يحتفى بالفنان المزاجي دونالد جد لأجل منحوتاته الإدراكية النموذجية، لكن إحساسه المتجرد قد غير مفهوم تصميم الأثاث أيضا، بحسب ما يظهر معرض استعادي في متحف الفن الحديث في نيويورك.

 

إن التجول في منزل دونالد جَدْ القديم في 101 شارع سبرنغ ستريت في حي سوهو في نيويورك هو أحد أنجع السبل ليغمر المرء نفسه في فائض ما لديه من جماليات. فغرفة نومه الفسيحة، البالغة البساطة بما يجعل نزلاً يابانيًا تقليديًا يبدو مبهرجًا، هي الأبرز.

إذ يجثم في المنتصف تمامًا سرير خشبي، قريب من الأرض، دون لوح رأس. إنه لشيء من وحي الحركة التبسيطية، غير أنه تدور حوله علامة استفهام ضخمة بقدر المعاني التي يعبر عنها. إن فلافن، ابن دونالد جَدْ الفنان الراحل الكبير، لديه الجواب، إذ يقول: «السرير له غرض عملي إلى حد كبير، لكن، نعم، ... ستسقط الوسائد.»

عندما يصل الزائرون إلى أول معرض استعادي عن دونالد جَدْ يقام في الولايات المتحدة منذ 30 عامًا (جرى الافتتاح في متحف الفن الحديث في نيويورك في الأول من مارس آذار 2020 وكان من المقرر أن يستمر المعرض حتى الحادي عشر من يوليو تموز) فإن أول ما ستقع عليه أعينهم لن يكون إحدى منحوتاته البارزة. بدلاً من ذلك، سوف يَرَوْن، في الخارج وعند مدخل المعرض تحديدًا، ما الذي ابتكره لتأثيث منازله، ما سيزيل أي شك ينال من أهمية أثاثه في عيون المنسّقين.

 

"لم يصمم بوصفه فنا، لكنه يشبه الفن. إنه يجسد وعيه التبسيطي وإحساسه بالمواد."

 

نماذج قطع أثاث من خشب الكرز، ومثبتة في لا مانسانا دي تشيناتي / ذا بلوك

نماذج قطع أثاث 19.75-Inch Frame Chair 67، و19.75-Inch Frame Stool 68، و49.5-Inch Frame Table 70،
من خشب الكرز، ومثبتة في لا مانسانا دي تشيناتي / ذا بلوك، مؤسسة جد فاونديشن، مارفا، تكساس.

 

إن جَدْ، الذي توفي عام 1994 عن عمر يناهز 65 عامًا، انتقد بشدة مصطلح «الحركة التبسيطية»، لكن مجموعة صناديقه من الحديد المصقول المتراصة إلى الجدار، ومستودعاته المتخمة بمكعبات عاكسة لمقاربته جرى رصها بدقة، قد أنجزت كثيرًا من قليل. كما أن الفنان لم يكن بطبعه شخصًا يحيط نفسه بمتعرجات لولبية متكلفة أو أي نوع من الزخارف المبهرجة. يتميز الأثاث الذي صممه لنفسه بأنه تصويري وغير متكلف، لكنه جميل بقدر ما هو بسيط. يمكن للمرء رؤية عقله وهو يعمل بأسلوب عملي مثابر ونشط: إن كان بإمكانك الجلوس على مكعب، إذًا تفضل، فهذا كرسي. إذا كان بإمكانك النوم على منصة من خشب، فهذا سرير. لقد كانت تصاميم أثاثه التي لا تقبل المساومة، وهي متوافرة الآن تجاريًا، مؤثرة مثلها مثل أعماله الفنية. تقول آن تمكين، كبيرة أمناء قسم الرسم والنحت في متحف الفن الحديث: «كان من المهم لنا الإشارة إلى أن رؤية جَدْ قد امتدت من النحت إلى التصميم. نريد من زوارنا اختبار ذلك الجانب من ممارسته مباشرة.»

 

معظم قطع الأثاث، من فئة الأعمال الفنية، تكون إما غير عملية وإما غير مريحة في الاستخدام. لكن عمل جَدْ مختلف. لقد كان جميعه يدور حول الجانب الوظيفي.   

