مع مالك جديد وإطلاق مجموعة ابتكارات جديدة، تتطلع دار باكارا إلى بناء مستقبل مشرق يستلهم ماضيها المعتّق بالذهب.

 

قبل بضع سنوات، كانت كوكو تشو، رئيسة مجلس إدارة فورتشن فاونتن كابيتال، وهي مجموعة مالية آسيوية عريقة، في زيارة إلى باريس لحضور عرض للأزياء بدعوة من دار شانيل. خلال الزيارة، اقترح عليها أحد الأصدقاء من دار الأزياء تناول العشاء على إحدى موائد مطعم لو كريستال روم الذي يشغل الدور العلوي من متحف باكارا الشهير الواقع في الدائرة السادسة عشرة في باريس، والأقرب إلى فضاء أنيق يعلو فوق أي تسمية متواضعة لما يمكن وصفه بالمقهى المتحف ومتجر الهدايا.

 

كان متحف باكارا، الذي يختزل بكثير من الرقي والفخامة الإرث التاريخي لتصميم أواني الكريستال وصناعتها الحرفية، يشكّل فيما مضى مقر إقامة الفنانة الفرنسية والكونتيسة ماري-لور دو نواي وزوجها تشارلز. في عام 2003، استعانت دار باكارا بالمصممين فيليب ستارك وجيرارد غاروستي لإعادة تصميم منزل الكونتيسة. يتواصل اليوم مسار التطوير الذي شهده المنزل المهيب من خلال أعمال تجديد مطعم لو كريستال روم والتي أنجزت مؤخرًا تحت إشراف المصمم المتميز الفرنسي جاك غرانج، فيما يجري العمل أيضًا على استحداث حديقة ومطعم جديد في هذه الواحة. هذا الفضاء، بمحيطه الباذخ الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، يثير تحديدًا غيرة المتاجر الكبرى العريقة والمحال الجادة الأخرى التي تنظر إلى المتحف بعين الانبهار.

 

 

كانت زيارة كوكو تشو لمتحف باكارا في باريس أقرب إلى تجربة أحدثت تحولاً مهمًا في حياتها. صحيح أنها زارت من قبل متجر الدار في هونغ كونغ، فألفت منظر الأواني والكؤوس الكريستالية التي تشتهر العلامة بابتكارها، لكن زيارتها للمطعم في ساحة 11 بلاس دي زيتا زوني تركت لديها انطباعًا عميقًا. في هذا تقول كوكو تشو: «شعرت بأني ألتقي ثقافة الدار وأمسّدها بيدي، وهذه تجربة مختلفة تمامًا عن ذلك الإحساس الذي يعتريك وأنت ترى ابتكارات باكارا داخل أحد المتاجر. هنا، أنت تنظر إلى الجمال بعينه، وحين تقصد هذا المكان، يغلب عليك شعور عارم بما يعنيه الجمال تمامًا». وإذ تعاظم اهتمام تشو بما رأته، قامت بزيارة متحف باكارا واطلعت على المزيد من المعلومات عن الدار. بدا في نهاية المطاف أن الصدى الراسخ الذي أحدثته لديها الإبداعات الكريستالية سيتشابك مع تفاصيل حياتها المهنية. ففي شهر يونيو حزيران الماضي، استحوذت مجموعة فورتشن فاونتن كابيتال على الحصة الأكبر من أسهم علامة باكارا التراثية الفرنسية التي يبلغ عمرها نحو 253 عامًا.

 

تزامن وصول كوكو تشو إلى دار باكارا مع إطلاق المجموعة الجديدة لخريف 2017 وشتاء 2018 التي حملت اسم «غولدفينغر» Goldfinger (إصبع الذهب) والتي كُشف عنها للمرة الأولى في المتحف خلال شهر سبتمبر أيلول المنصرم. تستحضر قطع المجموعة كامل عناصر الكياسة التي ميزت المخبر السري الأكثر تأنقًا في تاريخ السينما، إنما بعيدًا عن نزعته المسرفة إلى حب الظهور، تشهد على ذلك قطع تاريخية رائعة من باكارا باتت هذه المرة تتدثر بكسوة من ظلال ذهبية اللون، كما في آنية الزهور «نيو أنتيك» New Antique التي صممها مارسيل واندرز، وحامل الشموع «أور فاير» Our Fire من تصميم فيليب ستارك. أما آنية الزهر «الأقصر» Louxor، المستوحاة من مصر القديمة، فُطعمت تفاصيلها وحوافها ألماسية القطع في الإصدار الجديد بالعنبر، فيما الابتكارات الجديدة ضمن مجموعة Eye من حوامل الشموع وإطارات الصور عكست مظاهر بذخ حقيقي وحده الذهب السائل عيار 20 قيراطًا المصقول يدويًا قادر على إبرازها. أعادت الدار، استكمالاً للمجموعة، النظر في عدد من القطع الكلاسيكية على غرار شمعدان هاركور بتصميمه الإمبراطوري الشهير المشغول يدويًا من قبل خبراء متمرسين في حرفة التذهيب.

