ابحث عن مجال غير مستكشف يفتنك حقا، ثم تمرس على امتلاك الخبرة اللازمة فيه، واحرص بعد

ذلك على ألا ينظر الآخرون إلى عملك بوصفه صيحة آنية وحسب

 _ جيري سولومون Jerry Solomon

 

 جيري سولومون

 

عندما تزور منزل جيري سولومون التاريخي في هوليود هيلز، يبهرك مقدار اتساع نطاق اهتمامه بجمع التحف. في زاوية من الدار ذات الطراز المعماري المتوسطي التي ترتفع في طبقات عدة، والتي كانت ملكيتها تعود في مرحلة ما إلى الفنانة روزالين روسيل، وُضعت طاولة جانبية اكتظت بمجموعة تماثيل تجسّد أفرادًا من قبائل تاينو الكاريبية المحلية. أما غطاء جهاز البيان، فيغص بتماثيل لشخص بوذا واقفًا وقد توزعت من حولها مجموعة من سيوف مانداو التقليدية المميزة لقبيلة داياك في بورنيو. في ردهة مظلمة في الدار، ينتصب درع محارب أوروبي كأنه يحرس المكان، فيما تسوّره من كلا الجانبين تماثيل خشبية من بورنيو ومنحوتات برونزية أثرية من فيتنام. وفي الدار أيضًا رف مدفأة يُستخدم منصة لعرض مجموعة من الأقنعة التي تعود إلى ثقافات مختلفة. فضلاً عن ذلك، يحتضن المنزل مجموعة سولومون الخاصة من الأعمال الفنية اليابانية.

 

قناع Red Oni من أواخر حقبة موروماتشي في القرن السادس عشر

قناع Red Oni من أواخر حقبة موروماتشي في القرن
السادس عشر. أرخ البائع في الأصل هذا القناع بوصفه
يعود إلى مرحلة سابقة، وتحديدا إلى حقبة كاماكورا. لكن
أسلوبه التصميمي أظهر أنه يعود إلى فترة لاحقة. على الرغم
من أن المعنى التعبيري للقناع غير واضح، إلا أن اللسان
البارزيعزز ملامحه المثيرة للذعر.

 

يتضح من خلال الأعمال الفنية المعروضة أن سولومون يتمتع بفضول ونهم شديدين بوصفه باحثًا متعطشًا للاستكشاف يمتلك نظرة ثاقبة للحكم على مزايا الجودة والأصالة. بل إنه دومًا في رحلة بحث لا تنتهي عن الروائع الفنية، لا سيما تلك التي تتميز بطابع قبلي، ما فرض عليه القيام برحلات متكررة إلى نيويورك ولندن وباريس وبروكسل وألمانيا واليابان.

 

قناع Jomen من حقبة كاماكورا  في القرن الثالث عشر أو القرن الرابع عشر

قناع Jomen (يصور رجلا مسنا) من حقبة كاماكورا 
في القرن الثالث عشر أو القرن الرابع عشر.

 

تركزت اهتمامات سولومون الأولية بالفن الياباني حول مقتنيات ترتبط بمحاربي الساموراي، على غرار الدروع والخوذ وتماثيل حرّاس السيوف المعروفين باسم «تسوبا». اليوم يشتهر سولومون بوصفه خبيرًا عالميًا في هذه الموضوعات. بعد ذلك، في عام 1970 تحديدًا، ابتاع سولومون بعض الأقنعة اليابانية القديمة من أحد التجار في سان فرانسيسكو، ليصبح لاحقًا أسير هذه الفرائد. يقول سولومون: «كانت تلك الأقنعة متفردة بمختلف المقاييس. باختصار، لم أكن قد صادفت من قبل أي أعمال فنية قبلية تضاهيها من حيث الجودة والإتقان الحرفي». أدرك سولومون سريعًا أن تلك الأقنعة كانت أشبه بكنز مفقود وبدا أن اليابانيين أنفسهم ما كانوا يعرفون عنها كثيرًا. إذ يستذكر سولومون تلك البدايات، يقول: «انتهى بي المطاف إلى شراء مجموعة رائعة من الأقنعة من تاجر قديم في كيوتو اعترته الدهشة بسبب اهتمامي بهذه القطع النادرة إنما غير المعروفة على نطاق واسع». آنذاك، استغرب سولومون بدوره القيمة النسبية للأقنعة. في هذا يقول: «اكتشفت أني أستطيع ابتياع هذه الأقنعة مقابل نسبة ضئيلة من السعر الذي كنت سأتكبده لو أنها كانت تعود إلى ثقافة أخرى». كان مصدر سولومون الرئيس للتزود بالأقنعة هو الفنان ناغاساوا أوجيهارو الذي عُدَّ، حتى تاريخ وفاته في عام 2003، كنزًا وطنيًا حيًا في اليابان لمهارته الفائقة في صنع أقنعة «نو» Noh. يضيف سولومون: «عرف أوجيهارو أن تلك الأقنعة ذات الطابع الديني كانت النماذج الأولية لأقنعة نو، لذا عكف على دراستها. كنت أقايض أحيانًا أقنعة نو التي أجدها في الأسواق بالأقنعة ذات الطابع الديني التي كان يراكمها. كانت تجمعنا علاقة فذة. أما القناع المفضل لديّ، فهو ذاك الذي حصلت عليه منه هدية. إنه قناع جومن Jomen صغير قديم جدًا ومعبِّر. إنه تحفة آسرة».

