حين غادرنا الأُقصُر، كانت درجة الحرارة 40.5 درجة مئوية، ولا شك أن الطقس هنا أكثر حرارة. كنت أتساءل: هل ننجو إذا تعطلت بنا الطائرة هنا؟ ربما لا.

هذا ما كان يجول في خاطري، ولكن الطيّار لانس وزوجته ناتاشا، المسؤولة عن الاتصالات، اعتادا مثل هذه الأمور. في العام الماضي، تعرّض نظام تحديد المواقع العالمي في طائرته وطائرات زملائه في الرحلة للاختراق، على الأرجح من قِبل الجيش الروسي، في أثناء تحليقهم فوق البحر الأسود. 

فقد كانت إلكترونيات الطيران تشير إلى إفريقيا، مع أن الطائرات كانت فوق آسيا الوسطى. باستحضار هذه القصة، تتحفّز مخيلتي فأتصوّر أن الأمور قد تسوء، إما بسبب اشتعال المحرك أو بارتكاب الطيار خطأ جسيمًا.

أومأ إليّ لانس أن أضع سماعات الرأس، وما إن فعلت حتى شعرت براحة فورية لسماع أصوات مألوفة على "قناة العائلة"، القناة التي تتشاركها طائرة لانس وخمس طائرات أخرى تسافر مجتمعة عبر المجال الجوي السعودي. 

يُعرّف كل واحد نفسه برمز نداء مميز: يُشارك "البروفيسور" موقعه، وعندما أرفع رأسي، تظهر خطوط التكثّف المنبعثة من طائرته طراز CJ3+ ونحن نتجاوزه بسرعة تفوق 135 عقدة. 

لاعب الهوكي الوطني السابق بِن ويلسون يُغطي محرك طائرته Citation M2 في ميونيخ.

بين الفينة والأخرى، نتلقّى إخباراتٍ من "شورتْ كَت" الذي سبق الجميع بطائرته Phenom 300، فيما يتواصل "المهرّبون" بوتيرة أقل.

 أما "بوذا الكبير"، المعروف بحس الفكاهة وحلوله دومًا في المرتبة الأخيرة، فيقود طائرة Citation M2، وبعدما يبلغه الجميع بمرورهم يقول: "شكرًا. أُقدّر تذكيركم المستمر بأننا الأبطأ".

على أن عصَب هذه الرحلة هو غيومْ "جي" فابْري، الذي يُرافق قائد طائرة Citation M2 ومالكها، ويبيّن للطيارين التغيرات الطارئة على مسار التحليق ومسارات الاقتراب الأخيرة. وبوصفه مدير الرحلة، فإنه يؤدي دور المضيف والصديق والمصور وحلّال المشاكل مع الجهات الرسمية. 

لانس وناتاشا مورتنسن على متن طائرتهما Embraer Phenom 300. 

في إحدى المحطات، يفاوض مسؤولي الجمارك بعد مصادرة طائرة مسيّرة تعود إلى "شورت كت". وفي دبي، يُفاوض المسؤولين لإبقاء الطائرات في حظيرة مكيّفة، بدلاً من مدرج المطار الذي تبلغ فيه درجة الحرارة 51.6 درجة مئوية. يمدح لانس، الذي يتشارك مع زوجته ناتاشا رمز النداء "سويت هيدز"، فابري ويقول: "إنه الأفضل، ولا أحد يُضاهيه".

في النهاية، عبرت المجموعة سماء المملكة العربية السعودية بسلام، ثم حطّت في مملكة البحرين، متجاوزةً الجمارك في المعبر الخاص بسلاسة ويسر.

كارلا إدواردز تنظف طائرتها من طراز Citation M2.

رحلات ملحمية 

إليكم أول رحلة تُنظّمها شركة Air Journey إلى جبال الهيمالايا، بمشاركة أزواج يُسافرون بطائراتهم الخاصة جيئة وذهابًا من أمريكا الشمالية إلى نيبال، في رحلة ملحمية تمتد 42 يومًا وتمرّ في 15 دولة فيما تجتاز مسافة 17,000 ميل بحري. 