 

كان لأثاث جَدْ تأثير مهم على الجماليات في القرن الحادي والعشرين. يمكن للمرء رؤية أنماط منه في بساطة الخطوط الطولية لدى متاجر أبل، وفي أرفف شركة موجي المتراصة، وفي أثاث جون بوسون ذي الحواف الصلدة. لقد جعلنا نرغب في العيش مع القليل، وعلى اختلاف شرائح الأسعار. يمكن للمرء الحصول على نمط الحياة هذا عن طريق الاستثمار في بعض الحرف المعاصرة المنفذة على نحو فائق الإبداع أو عن طريق الجلوس فوق صندوق خشبي.

 

نموذج كرسي من خشب الصنوبر من طراز Forward Slant Chair 84 من تصميم دونالد جد.

نموذج كرسي من خشب الصنوبر من طراز Forward Slant Chair 84
من تصميم دونالد جد.

 

إن كريغ بسّام هو الشريك المؤسس في محترف BassamFellows، المحترف العصري للتصميم الذي أبدع المقعد الطولي الأنيق Tuxedo Bench لجايجر/هيرمان ميلر، حيث عُرض مؤخرًا في التوسعة الجديدة لمتحف الفن الحديث. عند بسّام تقدير كبير لما حققه جَدْ من خلال قطع الأثاث التي أبدعها. يقول بسّام: «إنه مهم كونه يمثل استمرارًا لفنه وقد صُنع لاستخدامه الشخصي، لم يُصمم بوصفه فنًا، لكنه يشبه الفن. إنه يجسد إحساسه التبسيطي وحساسيته للمواد. إننا لنجد ذلك ملهمًا، نحن نصمم أيضًا منتجات للاستخدام الشخصي، ومن ثم فهي ذات مغزى بالرغم من أنها ليست بالضرورة مما نعتقد أن الأسواق ترغب فيها. ينبغي للمرء أن يستحسن ما يصممه ويصنعه.»

إن القصة وراء أثاث جَدْ تتشابك مع تلك التي تتعلق بحياته الشائقة، والعاصفة في أغلب الأحيان. إذ إن الضرورة، التي دفعها العجز في العثور على أي شيء يناسب بيئته المثالية، قد ألهمت جَدْ أن يحول يده لأعمال النجارة لكي يبتكر أسرّة لعائلته، وكذلك كراس وطاولات. لقد كُتب كثير عن زواجه المضطرب من مصممة الرقصات جولي فينش عندما كانا يقطنان في 101 سبرنغ ستريت، الذي اشتراه عام 1968، وذلك قبل ظهور العلامة التجارية أبل، وبرادا وغيرهما بزمن. في ذاك العام نفسه، جرى تشكيل جمعية سوهو للفنانين بهدف تشريع ما كان كثير من أعضائها يفعلونه حقًا: أي السكنى في مساكن قديمة كانت تسُتخدم في أغراض صناعية. لم يكن خيارًا لنمط حياة في حد ذاته إنما كان عمليًا على نحو أكثر.

 

فلافن جد، وجولي فينش وراينر جد وهي رضيعة في الطابق الخامس في 101 سبرنغ ستريت، عام 1972-1971.

فلافن جد، وجولي فينش وراينر جد وهي رضيعة في الطابق الخامس في 101 سبرنغ ستريت، عام 1972-1971.

 

تتعلق إحدى الطرائف بغضب شديد أصاب جَدْ بسبب أريكة بنية اللون من قماش مخملي مضلع حصلت عليها فينش من متجر بلومنغديلز. ذلك أنه لن يكون هناك كسوة للأثاث في المنزل تبعًا لنزوة عابرة. لن يحدث ذلك طالما هو موجود. ظل رمز مشاهدة التلفاز لدى الطبقة البرجوازية مكانه، لكن ابنتهما راينر قالت إن الزواج اضطرب بعد فترة وجيزة. شرع جَدْ في صنع أثاثه الخاص، في ظل انفراده بمسكن من خمسة طوابق، كانت مصنعًا في القرن التاسع عشر، ليبدع فيها كما يحلو له. ابتكر نموذجًا من العيش الأنيق شديد التجرد في مسكن كان في السابق يستخدم لأغراض صناعية. يعمد حاليًا بعض الدهاة من قاطني مثل هذه المساكن في سوهو، بمن فيهم مصمم الأزياء فيليب ليم، إلى مزج قطع جَدْ العتيقة مع أثاث عصري فاخر. يقول ليم: «وجدت مجموعة من كراسي جَدْ في متجر للقطع العتيقة، أصبت بالدهشة وسألتهم إن كان لديهم أي فكرة عن مدى أهميتها، ابتعتها بألف دولار، ولو تطلب الأمر لدفعت عشرة آلاف دولار.»

