لا يزال الإبحار باليخوت من مظاهر التنافس الفردي الأكثر شيوعًا، لكنه لم يعد محصورًا في ولوج المراسي نفسها واستعراض أمَارات الرفاهية أمام الحشود هناك. لقد أصبح مستأجرو اليخوت يميلون بالتدريج إلى الإبحار صوب ملاذاتٍ تتيح لهم قضاء الوقت بمعزل عن الحشود وتَقلّد دَور ماجلان واستكشاف الآفاق على متن اليخوت الفاخرة. وقد استجابت لهذه النزعة الجديدة شركات عدّة لتأجير اليخوت. 

إلى أقاصي الأرض

في هذا يقول نيل بيتمان، مدير قسم اليخوت في شركة Cookson Adventures المتخصصة في تنظيم الرحلات إلى جزر سليمان وباتاغونيا والقارة القطبية الجنوبية على متن اليخت الفاخر SuRi: "لقد أسهم وباء كورونا في زيادة عدد الأشخاص الذين يقصدون الوجهات النائية المدرجة على قوائم الأماني، وتنامي عدد اليخوت الاستكشافية المتاحة للاستئجار عبر الإنترنت".

ولهذا باتت غرينلاند قبلةً مفضلة للباحثين عن المغامرات في الأقاصي، لأنها معزولة ومعالمها الطبيعية وفيرةٌ وجمالها القطبي الشمالي بكر. للسبب نفسه تُخطط شركة كوكسون لتنظيم رحلاتٍ إلى هناك، حيث سيتسنى للضيوف معاينة الدببة القطبية وثيران المسك والذئاب وثعالب القطب الشمالي، فضلاً عن الاستمتاع بالتزلج الجبلي قفزًا من طائرة مروحية والمشي المطوّل بمحاذاة المضائق البحرية وزيارة قرى شعب الإنويت.

ولا تتوقف المتعة عند هذا الحد، إذ يُتيح الغوص بالغاطسة إطلالات أخّاذة على المضائق والجبال الجليدية والحيتان.

أما شركة Yellow Dog Flyfishing، التي يقع مقرها في مونتانا، فإنها تتخصص في الولوج الحصري إلى أكثر الوجهات عزلة وغنىً بالأسماك في العالم، وهي الآن بصدد نيل نصيبها من جزر أميرانتي. تُعد هذه الجزر الخارجية المحسوبة على سيشيل قبلةً للصيادين في المياه المالحة بسبب تعذّر الوصول إليها، ما يجعلها إحدى وجهات صيد الأسماك الضخمة الأكثر ثراء في العالم، إذ تعج الجزر المرجانية الضحلة والمسطحات الصافية بأسماك الباراكودا، والسلماني، والشيم العملاق، والزناد. وفي هذا يقول ألِيك غِيربيك، مدير برنامج رحلات الشركة إلى سيشيل: "لقد قيّدت هذه الجزر الصيد في المياه الضحلة، ولذلك فهي ممنوعة على عامة الناس".

أرخبيل ميرْغويْ النائي في ميانمار.

أرخبيل ميرْغويْ النائي في ميانمار.

 

تُنظم الشركة رحلةً مدتها عشرة أيام على متن اليخت متعدد الهياكل Quovadis الذي يبلغ طوله 75 قدمًا، وخلالها سيتوقف الضيوف ليوم واحد في جزيرة ريمير المرجانية المغمورة، ثم في جزيرة الضفاف الإفريقية، وبعدها في جزيرة ألفونس التي تشتهر بأنها أفضل موقع لصيد الأسماك العظميّة على الكوكب.

وعلى بعد محيطٍ من جزر سيشيل، تُنظم شركة EYOS مجموعةً من الرحلات الاستكشافية الصيفية إلى القطب الجنوبي على متن اليخت Hanse Explorer البالغ طوله 157 قدمًا، والذي سيخترق السواحل النائية والأنهار الجليدية المذهلة لهذه القارة الساحرة.

