في البحر ذهب ونفائس كثيرة، لكن تحديات وقوانين قد تحول دون احتفاظ صائدي الكنوز بما يكتشفونه وسط أنقاض السفن الغارقة.

 

بداية، لا يجدر بكم استخدام تسمية "صائدي الكنوز". لا شك في أن هذه التسمية هي ما كان يطلقه المشاهدون في العادة على تلك الشخصيات غير التقليدية، مثل ميل فيشر الذي عثر سنة 1985 على السفينة الشراعية أتوشا Atocha قبالة جزر فلوريدا كيز. شملت اكتشافاته آنذاك سبائك من الذهب والفضة، وقطعًا نقدية، وجواهر وحجارة زمردية، وقُدرت قيمة هذه الغنائم بنحو 400 مليون دولار. في متجر فيشر الإلكتروني، تُباع قطعة نقدية من الذهب عيار 14 قيراطًا عُثر عليها في حطام سفينة أتوشا بمبلغ قدره 13,700 دولار.


لكن ابتياع مثل هذه الغنائم التاريخية يثير استياء الناس على ما يقول جيم سينكلير، عالم الآثار البحري المنخرط في اكتشاف أنقاض أتوشا. فالأكاديميون والمشرعون الذين يرغبون في حفظ هذه الكنوز في المتاحف أو في مواطنها الأصلية، ينفرون بشدة من أي شخص يحقق أرباحًا من اكتشاف ما. يقول سينكلير: "إذا ما أطلقت تسمية صائد كنوز على أحدهم في مجتمع علماء الآثار، فإنك تفتعل شجارًا."


يتناقص عدد الأشخاص الذين يتماهون مع النموذج التقليدي الذي يجسّده فيشر. لا يزيد اليوم عدد الشركات الأمريكية التي تنظّم رحلات تنقيب عن الكنوز على 15 شركة إلى 20 شركة على ما يقدّر سينكلير. بل إن هذه الشركات تعمد عمومًا إلى الاستعانة بمتعاقدين مستقلين من أصحاب الخبرات المختلفة. يقول سينكلير: "ينبغي لهذه الثقافة أن تنمو وتحاول التكيف مع الحاضر أو أن تتلاشى."


يوافقه الرأي شون كينغسلي، عالم الآثار البحرية ورئيس تحرير مجلة ريكواتش Wreckwatch الذي يقول: "إن العصر العظيم لصيد الكنوز قد ولّى. ففيما تفتن فكرة صيد الكنوز العامة إلى حد بالغ، أوقفت منظمات في طليعتها اليونسكو أي مشروع قد يشتمل بمقدار ذرة على إمكانية تحقيق أرباح مالية".

"لا تزال بعض السفن العظيمة المحملة بالكنوز، مثل سفينة ميرشانت رويال، في البحر، ضائعة في مكان ما قبالة كورنوول، وفي جوفها غنائم براقة تقدر قيمتها بنحو 1.5 مليار دولار."


لكن المفارقة أن العالم لم يشهد وقتًا أفضل من الآن للبحث عن الكنز. يقول خوان مانويل غراثيا، رئيس اتحاد استعادة السفن الشراعية الإسبانية: "إن الذهب الموجود في خليج قادش يفوق ما هو محفوظ في بنك إسبانيا". أما كينغسلي، فيشير إلى أن "بعض السفن العظيمة المحملة بالكنوز، مثل سفينة ميرشانت رويال، لا تزال في البحر، ضائعة في مكان ما قبالة كورنوول، وفي جوفها غنائم برّاقة تُقدر قيمتها بنحو 1.5 مليار دولار."


بالرغم من أن السجلات التاريخية التي توفّر معلومات (غير موثوقة في غالب الأحيان) عن مواقع حطام السفن لم تتبدّل، إلا أن ابتكار النظام العالمي لتحديد المواقع وفّر للباحثين أداة دقيقة على نحو غير مسبوق مقارنة بالخرائط الورقية التي كانت لا تزال مستخدمة في ثمانينيات القرن الفائت، والتي كانت تُغطى برقائق ميلار في محاولة لفهم أشكال الحطام الذي قد يمتد لأميال تحت سطح الماء بسبب الأعاصير والتيارات القوية.


يقول سينكلير إن الباحثين تبنوا مؤخرًا أنظمة معلومات عالمية، مضيفًا: "لقد غيرت هذه الأنظمة إيقاع البحث. نحفر حفرة ونجعل لها رقمًا. كل ما يتعلق بهذه الحفرة محفوظ في قاعدة البيانات، ويمكنك نقل المعلومات كلها إلى برنامج المسح الجغرافي GIS الخاص بك. كان رسّام الخرائط ليحتاج في العادة إلى أعوام لرسم هذه المخططات باستخدام منقلة." يقول سينكلير إن المسار الحالي "سريع مثل البرق".


فضلاً عن ذلك، تُستخدم في عمليات التنقيب اليوم مركبات ذاتية القيادة تنتقل تحت سطح الماء، وتحمل على متنها آلات تصوير، وأجهزة استشعار، ومسبارًا للمسح الجانبي. إنها مركبات شديدة الكفاءة لكنها مكلفة أيضًا، ولا ضمانة لنجاحك حتى في الحفاظ على عائد محتمل على هذا الاستثمار. فعلى ما تبين لأحد الفرق بعد استكشاف حطام سفينة إسبانية قبالة البرتغال، تتيح القوانين لدول المنشأ أن تدّعي ملكية الغنائم المستعادة. بعد أن وصلت القضية إلى المحاكم الاتحادية في الولايات المتحدة الأمريكية، أُجبر طاقم البحث على تسليم كامل العملات النقدية المستعادة، والتي قُدرت قيمتها بأكثر من 500 مليون دولار، إلى الحكومة الإسبانية.


يشدد كينغسلي على ضرورة ألا تُقاس قيمة الكنوز في قعر البحر بالدولار، بل "من خلال حكايات السفن والأفراد الذين يساعدوننا على تقدير أصولنا" على ما يقول. لكن كينغسلي يدرك أيضًا أن صيد الكنوز سيتواصل، على الأقل في المناطق الأقل نموًا حيث تطبيق القوانين البحرية أقل صرامة. يقول كينغسلي: "صحيح أن ثمة أملا ضئيلا بالفوز بالكنز الغارق، إلا أن القلة من المغامرين الجسورين سيجازفون دومًا بكل ما لديهم لتحقيق فوز عظيم"، مضيفًا: "لكن سمعة بعضهم تحطمت فيما كانوا يحاولون إيجاد ما لا يمكن العثور عليه."