قطعت الشركة شوطًا طويلاً منذ تأسيسها في عام 1998 على يد تييري بويْ وصوفي بوي، إذ كانت تتيح في البداية رحلات قصيرة من بالم بيتش إلى جزر البهاما على متن طائرات مجهزة بمحركات مكبسيّة. 

ومع توسع نطاق الرحلات ليشمل أوروبا وأمريكا الجنوبية، اختار زبائن الشركة الارتحال على متن طائرات توربينية طويلة المدى وطائرات رجال أعمال سريعة.

في عام 2007، أعلن تييري عن رحلة حول العالم مدتها 72 يومًا. وإذ تستحضر ابنته أناييس، إحدى مديرات هذه الرحلة، إعلانه ذاك، تقول: "لقد وسمناه بالجنون، إذ كيف يمكن لأحد أن يُبادر إلى المشاركة في الرحلة؟ لكن سبعة أشخاص سجّلوا اهتمامهم خلال مشاركة والدي في معرض Sun 'n Fun الجوي". حاليًا، تُنظم الشركة نحو 30 رحلة سنويًا، كما تتيح خدمة منفصلة لترتيب الرحلات الفردية.

ينحدر الأزواج السبعة الذين أسافر معهم (يُرافق أحد الأزواج زوجًا آخر على طائرتهم) من خلفيات متعددة، فمنهم رواد أعمال مُداوِمون ورؤساء تنفيذيون ومدير مالي وأصحاب شركات متقاعدون، ونجم سابق في دوري الهوكي الوطني. 

لقبُ هذه المجموعة هو "الروّاد"، وقد مهّدت السبيل لعدد من الرحلات الخاصة إلى وجهات جديدة في المحيط الهندي، بالإضافة إلى رحلة "ستانز" Stans التي أطلقتها الشركة في العام الماضي إلى بلدان آسيا الوسطى التي يندر زيارتها. 

وكما تهبط طائرات المجموعة في مطارات باريس أو ماكاو أو سنغافورة، كذلك تحط في مطارات مخيفة وشاهقة الارتفاع مثل مطار أويوني في بوليفيا، حيث خضعت للتفتيش من قبل مسؤولي الجمارك لساعات عدة بحثًا عن الكوكايين، أو مطار مادانغ في بابوا غينيا الجديدة، حيث يُستعاض عن برج المراقبة بمراقبٍ على المدرج "يوجّه" الطائرة عبر جهاز لاسلكي يدوي.

في جعبة هؤلاء الطيارين حكاياتٌ تفوق العدّ، حتى بمقاييس هواة السفر المتمرسّين. ففي رحلة تعود إلى عام 2017، احتُجز ثلاثة أزواج وطائراتهم لبرهة في مطار روسي ناءٍ، فيما قابل ثلاثة أزواج آخرين طائرات F16 يابانية في مواجهة غير متوقعة. كذلك اضطرت المجموعة إلى التوقف في تايوان بسبب إعصار، قبل أن تُجبر على تقليص مدة توقفها في بالي بسبب ثوران أحد البراكين. وفي هذا يقول تييري ضاحكًا: "كانت تلك الرحلة حافلة بالأحداث".

منذ البداية، توخّت الشركة تقديم تجارب تجمع بين التحليق بـالطائرات الخاصة والاستمتاع بأجواء الفخامة على الأرض. لذلك، تلتزم صوفي بوي بثلاث قواعد أساسية: الامتناع عن القيادة ليلاً أو في الأحوال الجوية الرديئة، والإقامة لثلاثة أيام في أرقى الفنادق والمنتجعات عند النزول في كل وجهة، والانتظار لأقصر مدة ممكنة في المطارات، وهذا ما يستلزم اجتياز الجمارك بسهولة في معابر خاصة راقية.

