يفرحني أن يأتي الخبراء لتفقد مجموعتي، لأني غالبًا ما أعرض مجموعة جديدة كليًا  _ تشارلز هاك Charles Hack

 

ما إن تطأ قدماك دار المستثمر العقاري تشارلز هاك في حي ساتون بلايس النيويوركي حتى تجد نفسك في منزل هو أقرب إلى خزانة عجائب تبهرك قيمة الروائع المعروضة فيها بقدر ما يدهشك عددها الهائل. فالبهو الفسيح يتزين بقطع أثاث أبدعها المهندس المعماري النمساوي جوزيف هوفمان، وبأعمال من روائع الحقبة الفنية الانفصالية تحمل توقيع فرانز فون ستوك وتوقيع كولومان موزر، فضلاً عن لوحات من إبداع الفنانين البلجيكيين من المدرسة الرمزية فيرناند نوف وليون سبيليارت.

 

أما غرفة المعيشة، فتزهو بمنحوتات برونزية من عصر النهضة، من بينها مجسّم لمحرك البخار البدائي صُمم على شكل بجعة، فبدا جميلاً وإن كان منافيًا للمنطق. يمكن لهذا الإناء البرونزي الذي يعود إلى القرن السابع عشر، والذي صُنع على الأرجح هدية للإمبراطور الروماني رودولف الثاني، أن ينتج البخار في عرض مذهل عندما تغلي المياه بداخله بعد تسخينها بلهب متصاعد من خشب يحترق. في الغرفة أيضًا آلة بيان ضخمة تعلوها رزمة من المطبوعات النادرة التي ابتاعها هاك حديثًا ولم تتسن له الفرصة بعد لفهرستها. تشمل الرزمة أعمالاً كثيرة تحمل توقيع الرسام فيليكس بوهوت، ومن بينها مجموعة من ست لوحات تصوّر أفق باريس كان بوهوت قد أبدعها في سبعينيات القرن التاسع عشر، فجعلها شبه متطابقة في التركيب إنما مختلفة في الأجواء وتناسق الألوان، ليمثّل كل منها مرحلة مختلفة في تاريخ فن الطباعة.

 

كل ما هو معروض يدل على عقلية فضولية ونظرة ثاقبة. لكن الأهم من ذلك كله هو ربما ما لا يراه المرء مباشرة في هذا المنزل المطل على إيست ريفر والمتسربل بأشعة الشمس، وتحديدًا المجموعة الثمينة من روائع أعمال كبار قدامى الرسامين. فالأعمال الفنية التي يقتنيها هاك تضم وفرة من اللوحات الهولندية والفلمنكية التي تعود إلى القرن السابع عشر وتحمل تواقيع فنانين كبار أمثال كورنيليس فان هارلم، وأبراهام بلومايرت، وهندريك غولتزيوس، وبيتر بول روبينز.

 

لكن كما يعرف جامعو التحف، لا مكان للوصال بين ضوء الشمس والرسومات الفنية. لحفظ مقتنياته ضمن هذه الفئة، طلب هاك تصميم خزانة مصقولة من الخشب تحتوي على ألواح عمودية مزدوجة الوجه وتنزلق إلى الخارج من حول محور بما يتيح للناظر تأمل الأعمال الحساسة للضوء. مع أن معظم الأعمال تحمل تواقيع الرسامين الذين أبدعوها، إلا أن ثمة أعمالاً أخرى لا تحمل تواقيع، ما يؤدي إلى تكهنات حول الرسامين الحقيقيين الذين أنتجوها.

 

يقول هاك بالإشارة إلى لوحة صغيرة: «ابتعت هذا الرسم الشخصي على أنه من إبداع الفنان الألماني لوكاس كيليان، لكني أعتقد أنه أجمل من أن يكون كيليان هو من رسمه. لعل هذا الرسم من إبداعات الفنان كريسبن دو باس. يفرحني أن يأتي الخبراء لتفقد مجموعتي، لأني غالبًا ما أعرض مجموعة جديدة كليًا».