خارج موسم السفر إلى القطب الجنوبي، سيُستخدم اليخت الاستكشافي قاعدةً لشركة EYOS في منطقة ميلانيزيا الاستوائية. عاش روب ماكالوم، أحد مؤسسي الشركة، في بابوا غينيا الجديدة طيلة ثلاثة عشر عامًا، وهو يقول في معرض حديثه عن المنطقة: "لم تَطل أيدي الاستكشاف هذه المنطقة كثيرًا، لكنها كانت مِن مُحدِّدات هويتنا منذ أمد طويل".

في عام 2024، ستقود أنجيلا بينيفاذر (التي نشأت في بابوا غينيا الجديدة) رحلة استكشافية مختلفة كليًا، إذ ستُرافق الضيوف لمعاينة تجارب ثقافية نادرة مثل رقصة النار التي يُؤدّيها شعب بايْنينْغ في رابول، وستذهب معهم في رحلة سفاري جوية على متن طائرة خاصة لقضاء ليلة في غوروكا مع شعب آسَارو (رجال الطين) المنحدرين من قرية بولْغا.

 قارب Rascal في أثناء استكشاف لابوان باجو في شرق إندونيسيا.

قارب Rascal في أثناء استكشاف لابوان باجو في شرق إندونيسيا.

مغامرات استكشافية

أما أرخبيل ميرْغويْ الواقع قُبالة ميانمار، فإنه يُتيح للزوار فرصة السفر عبر الزمن واستكشاف جزره غير المأهولة البالغ عددها 800 جزيرة. صَممت شركة Black Tomato رحلةً على متن اليخت المتاح للاستئجار Dunia Baru والذي يبلغ طوله 167 قدمًا، تشتمل على جولات استكشافية إلى الشاطئ بصحبة مرشدين.

تتخلل هذه الجولات مسيرات في الغابة وسط القطط البرية والقرود، ومغامرات استكشافية للكهوف الجيرية وزيارات إلى قرية صيادي موكينْ شبه الرحّل الذين يُزوّدون اليخت بالمأكولات البحرية. وفي هذا تقول إيما دي فادر، رئيسة قسم العلاقات العامة في شركة بلاك توماتو: "لا يُرى إلا ضوء النجوم في العديد من هذه المراسي". وتُضيف: "تتيح هذه الجزر تجارب لا نظير لها في أي مكان آخر".

أما الإبحار عبر المناطق المنعزلة العذراء في مثلث المرجان وراجا أمبات في إندونيسيا، فيختلف عما تتيحه تجارب الإبحار الأخرى، لأن الخوض في تلك المناطق يحتاج إلى مراكب مصنوعة يدويًا من خشب الساج والخشب الصلب. ولكن الطابع التقليدي لهذه القوارب لا يعني أنها بدائية، والدليل على ذلك أن شركة Rascal Voyages تُنظم رحلة مدتها سبعة أيام تنطلق من لابوان باجو إلى بالي على متن القارب الفاخر Rascal الذي يبلغ طوله 98 قدمًا والمتاح للاستئجار.

وتتضمن هذه الرحلة ركوب الأمواج والغوص مع أسماك قرش الحوت في سومباوا، بالإضافة إلى الغوص برفقة العلماء في متنزّه كومودو الوطني في سياق أنشطة البحث والحماية المتعلقة بأسماك شيطان البحر.

يحضر هذا الجانب التطوعي أيضًا في إحدى الرحلات التي تُنظمها شركة كوكسون في فيجي، إذ أتاح يخت الاستئجار الاستكشافي لهذه الرحلة توثيقَ قاع بحرِ أحد الخلجان المحلية. وفي هذا يقول بيتمان: "لقد ساعدت البيانات التي جرى جمعها إحدى القبائل المحلية على توسيع المنطقة البحرية المحمية للخليج". انعزالٌ وعطاءٌ في آن؟ نعم، ولا يتطلب هذا إلا قليلاً من التخطيط.