 

قناع Oni  من أواخر حقبة كاماكورا في القرن الرابع عشر

قناع Oni ذو الفم المفتوح، من أواخر حقبة كاماكورا
في القرن الرابع عشر.

 

يشير سولومون إلى أقنعة شينتو، أو كاغورا الدينية بوصفها «الروابط المفقودة» لأن تاريخ إبداعها يربط بين الحقبة الزمنية التي تفصل بين صناعة آخر أقنعة بوغاكو Bugaku (حوالي عام 1185) وابتكار أول قناع من أقنعة نو في القرن الرابع عشر. كانت الوظيفة الرئيسة لتلك الأقنعة روحانية. ويقول سولومون إن أهم الأمثلة على تلك الأقنعة ترجع إلى حقبة كاماكورا (1333-1185)، وحقبة موروماتشي (1573-1333)، المتزامنتين مع العصور الوسطى في أوروبا، والتي يعمد سولومون أيضًا إلى جمع أعمال فنية ابتُكرت خلالها. ويرى سولومون أن الأقنعة اليابانية تنافس بفتنتها الآسرة وحرفيتها المتقنة التماثيل التي أبدعها النحاتان تيلمان رايمنشنايدر وفيت ستوس من خشب أشجار الزيزفون.

 

قناع Oni من القرن السادس عشر أو القرن السابع عشر

قناع Oni من القرن السادس عشر أو القرن السابع عشر.

 

بسؤال سولومون عن عدد الأقنعة القديمة ذات الطابع الديني، أجاب قائلاً إن التجار يُجمعون على أن عددها يصل إلى حوالي سبعة آلاف قناع، على الرغم من أن أحدًا لا يعرف الرقم الصحيح على وجه اليقين. كما أن معايير الجودة تختلف اختلافًا كبيرًا بين قناع وآخر. يقول جامع الأقنعة: «أعرف أني قد أشتري قناعًا واحدًا من أصل 20 قناعًا إلى 25 قناعًا أعثر عليها».

 

قناع Oni من أواخر حقبة موروماتشي في القرن السادس عشر

قناع Oni من أواخر حقبة موروماتشي في القرن
السادس عشر.

 

على الرغم من أنه لا يوجد شيء مؤكد مطلقًا، إلا أن ثمة عوامل تحدد ما إذا كان أي قناع سيضاف إلى مجموعة سولومون التي تضم حاليًا نحو 60 قناعًا. تحظى جودة النحت والتعبيرات العاطفية التي يعكسها القناع بأهمية قصوى من منظور سولومون، لكن عمر القناع وحالته يشكلان أيضًا عاملين مهمين. في المقابل، من الصعب في العادة إثبات المنشأ، لأن عددًا قليلاً فقط من الأقنعة ذات الطابع الديني ممهور أو مؤرخ من قبل النحاتين الذين أنجزوها أو المانحين الذين طلبوا نحتها. فضلاً عن ذلك، يهتم سولومون اهتمامًا بالغًا بالطلاء المعتق الذي يتدثر به القناع، وبما يمكن استبيانه عن عمر أي غرض وقصته من خلال لونه ومدى عتقه.

 

 قناع Oni من حقبة موروماتشي في القرن السادس عشر

 قناع Oni ذو الفم المفتوح، من حقبة موروماتشي
في القرن السادس عشر.

 

يرى سولومون أن ثمة جماليات عالمية تتجسد في الروائع الفنية التي تنبثق من كل ثقافة. وهو يقول: «لا أعتقد أنك تتعلم كثيرًا من خلال الأعمال الفنية السيئة. لكن أي تحفة إبداعية كفيلة بأن تثري معارفك إلى حد بالغ. عندما تعثر على مأثرة إبداعية، ستدرك على الفور أنك وجدت تحفة. لكن هذا الأمر نادر جدًا. لقد اكتشفت في الأقنعة اليابانية وتماثيل حرّاس السيف «تسوبا» مآثر فنية بديعة قد لا أستطيع يومًا أن أجد لها رديفًا في أي مجال آخر في العالم».