تتنفّس الأرض ببطء في جنوب نيوزيلندا، حيث تنساب المروج بين تلال ناعسة، ويشق الضوء طريقه بين القمم الثلجية. هنا، يستقر منتجع فلوك هيل لودج Flockhill Lodge بوصفه أكثر من وجهة، بل تجربة تُعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والمكان. 

يمتد هذا الملاذ الاستثنائي عبر 36 ألف فدان في وادي كريغيبرن Craigieburn، في موقع ناءٍ لا يُدرك سحره إلا أولئك الذين يبحثون عن الجمال.

منتجع Flockhill Lodge

طعام يحكي قصة التربة

في مطبخ Flockhill Lodge، تُعامَل المكونات بوصفها امتدادًا للبيئة وليس مجرد عناصر للطبخ. يقود الطاهي تايلور كولين تجربة الطهو بروح منفتحة على تفاصيل الأرض، مستلهمًا المذاقات من فصولها المتغيرة. 

تنمو الفراولة الجبلية الصغيرة في الحقول المحيطة، ويُجمع توت الكاواكاوا المعروف لدى شعب الماوري لاستخدامه في وصفات تقليدية.

بعض المكونات تُستمد من الطبيعة المحيطة مباشرة: مخاريط الصنوبر تُخفَّف في شراب عطري، وزهور برّية تُسحق لتصبح توابل نادرة. 

منتجع Flockhill في جبال الألب: واحة خضراء تعيد تعريف السفر في قلب نيوزيلندا

FlockHill

أما الأطباق، من كرات البطاطس المحشوة بالكيمتشي إلى الفراولة المدخنة فوق بسكويت بالتوابل، فتتخذ طابعًا إبداعيًا يعكس هذا القرب من الأرض. لكل طبق مذاق فريد يروي فصلًا من ذاكرة المكان.

خلف هذه الواجهة المترفة، يخوض المنتجع معركته الصامتة لاستعادة النظام البيئي الذي طالته يد الزراعة الحديثة. يقود فريد كالدر، عضو فريق التنوع الحيوي، جهود مواجهة الأنواع الغازية، وفي مقدمتها أشجار الصنوبر البري التي تغزو الأرض مثل غابة كثيفة صامتة. 

أُزيل حتى اليوم أكثر من 10 آلاف فدان من هذه الأشجار في مشروع بيئي معقد يمتد منذ عام 2015، ويكلّف الملايين؛ لكن الأمر لا يتوقف عند القطع، إذ تُعالج الجذور بمركبات خاصة لقطع دابر النمو.

على مساحات أخرى، يعمل الفريق على إعادة غرس النباتات الأصلية من خلال جمع بذورها وتربيتها في مشاتل داخلية. كما أُنشئت منطقة خالية من المفترسات تضم 450 فخًا لوقف خطر الحيوانات الدخيلة مثل الأبوسوم والجرذان، التي تهدد حياة الطيور المحلية والنباتات الهشّة.

منتجع Flockhill في جبال الألب: واحة خضراء تعيد تعريف السفر في قلب نيوزيلندا

FlockHill

مغامرات تسمو بالنفس

وللوصول إلى Flockhill Lodge، يوصى بركوب القطار، تلك الرحلة التي تُعد بحد ذاتها تجربة روحانية. يخترق القطار أودية وسهولًا تذوب تدريجيًا في وعورة الجبال. ومع كل منعطف، يظهر مشهد جديد: أنهار متعرجة، وثلوج تلمع تحت ضوء ناعم، ومساحات مفتوحة كأنها تنادي المسافر بالهمس.

قد لا يعثر الزائر على منتجع صحي تقليدي، غير أن خيارات الاستجمام هنا تنبع من طبيعة المكان نفسها. يمكن للضيوف الانطلاق في مغامرات حقيقية تبدأ بركوب الدراجات الجبلية، والتزلج على المنحدرات البيضاء بالقفز من طائرات عمودية، وتمتد إلى استكشاف الكهوف، أو مراقبة الحيتان عند السواحل البعيدة. 

في موسم الصيد، تتحوّل الأنهار المجاورة إلى مسرح لمهارات الصيادين. أما هواة التحليق، فيستطيعون الوصول إلى المنتجع بطائرتهم الخاصة، ليحطّوا على مشارف مشهد طبيعي نادر، يُستقبل بالسكينة بدل الضوضاء.