وتُعدّ السلامة المعيار الرئيس في كل رحلة، لذا يجري اختيار مقدمي الخدمات اللوجستية ("يُشترط توفير الحراسة على مدار الساعة"، على ما تقول أناييس)، أو الاستعانة بشركة خاصة لتأمين رحلة لمشاهدة الغوريلا في رواندا عقب هجوم إرهابي طال البلاد. باستثناء تلك الواقعة، ينأى مسار الرحلات عن المناطق المضطربة. فعندما اندلع الصراع المسلح في كشمير قبل أيامٍ من انطلاق هذه الرحلة، بذلت الشركة جهدًا كبيرًا لتحويل مسار رحلة "ستانز" صوب مصر ودول الخليج.

الطائرات المشاركة في الرحلة تُحلق مجتمعة وتُقلع بفاصل زمني يبلغ نحو 10 دقائق. تُظهر الصورة صف الطائرات التي حطّت أولاً في مطار ميلاس بودروم. 

أصدقاء مدى الحياة 

إن ما يحفّز مجموعة الرّواد هو استكشاف العالم على هواهم، وهذا ما يؤكده روب بالزانو، الرئيس التنفيذي لجمعية Citation Jet Pilots المشتملة على 1,300 عضو قادرين على قيادة طائراتهم، إذ يقول: "إن التحليق بطائرتك إلى نيبال ذهابًا وإيابًا مدعاة للفخر". 

حدود مجمع معبد الكرنك في الأقصر بمصر.

ينتمي المالكون القادرون على قيادة طائراتهم إلى فئة متفردة، وفي هذا يقول بالزانو: "تميل هذه الفئة إلى المغامرة، ولكنها تروم السلامة أيضًا. إذا كان التحليق منفردًا، فإن الطيار يؤدي المهمات كافة بنفسه، لكنه ينال حرية لا تتيحها أي تجربة أخرى".

يقول تييري: "يمتلك أغلب المشاركين في هذه الرحلات شخصيات قوية وقيادية، وهذا ما يدركونه عند اللقاء الأول، إذ يكتشفون أوجه التشابه بينهم في السمات والخلفيات والهوايات. وعندما يبقون معًا 30 يومًا أو 60 يومًا، يُصبحون أصدقاء مدى الحياة".

 رجل يرتدي جلبابًا تقليديًا في الأقصر.

ينطبق هذا على الأزواج السبعة الذين تشاركوا في رحلات عديدة. في عام 2024، أمضى الرواد أكثر من 100 يوم معًا في رحلات من ترتيب شركة Air Journey. عندما انضممت في شهر مايو الماضي إلى المجموعة في مدينة بودروم التركية، وتحديدًا في منتجع أمانرويا Amanruya، بدت عليهم أمارات التعب. لقد كانت هذه أول استراحة ممتدة يستفيدون منها منذ مغادرة مدينة كيبيك، وعبورهم شمال المحيط الأطلسي، ثم جنوبًا عبر أوروبا، وكل ذلك وفق مجموعة تبعد فيها كل طائرة عن الأخرى بنحو 10 دقائق. 

حوض سباحة خاص في منتجع أمانرويا في بودروم.

في صباح اليوم التالي، ذهبنا لاستكشاف ساحل بحر إيجه المشمِس على متن يخت مخصص للاستئجار بطول 100 قدم كان راسيًا أمام المنتجع. لقد انساب الحديث بسلاسة، فبَلغني أن "الجميع أسوياء وعصاميون"، بحسب جيري دوربين، الرئيسة التنفيذية لمجموعة طبية كبيرة في دالاس، وزوجها براندون (رمز النداء "شورت كت")، قائد طائرة Phenom 300 ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة رعاية صحية تنشط في ست ولايات. وتضيف دوربين: "لقد بدأنا جميعًا من الصفر، ولذلك يفهم بعضنا بعضًا".

