في عالم العطور حيث يبحث صانعوها عن الإلهام من كل حدب وصوب، من السفر والفن إلى الطبيعة والعمارة، تبرز علامة Future Society برؤية استثنائية تمزج بين العلم والفن. هذه العلامة الجديدة، التي أُطلقت بوساطة شركة Arcaea للتقنيات الحيوية في بوسطن والتي أسستها العالمة الموهوبة جاسمينا أغانوفيتش، تستخدم تقنية تسلسل الحمض النووي للأزهار المنقرضة لصنع عطور فريدة من نوعها.
بالتعاون مع معشبة جامعة هارفارد التي تضم أكثر من خمسة ملايين عينة نباتية، وشركة التكنولوجيا الحيوية Ginkgo Bioworks، نجحت Future Society في وضع تسلسل الحمض النووي لنباتات محفوظة في أرشيف هارفارد النباتي، يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 150 عامًا، ما أتاح فرصة نادرة للسفر عبر الزمن عبر الروائح. تقول أغانوفيتش عن هذا التعاون: "هذه ليست مجرد قصة، بل أداء مستمد من الطبيعة بلا حدود. لم يسبق لنا أن استطعنا أن نسافر عبر الزمن برائحة".
لكن، وبحسب أغانوفيتش، فإن العلم وحده لا يكشف الصورة كاملة، إذ إن تعقيد الأزهار يصل إلى إنتاج آلاف المركبات العطرية، ما يجعل مهمة إعادة بناء الروائح تعتمد على التفسير الفني لثلاثة عطارين عالميين، ليجسدوا عبر إبداعاتهم ما يمكن أن تكون عليه تلك الأزهار المنقرضة.
Future Society
تضم المجموعة ستة عطور تراوح روائحها المميزة بين الخشبية والزهرية، وكلٌ منها مستوحى من زهرة منقرضة وقصتها التي تروى على قوارير العطور، مثل عطر Invisible Woods المستلهم من زهرة Wendlandia angustifolia التي اختفت عام 1917 بسبب الجفاف في جبال الهند الغربية، وعطر Grassland Opera المبني على زهرة Orbexilum stipulatum التي كانت تنمو في جزيرة روك آيلاند في أضحل أجزاء شلالات أوهايو القديمة بأمريكا الشمالية، والتي انقرضت بعد القضاء على قطعان الجاموس التي كانت تمر عبر المنطقة، ما أدى إلى توقف انتشار بذورها، ثم في عشرينيات القرن الماضي، غمرت السدود المنطقة بأكملها ما أغرق معها آخر أمل لعودة هذه الزهرة، وعطر Solar Canopy المستوحى من زهرة Hibiscadelphus wilderianus التي اختفت في عام 1912 بسبب قطع الغابات في هاواي.
ولم تنس Future Society الاستدامة. فقارورات العطور مزودة بأغطية قابلة لإعادة التدوير بنسبة 100%، وهي مستوحاة من الأحجار، مع تصاميم غرافيكية تعكس بُعدًا مستقبليًا وألوانًا نابضة تتناغم مع كل عبق.
وأوضحت أغانوفيتش لشبكة سي إن إن: "أردنا تصنيع روائح لم نشمّها من قبل، وعطور كان من غير الممكن صنعها سابقًا"، وشرحت: "إنها تكنولوجيا مشابهة لتلك المستخدمة في مواقع مثل ancestry.com و23andme، حيث يرسل المستخدمون عينة من اللعاب في أنبوب، ويجري تحليلها لمعرفة معلومات عن جيناتهم، وقد استخدمنا هذه التكنولوجيا على عينات محفوظة من نباتات منقرضة، بحثًا عن جزيئات بدأت تعطينا لمحة عن رائحتها كيف كانت".
وفي ما يتعلّق بالعملية، شرحت أغانوفيتش أنّ العينات الفعلية "عبارة عن أجزاء صغيرة جدًا يجري إحضارها إلى المختبر، وتخضع لسلسلة من التفاعلات الكيميائية لتحليلها والتأكد من أن ما يتبقى هو الحمض النووي فحسب".
تجمع هذه العلامة بين العلم والحرفية، إذ ترى أجانوفيتش في العلم شكلاً من أشكال الفن والصناعة الدقيقة، تشبه في دقّتها صنع حقائب هيرميس أو سترات شانيل. وهذا المزيج الجديد يفتح آفاقًا مذهلة في عالم الجمال، مع احترام خُلقي للبيئة، إذ تعتمد الشركة على نمو المركبات عبر الميكروبية بدلًا من استخراجها من النباتات.
تؤكد أجانوفيتش أن الهدف ليس تجميل فكرة الانقراض، بل الاعتراف بها وتكريمها، والتحول نحو إعادة الابتكار عبر العلم، قائلة: "لا نستطيع إعادة الأزهار للوجود، ولا يمكننا أن نحل مشكلاتنا بالعلم وحده، لكن يمكننا أن نستخدمه لنفعل ما لم يكن ممكنًا من قبل".
وقد تعاونت Future Society مع صانعي العطور من دور العطور الشهيرة مثل Givaudan وRobertet للحصول على مزيج من العطور الطبيعية والمُهندسة بيولوجيًا. وبحسب موقع العلامة التجارية، فإن العطور الناتجة تعد "تحية إلى" ما كان يمكن أن تكون عليه رائحة تلك النباتات.