامًا، فتقع بين السطح الرئيس والسطح السفلي.

تُسهّل المساحات الداخلية المفتوحة التفاعل بين العائلة وبين طاقم اليخت المكوّن من سبعة أفراد، وبينها وبين المُعلّم ومعالج النطق. وفي هذا يقول شرودر: "إن علاقتنا مع أفراد الطاقم ليست علاقة تقليدية، لأننا نتشارك الكثير من الأنشطة. فعلى سبيل المثال، وفيما نحن في جبل طارق، شرع ابني الأكبر في إعداد وجبة الغداء مع الطاهي". 

تُسهل المساحات الداخلية المفتوحة تواصل أفراد العائلة مع طاقم اليخت.

Maverick Yachts

تُسهل المساحات الداخلية المفتوحة تواصل أفراد العائلة مع طاقم اليخت.

لقد توطّدت الأواصر بين الموجودين كافة على اليخت خلال الزيارات إلى مصر والمملكة العربية السعودية، حيث استكشف آل شرودر الأهرامات خارج القاهرة وأبحروا في رحلة خاصة عبر نهر النيل، ثم أقاموا في منتجع شيبارة المستقبلي الجديد الذي ينضوي تحت مشروع وجهة البحر الأحمر، وهو مشروع ضخم مدعوم من صندوق الاستثمارات العامة في السعودية.

يقول شرودر: "لقد كان يختنا واحدًا من اليخوت الخمسة في المنطقة". ارتحلت الأسرة أيضًا عبر الصحراء إلى العلا، إحدى أبرز محطات الرحلة حتى الآن. وفي هذا يقول شرودر: "إنها مدينة صحراوية عريقة وجميلة ومحاطة بالجبال. لقد كانت زيارتها تجربة مذهلة، خصوصًا عمارتها الحديثة المتداخلة مع المباني القديمة". يشير شرودر أيضًا إلى أن عائلته تأثّرت بشعب المملكة العربية السعودية "الرائع والمضياف والمحترم" خلال الفترة التي قضتها هناك.

إلى جانب الترفيه، يشتمل البرنامج اليومي للعائلة على أنشطة عدة، منها ما هو موجّه إلى فيل ويَجمع بين الدروس الخصوصية والمرح. وفي هذا يقول شرودر: "إن سعادتنا غامرة، إذ تسير أموره على خير ما يرام". بفضل اتصال يخت Maverick بالأقمار الصناعية، يُتابع تِمْ عمله في البرمجة الرقمية، فيما يقضي توم ساعات عديدة يوميًا في رعاية شؤونه التجارية عبر مكالمات الفيديو.

سيشهد فصل الصيف مزيدًا من المغامرات التعليمية، مع إبحار اليخت إلى الدول الاسكندنافية، ثم شمالاً نحو القطب الشمالي لاستكشاف سبيتسبيرغن وأيسلندا وغرينلاند، قبل الإبحار جنوبًا على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة نحو جزر البهاما لقضاء فصل الشتاء. إن برنامج الرحلة مرن، تحسبًا لأي بؤر جيوسياسية ساخنة، وهذا ما يفسر تجنب الإبحار في مياه البحر الأحمر.

على أن الرحلة لا تعني الإبحار إلى ما لا نهاية بلا قيود، إذ سيقضي آل شرودر أول 24 شهرًا من الرحلة على يخت Maverick، ثم سيتنقّل توم وجانين وفيل كل ستة أشهر بين مسكنهم في ألمانيا وبين اليخت مع بلوغ الأبناء الأكبر سنًا مرحلة الرشد.

هذا الشطر من الرحلة يستمر 30 شهرًا، وينتهي في جزر غالاباغوس. لا يزال الفصل الأخير من هذه الملحمة البحرية من دون تخطيط يُذكرْ، على الرغم من أن شرودر يتوقع أن يُختتم بعد الإبحار في المحيط الهندي، وحول إفريقيا، ثم العودة إلى البحر الأبيض المتوسط ​​حيث انطلقت الرحلة. وهذا دليل على أن لا مكان يُضاهي الوطن، حتى بالنسبة لعائلة مفتونة بالمغامرة. 

 مقصورة الطفل فيل المخصصة للنوم والدراسة والمستحدثة على السطح الخاص بالمالك.

Maverick Yachts

مقصورة الطفل فيل المخصصة للنوم والدراسة والمستحدثة على السطح الخاص بالمالك.