على سبيل المثال، ينحدر جون إدواردز وكارلا إدواردز من بلدة جينيسيو (في إلينوي) التي يبلغ عدد سكانها 6,500 نسمة. كما أن أكثر من سافر في هذه المجموعة هما جون سبرينغثورب وكارين سبرينغثورب على متن طائرتهما Citation CJ3+، إذ زارا 142 وجهة على امتداد 44 رحلة من تنظيم Air Journey. إنهما متواضعان ولطيفان، شأنهما في ذلك شأن أندي غريفيث الذي ينحدر من بلدة ماونت إيري في كارولاينا الشمالية.

 أعضاء المجموعة على متن يخت راسٍ قبالة فارماكونيسي في اليونان.

لقد أمضى أعضاء المجموعة ما يكفي من الوقت معًا لتشارك الأفراح، من حفلات زفاف الأبناء إلى الاحتفال بولادة الأحفاد، وتقاسم الأحزان. 

تزوج لانس وناتاشا قبل أسبوع، واحتفلا بذلك خلال الرحلة بحضور باقي المجموعة. وحتى خارج نطاق الرحلات، تظل العلاقات بينهم وطيدة. كل صيف، يُسافر بعض أعضاء مجموعة الرواد إلى مزرعة آل مورتنسن في وايومنغ للاحتفال بيوم الرابع من يوليو. بل إن المزرعة أصبحت البيت الثاني لآل ويلسون وآل دوربين.

على متن اليخت، يرتدي جون سبرينغثورب (رمز النداء "البروفيسور") قميصًا مزخرفًا بالزهور وثوب سباحة، في إطلالةٍ تُخالف هيئتة الرصينة، فيما يُلقي بِن ويلسون (بوذا الكبير)، لاعب الهوكي السابق، النكات. 

وبالرغم من أن المزاح شائع بين الطيارين، إلا أن المحادثات تفضي دائمًا إلى الطيران. يجلس الرجال في صالة اليخت الرئيسة ملتحفين بالمناشف، ثم يُباشرون سرد مجريات رحلاتهم كما لو كانوا بصدد رواية قصص بطولية. 

يستعرض براندون كيف صادف غوريلا ضخمة في رواندا فيما كان غارقًا في الوحل حتى ركبتيه، وتحكي جيري عن جولاتها في أزقّة أديس أبابا بحثًا عن أعمال فنية محلية أصبحت الآن تذكاراتٍ تزين منزلها في تكساس. يُشاركون أيضًا لحظاتهم المفضلة كأنها مقطع فيديو يجمع أبرز اللقطات، ومنها الجلوس إلى نمور البنغال البيضاء في تايلاند، والانضمام إلى احتجاجات الحرية في هونغ كونغ، ومشاهدة الحيتان البيضاء في ألاسكا، والتمتع بعمارة إسطنبول الفخمة، ومراقبة أفيال تنزانيا، والمساومة على الأسعار في أسواق مراكش. وفي هذا يقول لانس: "جمعت الكثير من الذكريات، حتى أصبحت أخلط أحيانًا بين الرحلات".

طبق مانتي منزلي الصنع مع الطماطم المدخنة وزبادي الثوم في منتجع أمانرويا.

دخل بِن الصالة ورأى الرجال متلحّفين بالمناشف، فسألهم إن أرادوا الخروج ما دام الجو جميلاً. أجابوه بهزّ الرؤوس وبأن الجو باردٌ للغاية، فما كان منه إلا أن سأل باستنكار: "هل هذه دار رعاية؟ متى موعد الجولة التالية من الأدوية؟".

في اليوم التالي، ظهر الرواد بهيئة مختلفة، مرتدين زيهم الأبيض الناصع. تستخدم شركة Air Journey ملابس الطيارين الرسمية خارج القارتين الأمريكيتين وأوروبا، لأن هذه الإطلالة شائعة، على غير ما هو عليه حال الإطلالات غير الرسمية للطيارين المالكين، وذلك بهدف تسهيل عبور المجموعة من الجمارك وغيرها من القنوات الرسمية. على مدرج المطار، يعمل الجميع بسرعة وتفانٍ، إذ يزيلون الأغطية عن المحركات ويتحققون من مستويات الزيت والأكسجين ويحمّلون الأمتعة.

