لم يكتفِ جورجيو أرماني بترك بصمته على منصات الموضة العالمية، بل نقل أسلوبه الذي يعبّر عن البساطة الراقية إلى مساحات العيش التي اختارها حول العالم. بين الساحل الإيطالي وجزر الكاريبي وسويسرا، بل على متن يخوته الخاصة، يعكس عالمه السكني فلسفة جمالية متفردة تتجاوز حدود الأزياء.
Mariù.. يخت يحتفي بالجمع بين الفخامة والانضباط
منذ البداية، لم يُخفِ جورجيو أرماني رفضه للإقامة في الفنادق أو حتى استئجار اليخوت التقليدية، معتبرًا أن معظمها مكتظ بالزخارف ولا يمنح الإحساس الحقيقي بالمحيط.
هذا الموقف لم يبقَ مجرد رأي، بل تجلّى عمليًا مع مطلع الألفية من خلال يخته ماريّو Mariù، الذي حمل اسم والدته ماريا، وبلغ طوله 150 قدمًا.
اليخت، الذي كان راسيًا في ميناء سان تروبيه لم يكن نسخة بحرية من أجنحة الفنادق كما هو شائع في عالم الفخامة، بل صُمم ليعكس فلسفة أرماني في الأناقة المتقشفة: مساحات داخلية تزخر بخشب الساج الطبيعي، وألوان هادئة تمنح راحة للنظر، بعيدًا عن الرخام والكريستال والزخارف البراقة التي تُثقل معظم اليخوت الأخرى.
وبهذا، صنع أرماني توازنًا دقيقًا بين الطابع العملي والترف، يتناغم به التصميم مع حركة البحر بدلاً من أن يتعارض معها.
شغف أرماني بـاليخوت الفاخرة لم يتوقف عند هذا الحد؛ فبعد سنوات، عاد ليبني يخته العملاق ماين Main باللون الأخضر الداكن وبقيمة بلغت نحو 60 مليون دولار أمريكي، ليؤكد مجددًا أن فلسفته في الجمع بين الفخامة والانضباط لا تعرف حدودًا، سواء على اليابسة أو فوق الماء.
Ocean Independence
مزرعة ساحلية في إيطاليا.. بداية الشغف بالديكور
بالعودة إلى الثمانينيات، وفيما كان اسمه يلمع بوصفه أحد أبرز صناع الموضة في العالم، أخذ جورجيو أرماني يكشف عن وجه آخر لشغفه: صياغة المساحات الداخلية برؤيته الخاصة.
ففي منزله الريفي في مدينة فورت دي مارمي الساحلية، قدّم نسخة شخصية من أسلوبه البسيط والأنيق، إذ أعاد تصميم البيت من الداخل بلمسات حداثية، وصمّم بنفسه قطع أثاث ستصبح لاحقًا نواة لخطه المنزلي Armani/Casa، الذي أطلقه عام 2000، مثل مصابيح الطاولة المثلثة التي تحولت إلى رمز مبكر لنهجه.
ما ميّز تلك التجربة هو أنها لم تكن مجرد إعادة ترتيب لمسكن ريفي، بل هي انعكاس حي لفلسفته الجمالية التي تنطلق من البساطة الأنيقة. الضوء بالنسبة له لم يكن مجرد وظيفة عملية، بل وسيلة لخلق أجواء من الصفاء والدفء، ولهذا انتقد ما اعتبره إفراطًا في تصميم المصابيح الحديثة.
وبالمنطق نفسه، فضّل أن تبقى الجدران البيضاء نقية بلا زخارف، مؤمنًا بأن الصفاء أهم من الزينة. وحتى حين تحدث عن اللوحات الفنية، رأى أنها تستحق فضاءً خاصًا يشبه المعرض، بدلاً من مزاحمة نقاء الجدران الداخلية.
كان منزله في فورت دي مارمي أكثر من مجرد بيت عطلات؛ فقد كان المختبر الأول لأفكاره في عالم التصميم الداخلي، ومقدمة لعلامة أثبتت لاحقًا أن بصمة أرماني لا تنحصر في الموضة وحدها.
Tuscany
Polar Bear House.. لمسة يابانية في قلب الألب
في سانت موريتز، البلدة السويسرية التي ارتبط اسمها بالفخامة الشتوية والنخبة العالمية، يقف كوخ تاريخي يعود إلى القرن السابع عشر، عرف باسم منزل بولار بير Polar Bear House، بوصفه أحد أبرز مقتنيات جورجيو أرماني العقارية.
ورغم احتفاظ الكوخ بالواجهة الحجرية التقليدية التي تحاكي عمق التراث الجبلي، إلا أن الداخل يكشف عن رؤية مختلفة تمامًا أعاد من خلالها أرماني صياغة المكان ليتحول من كوخ ريفي إلى ملاذ خاص يضاهي أرقى المنتجعات.
التصميم الداخلي يعكس بوضوح فلسفة أرماني الجمالية: مساحات رحبة تحتفي بالانضباط والهدوء، وأثاث مصمم بخطوط دقيقة تذوب داخل المشهد العام، وألوان داكنة تمنح إحساسًا بالدفء والصلابة في آن. التأثير الياباني واضح في التفاصيل، مستلهمًا روح نزل الريوكان، لتتحوّل البساطة إلى أداة للتعبير عن الترف.
بهذا المزج بين الصرامة السويسرية والأناقة الشرقية، صنع أرماني هوية جديدة للكوخ. كانت النتيجة تجربة معيشية متكاملة تتيح له أن يستمتع بالعزلة المترفة على القمم الثلجية، وسط أجواء توازن بين الأصالة والفخامة المعاصرة.
Saint Moritz
أنتيغوا.. فلل مطلة على الكاريبي
على حافة المنحدرات الصخرية المطلة على مياه أنتيغوا الفيروزية، اختار جورجيو أرماني أن يبني عالمه الخاص داخل فيلا فلاور Villa Flower وفيلا سيرينا Villa Serena. هاتان الفيلتان تعكسان فلسفته في الجمع بين البساطة المترفة والروح المحلية.
Antigua
أرماني وسّع مساحات الفيلتين لتستوعبا مزيدًا من الضيوف من دون الانتقاص من الإحساس بالخصوصية. من الحدائق المفتوحة على البحر، إلى الشرفات الفسيحة التي تبدد الحدود بين الداخل والخارج، كل تفصيل يعكس تجربة حميمية تُصاغ على إيقاع الطبيعة.
داخل الجدران، تظهر بصمات أرماني الإيطالية من خلال الأثاث البسيط والألوان الهادئة، متناغمة مع تفاصيل جزر الهند الغربية: خامات طبيعية، ونوافذ مشرعة على الهواء والشمس، وإحساس دائم بالدفء. النتيجة بيئة تنضح بالراحة والسكينة، يلتقي فيها ترف أرماني المصقول مع إيقاع الكاريبي.