حضور عالمي

"إنها توقعات تفوق ما يمكن تصوره، لكنها تعكس واقع الحال" على ما يخبرنا لوكا بوتزانو، المدير العام لشركة واتش بوكس الشرق الأوسط خلال لقائنا به مؤخرًا في المتجر الأول والرئيس لهذه المنصة، الشهيرة عالميًا في العالم الافتراضي، في مركز دبي المالي العالمي.

فقبل نحو سبعة أعوام، شرع ثلاثة روّاد أعمال متبصّرون هم داني غوفبرغ، وتاي ليام وي، وجاستن رايس، في التخطيط لبناء منصة عالية التقنية سرعان ما اضطلعت بدور ريادي في التحول الرقمي لقطاع الساعات الفاخرة، مكرّسة مكانتها بوصفها وجهة موثوقة لهواة الساعات من حول العالم. يقول بوتزانو: "يتيح موقعنا الإلكتروني استكشاف مخزون يضمّ نحو 8,000 ساعة مستعملة من ابتكار ما يزيد على 100 علامة فاخرة". لكنّ الجدير بالذكر أن التجربة التي توفّرها واتش بوكس اليوم ما عادت حكرًا على العالم الافتراضي.

فللشركة التي تتّخذ من فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية مقرًا لها مكاتب أو فروع أيضًا في هونغ كونغ، وسنغافورة، ونوشاتيل بسويسرا، ستُضاف إليها أخرى قريبًا في نيويورك وميامي ولوس أنجليس وزيوريخ. يندرج نموذج الأعمال المعتمد في هذه المواقع ضمن ما يُعرف باسم Point of Delivery (POD) أو "نقاط التسليم" على ما يوضح لنا بوتزانو مضيفًا: "نستقبل الزبون هناك بموجب موعد مسبق ليتسنّى له أن يستكشف شخصيًا عن كثب بعض الساعات التي تثير اهتمامه، فيما يتولى فريقنا مساعدته في استعراض ما يهمه من مخزون الساعات الوفير المتاح على المنصة الرقمية، موضحين له نموذج الأعمال الذي نعتمده في واتش بوكس".

يقول بوتزانو: "إننا في واتش بوكس نقوم بما يشبه رحلة في الاتجاه المعاكس. فعلى غير ما هو مألوف في العادة، انطلقنا من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي لنثري تجربة زبائننا بحيّز للتفاعل الشخصي.

يُعد هذا الموقع في دبي متجرنا الرئيس الأول، وقد بتنا في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة لافتتاح فرع في المملكة العربية السعودية، وتحديدًا في مدينة الرياض، في الربع الثاني من هذا العام". يشير بوتزانو إلى أن فرع الرياض سينطلق في هيئة مكتب من طراز POD يضم فريقه صانع ساعات وخبيرًا في تقييم الساعات.

لكن آفاق التوسّع في المملكة مفتوحة وقد يتبع ذلك مستقبلاً متجر مشابه لهذا المتجر في دبي. يقول بوتزانو: "الحقيقة هي أن منصتنا الرقمية تشهد حركة جيدة من المملكة العربية السعودية، لكننا أردنا إشراك زبائننا هناك في التجربة التفاعلية الحسية أيضًا".

الساعات الفرائد

بالعودة إلى متجر دبي، المنبسط على مساحة 1,650 قدمًا مربعة تتزيّن بمجلس للزوّار، وتكملها حجرة خلفية لصانع الساعات، يخبرنا بوتزانو أن هذه الواحة افتُتحت في نوفمبر 2019 في سياق المشروع المشترك بين منصة واتش بوكس الرائدة في بيع الساعات الفاخرة المستعملة وشرائها ومقايضتها، وشركة أحمد صديقي وأولاده، أشهر تجار بيع الساعات الراقية بالتجزئة في الشرق الأوسط.

منذ ذلك الحين، أتاحت هذه الشراكة استقدام خبرة واتش بوكس ومفهومها الريادي في سوق الساعات الثانوي إلى المنطقة موفرة ملاذًا لجامعي ساعات لا يطلبون الفرائد فحسب، ولكن ينشدون أيضًا مصدرًا موثوقًا ومرجعًا خبيرًا يُغنيهم عن المنغّصات التي ينطوي عليها التعامل في السوق الرمادية للساعات.