مناطيد الهواء الساخن تحلق فوق المعبد الرئيس وموقع التنقيب في مدينة هابو بالأقصر.

مسؤوليات مشتركة 

داخل طائرة Phenom 300 الفاخرة، يبدو لانس، بمظهره الأنيق، كأنه طيار في مسلسل تلفزيوني (يظل شعره مرتبًا في مواجهة رياح الصحراء الحارقة)، ويتحدّث بواقعية عن مسيرته المهنية الناجحة إذ يختزلها بمعرفته بفنون "البيع". 

مع ذلك، لا يبيع معظم رواد الأعمال شركتهم الأولى في سن السابعة والعشرين، كما أنهم لا يُجازفون بإطلاق مشاريع عديدة في قطاعات مختلفة ولا يُصبحون وهُم في سن السادسة والستين أكبر من يطير حول العالم بطائرة خفيفة.

آل مورتنسن في بوتان.

يبدو لانس منظّمًا وحاسمًا في قمرة القيادة، إذ يُشغّل إلكترونيات الطيران ويُعدّل الخانق ويُبدّل بين الشاشات، فيما تتكفل ناتاشا بمراقبة الحركة الجوية عبر الراديو. بعد الطيران لآلاف الساعات، أصبحت مُرافقة ماهرة، حتى أن لانس علّمها كيف تحطّ بالطائرة إذا تعذّر عليه ذلك.

تُعدّ عمليات التحليق أبرز ما في رحلتي الممتدة 12 يومًا، وهي كذلك للطيارين كافة، لأنهم يعشقون الحماس والتحديات المتصلة بالتحليق إلى أبعد مطارات العالم. وفي هذا يقول براندون: "لا مكان لسلوك الاستحقاق هنا. هذه مُغامرتهم، ونحن مرافقوهم فحسب. إذا قاربت الرحلة من هذا المنطلق، ستنعم بمغامرة رائعة، وإلا فالإحباط مصيرك. ينتظرني ما يكفي من الإحباط عند عودتي".

سباق سيارات الكارتينغ في مجمع الفورمولا 1 بالبحرين.

يُستخدم النموذج الأمريكي في مراقبة حركة الطيران A.T.C. في مختلف أنحاء العالم، كما أن إتقان اللغة الإنجليزية يُعين الطيارين خلال المواقف العصيبة. 

على أن الشؤون الجمركية والعقبات الأرضية واللكنات المحلية المستخدمة عند مراقبة حركة الطيران قد تجعل القيادة المنفردة صعبة، وشطر كبير من مسؤولية تدبير هذه العوائق يقع على عاتق مدير الرحلة.

تخرج أدوار الأزواج في مجموعة الرواد عن القوالب النمطية التي تعزل الزوجة في مؤخرة الطائرة. تؤدي النساء دورًا مساعدًا محدودًا في حالة الطيارين الذين بدأوا التحليق في أواخر سن المراهقة. 

طبقٌ من قائمة الطعام في فندق فورسيزونز خليج البحرين. 

ولكن في حالة أولئك الذين تعلموا الطيران في أواخر الأربعينيات أو أوائل الخمسينيات من العمر، مثل بِن ويلسون ولانس مورتنسن، تؤدي الزوجات دورًا محوريًا في تدبير نظام الملاحة والاتصالات في قمرة القيادة. 

تَحضر ريتا ويلسون وناتاشا مورتنسن مختلف الإحاطات السابقة للرحلة، وتُحمّلان مسارات السفر على أجهزة الآيباد كما تَطرحان أسئلةً تضاهي أسئلة الطيارين.