 

"كان واضحا لي منذ صغري أنني كنت أعيش في نوع من المنازل مختلف عما لدى معظم الأمريكيين."  

 

لا يزال أسلوب عيش جَدْ يتسم بالزخم أكثر من أي وقت مضى. إنه يمثل الحداثة الحقيقية بمقدار ما يمثل البساطة: فالمواد المستخدمة، سواء أكانت من الخشب الرقائقي، أم من خشب الجوز الأسود الفاخر، تستلب النظر، والأشكال البسيطة تُبرز أحجام مساحات العيش الفسيحة. يقول فلافن جَدْ، المدير الفني الحالي لمؤسسة جَدْ: «كان واضحًا لي منذ صغري أنني كنت أعيش في نوع من المنازل مختلف عما لدى معظم الأمريكيين، لقد كان الناس فخورين بالعيش في مساكن صغيرة في منطقة أبر ويست سايد، وكنت أشعر بالأسف لهم. لقد صمم دونالد ما كان يلزمه، واستمر في فعل ذلك باتساق. لقد صنع أسلوبه الخاص.»

 

أبل آنتارا في مكسيكو سيتي.

جد: الإرث أبل آنتارا في مكسيكو سيتي.

 

هجر جَدْ، الذي أصابته خيبة أمل جراء التغييرات التي طالت المنطقة والمشهد الفني، حي سوهو في عام 1977 واتجه إلى مارفا، مدينة صحراوية تقع على مسافة ست ساعات ونصف ساعة بالسيارة من أوستن، في ولاية تكساس. إن السماء الواسعة وأشعة الشمس الحادة، والعزلة القصية هي فوق العادة: إذ إن مارفا كانت، وما زالت، في وسط مجاهل مطبقة. لقد عمد جون ووترز، مخرج أفلام مميزة، إلى ابتكار عمل فني في عام 2004 على هيئة ملصق سياحي ساخر، يقول: «خذ أسرتك بأكملها إلى مارفا في تكساس. بلدة جونز المتميزة بالبساطة. شاهِد سرير دونالد جَدْ! ليس بمقدورك الطيران إلى هناك! إنها رحلة طويلة للغاية بالسيارة!» لقد كانت تلك هي الطبيعة المثالية للعدم المطلق لرجل يستحسن أن يكون محاطًا بأقل ما يمكن. كان رحيل جَدْ من نيويورك مباغتًا، فقد اختفى مع فلافن وراينر قبل أن تبدأ أي معركة حضانة مع فينش (فاز بعد ذلك). اليوم، أغلب ما في مارفا (عدد السكان 1٫714 نسمة) جرى وقفه لكلتا المؤسستين: جَدْ وتشيناتي معًا، وأمست مارفا قبلة لعالم الفن. إن تشيناتي هو متحف الفن المعاصر الذي استحوذ على القاعدة العسكرية القديمة المترامية د. أ. راسل فورت كان ذلك وليد تصور قدمه جَدْ بوصفه مكانًا يمكن للمناظر الطبيعية فيه التزاوج مع أعماله الفنية كبيرة الحجم، ومع تلك التي تعود إلى أصدقائه دان فلافن وجون تشامبرلين، مما عرض سواء في الداخل أو في الخارج. إن وجود نص ألماني، متهالك لكنه ظاهر على بعض الجدران الداخلية، لهو تذكير بأن المباني كانت تستخدم لإيواء أسرى الحرب في أثناء الحرب العالمية الثانية، لكنها اليوم ممتلئة بأعمال هؤلاء الرجال الثلاثة مثل أعمال غيرهم من الفنانين، من ضمنهم روني هورن، وإيليا كاباكوف. أما في الخارج، فتوجد أعمال فنية تعود إلى ريتشارد لونغ، وكلايس أولدنبرغ، وكوشي فان بروغن Coosje van Bruggen.

 

مقاعد دون ظهر من تصميم فيليب مينزير لعلامة e15.

جد: الإرث مقاعد دون ظهر من تصميم فيليب مينزير لعلامة e15.

