الفنانة متعددة المواهب المولودة في بريطانيا تناضل من أجل صون "شاعرية" أفلام السيلولويد وتقيم معرضها Monet Hates Me هذا الشهر في نيويورك.

في أثناء جائحة كورونا، لزِمت تاشيتا دين الاستوديو الجديد الخاص بها في برلين حيث أنجزت فيلمين، وصممت مواقع وأزياء لعروض الباليه. وفيما ألغت خططها الأولية بشأن تكليف من أحد المتاحف (بعد أن جعلته القيود التي فرضتها الجائحة غير قابل للتنفيذ)، صنعت بدلاً من ذلك لمشروع التكليف 130 صورة من مجموعتها الخاصة بالبطاقات البريدية.

وبمساعدة بسيطة من أحد المتعاونين ابتكرت 100 إصدار معظمها صُنع يدويًا، يشتمل كل منها على 50 عنصرًا مختلفًا، بإجمالي خمسة آلاف عنصر، لمشروع بعنوان Monet Hates Me (مونيه يكرهني). أما نحن، فكنّا في غضون ذلك نثني على أنفسنا لأننا نجحنا في تنظيف خزانة أو اثنتين!

لكنّ دين - التي تصدرت المشهد في تسعينيات القرن الماضي بوصفها فنانة بريطانية شابة عبرت إلى الضمير الجمعي بحملتها العاتية لإنقاذ فيلم التصوير التقليدي من الفناء بسبب آلات التصوير الرقمي - رحبت بفرصة العمل بعيدًا عن اختلاق الأعذار.

على سبيل المثال، كانت تنوي إقامة معرض مونيه Monet منذ عام 2015، عندما كانت فنانة مقيمة في معهد غيتي للأبحاث Getty Research Institute في لوس أنجليس. تقول دين، وقد تدثرت برداء بونشو من الصوف يوحي بالدفء، فيما جمعت شعرها ببساطة على شكل كعكة: "لو لم يتوافر لي الوقت [عند الحظر بسبب كورونا] لربما ظل هذا العمل يثقل ظهري بقية حياتي".

Thomas Meyer
تاشيتا دين في الاستوديو الخاص بها في برلين.

أطاحت دين بالتقاليد في معهد غيتي حين تخلت عن مشروع علمي من أجل "استكشاف عشوائي تمامًا". فيما تستعيد ذكرى المرة الأولى التي تجولت فيها بين أروقة حفظ السجلات، تقول: "أشرتُ إلى صندوق، وأنزلوه. كان فيه مفتاح استوديو النحات الشهير أوغوست رودان. ومن هنا بدأت الرحلة بأكملها ".

أصبح المفتاح الآن "يحتل المكانة الأولى" ضمن مجموعة الفرائد المحفوظة في صندوق، وكلها مستوحاة من الكنوز التي اكتشفتها في غيتي. مثال آخر هو نسخة من بطاقات الزيارة الخاصة بالفنان بييت موندريان، حيث طمست عنوانه في باريس وكتبت عنوانه في نيويورك. تقول: "إنه أمر غريب ".

ومن الغرابة بالقدر نفسه أن جميع العناصر الخمسين تلاءمت بسلاسة في الصندوق، على الرغم من أنها ستُفرد من أجل المشاهدة كونها جزءًا من معرض فردي في صالة ماريان غودمان في نيويورك هذا الشهر، إلى جانب الأفلام وصور البطاقات البريدية التي تشكّل دراسة في الشكل تكريمًا للنحاتة الحداثية باربرا هيبوورث. تشمل المعروضات أيضًا قطعًا مبتكرة تتعلق بمشروع دانتي The Dante Project، وهو إنتاج عرض باليه ملكي مستمد من رواية الكوميديا الإلهية سيُعرض في لندن لأول مرة في أكتوبر تشرين الأول القادم. يبرز ضمن هذه القطع رسم سبورة بطول 40 قدمًا يعكس تباينات الأسود والأبيض، والصور السالبة والموجبة.

 Thomas Meyer
"مونيه يكرهني" Monet Hates Me، عام 2021، معرض في صندوق. 

انتقلت دين إلى لوس أنجليس ليس من أجل العمل بصفة فنانة مقيمة في معهد غيتي فحسب، ولكن أيضًا لأنها شعرت بالقلق من تلاشي الأفلام المنتجة بتقنية السيلولويد كما حدث للآلة الكاتبة. تقول: "كنت أحتاج حقيقة إلى نقل الجدل إلى قلب هوليوود من أجل حفظ فيلم السيلولويد" مشددةً أنها ليست مناهضة للتقنية الرقمية (بل إنها أنتجت واحدا من أوائل الأعمال الرقمية، في عام 1996) لكنها تعتقد ألا بديل عن فيلم السيلولويد. تقول: "إن الأمر يرتبط إلى حد كبير بالبعد الشاعري. فكل إطار فيلم يختلف عن غيره، وهو معرّض إلى حد كبير لإمكانية حدوث أخطاء قد تكون جميلة. إنه يستحق الحفاظ عليه".

اشتهرت دين بأفلامها الشاعرية المتقنة، على غرار تلك التي تصوّر ديفيد هوكني وهو يدخن السجائر بشغف، وميرس كانينغهام جالسًا بثبات بقدر المغزوفة الصامتة لشريكه جون كايج. وقد أسهمت مؤخرًا بالدفع بحدود هذا الفن من خلال ابتكارات مثل تغطية مصراع بؤرة آلة التصوير، وإعادة استخدام شريط الفيلم لالتقاط صور متعددة في الإطار نفسه.

تتولى دين عملية التحرير بنفسها بالطريقة القديمة، فتقوم بقطع الصور يدويًا. تقول: "عليك أن تراقب ما يهمك طيلة الوقت حتى تصل إلى ما تريد تغييره. إن عملية طي الفيلم ونشره المستمرة تشكل مسارًا وطقسًا." صورت دين كلا الفيلمين الجديدين في العرض قبل مغادرة لوس أنجليس (فقد أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تعقيد قدرتها على البقاء مع الاحتفاظ بالحق في العيش في ألمانيا، وطنها منذ فترة طويلة).

يمثّل الفيلم الأول، باسم Pan Amicus، مشروع تكليف للاحتفال بالذكرى السنوية العشرين لمركز غيتي. أما الفيلم الآخر، بعنوان One Hundred and Fifty Years of Painting (150 عامًا من الرسم)، فهو أكثر شخصية، إذ يوثق حوارًا بين صديقتيها لوتشيتا هورتادو وجولي ميريتو. تقول دين التي أخرجت الفيلم قبل أشهر من وفاة هورتادو عن عمر يناهز 99 عامًا: "أدركت أن لوتشيتا ستبلغ 100 عام، وأن جولي ستبلغ 50 عامًا في اليوم نفسه، لذلك اقترحت أن يجريا محادثة حول الرسم، كونهما امرأتين جميلتين ورسامتين رائعتين إلى حد مذهل".

 Thomas Meyer
دين في أثناء إعدادها لفيلم مقاس 16 ملليمترًا من نوعية Steenbec.

تقول دين إنها كانت تأمل أن تكون صناعة الفيلم قد "عادت عن حافة الهاوية" لكنها ترى أن إغلاق صالات السينما وهيمنة البث عبر المواقع الإلكترونية بسبب الجائحة ربما يشكلان تهديدين لا يمكن التغلب عليهما. وتضيف: "يحتاج الناس حقًا إلى الذهاب إلى دور السينما. إذا فقدنا السينما، فسوف نفقد شيئًا عميقًا."