إن تريش درو ودينيس درو (رمز النداء "المهربون") هما أقدم الأزواج الطيارين. فقد انطلقا في هذا المسار معًا قبل عقدين في عام 2005 وصارا يتشاركان التحليق بأربع طائرات كبيرة الحجم. في هذه الرحلة، تقود تريش طائرة Citation Mustang. 

جامع الشيخ زايد الكبير المكسوّ بالرخام في أبوظبي، عند غروب الشمس.

ما بين التجوال ومتابعة الأعمال  

بعد مغادرة منتجع أمانرويا الهادئ، حللنا بالأقصر التي صدمتني بحرارتها وفقرها وألوانها وحيويتها. يتسم الحي المحيط بفندق هيلتون بممرات غير مستوية ويفتش رجال الأمن أسفل شاحنتنا بحثًا عن القنابل، فيما يُرافقنا حارس حكومي كلما غادرنا الفندق، مدججًا بسلاحه الرشاش البارز تحت سترته الرياضية. 

يوفر فندق هيلتون ملاذًا هادئًا وإطلالة متفردة على نهر النيل المتماوج البعيد بنحو 30 قدمًا عن حوض السباحة والتلال الصحراوية خلفه. خلال يومين، يقودنا عاطف، مرشدنا السياحي، في جولة إلى أشهر المعابد: حتشبسوت، ومدينة هابو، ومعبد الأقصر، وطريق أبو الهول الممتد ميلين تقريبًا، فضلاً عن ولوج خاص إلى مقابر رمسيس السادس وسيتي الأول وتوت عنخ آمون.

على أن المجموعة تفضل معبد الكرنك. فاتّساع مساراته وعدد زواره القليل يبرزان مدى تعقيد الهندسة المبكّرة لأعمدة الحجر الجيري والمنحوتات المنتصبة على مساحة 200 فدان. 

يصعب استيعاب نطاق انتشار الأعمال الفنية خلال عصر المملكة الحديثة الذهبي الذي استمر خمسمائة عام، إذ ثمة عشرات الآلاف من النقوش الهيروغليفية واللوحات السقفية الزاخرة بالتفاصيل والتماثيل العملاقة التي تُصوّر عددًا محدودًا من الآلهة والملوك. يقول أحد أفراد المجموعة مازحًا: "بالمقارنة مع هذا العصر الذهبي، يبدو عصر النهضة مثل مخيم فني صيفي". بعد أيام من مغادرتنا إلى البحرين، اكتُشفت ثلاث مقابر إضافية.

ليست هذه المحطات دورات مكثفة في التاريخ والثقافة، أو مجرد أختام على جواز السفر، بل تجارب مختارة وعميقة الأثر في النفوس. ترى جيري دوربين في الاثنين والأربعين يومًا سلسلة من العطلات الممتدة لثلاثة أيام، ما يُسهّل عليها استيعاب فكرة السفر إلى 21 وجهة مختلفة خلال ستة أسابيع. قبل رحلتهما إلى إفريقيا في عام 2018، لم يكن الزوجان يُحبذّان الابتعاد عن العمل فترة طويلة، ولكن مكالمات زووم وخدمة واي فاي وبعض المرونة جعلت الأمر ممكنًا.

صورة أخرى لمعبد الكرنك. 

في منتصف إحدى الليالي، ارتدت جيري لباسها الرسمي، ثم أجرت اجتماعًا هاتفيًا لأربع ساعات مع مجلس الإدارة في المقر الرئيس بدالاس. وفي مرة أخرى، ومن دون علم أحد، أجرت جلسة وساطة عبر الفيديو طيلة الليل من كوخٍ مرتفع فوق الماء في جزر المالديف. في إحدى الرحلات السابقة، سلك طيار سويسري طريقًا أكثر مباشرة، إذ نظم مؤتمرًا كبيرًا بالتزامن مع توقف رحلته في مراكش للحؤول دون قطع إجازته.