 

تضم المجموعة الجديدة أيضًا بعض القطع المعاد طرحها في نماذج محدودة الإصدار، مثل قوارير عطر مالميزون التي صُنعت للمرة الأولى في عام 1913 وقُدمت هدية زفاف لأميرة موناكو غريس والأمير رينيه في عام 1956. تتميز النسخة الأحدث من القوارير بنمط زخرفي جديد مستوحى من أقمشة الستائر التي كانت تزين الأجنحة السكنية للإمبراطورة جوزفين في قصر شاتو دو مالميزون بالقرب من باريس. بالمثل، فإن كؤوس أتلانتك الكريستالية التي كان قد صممها جورج شوفالييه، المدير الفني الذي شغل هذا المنصب لدى باكارا لأطول فترة، من عام 1916 إلى أوائل سبعينيات القرن الفائت، تعيد اليوم إحياء صيحات فن الآرت ديكو التي سادت في ثلاثينيات القرن الماضي.

 

تشكّل كل قطعة في المجموعة ابتكارًا متميزًا بحد ذاته، لكنها وإذ تتناسق معًا وسط الوهج الليلي للمتحف حيث جرى إطلاقها، تشهد على عبرة واضحة لا لبس فيها ويمكن اختزالها بالآتي: صحيح أن الإرث والحرفية عنصران ضروريان، إنما لا أهمية لأي تصميم لا يستثير العاطفة. تقول كوكو تشو: «تمنحك هذه العلامة التجارية شعورًا خاصًا بالأناقة عندما تستخدم ابتكاراتها». تدرك تشو، بوصفها زبونة متبصرة، هذا التميز. وإذ تصف جيلاً من الناس كثيري الترحال وحريصين على رقي أسلوبهم، ومتبنّين مقاربة كونية في سياق تحقيق رغباتهم الجمالية الخاصة، حتى وإن كان غالبًا ما يُصار إلى تصويرهم بشكل مغلوط، تقول: «يمكن القول إني ممثلة عن الشعب الصيني الجديد».

 

LAURENT PARRAULT

 

كانت أسفار تشو وتعقبها لمكامن الجمال وراء زيارتها لمصنع باكارا للمرة الأولى في شهر يوليو تموز الفائت. في تلك الآونة، اكتشفت كوكو تشو الحجم الكبير إلى حد مهول لأرشيف دار باكارا، والذي يضم تصاميم ابتُكرت على مدى أكثر من قرنين من الزمن ويمكن اليوم إعادة إنتاجها عند الطلب. تقول تشو: «ما يحبه الزبائن الذين يثمّنون إبداع باكارا هو الثقافة. عندما تنظر إلى أحد ابتكارات باكارا وتاريخها، تجد أنك في حضرة التصاميم الأكثر روعة لأنها صُنعت من أجل مناسبات خاصة وزبائن متميزين».

 

على الرغم من أن دار باكارا تمتلك قاعدة زبائن نخبوية تشمل الزبائن العالميين في آسيا والولايات المتحدة، والعائلات الملكية في الشرق الأوسط، والطبقات الأرستقراطية في أوروبا، إلا أن كوكو تشو تأمل في استقطاب المزيد من الزبائن من خلال تميز التصاميم والخبرة. وهي تلفت إلى أن هواة منتجات باكارا لا يعيشون كلهم في قصور، تمامًا كما المرأة التي لا ترتدي خاتمًا فريدًا في كل إصبع».

 

أشارت كوكو تشو، ردًا على سؤال حول إحدى القطع المفضلة لديها ضمن مجموعة غولدفينغر، إلى أنها مفتونة بآنية كريستالية تتخذ شكل سمكة نهرية باللون الكهرماني وتتميز بتفاصيلها متقنة الصنع، مضيفة: «إن الأسماك في الثقافة الصينية ترمز إلى حسن الطالع. أما عندنا في الشركة، فإن لهذه السمكة معنى آخر، إذ إننا هذه السنة نعمل للمرة الأولى مع دار باكارا، ونأمل حقيقة أن تقودنا إلى عصر ذهبي جديد».

 

 

ليس بالضرورة أن يعلن المستقبل عن نفسه دومًا بالأضواء والموسيقا الدرامية. فهو قد يؤثر التخفي في بعض الأحيان في صفقات يسودها الكتمان تتحقق في سياق مأدبة عشاء متميزة بحق مظاهر بذخ حقيقي وحده الذهب السائل عيار 20 قيراطًا المصقول يدويًا قادر على إبرازها.

LAURENT PARRAULT

 

www.baccarat.fr