بِحار اليوم

لا تتوقف المغامرات البحرية المنشودة على امتلاك اليخوت، وهذا ما اكتشفته عائلةٌ مكوّنة من ثمانية أفراد في رحلتها الأخيرة إلى القارة القطبية الجنوبية على متن اليخت الاستكشافي "ليجند" Legend الذي يبلغ طوله 254 قدمًا. 

يقول روب ماكالوم، المشارك في تأسيس شركة استئجار اليخوت "إيوس إكسبيديشنز" EYOS Expeditions المتخصصة في تنظيم الرحلات الحصرية إلى أقصى بقاع الأرض، إن العائلة "استمتعت بلحظات الغروب الآسرة والمناظر الطبيعية الخلابة، ولكن مشاهدة الحيتان كانت تجربة الذروة". ويُضيف: "لقد قضوا ظهيرة أحد الأيام بصحبة حوت مِنك فضولي، ظل يُلازم قارب الكاياك الذي ركبوه ويصعد إلى السطح بين الحين والآخر". 

اليخت الاستكشافي Legend الذي يبلغ طوله 254 قدمًا.

Ralph Lee Hopkins

اليخت الاستكشافي Legend الذي يبلغ طوله 254 قدمًا.

قبل إقرار تفاصيل الرحلة، ولتسهيل تحديد الوجهة واليخت الملائم لها، يطلب ماكالوم من زبائنه إعداد قائمة أمنيات تتضمّن المناطق التي يُريدون زيارتها، سواء كانت حارة أو باردة أو معتدلة الطقس، والمركبات التي يودّون ركوبها، مثل الغاطسات والطائرات المروحية، والأنشطة التي يرغبون في الاستفادة منها، مثل معاينة الحياة البرية أو ممارسة التزلج.

اختار أصدقاءٌ من المدرسة الثانوية، في الأربعينيات حاليًا، الاستمتاع مع زوجاتهم برحلة إلى غرينلاند للتزلج قفزًا من الطائرات المروحية. في كل صباح، تحلق طائرتان مروحيّتان إلى القمم المغطاة بالثلوج، وبمجرد بلوغها تَنحدر المجموعة مخترقةً صفحة الثلج البكر نحو الضفة البحرية الخلابة للقطب الشمالي. 

يُشير ماكالوم إلى أن رحلات التزلج هذه كانت وسيلة هؤلاء الأصدقاء لتحقيق تقارب أكبر، وفي هذا يقول: "إن أجمل ما في اليخوت هو أنها شرنقة صغيرة من الفخامة على محيط متجمد". ويُضيف: "لقد زاروا ألاسكا في العام الماضي، وأعتقد أن وجهتهم المقبلة ستكون القارة القطبية الجنوبية".

الغوص إلى الشعاب المرجانية على متن الغاطسة التابعة لليخت الاستكشافي SuRi.

الغوص إلى الشعاب المرجانية على متن الغاطسة التابعة لليخت الاستكشافي SuRi.

كذلك أبحرت عائلة مكونة من أربعة أفراد على ظهر اليخت الاستكشافي SuRi، الذي يبلغ طوله 208 أقدام، إلى جنوب غرب المحيط الهادئ، وتحديدًا إلى جزر سليمان النائية والعذراء. خلال هذه المغامرة، زاروا جزيرة مبولو البركانية، ثم غاصوا بوساطة غاطسةٍ لدراسة أنابيب الحمم البركانية العميقة تحت السطح، بالإضافة إلى شعاب غوادالكانال المرجانية المليئة بحُطام سفنٍ من الحرب العالمية الثانية. 

يُشير كيفن أوكونور، رئيس قسم اليخوت في شركة "كوكسون أدفنتشرز" Cookson Adventures، إلى أن استخدام الغاطسة لا يهدف إلى "إثراء تجربة الغوص" فحسب، "بل إلى رسم خارطة لقاع البحر أيضًا بوساطة أحدث معدّات السونار"، الأمر الذي يُعزز جهود الحفاظ على البيئة المحلية. وقد تضمنت الأيام الثمانية التي استغرقتها الرحلة الغوص بين أسماك "المانتا" في جزيرة لوموان، والسباحة فوق قُروش الشعاب المرجانية قبالة جزيرة ماري، وزيارة القرى المحلية.

يقول ماكالوم: "أمام مشاهد الكتل الجليدية التي تتقلّب والحيتان التي تتغذى والدببة التي تصطاد، من المُبهج رؤية أمارات السرور على محيّا الزبائن، لأن هذا يعني أن الرحلة بالنسبة إليهم ليست تحصيل حاصل". في الواقع، من الصعب الاستخفاف بتجربةٍ تُخلف في نفس صاحبها انطباعًا يدوم مدى الحياة.