تتضمن الرحلة كذلك أنشطة غير مقرّرة، مثل الجولة الخاصة التي يستمتع فيها هواة السيارات بزيارة مجمع حلبة البحرين الدولية للفورمولا 1، وهي حلبة رائعة تزهو بالرموز المعمارية العربية وتضم مركزًا إعلاميًا متطورًا. وتزداد الحماسة أكثر عند ارتداء تريش والرجال ملابس وخوذات الفورمولا 1 للانخراط في سباق سيارات الكارتينغ على المضمار الذي تبلغ فيه درجة الحرارة 48.8 درجة مئوية.

محطتنا المقبلة كانت دبي، وعلى ما هو عليه حال البحرين، تَظهر على المدينة ملامح الثقافة الغربية، على ما تشهد منحدرات التزلج ومتاجر العلامات الراقية، مثل غوتشي وفالنتينو ودولتشي أند غابانا، في مول الإمارات الذي يضم أكثر من 630 علامة ويعد وجهة تسوق المجموعة. 

بعد الوصول في سيارة رولز - رويس، يلعب براندون جولة غولف ليلية، قريبًا من مساحة ترعى فيها غزلان المها تحت الأضواء الكاشفة. وتتخذ إقامتنا منعطفًا أكثر فخامة في فندق جميرا برج العرب. 

يتمايز هذا الفندق، المُصمّم على هيئة شراع والمنتصب على أرض مستحدثة، بطابع مُذهل وجذاب وباذخ وآسر. يشتمل المبنى على ردهة ذات أعمدةٍ ذهبيةٍ بطول 590 قدمًا وواجهاتٍ خارجيةٍ بيضاوية الشكل تضم نحو 100 جناحٍ تُشبه خليةً نحل عملاقةً، وليس تصاميم البشر. تتدثر أجنحتنا الفاخرة المُكوّنة من طابقين بألوانٍ زرقاء ملكية وحمراء زاهية وزخارف ذهبيةٍ عديدة.

وعقب وصولنا إلى أبوظبي، الإمارة الأغنى بالنفط، يُعقّب مرشِدنا سامِح: "كما يُقال، المال يشي بكل شيء". يُعد جامع الشيخ زايد الكبير أبرز معالم الإمارة، وهو مُجمعٌ بهيّ شبه سريالي مكسو بالرخام، تمتد مساحته على 1.78 مليون قدم مربعة ويضم 82 قبةً وأربع مآذن. يستوعب الجامع أكثر من 40,000 مُصلٍّ ويُبرز ثروة دولة الإمارات بجلاء. اقتنينا الملابس المُناسبة من المركز التجاري المحتجب تحت الأرض قبل انطلاقنا في جولةٍ خاصة عبر أنحائه.

تناولتُ الغداء في مطعم "أم شريف كافيه" المطل على الواجهة البحرية لأبوظبي، وقد كانت أطباقه الشرق أوسطية أشهى ما تذوقته على الإطلاق. كان الطعام الذي تناولته خلال هذه الرحلة ممتازًا عمومًا، ولكنه كان غربيًا. أما هذا المطعم، فيُقدّم أطباقًا متفردة، مثل لحم رأس العصفور مع دبس الرمان وحلوى الأرز بالحليب. ستستمع المجموعة كذلك بتناول أطباق محلية أصيلة في نيبال وبوتان.

دبي هي محطتي الأخيرة، وبعدها يغادر الرواد إلى كاتماندو. يَروج حديثٌ عن رحلة أخرى إلى أوراسيا في العام المقبل، مع إدراج وجهات جديدة. قبل مغادرتي، ألمح لاري كينغ، أحد طياري المجموعة. لقد ترك هو وزوجته جودي طائرتهما في الوطن ورافقا آل دوربين في هذه الرحلة، لكنهما قرّرا أن يقود لاري هذا العام طائرة Citation M2 في رحلتين أخريين من تنظيم Air Journey. وبحماسةٍ تُضاهي حماسة زملائه الرواد، يقول: "لا تعنيني الوجهة بقدر ما تعنيني الرحلة".