 

الرسم الأولي للوحة التي نقشها فيليكس بوهون قرابة سنة 1876 بعنوان Une matinée d’hiver au Quai de l’Hôtel-Dieu «صباح شتوي على رصيف فندق ديو»، إلى جانب مطبوعات تمثل ثلاثًا من مراحل طباعة اللوحة الخمس.

 

يقول هاك في معرض تعليقه على أول عمل فني يدخل مجموعته من روائع أعمال كبار قدامى الرسامين، وهو لوحة Annunciation of the Shepherds «بشارة الرعاة» التي أبدعها بلوميرت حوالي عام 1605: «لهذا العمل قصة شائقة. ففي نوفمبر تشرين الثاني من عام 1992، كنت في زيارة إلى أمستردام لحضور مزاد تنظمه دار كريستيز. حضرت المزاد لاهتمامي تحديدًا بالاستحواذ على لوحة Fall of Phaeton «سقوط فيتون الإغريقي» التي رسمها غولتزيوس قرابة سنة 1588، والتي سرعان ما رفع المزايدون سعرها إلى رقم فلكي بلغ نحو 100 ألف دولار، إن لم تخني الذاكرة. عندئذ، تخليت عن فكرة ابتياعها. وإذ عُرضت لوحة الفنان بلوميرت، ابتعتها كجائزة ترضية. صادف أني كنت آنذاك أحد أعضاء اللجنة التي تزور قسم الطباعة والرسوم في متحف متروبوليتان للفنون. بعد ابتياع هذه اللوحة، وفيما كنت أتحدث إلى أحد القيّمين على المتحف متحسرًا على خسارتي، علت وجهه نظرة متعجرفة وأجابني قائلاً: «نحن ابتعنا تلك اللوحة». اتضح إذ ذاك أني كنت أدخل المزاد ضد متحف متروبوليتان للفنون. لذا أواظب اليوم على زيارة المتحف بانتظام لكي أتأمل «لوحتي» دون تكبّد مبلغ المئة ألف دولار. أعتقد أني أراها أكثر مما أرى بعض اللوحات التي أمتلكها».

 

رسم بالألوان الزيتية أبدعه الفنان بيتر بول روبينز خلال الفترة الممتدة بين عام 1634 وعام 1635.

 

في مكتب هاك، تتوزع مجموعة أخرى من الخزائن المصممة حسب الطلب والتي تكشف لدى فتحها عن رفوف تزدحم بصناديق مصممة في هيئة كتب ويحتوي كل منها على المزيد من الرسومات والمطبوعات. يبرز ضمن هذه المقتنيات رسم بالألوان الزيتية أبدعه الفنان بيتر بول روبينز تقريبًا خلال المدة الممتدة بين عام 1634 وعام 1635. يقول هاك: «لرسومات روبينز الأولية طابع مباشر أكثر من لوحاته، إذ إنها تبين ما يفعله الفنان حقيقة عندما لا ينهك نفسه في رسم موضوعاته».

 

لوحة «بشارة الرعاة» لأبراهام بلوميرت حوالي سنة 1605، وقد ابتاعها هاك في مزاد لدار كريستيز في أمستردام في نوفمبر تشرين الثاني من عام 1992.

 

لا شك لدينا في أن هاك سيكتشف أعمالاً فنية مهمة لإثراء مقتنياته من خلال مزاد «روائع أعمال كبار الفنانين في نيويورك» الذي يُعقد في نيويورك من 27 يناير كانون الثاني وحتى الثالث من فبراير شباط.

 

   

لوحة Cephalus and Procris (سيفالويس وبوكريس في الميثولوجيا الإغريقية) التي رسمها الفنان أبراهام بلوميريت قرابة سنة 1620، وقد حصل عليها هاك عام 1995 من تاجر للمقتنيات الخاصة.