 

عندما انتقل جَدْ إلى مارفا، واصل ابتكار أثاث يلائم حياة أسرته الجديدة، بالتعاون مع مجموعة مترابطة من المصنعين الذين ألزمهم بمواصفات دقيقة. وقد عمل مع نجارين كُثر في مارفا، من ضمنهم الأخوان سيليديو وألفريدو ميديانو، ثم رامون نونيز من بعد، كما لجأ منذ عام 1984 إلى تصنيع أثاثه المعدني في سويسرا، لدى ليني إيه جي Lehni AG في مدينة دوبندورف. يقول كريستوفر لونغفيلو، مدير العمليات في شركة دونالد جَدْ فيرنيتشر: «لقد صنع مجموعات مكتبية لأطفاله، وصنع أيضًا مكتبًا معدنيًا للعارضة بولا كوبر، وغير ذلك من التصاميم الفريدة للأصدقاء.»

تطورت قطع أثاث جَدْ، شيئًا فشيئًا، لتصبح متوافرة، إن كانت لم تطرح للبيع بعد فعلى الأقل يمكن الحصول عليها من مجموعة منتقاة من خارج دائرة أسرته. لقد كان متوافرًا أكثر من 70 تصميمًا من تصاميم الأثاث، مصنعة حسب الطلب، منذ أن تصورها لأول مرة. شرعت شركة دونالد جَدْ فيرنيتشر للأثاث، في عام 2017، في طرح مجموعة الأثاث جاهزة الصنع، حيث يجري دوريًا إضافة تصاميم مستقاة من سجل محفوظاته، وتذهب جميع إيراداتها إلى مؤسسة جَدْ فاونديشن. ما زالت قطع الأثاث تنتج طبقًا للمواصفات نفسها. يقول لونغفيلو: «إن قرار إطلاق منصة إلكترونية على الإنترنت، إلى جانب تصاميم متوافرة، كان نتيجة لكثرة الطلب. إنها تسمح بتصفح كامل الدليل الخاص بتصاميم جَدْ بغرض معاينتها وهي منفذة بمختلف المواد. يقتصر الإنتاج على التصاميم التي وفرها جَدْ، لذلك نحن في الواقع لسنا بصدد «الإضافة» بل البحث ضمن تصاميم موجودة صُممت خلال حياته. إننا نبحث باستمرار في تصاميم القطع الموجودة في سجل المحفوظات، أي على سبيل المثال، عما لم ينفّذ منذ سنوات عدة من تصاميم ذات تفاصيل معدنية، وتصاميم لأُطر معدنية كذلك. إنها جميعًا تتطلب مقدارًا كبيرًا من الحرفية: هناك دقة في ميل كراسي من الخشب وخشب الرقائق، كما أن مواد كالنحاس وخشب الصنوبر تتطلب صبرًا وخبرة كبيرة.»

 

مطبخ من طراز Lepic من تصميم جاسبر موريسون، إنتاج شيفيني، عام 2016.

جد: الإرث مطبخ من طراز Lepic من تصميم جاسبر موريسون، إنتاج شيفيني، عام 2016.

 

تلك الخبرة تجعل قطع الأثاث مرتفعة الثمن. إن سريرًا نهاريًا من طراز Single Daybed 32، الذي يحصر المستخدم ضمن خمسة ألواح خشبية بسيطة ولا يزال يصنّع في ورشة النجارة نفسها التي يديرها النجار جيف جايمسون منذ ثمانينيات القرن المنصرم، يبدأ ثمنه بما يزيد قليلاً على 17 ألف دولار. من باب المقارنة، جرى بيع نموذج عتيق من التصميم بمبلغ 47٫500 دولار، في مزاد فيليبس في نيويورك في شهر ديسمبر كانون الأول عام 2018. تقول راينر: «عادة ما تكون البساطة مكلفة، وتكلفة صنع الأثاث هي حصرًا مثلما هي عليه، لسنا على استعداد لتصنيع نماذج سيئة من أثاثه فقط لنبيع مزيدًا منها.»

في عام 2018، نظم متحف سان فرانسيسكو للفن الحديث معرض Donald Judd: Specific Furniture، حيث عرض 30 قطعة أثاث معًا أُبدعت خلال حياة جَدْ، وثماني قطع أثاث أخرى مما صنع حديثًا، إلى جانب رسومات جَدْ. تَحفّز أمين المتحف جوزيف بيكر لتنظيم المعرض بعد إدراكه شدة اهتمام جَدْ بالأثاث العصري، بما يفوق ويتجاوز ما لديه. يقول بيكر: «لقد كان يملك مجموعة من قطع الأثاث الجوهرية، كما أن بحثه كان موسوعيًا. لعل إدراك الاحترام الذي كان يكنه لإنجازات رايتفيلد، وآلتو، وميس فان دير روه، وشيندلر وآخرين، قد مكنني من فهم نهجه في تصميم قطع الأثاث الخاصة به بأسلوب جعله يتمايز عن فنه.» إن جَدْ، الذي استلهم من أولئك المصممين الأوائل، صمم أشياء بغرض الاستخدام بنقاء الرؤية نفسها.