عندما تعبر مدخل المتجر، يتوقف ناظراك فوق جدار تتخلله خزائن تتألق خلف واجهاتها نحو 375 ساعة، كثير منها من نوادر ابتكارات دور عريقة في هذا القطاع، من أوديمار بيغيه وباتيك فيليب ورولكس إلى إف. ب. جورن (التي يتزايد اليوم الطلب على ساعاتها على ما يقول بوتزانو)، وشوبارد وهوبلو وأوميغا ولويس إيرار وغلاشوتيه وغيرها.

وإن لم تجد ضالتك بين هذه المجموعات المعروضة من الساعات الرياضية أو الكلاسيكية، والعصرية أو عتيقة الطراز، فإن الشاشات التي تعمل باللمس، والموزّعة بين الخزائن تتيح لك تصفّح مخزون واتش بوكس العالمي المقدرة قيمته بنحو 150 مليون دولار.

بل إن الخبراء في واتش بوكس يتولّون أيضًا مهمة البحث لزبائنهم عن ساعات غير متاحة في هذا المخزون. يروي بوتزانو تجربته في هذا المجال مع أحد الزبائن قائلاً: "أحد زبائننا في العين شغوف بساعات إيه.

لانغيه أند صونه. في يناير من عام 2021، طلب مني أن أجد له ساعة من طراز Lumen. كان العثور على نموذج من هذا الطراز صعبًا، لا سيّما وأن الدار لم تطرحه سوى في 200 نموذج. لكننا وجدنا طلبه في شهر مايو وعرضنا عليه صور الساعة والمبلغ المطلوب، فقبل بتسديد 25% من قيمة الساعة مسبقًا.

بعد أن ابتعنا الساعة، قمنا بإرسالها إلى مصنع الدار حيث استغرق العمل على إعادة تأهيلها بالكامل نحو أربعة إلى خمسة أشهر أخرى. بحلول موعد استلامنا للساعة في نوفمبر الفائت، كان سعر هذا الطراز قد ارتفع على نحو ملحوظ، لكن الزبون لم يكن مهتمًا بإعادة بيع الساعة. وقد طلب مني مؤخرًا أن أبحث له أيضًا عن ساعة من طراز Zeitwerk Lumen المعروف باسم "الشبح" (Phantom) لندرته، لا سيّما وأن إصداره اقتصر على 100 نموذج".

نموذج أعمال ريادي

لا يستطيع بوتزانو أن يقدّر الوقت الذي سيستغرقه العثور على الساعة الشبح. لكن المؤكد هو أن واتش بوكس تتمايز في السوق الثانوي للساعات الفاخرة بوفرة النماذج التي تتيحها مباشرة أو حسب الطلب لزبائنها من حول العالم. يقول بوتزانو: "لسنا متجر بيع بالمفهوم التقليدي. فشعارنا We Collect Together (نجمع الساعات معًا)، ونحن نمتلك كل ساعة في مخزوننا".

أتاح هذا المفهوم لواتش بوكس بناء شبكة من العلاقات طويلة الأمد مع كبار صنّاع الساعات والناشطين في هذا القطاع، وجامعي الساعات الذين يعتمدون على هذه المنصة لبيع الساعات أو شرائها أو مقايضتها. وبالإضافة إلى الشراء مباشرة من الزبائن، يحرص الخبراء في واتش بوكس على زيارة معارض الساعات لابتياع ما يتناسب مع توجّهات الشركة وطلب زبائنها، إلى جانب المشاركة في المزادات على الساعات أيضًا. وإن كان المخزون الوفير والمتغيّر دومًا الذي تمتلكه واتش بوكس يشكل واحدة من ركائز نموذج الأعمال الريادي الذي تعتمده، فثمة ركيزة أخرى تتمثل بأصالة المنتج. يقول بوتزانو: "لنفترض مثلاً أن زبونًا يرغب في مقايضة ساعته. فإن أول ما نقوم به هو فحص الساعة، وفي العادة تستغرق هذه الخطوة 24 ساعة".

