نشأتُ في جنوب إفريقيا وزرت 17 دولة إفريقية خلال السنوات الثماني الماضية. على أن أعوامًا عدة انقضت قبل أن أقرر العودة وأنا في سن الرشد بوصفي سائحة. كانت معظم الأمور لا تزال كما أتذكرها.

فالمناظر الطبيعية مبهرة، واستكشاف الحياة البرية تجربة ساحرة، والعادات والتقاليد المحلية لا تزال تنتقل عبر الأجيال. لكن بعض الأمور الأخرى بدت أكثر وضوحًا مما كانت عليه في زمن طفولتي.

أتذكر بوضوح رحلتنا من المطار إلى نزل السفاري الفاخر الجميل الذي كنا نقيم فيه، والقيادة عبر البلدات المجاورة، وكيف طُلب مني ألا أنظر حولي كثيرًا حتى أغض الطرف عن سبل عيش المجتمعات المحيطة. شعرت بالأسى، لكنني لم أتفاجأ تمامًا، وجاهدت لفهم كيف يمكن للملكية التي نتوجّه إليها أن تتعايش مع بيئتها المحيطة.

والحقيقة أن زيارة معظم البلدان الإفريقية لا تخلو من التناقضات. فالصورة النمطية لإفريقيا بعد انتهاء الاستعمار وضعت القارة تحت رحمة الغرب في أغلب تاريخها المسجل وحاضرها، وهو ما أعجز الأفارقة عن التحكم في صورتنا وكيف يُنظر إلينا على مستوى العالم.

ولكن يمكن للسياحة البيئية في إفريقيا، إذا جرى الاستفادة منها، أن تتيح إعادة صياغة هذه الصورة التي تسلط الضوء عادة على الفقر وعدم المساواة والاضطرابات السياسية.

فبالرغم من أن المشهد السياحي الإفريقي يضيء على الحياة البرية مترامية الأطراف والنباتات والحيوانات التي تنفرد بها القارة التي تشتهر بتراثها الثقافي الغني وجمالها الطبيعي، إلا أنه لا يُنظر إلى إفريقيا دائمًا بإيجابية: طالما كانت الصورة النمطية لإفريقيا هي الفقر والمرض والصراع، ما أدى إلى تجاهل العديد من المسافرين للقارة من حيث كونها وجهة تستحق الزيارة، ربما لحماية أنفسهم من حقائق تاريخ القارة وكيف ساء حالها بعد التخلي عنها.

ولكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن القارة تزخر ببعض الموارد الطبيعية الأكثر روعة في العالم وبمجموعة من الروّاد الذين يؤسسون أعمالاً ويقدمون منتجات محلية مذهلة. إذا ما أردنا أن نعيد تصويب الصورة، فلا بد لنا بداية من أن نواجه التحديات التي تعترض قطاع السياحة في إفريقيا والتي يمكن اختصارها بما يأتي:

النقص في إعادة الاستثمار

ثمة حركة متنامية بين الأفارقة، وخصوصًا أولئك الذين يعملون في قطاع الضيافة مثلي، لتسليط الضوء على الجوانب الإيجابية لإفريقيا التي تكرّسها وجهة مثالية للسياح. ويتمثل أحد هذه الجوانب في السياحة البيئية التي تركز على السفر المستدام وتعزيز الحفاظ على البيئة ومظاهر الحياة البرية، بموازاة توفير سبل عيش مستدامة للمجتمعات المحلية.

فالسياحة قد توفر مصدر دخل مهمًا لهذه المجتمعات، ولكن من الضروري أن يجري توزيع الفوائد بطريقة عادلة ومستدامة، وهذا يتطلب العمل مع السكان المحليين لتطوير أنشطة سياحية تتوافق مع أسلوب حياتهم وتدعم الحفاظ على البيئة الطبيعية.

الفجوة المعرفية

يعد الحفاظ على الحياة البرية من أكبر التحديات التي تواجه السياحة، وبالطبع صناعة الضيافة، داخل إفريقيا. فغالبًا ما تعجز المجتمعات القريبة من المتنزهات الوطنية عن فهم أسباب وجوب حماية الحياة البرية.

بالنسبة لكثيرين منهم، تعطل الحيوانات سبل العيش وتشكل خطرًا حقيقيًا على الحياة، إذ إنهم غالبًا ما يفقدون محاصيلهم بسبب الأفيال التي تتغذى عليها في منتصف الليل؛ أو حتى أسوأ من ذلك، عندما تستكشف الأسود ما وراء حدود المتنزهات الوطنية وتهدد حياة أطفالهم. لذا ليس من الصعب أن نفهم سبب غريزتهم لقتل الحيوان نفسه الذي من المحتمل أن يجلب منافع اقتصادية لمجتمعهم.

فيمباي ماسييوا

Groenewald
فيمباي ماسييوا

الملكية المحلية

أخيرًا وليس آخرًا، التحدي الذي أود أن أبرزه هو فكرة الملكية. تظهر الملكية بوصفها عنصرًا رئيسًا عندما يتعلق الأمر بتغيير صورة إفريقيا. أتت العديد من الشركات الأجنبية إلى القارة وأنشأت عقارات مذهلة، ولكن ثمة فجوة هائلة في الملكية المحلية.

لماذا لا يوجد المزيد من العقارات والشركات المملوكة للأفارقة والتي يديرها الأفارقة؟ فهذه الخطوة كفيلة بأن تدعم المجتمع المحيط بدلاً من إرسال الأرباح إلى الخارج. هذا لا يعني أنه لا ينبغي للشركات الأجنبية أن تستثمر في إفريقيا.

منتجع Batoka Zambezi Sands الذي ينبسط وسط واحة غنّاء عند الطرف الغربي من حديقة زامبيزي الوطنية.

Groenewald
منتجع Batoka Zambezi Sands الذي ينبسط وسط واحة غنّاء عند الطرف الغربي من حديقة زامبيزي الوطنية.


أعتقد أن ثمة طرقًا يمكن من خلالها تنظيم الاستثمارات بطريقة تفيد السكان المحليين خارج نطاق التوظيف: على سبيل المثال، بناء عقارات على أرض مؤجرة من المجتمعات المحلية، ما سيتيح للمجتمع تجميع الأموال من خلال رسوم الإيجار التي يمكن استثمارها في الزراعة والتعليم والشركات الصغيرة وغير ذلك.

سيتطلب ذلك نظامًا رقابيًا، مثل ذلك المعتمد في رواندا، حيث جرى تطوير مبادئ توجيهية للسياحة المجتمعية من أجل ضمان استفادة السكان المحليين من الشركات الخاصة التي تستثمر في الأنشطة السياحية.

والخلاصة أنه لا بد من القول إن الاستفادة من هذا السوق المتنامي تحتّم الاستمرار في مساعي دعم السياحة البيئية المستدامة في إفريقيا، وهذا يشمل الاستثمار في البنية التحتية والتعليم، فضلاً عن العمل مع المجتمعات المحلية لتطوير الأنشطة السياحية التي تتوافق مع أسلوب حياتها، وكل ذلك بالتوافق مع جهود الحفاظ على البيئة. ببطء، ولكن بثبات، ستتغير الصورة النمطية لإفريقيا، وستستمر في التغير.

قريبًا في يوم ما، سأحطّ في زيمبابوي ولن يُطلب مني أن أنظر بعيدًا، وحينها لن أتوقف عن الابتسام لمرأى المجتمعات المزدهرة والفصل الجديد في قصة إفريقيا.