 

مقعد دون مسند من طراز Tuxedo Bench لجايجر/هيرمان ميللر من بسّام فيلوس.

جد: الإرث مقعد دون مسند من طراز Tuxedo Bench لجايجر/هيرمان ميللر من بسام فيلوس.

 

فيما يخص بيكر، تمثل التعديلات العشرون التي تميز تصميم الكرسي Chair 84 «ذروة إبداع جَدْ.» إذ يبدو لأول وهلة وكأنه مكعب بسيط له لوح خلفي للظهر يمتد للأعلى من الخلفية المنبثقة عن نواة الصندوق المركزية، لكنّ كل تفصيل يحمل في طياته تطورًا هندسيًا. على سبيل المثال، نجد أن لوحة الواجهة في أسفل مقعد من طراز Forward Slant Plywood Chair 84 تنحرف زاويتها إلى الداخل. إنه تصميم متفرد له رمزيته في زمن أصبح فيه هذا المصطلح سطحيًا لكثرة سوء الاستخدام. يقول بيكر: «إن التحولات الدقيقة في كيفية معالجته للحجم الموجود أسفل المقعد تُظهر أعماله النحتية، كما هو الحال في الأعمال الفنية المئة المشغولة من الألمنيوم شبه العاكس التي هي قيد العرض الدائم في صالة تشيناتي.» إن الإصدار الحالي من الكرسي متاح مقابل 3٫500 دولار. عندما تأخذ في الحسبان أن بعض أعماله الفنية التي تتراص إلى الجدران تجلب الملايين عند بيعها في المزادات، تجد أن قطع الأثاث هي في مرحلة البدايات عند جَدْ، لكنها تنعم بأصداء جيدة بالرغم من ذلك. يقول بيكر، في إشارة منه إلى حقيقة أن جَدْ أبدع أعماله الفنية بدقة وبراعة لكنه استعان بمصادر خارجية لتصنيعها: «لبى أثاث جَدْ رغبته في استكشاف الإنتاج، والفائدة، والشكل وذلك بأسلوب ملموس على نحو أكثر مما فعل فنه النحتي. كان يمعن التفكير أيضًا بتأنٍ حول كيفية تحديد قطع أثاث في غرفة ما نوع الحركة ونقاط التركيز داخل حيّز مكاني، تمامًا مثلما تفعل أعماله الفنية. يتضح من الطرق التي نظم بها مساحاته الخاصة في مارفا، ونيويورك، وسويسرا (حيث أحال فندق Eichholteren المطل على بحيرة لوسيرن إلى سكن خاص) أن مجمل العمارة قد جرى إبداعها في آن.»

جد: الإرث كرسي من نافيللوس وودوركس موصى به لمدرسة معهد الفنون في شيكاغو.

 

تأتي إقامة معرض جَدْ في متحف الفن الحديث في توقيت مثير للاهتمام فيما يخص الفن والتصميم، فهو يتزامن مع استمرار تحدي تجار المهنة وممارسيها للتعريفات القديمة. فقد وضعت معارض Pavilion of Art & Design، في باريس ولندن، على سبيل المثال، قطع أثاث بإصدار خاص إلى جانب فن معاصر على منصة مشتركة.  يقول لونغفيلو: «كان مزيد من الزبائن ممن هم «مشترون للفن» عادة من صالات ومعارض فنية يتنقلون بين الخيارين.» من بين أكثر الصناع شعبية في هذه الفئة الإخوة هاس Haas Brothers، الذين نادرا ما تستخدم قطع أثاثهم على هذا النحو. يقول بسّام: «معظم قطع الأثاث، من فئة الأعمال الفنية، تكون إما غير عملية وإما غير مريحة في الاستخدام. لكن عمل جَدْ مختلف. لقد كان جميعه يدور حول الجانب الوظيفي.» انظر إلى المقعد دون مسند الذي يستخدم بوصفه طاولة أيضًا من طراز Seat Bench 26 (يبدأ السعر من 10٫500 دولار)، الذي يجمع كل شيء رُوج عنه قولاً وأداء معززًا بوفرة اقتصادية وزخم عملي. أو انظر إلى الرف والمقعد من خشب الرقائق من طراز Shelf Plywood Stool 95 (يبدأ السعر من 2٫900 دولار)، الذي يمكنك الجلوس عليه أو استخدامه للعرض أو التخزين.