يتولى صانع الساعات في متجر دبي فحص الساعة للتحقق من حالتها، ويشمل ذلك التحقق من وجود أي خدوش على العلبة أو الزجاج الكريستالي، ثم يفتح الجزء الخلفي من الساعة لفحص آلية الحركة. يوضح بوتزانو قائلاً: "من الضروري التأكد من أن قلب الساعة ينبض بالمعيار الحركي الأصلي، وأن أجزاء آلية الحركة كلها أصلية. فقد يحدث في بعض الأحيان أن تكون الساعة زائفة، أو أن تكون مثلاً آلية الحركة فيها أصيلة لكن جرى استبدال مكوّن غير أصلي بأحد جسور الساعة". الجدير بالذكر أنّ توخي أعلى درجات الموثوقية يجعل فريق واتش بوكس يتحقق أيضًا من أصالة الساعة عبر التدقيق في القوائم السوداء للساعات المسروقة.

في المرحلة الثانية، يتولى خبير تقييم الساعة ماليًا بحسب حالتها وإذا ما كانت تحتاج إلى صقل بسيط أو إعادة تأهيل بالكامل، ويجري اقتطاع كلفة هذه الأعمال من قيمة الساعة. فإذا ما قبل الزبون بالقيمة المقترحة، تبتاع واتش بوكس الساعة منه وتُحول المبلغ المتفق عليه إلى حسابه في غضون يومي عمل. لكنه يستطيع أيضًا المقايضة وفي هذه الحالة، قد يدفع مبلغًا إضافيًا إذا ما كانت الساعة التي ينشدها أغلى ثمنًا، أو قد يحصل على قيمة الفرق إذا كانت الساعة التي يبيعها هي الأغلى.

في دبي، توكل مهمة الإصلاحات البسيطة إلى مركز الصيانة SWS الخاص بشركة صديقي وأولاده والذي يعمل فيه 65 صانع ساعات. أما لإعادة تأهيل الساعات الأشد تعقيدًا، مثل تلك التي تشتمل على آلية كرونوغراف أو وظيفة معيد الدقائق، فلا بد من إرسال الساعة إلى مصنع الدار. وفي هذا يقول بوتزانو: "في مختلف الأحوال، يحصل زبوننا في نهاية المطاف على ساعة مستعملة ولكن حالتها تكاد تضاهي حال أي ساعة خرجت للتو من المصنع بحيث يصعب تمييز إحداهما عن الأخرى" يُذكر أن كل زبون يحصل أيضًا مع الساعة التي يبتاعها من واتش بوكس على ضمان شامل لمدة عامين.
 
تعتمد واتش بوكس هذا النموذج في العمل عبر المنصة الإلكترونية أيضًا وفي مختلف فروعها الأخرى بما يتيح تعزيز الشعور بالطمأنينة والثقة في أوساط زبائن تتشارك معهم الشغف بصناعة الساعات وأسرارها. فالهدف هو "أن يتمكّن الزبون من خوض هذه التجربة، سواء أكانت غايته البيع أم الشراء أم المقايضة، وهو مرتاح البال" على ما يقول بوتزانو.

وقد يكمن أحد أبرز العناصر المساعدة أيضًا على تحقيق هذا الهدف في الخبرات التي يمتلكها فريق عمل واتش بوكس من الخبراء الذين يمتلكون معرفة عميقة بفن صناعة الساعات وتاريخها، والفوارق الدقيقة في المجموعات الحالية المتاحة، وحتى التوجّهات السائدة في السوق الثانوية للساعات الفاخرة.

إنهم باختصار استشاريون مثاليون متاحون لمساعدتك على تقييم مجموعتك وإثرائها. وفي هذا يقول بوتزانو: "نحافظ على علاقات وثيقة مع زبائننا ونتفاعل معهم شخصيًا أو عبر اتصالات زوم وواتساب لإرشادهم. يجري أحد خبرائنا مثلاً اتصالًا شهريًا مطولاً بزبون لنا للحديث عن حالة السوق، والأنماط السائدة، والساعات، بل عن الطعام والسيارات والعقارات. باختصار، ما يطلبه هذا الزبون هو الفرصة لخوض هذا الحديث مع خبير عارف بأسرار السوق".