استلهم عدد كبير من المصممين المعاصرين عمل جَدْ وفلسفته في الآونة الأخيرة. عندما كلفت مدرسة معهد الفنون في شيكاغو شركة نافيللوس وودوركس Navillus Woodworks بإبداع مقاعد جلوس لمكتب العميد، عمدت شركة تصميم المباني المحلية إلى تزويدهم بوحدات كراسي نموذجية من خشب الجوز مستلهمة من تصميم مقعد Library Chair 42 الذي ابتكره جَدْ. في معرض صالون المفروشات Salone del Mobile العام الماضي، عرضت شركة دراغا آند أوريل Draga & Aurel سلسلة «جَدْ» لتراكيب إنارة الجدران التي تحظى ببساطة الشكل التي اشتهر بها الفنان غير أنها مرتفعة وذات زجاج معتم. تلا الإشادة المميزة تكريم مميز، لكن بالإمكان أيضًا رؤية أعمال جَدْ في قطاعات ذات سَمْت تجاري أكثر، مثل أعمال فيليب مينزير من الخشب لـعلامة e15.

 

جد: الإرث سرير نهاري مفرد Single Daybed 32 من تصميم جد.

 

لكن هل تُعد قطع جَدْ فنًا، وهل تُعد معارض Pavilion of Art & Design، وما على شاكلتها مؤشرًا على ضبابية في الرؤية أو على انعدام كامل للرؤية؟ يقول فلافن جَدْ: كلا «إلا إذا كنت تخطط للجلوس على لوحة خاصة بك من أعمال الفنان بيزليتز، لكن لا يوجد دمج حتمي بين الفن والتصميم. إنهما يؤديان أدوارًا مختلفة.» حدد والده الفرق ببراعة في مقالة له عام 1993 بعنوان «من الصعب العثور على مصباح جيد» قال فيها: «إن الفن في الفن هو في جانب منه تأكيد اهتمام شخص ما بغض النظر عن حسابات أخرى. إن العمل الفني يعبّر عن نفسه، فالكرسي هو كرسي. أما فكرة كرسي فليست هي كرسيًا.» ما يقوله جَدْ هو أنه لا يمكن لقطع الأثاث أن تعبِّر وحدها عن مفهوم. ينبغي لك استخدامها.

يطرح جاسبر موريسون مقاربة مختلفة على نحو لافت حول الموضوع. إن موريسون مسؤول عن بعض أفضل التصميمات غير المتكلفة في القرن الحادي والعشرين، وذلك نتيجة بحث يركز على الوظيفة المحض لجسم ما، على نحو لا يختلف عن مقاربة جَدْ. مع ذلك، فهو يعجب بما يراه براعة فنية مبنية على رؤية تصورية تسري ضمن تصاميم جَدْ. يقول موريسون: «يتمثل اهتمامي في التمعن في رؤية فنان، أنا معجب به، لما سيكون عليه الأثاث. لعلها ليست قطع أثاث بقدر ما هي منحوتات لقطع أثاث توجد في عالم مواز للأشياء، استلهمت من معايير الضوابط الأساسية لصنع كرسي أو طاولة. مع ذلك، هي جذابة كونها ليست قطع أثاث.» من قوله هذا، يشير موريسون إلى مكمن الاختلاف والإثارة البصرية في تصاميم جَدْ.

بغض النظر عن موقف المرء من تلك الحجة، فإن طاولات جَدْ وكراسيه وما شاكلها هي قطع لا تقبل المساومة على الإطلاق. إنها قطع تبعث على الارتياح البالغ حين النظر إليها، لكنك لن تفرط في مشاهدة أي شيء وأنت مستلق على سريرك النهاري من تصميم دونالد جَدْ، إلا إذا كان زاخرًا بوسائد (غير متجانسة). إذ إن هذه القطع تضحي بجوانب عملية محددة لأجل ناحية جمالية رصينة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إنها قطع تطرح أسئلة. إنها تجعلك تفكر في ماهية الأثاث في الواقع، كما أنها تسمو فوق الأسلوب. فهي، على طريقتها الخاصة، تحف فنية راقية.